أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب16














المزيد.....

مرايا الغياب/ سليمان النجاب16


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7540 - 2023 / 3 / 4 - 16:43
المحور: الادب والفن
    


26

حينما عاد سليمان إلى الوطن العام 1994، سمحت له سلطات الاحتلال بالعودة إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية التي اقتصرت في تلك الفترة على غزة وأريحا. استقر في أريحا بضعة أيام. أقام في بيت يملكه ثروت البرغوثي هناك، إلى أن سمحت له سلطات الاحتلال بالدخول إلى رام الله.
ذهبت إلى أريحا للسلام عليه. وكان في البيت عدد كبير من المهنئين. كان بشير البرغوثي هناك ومعه عدد آخر من أعضاء الحزب. سلمت على سليمان وتبادلنا أحاديث مقتضبة بالقدر الذي يسمح به مجيء المهنئين ومغادرتهم.
كان مغتبطاً بالعودة إلى الوطن. نظم الحزب حفل استقبال له في مقره في رام الله. ذهبت إلى هناك، وكان سليمان متألقاً بين حشد من الأصدقاء وأعضاء الحزب الذين يملأون القاعة.
استأجر شقة في بناية تقع على الحد الفاصل بين رام الله والبيرة، وكان بين الحين والآخر يذهب للإقامة بضعة أيام في بيت العائلة في جيبيا، لكي يظفر بشيء من الاستقرار قدر الإمكان.
وذات مرة، أقام حفل غداء في بيته في رام الله لمحمود درويش. دعاني لتناول طعام الغداء فلبيت الدعوة (كان ذلك في ربيع العام 1999). معنا على مائدة الطعام، ليلى زوجة سليمان، وابنتهما مها، وغسان الخطيب ( عضو المكتب السياسي في الحزب، وزير العمل فيما بعد) وزوجته الدكتورة سلوى (ابنة أخي سليمان). قال لي سليمان إن "محمود" لا يحب الولائم التي يحضرها كثرة من المدعوين، ولذلك كانت الدعوة مختصرة جداً. جاء محمود وهو ما زال يعاني من انفلونزا حادة، وقد لاحظت ذلك حينما هاتفته قبل أيام، كان صوته مبحوحاً، ويوم الجمعة كان ما زال يعاني من بحة، وهو يتحدث عنها على نحو ساخر بين الحين والآخر.
تحدثنا في موضوعات عديدة على نحو سريع: مسلسل أم كلثوم الذي ما زال يثير أصداء طيبة، بعض الظواهر في الديانات المختلفة وبالذات مسألة التوحيد التي جاءت بها الديانة اليهودية نقلاً عن ديانة التوحيد التي تبناها أخناتون في مصر، وهي التي يعتقد بعض الباحثين أنها وصلت إلى مصر من بابل التي كانت تعبد إلها مركزياً اسمه شمس . لسليمان آراء عميقة في التاريخ القديم. تحدثنا قليلاً في السياسة، أقول: قليلاً، لأنها خبزنا اليومي الذي لا بد من تناسيه بعض الشيء في يوم مثل هذا اليوم.
لاحظت أن "محمود" لا يحب الاستغراق في موضوعات فكرية أو سياسية في هذه الجلسة وأمثالها، ليس لأن حالته الصحية هذه المرة لا تسمح، إنما لأنه كما يبدو يحب في مثل هذه المناسبات أن يكون الحديث سهلاً سريعاً، بعيداً على نحو ما، من طابع الجد الذي يسم مجمل حياة الفلسطينيين، وله الحق في ذلك كما أعتقد (التقينا العام 1991 في بيت الشاعر والروائي ابراهيم نصر الله في عمان. كانت الدعوة إلى تناول طعام العشاء على شرف محمود. وقد دعا ابراهيم عدداً كبيراً من الأصدقاء. حضر بعضهم صحبة زوجاتهم. لم يدر في تلك الليلة أي حديث في السياسة أو الثقافة، إلا على نحو خاطف. في دعوات سابقة في بيت إبراهيم وفي بيوت أصدقاء آخرين، كانت الجلسات تتحول إلى ندوات سياسية أو ثقافية)، ولاحظت أنه لا يحب أن يتحدث عن نفسه، حينما يطري عليه الآخرون، فإنه سرعان ما يرغب في إنهاء الموضوع، وهي خصلة حميدة، فيها تعبير عن سلوك رفيع.
تخللت أحاديثنا بعض الممازحات الظريفة التي يبرع فيها محمود، ويبرع فيها سليمان. أنا لا أعتبر نفسي بارعاً في السخرية، لكنني أستطيع المشاركة في ذلك أحياناً. ولقد تحدثنا عن بعض همومنا الصحية، خصوصاً ارتفاع ضغط الدم الذي أعاني منه، ويعاني منه محمود. كان سليمان يتمتع بصحة جيدة آنذاك.

27

كتبت في دفتر اليوميات:
أمام بيت العائلة احتشدنا. وسدناه الثرى بالقرب من قبر أمه وقبر أبيه. جلسنا حول القبور الثلاثة وفي أنحاء الحديقة الواسعة، والبيت صامت كأنه لا يدري ما الذي حل بأهله وساكنيه. زميله عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ياسر عبد ربه ألقى كلمة مؤثرة وهو واقف قرب قبره، قال من ضمن ما قال: "كيف ترحل عنا أيها الصديق الأحب والأعز! كيف قررت أن تغادرنا وهذا الوطن يمر في لحظة الحاجة الأشدّ، إلى أعلى مستويات الحكمة وأقصى درجات الشجاعة! هذا الوطن المعذب، المطوق، المجزأ، المدمى، ولكنه الصامد، الباسل، الصابر، والشامخ.. هو مثلك، ومثل رحلتك التي كان بإمكانها أن تطول أكثر، ولكن سبباً ما دعاك إلى اختصارها.. سبباً لن نفهمه ولن نقبله ولن نستسلم له حتى لو مر كل الزمن على نهاية الرحلة".
مات سليمان النجاب في الحادي عشر من آب العام 2001 ، وله من العمر سبع وستون سنة.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب15
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب14
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 13
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب12
- الأرملة... رواية اجتماعية لجميل السلحوت وديمة جمعة السمان
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب11
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 10
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب9
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب8
- مرايا الغياب/سليمان النجاب7
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب6
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب5
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب4
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب3
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب2
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب1
- مرايا الغياب/ أمينة7
- مرايا الغياب/ أمينة6
- مرايا الغياب/ أمينة5
- مرايا الغياب/ أمينة4


المزيد.....




- ممثل حماس في لبنان: لا نتعامل مع الرواية الإسرائيلية بشأن اس ...
- متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28 مترجمة عبر قناة Tr ...
- تطوير -النبي دانيال-.. قبلة حياة لمجمع الأديان ومحراب الثقاف ...
- مشهد خطف الأنظار.. قطة تتبختر على المسرح خلال عرض أوركسترا ف ...
- موشحة بالخراب.. بؤرة الموصل الثقافية تحتضر
- ليست للقطط فقط.. لقطات طريفة ومضحكة من مسابقة التصوير الكومي ...
- تَابع مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة المؤسس عثمان الجزء ...
- مصر.. إحالة 5 من مطربي المهرجانات الشعبية للمحاكمة
- بوتين: روسيا تحمل الثقافة الأوروبية التقليدية
- مصادر تفنّد للجزيرة الرواية الإسرائيلية لتبرير مجزرة النصيرا ...


المزيد.....

- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب16