أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - منطقة الحكيمية وتراثها الغني














المزيد.....

منطقة الحكيمية وتراثها الغني


كاظم حسن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7531 - 2023 / 2 / 23 - 18:49
المحور: الادب والفن
    


في الزمن الذي عشت فيه طفولتي ومراهقتي كانت منطقة الحكيمية في البصرة تتارجح بين الوصفين : ريفية وحضرية .البساتين تحيط بها وتتوسطها فيما كانت تمر فيها الشوارع المعبدة وبيوت الطابوق وانتشار المنشآت الصناعية البسيطة وسكة الحديد ..يحدها جنوبا نهر الرباط الذي يفصلها عن منطقة الطويسة التي تقطنها العوائل الميسورة ومن الشمال منطقة المفتية .. وتقع على بعد كيلو متر عن مركز المحافظة العشار وعلى ذات المسافة من سايلو البصرة الذي شيد على ضفاف شط العرب .
هنا قررت اتفهم التاريخ حيمنا كنت استقر على رصيف شارع دينارفسمعت باسم الرئيس الاسبق احمد حسن البكرلاول مرة بعد انقلاب 1968 ..واخذني الفضول وخجلت من جهلي فقلت لصاحبي (ان حدث انقلاب اخر ساكون عارفا بالمسؤولين ).
اكثر ظاهرة شيوعا هي بيع الاسماك الصبور التي تصل من البحر لتضع بيوضها في المياه العذبة حتى ان البعض تندر فصير الاسماك نعلا ولكثرته كان يخزن بحفر عميقة بالفاو في منطقة المملحة ويغطى بالملح ليستخدم شتاء حيث يختفي من الانهار, كان يباع في بسطات متلاصقة على التراب جوار شارع دينار تسمى سوقا. ثم تمتد سدة طينية فخمة ومرتفعة تحد عدة بساتين متلاصقة عن الزقاق المتعرج الترابي او الموحل وقد تفصلها عن بعضها ترع صغيرة نتنة كانت تخرج من البيوت صفائح بشكل انصاف انابيب لتمر منها فضلات الحمامات .كنا نجتاز تلك الترع عبر قنطرة من جذوع النخيل غطيت بالبواري والتراب ...وقيل ان ام الصبيان وام المساحي تختبئان تحتها ما يشكل رعبا حقيقيا للاطفال في الظلام .
كانت النسوة يحملن المصخنة فينقلن فيها الماء من انبوب عمومي يسمى السبيل ..
كانت تقطن ام اسحاك في احد البساتين وهي لا ترحم الصغار العابثين فيهزجون عليها (يا ام اسحاك تانيني ..خل اغسل امواعيني ) . في بستان اخر كان ابو طالب البدين ذو انف يشبه الكبة يروح ويجيء عبر قنطرة تفصل بيته عن بستانه حتى تهاوت به وركس في طين النهر .
تشير بعض المصادر الى ان الحكيمية كانت موطنا لكبار التجار والحكماء في القرن الثامن عشر ومنهم اشتق اسمها بعد التصحيف والحكماء بمعنى اصحاب الطب البديل وليس الحقل المعرفي .

في احد المناسبات الوطنية اخر الخمسينيات صبيا كنت تقودني فتاة ونحن نتطلع في القمر فقد قيل ان صورة الزعيم عبد الكريم متعلقة فيه .
في شارع دينار انتشر الحرس القومي ببنادقهم ولما امر الشيوعيون ان يخرجوا بتظاهرات ويرفعوا لافتات ومن لا يملك قماشا يصير من دشداشته لافتة ... وتدفقوا فاجهز عليهم الرصاص .وفيه اصطف الطلاب الصغار لاستقبال رئيسهم عبد السلام عارف الذي مر بسيارة شفرليت مكشوفة رافعا يده واقفا وسطها والصغار يهتفون (احنة جنودك يا سلام ).وحين تهاوت بعد ايام طائرته وخر صريعا بمنطقة النشوة شمال البصرة دمدموا يمتد منه انبوب ليصب في النهر عبر شارع مبلط.. هنا يتجمهر الصغار لاصطياد الاسماك الوفيرة صيفا لكثرة حبوب الحنطة ويتواجد بعض القناصين لصيد طيور الفاخت . وعلى بعد 300م من المعمل يقع الجسر الحديدي الذي شيد سابقا من الخشب , طالما رموا الاطفال اجسادهم منه (زرك ) لتستقر ابدانهم في قضبان خفية بقعر النهر .كان الاهالي يجتازونه لمعمل الشربت الذي يملكه اعمى رايته بسجن البصرة بعدما اغتصب اربع عاملات قاصرات .
قريبا منه في الجهة الجنوبية من النهر كان الصابئة يؤدون طقوسهم يغمرون العرسان بماء النهر قبل ان يتلوث فيقيمونها في حوض داخل معبدهم .
شمال المنطقة مقبرة الانكليز تشاهد فيه الشواهد تمتد بخطوط متوازية ترتفع مترا , كتب عليها اسماء البريطاتيين القتلى في 1914 و 1939 / 1945. انها حديقة غناء كانت موقعا للطلبة ليتذاكروا .. وفيها الحاصلان على وسام صليب فكتوريا جورج غودفري و يلر هوارد وتضم رفات 3381 وهي تحت اشراف هيئة مقابر الحرب لدول الكومنويلث . تقابل هذه المقبرة مقبرة اخرى للهنود او المحموديون والسيخ والعثمانيين . وقد تكون مأوى لشقاة البصرة المشهورين .
وبجوارها مقبرة للصغار .. هنا كانت تعمل ابدان الباصات الخشبية وسط الخمسينيات .
الفلكة تتوسط مدينة الحكيمية حيث كان الشبان يتذوقون فيها الخمر مساء بين شجيرات الاس ..قريبا من حجيرة يبرز منها رجل بعلم احمر ليوقف مجرى المرور تمهيدا لعبور القطار الذي ينقل المسامير من معمل المسامير بنظران ..كان بجانب السكة مقر اداري لشركة النفط منه كنا نسمع ما نسميه ب (الصيتية / صفارة انذار )لايقاظ العمال .
معمل السينالكو
تاسس سنة 1953تحت ترخيص من شركة سينالكو العالمية موقعها في ديوزبورك بالمانيا ...واجهته الزجاجية ماثلة للعيان فترى شريطا متحركا تندفع عليه القناني وتشاهد عاملا يعزل القنينة السيئة . واتذكر ان احد العمال من الحكيمية فقد عينه بعد انفجار زجاجة .
كنا نلتقط ديدانا حمراء نسميها ام 44 ونبيعها على الصيادين بالشص على نهر الرباط بين القصب والاعشاب فيصيدون بها سمك الشانك الذي يدخل النهر وقت موسم الرطب في تموز .
المسيحيون في احد اعيادهم يظهرون امام بيوتهم يتراشقون بالماء ... حسنيات لاصوليين وشيخية وهما طائفتان من الشيعة يختلفون بجزئيات ولا يتناحرون ... الشقاة مهابون لكنهم لا يعتدون على بنات المنطقة ولا يتعرضون لفقير.. حسبهم ميسورون يبتزونهم وملاهي وصبيان ..بائعات الهوى القليلات متحفظات حذرات ..اكثر الاهالي يعملون في الميناء وسايلو البصرة القريب ومعمل الطحين .. تتكرر احداث الحرائق فتلتهم عشرات البيوت .. طيلة عشرين عاما قتلت امراة لغسل عار وقتل رجل مخمور .
لكن الحي صحى ذات يوم على دوزرات اطاحت بالسدة الطينية واجهزت على البساتين وبيوت القصب والطين .. فاقيم جامع وعبدت الشوارع وشيدت المنازل الحديثة .فاختفت المصابيح التي كانت مثبتة باعمدة من الاشجار الثخينة المتيبسة التي كان رجل طويل يتسلق كل يوم ليبدل المصابيح . واختفت تلك المظلات التي نقف تحتها في انتظار مصلحة نقل الركاب الحكومية ولم نعد نسمع احدا فيها يصيح (اختياري ) فتتوقف .



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في قصص ضائعة لماركيز لماذا ينتحرن في السادسة مساء .
- منطقة كردلان ..عادوا ولم يجدوا بيوتهم
- الامبراطور محمد بهلوي يهتز عرشه بالعواصف
- منطقة نهر حسن و الكودي البريطاني
- ابن الدمينة شاعر عذري قتل زوجته
- اضاءة من اعلى التل ج 9 الى اي مدى ترسخت فينا قيم الحداثة
- نهر جاسم اخر معركة طاحنة
- كتاب جحيم المعتقلات في العراق ج 1
- اضاءة من اعلى التل ج 8 ديك الجن (حكمت سيفي ).
- اضاءة من اعلى التل ج7 توقف اذاعة لندن
- بروق القلادة ج3 الاصفهاني
- اضاءة من اعلى التل ج6
- البريكان مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج15
- البريكان مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج13
- بروق القلادة ج2 الفارابي
- قصيدة تجربة اولى
- البريكان مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج12
- اليمامة قصيدة
- تجربة اولى وسادية الوحدة قصيدتان
- الازميل واللحظات الخاطفة قصيدة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - منطقة الحكيمية وتراثها الغني