أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - ظرة للامام مذكرات ج18 المكتبة العامة في البصرة















المزيد.....

ظرة للامام مذكرات ج18 المكتبة العامة في البصرة


كاظم حسن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7538 - 2023 / 3 / 2 - 16:30
المحور: الادب والفن
    


ن
تأسست المكتبة العامة بالبصرة سنة 1936 بعد دمج المكتبتين : التجدد والنقشبندية .. وتم افتتاح بنايتها سنة 1957 بعدما شيدت لها بناية في الشارع الذي يربط سوق البصرة بالعشار جوار الادارة المحلية .. لقد مر تأسيس المكتبة بمخاضات عسيرة قبل افتتاحها ونجحت دعوات الصحف البصرية كالثغر وغيرها بتعجيل الانشاء مع تآزر من الاهالي .
لا اعرف كيف اهتديت للمكتبة .. اتذكر ان بيتنا من القصب والصرائف قد نشبت به النيران وتحول الى رماد , فاستاجرنا بيتا جواره في الجهة المقابلة من الترعة النتنة ..يحتوي على غرفة من الطوب ملبوخة بالطين وربما صريفة اخرى ..يقع في زقاق ترابي متعرج ..ليس بعيدا عن نهر الرباط ولا ينأى عن شارع دينار..كنت سمعت عن الشاعر حيدر الكعبي عبر صديق لي يساري النزعة وانه فاز لسنتين متتاليتين بمسابقة الشعر الطلابية السنوية ..ولا اعرف كيف تعرفت عليه باول وصولي الى المكتبة العامة.. كان افقي المعرفي بسيطا وليس لدي من الكتب ما يتعدى اصابع اليدين .ذلك بين عامي 972 -1973.
قليل من العجلات تمر في الشارع : مصلحة نقل الركاب وتكسيات متواضعة وباصات خشبية وكلما مرت عجلة لاحقتها جوقة من الكلاب مزجرة خلفها مسافة امتار ..تلك الكلاب لا تكل منذ الفجر حتى المساء من المطاردة والنباح..في موسم التزاوج تطل النساء من شق باب مبتسمات يضعن الايدي على الفم مترعات بالدهشة .. لكن الكلبة لا تترك بعلها رغم ان الصغار بهرج يلاحقونهما ويدمونهما بالحجر .. حتى يغطسا في النهر فينفصلان ..يقف لي احد الباصات ويصادف ان صديقا يصعد معي فادفع عنه اجرته فاخسر كل مصرفي واعود مشيا من المكتبة للبيت قاطعا اكثر من كيلومترين .. تحت شمس تموز المؤهلة لشواء السمك .
كنت ارى حيدر الكعبي , ارقبه يقرا في مجلد ضخم يتركه فيمضي خارجا للحديقة ليدخن ...لم يجسر احد على سرقة كتاب ونادرا ما ترى بعض الصفحات قد فصلت من الكتب .. لم نكن في البصرة نكف عن التدخين الا في سيارة مصلحة نقل الركاب والمكتبة . بعد ايام وقد غادر المكتبة لحقت به وتعارفنا فسألته عن قصيدتيه اللتين فازتا وطلبت منه مقطعا فقرأ لي واخر من قصيدته الاخرى .. وفتح علبة السجائر.. قلت لا ادخن فقال (دخن ) فتناولتها منه ما جعلني مدمنا .
سياج من الطابوق واطيء وملبوخ ومصبوغ بالابيض تعلوه قضبان مسودة متوازية ومتقاطعة .. تعبر ممرا من البلاط يقسم الحديقة الصغيرة نصفين فتكون وسط المكتبة . كنت اطلب اكثر من كتاب ورغم قلة الرواد فقد تملل مني الموظف وزجرني .. فكتبت رسالة شكوى للمدير واودعتها في صندوق الشكاوي .. ولا اعرف كيف اهتدى المدير لكاتبها .. فاستدعاني ثم امر ان يأتي الموظف وانّبه امامي .
مرة قرات في مرحاض المكتبة (يعيش حزب ال ..) وكتب احد تحت العبارة بخط انيق (سواء عاش او سقط فانت كتبته هنا ) ..
فهرست الكتب بنظام ديوي وتضم الاف الكتب باللغة الفارسية والتركية والعربية ..كانت ورقات المقوى التي ينظمها انبوب ضعيف وكتب عليها عناوين الكتب في الادراج متأثرة من تقليب الاصابع ..
في مرة غادرنا انا والكعبي المكتبة فقلت له قرأت كتابا عن السعادة فاجاب ممتعضا (اية سعادة والفرد يكاد يتقيأ دما ).كان محقا فبعد عام سيودع في السجن .حدثني الكاتب احسان السامرائي ((بان النادي البريطاني كان يقع جوار المكتبة وكنا نقصدها لنقرأ.. وان مديرها يعرب - صديق القاص البصري محمود عبد الوهاب -كان يهدي لنا الكتب الفائضة ويقول (امنحكم اياها خير من ان تحرق ) ومنه اقتنيت كتابا مهما هو ألفه القس فانيس مدير المدرسة الامريكية بالبصرة )).
هناك قرأت العديد من الكتب ولا انسى مدى تفاعلي مع كتاب اللامنتمي للكاتب الانكليزي كولن ولسن الذي طرح لاحقا نظريته - الوجودية الجديدة -.. وحين تابعته لاحقا لم اقتنع باطروحاته لانه يعزي مشكلة العالم والوجود الى عسر لغوي .. لكن كتابه -الذي وضعه بعد ان وجد فراغا كافيا في وظيفته باحدى مكتبات لندن - كان زاخرا بعرض عشرات الروايات .. ولا بد ان تكون رواية (الجحيم .. لباربوس ) التي عرضها محفزا لي لاتابع كتاباته قبل ان ابتعد عنها .
التحق بنا الشاعر الراحل مهدي وكنا برفقته نمضي لجامعة البصرة في التنومة لنلقي شعرا او لنتعرض لاعتداء لاسباب سياسية ..وكانت مقهى الموعد في شارع الوطن مقابل سينما الاطلس موقعا يضج بلاعبي الشطرنج والمثقفين كتابا و مهتمين .. كان حيدر الكعبي ومهدي طه يكبرانني عمرا واكثر اطلاعا خاصة على دواوين الشعر القديم وان مهارتهما باتقان النغم الفراهيدي عميقة وراسخة لهذا عند انتقالهما للشعر الحر انتقلا مزودين بالمهارات الايقاعية ..وارادا مرة اختباري وقد غادرنا المكتبة معا فطلبا رأيي لبيت نظماه معا وعلى الرغم من اني شعرت بذلك قلت لهم (بيت شعر جيد ) فابتسما لبعضهما .. اتذكر اني القيت قصيدة في تلك المرحلة بمبرة البهجة فمنحت هدية هي ديوان سعدي يوسف <الاخضر بن يوسف ومشاغله > وما كنت مطلعا على شعره ما فتح افق الاطلاع وتوالت القراءات للدواوين الشعرية العراقية المعاصرة ..كان منزل حيدر الكعبي يقع في شارع الكويت قلب العشار لا يبعد كثيرا عن المكتبة فكنت اطرق بابه ونمضي لنبحر ونتسكع في الطرقات والمشارب والمقاهي ..
استطيع ان ارصد مجموعتين من الادباء الشباب : مهدي طه وحيدر الكعبي وانا ومن انضم معنا من الكتاب والشعراء .. وهناك مجموعة اخرى اختلفت معنا فتوارت عنا وهم فالح المنصوري وعبد الحسن الشذر ومن رافقهما .. الاول المنصوري اصبح استاذا اكاديميا وتوارى تماما عن الساحة الادبية رغم انه القى شعرا عموديا وهو بعمر مبكر جدا في تلفزيون البصرة اذكر منها < ثأرت للجرح طعّمت الرؤى عسلا ).. ونشر بمجلات شهيرة كالاداب البيروتية وكان حفاظا بامتياز للشعر الكلاسيكي القديم .. وقد التقيته مرات في المقاهي منفردين .. كان مهدي يقول عن المجموعة الاخرى (استطيع ان اهزمهم نقدا لوشئت ).. اما الثاني الشذر فقد نشر قصائد شحيحة في بعض المجلات منها قصيدته عن حادثة قطار الموت السياسية . وانتهى في غرفة الاعدام . من الصعب تقييم تلك المرحلة فاغلب الكتاب الشباب انتهوا في مصائر كارثية سواء في الاغتراب او الاعدام او الاغتيال او تواروا لاسباب تخصهم وبالامكان الاطلاع على النهايات المأساوية لبعضهم في كتاب (ديوان مهدي طه ) الذي حققه حيدر الكعبي .
لكني انتقلت لمكتبات اخرى لاحقا وهجرت المكتبة العامة التي انتقلت لشارع فلسطين 1983 وانشئت على مساحة 1520 م2 .. ولم يكن موقعا مناسبا ,لهذا اختلف مع نتائج الباحث علي عبد الصمد خضير حيث سجل 83,33 بالمية ممن ذكروا في استبيانه بان موقع المكتبة مناسب .
بعد ذلك بسنوات وقبل ان تختفي كنت ارى حين امر بمحاذاة نهر العشار, في اللوحة التعريفية للمكتبة العامة قطعة من الروح ..عبثا نحاول تثبيت ما هو جميل من الماضي من المعالم والامكنة والبيوت التي سكنا او قصدنا و حين تزال او تتهاوى نفقد معها مساحة حية من كياننا فلا يشعر بعويل النخيل التي تجرفها الدوزرات الا صاحب البستان والفلاحون ..ولا يحس سوى الصياد بانين الصيادين وهم يغادرون الشط لمنازلهم دون سمك وقد ضمرت الثروة السمكية .
لهذا اصبنا بالحزن لوفاة امينة المكتبة المركزية عالية محمد متاثرة بكورونا بعد ان انقذت الاف الكتب والمخطوطات النادرة عام 2003 فنقلتها الى مكان امن ليلا اثر دخول القوات البريطانية الى المحافظة .



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرائد البريكان في ذكرى رحيله
- رواية الرحالة لحاصدة نوبل اولغا مذكرات فريدة بشعرية عالية
- (جئنا لنحضر مأتما لسوق عريق )
- سحب عابرة لخوسيه حاصد نوبل :رواية المصائر الفاجعة.
- الهوسة والهوسة المضادة في العراق :صراع سياسي مرير.
- سوق الجمعة والبصرة تحيلهما الجرافات طحين
- منطقة الحكيمية وتراثها الغني
- في قصص ضائعة لماركيز لماذا ينتحرن في السادسة مساء .
- منطقة كردلان ..عادوا ولم يجدوا بيوتهم
- الامبراطور محمد بهلوي يهتز عرشه بالعواصف
- منطقة نهر حسن و الكودي البريطاني
- ابن الدمينة شاعر عذري قتل زوجته
- اضاءة من اعلى التل ج 9 الى اي مدى ترسخت فينا قيم الحداثة
- نهر جاسم اخر معركة طاحنة
- كتاب جحيم المعتقلات في العراق ج 1
- اضاءة من اعلى التل ج 8 ديك الجن (حكمت سيفي ).
- اضاءة من اعلى التل ج7 توقف اذاعة لندن
- بروق القلادة ج3 الاصفهاني
- اضاءة من اعلى التل ج6
- البريكان مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج15


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - ظرة للامام مذكرات ج18 المكتبة العامة في البصرة