ذكريات عن شط الحلة وسدة الهندية

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7550 - 2023 / 3 / 14 - 11:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إن أهم العوامل التي أدت إلى تحول مجرى نهر الفرات صوب شط الهندية المشروع الذي قام به (أصف الدولة الهندية) وزير (محمد شاه) الهندي في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي لإيصال المياه إلى مدينة النجف، فحفر جدولاً يأخذ من الضفة اليمنى لنهر الفرات من فوق بابل في نقطة تقع على مسافة حوالي مائة كيلومتر منها ويجري باتجاه نهر الكوفة القديم وقد عرف هذا الجدول فيما بعد بـ (نهر الهندية) نسبة إلى (أصف الدولة الهندي) وأخذ هذا الجدول يتوسع على حساب فرع شط الحلة الذي كان يؤلف المجر الرئيسي لنهر الفرات وفي سنة (1830م) تفاقمت الحالة حتى أصبح من الضروري اتخاذ بعض التدابير لإيقاف توسع هذا الجدول، إذ بدأ يتقلص فرع الحلة شيئاً فشيئاً حتى كاد يجف نهائياً مما أدى إلى هجرة أكثر من نصف سكان مدينة الحلة إلى المدن الأخرى التي يتوفر فيها الماء يسبب هلاك حيواناتهم وبساتينهم وبطلب من أهالي الحلة الفيحاء أرسل العلامة الجليل المرحوم السيد محمد القزويني هذين البيتين من الشعر راجياً من وإلى بغداد الطلب من السلطان في استنبول إقامة سد على نهر الهندية لينتظم سير الماء في شط الحلة:
قل لوالي الأمر قد مات الفرات ---- وغدت عنه أهاليه شتات
افترض أن يموتوا عطشاً ---- ويكفيك جرى ماء الحياة
وفي عهد مدحت باشا (1879 – 1872م) تم استقدام مهندسين فرنسيين لإصلاح الحالة وفي سنة (1890م) قام المهندس الفرنسي (شندر وفير) بإنشاء سد محكم على صدر فرع نهر الهندية واستعمل ما يقارب ستة عشر ألف متر مكعب من عتيق الآجر المستخرج من خرائب بابل في إنشاء السد، إلا أن إهمال صيانته أدى إلى تصدعه وبقيت الحالة على ما هي عليه حتى استقدمت الحكومة العثمانية (سير ويليام ويلكوس) لدراسة مشاريع الري في القطر فوضع تصميماً لسد جديد يحل محل سد (شندر وفير) في جملة مقترحاته في تقريره المرفوع إلى الحكومة العثمانية سنة (1911) فأنيط أمر تنفيذه إلى (سير وليام ويلكوس) نفسه وقد قامت شركة (جون جاكسون) البريطانية بإنشاء المشروع تحت إشراف (ويلكوس) فيؤشر العمل في شهر شباط سنة (1911) وبعد مضي سنتين وتسعة أشهر من شهر كانون أول سنة (1913) فأقيم احتفال مهيب ذبحت فيه الذبائح وأقيمت الولائم حضره والي بغداد وكبار الموظفين وقناصل الدولة الأجنبية وغيرهم من الوجهاء والأعيان وتبادلت الخطب بين الوالي ومدير الشركة التي قامت بالمشروع وحضر أبناء مدينة الحلة لمشاهدة انطلاق المياه من أمام سدة الهندية وانسيابها نحو مدينة الحلة الفيحاء التي عانت الكثير من العطش سنوات عديدة ... ويبلغ طول السد (250 متراً) وعرضه أربعة أمتار وعدد أبوابه (36 باباً) وعرض كل باب خمسة أمتار وفي يوم افتتاح السد كان البرد قارساً وكان الفرسان من الفلاحين والمزارعين يمتطون صهوات خيلهم وهم ينشدون الأناشيد الوطنية وهوساتهم مهللين فرحين ... وكانوا في عودتهم يسيرون مع مجرى الماء الجديد على طول طريق النهر ويسابقون مجرى الماء وقد غطته رغوة بيضاء وكان النهر ينساب كالأفعى بين منعطفات عقيق النهر الجاف حتى وصلوا معه إلى مدينة الحلة الفيحاء حيث كانت الجماهير المحتشدة على جوانب النهر تستقبل المياه التي تبعث الحياة مستبشرين بالبشرى السارة وهي ترحب بوصول الماء إلى مدينة الحلة الفيحاء التي بقيت محرومة منها لسنوات طوال ثم أصبح الدكتور أحمد سوسة مدبراً لمنطقة ري الفرات المسؤول الأول عن إدارة المشروع سدة الهندية وهو الذي يقر مناوبة تقسيم المياه بين شط الحلة وشط الحلة مجرى الفرات القديم والأهم من كل ذلك كان يحكم مسؤولياته ويقضي بعض الليالي في سدة الهندية في دور أنشأتها الشركة لسكن المهندسين العاملين في المشروع ... وبهذا تحققت أمنيته فصار مهندساً وأصبح مسؤولاً عن إدارة مشروع سدة الهندية.

المصادر : كتاب حصاد السنين الدكتور عدنان سماكه.

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات