أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد علي سليمان - أفضل العوالم أفضل العصور القسم الثاني















المزيد.....

أفضل العوالم أفضل العصور القسم الثاني


محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا


الحوار المتمدن-العدد: 7532 - 2023 / 2 / 24 - 10:55
المحور: المجتمع المدني
    


2_ أفضل العصور: العصر الذهبي
قسم هزيود التاريخ إلى خمسة عصور: العصر الذهبي، والعصر الفضي، والعصر البرونزي، والعصر البطولي، والعصر الحديدي. والعصر الحديدي هو أسوأ العصور، وهو الذي يسيطر على العالم، حيث يعاد إنتاجه بشكل دائم. ولذلك أصبح الناس يحنون إلى العصر الذهبي الذي يقول عنه هزيود في كتابه " الأعمال والأيام ": " كان البشر يعيشون مثل الآلهة وقد تحررت قلوبهم من كل المشكل، بعيداً عن العمل والألم. لم تكن الشيخوخة الكئيبة تزورهم. وكانوا ينعمون ببهجة المآدب في مأمن من كل الأمراض، وقد اطمأنوا إلى دوام حيوية أقدامهم وأيديهم طيلة حياتهم. كانوا يملكون كل شيء ". ". وتقول عنه الأسطورة السومرية:
في تلك الأيام لم يكن هناك حية ولا ضبع ولا عقرب
لم يكن هناك أسد ولا كلب شرس ولا ذئب
لم يكن هناك خوف ولا رعب
لم يكن للإنسان من منافس
في تلك الأيام كانت شوبور أرض المشرق، أرض الوفرة وشرائع العدل
وسومر أرض الجنوب بذات اللسان الواحد، أرض الشرائع الملكية
واورى أرض الشمال، الأرض التي يجد فيها كل حاجته
ومارتو أرض الغرب، أرض الدعة والأمان
وكان العالم أجمع يعيش في انسجام تام
وبلسان واحد يسبح الكل بحمد إنليل
وبما أن البشرية تعيش في العصر الحديدي، فإن الناس ينظرون بشكل عام إلى العصر الذهبي وكأنه الفردوس المفقود، ومع الوقت أصبحت العصور الماضية وكأنها " العصور الذهبية " التي يحلمون باستعادتها وكأنها ذلك " الفردوس المفقود ". وقد ظلت أوروبا تنظر إلى عصور اليونان والرومان وحتى المصرية، حتى بداية العصر الحديث (عام 1400) وكأنها العصور الذهبية لأنها أنتجت الفلسفة والعلم والهندسة المعمارية. ويرجع أرنولد هاوزر في كتابه " الفن والمجتمع عبر التاريخ " أسطورة العصر الذهبي إلى أزمان سحيقة في القدم، ويتابع " ولسنا ندري ما هو التعليل الذي يستطيع علم الاجتماع أن يقدمه لظاهرة تبجيل الماضي "، ويجتهد إلى أن ذلك يعود إلى التضامن العائلي والقبلي، أو إلى الطبقات المميزة التي تبني امتيازاتها على أساس الوراثة. ويتابع هاوزر في مكان آخر من كتابه معتبراً أن هروب فرجيل إلى عالم الطبيعة كان متمشياً مع الحركة الرجعية التي بدأها أغسطس والتي صورت الماضي على أنه العصر الذهبي ليحول الأنظار عن الحوادث السياسية للحاضر. وقد تتم العودة إلى الماضي كعصر ذهبي لاستخدامه في صراع قوى اجتماعية، عودة البورجوازية إلى التراث الإغريقي لاستخدامه في مواجهة التراث الإقطاعي المسيحي في مرحلة صعود البورجوازية كطبقة.
في التاريخ اليوناني، عصر الأساطير والملاحم، كان الزمن الإلهي متحداً مع الزمن البشري، وقد خلق الله العالم بحالة من الكمال، ولكنه لم يكن خالداً. وكان هوراس يدرك أن " الزمن يخفض من قيمة العالم "، وقد سبق لهوراس أن غنى: آباءنا وهم أسوأ من أجدادنا، أنجبونا نحن الأكثر فساداً، وسننجب نحن ذرية ستكون أكثر عجزاً. ومع التطور بدأت عملية الانفصال بين الزمنين، وأصبح الزمن الإلهي بعيداً في الماضي، كما أنه أصبح الزمن المكتمل الخالد العادل الذي يحن إليه الناس ويحن إليه الشعراء أيضاً (فرجيل)، بعد أن احترقوا من الزمن البشري الممتلئ بالمظالم. وربما لذلك كان أفلاطون وأرسطو لا يرغبان في التغيرات في النظام الاجتماعي، كانا لا يريدان الابتعاد عن ذلك العصر الذهبي.
وفي مرحلة من حياته الفكرية آمن ديدرو بـ " الحالة الطبيعية " على اعتبارها العصر الذهبي، وفي كتابه " ملحق رحلة يوغنفيل " يعتبر إن الحالة الطبيعية أعلى مرتبة من الحضارة. وفي الكتاب يظهر أن أهل جزيرة تاهيتي كانوا يعيشون العصر الذهبي حيث الكل يعيش من أجل الكل، حيث يتم احترام الصالح العام، واحترام مصلحة كل فرد من أفراد المجتمع: " كانت الجزيرة كلها صورة لإسرة كثيرة العدد.. إنك لن تقع على وضع الإنسان السعيد إلا في تاهيتي ".
وفي التاريخ المسيحي تكلم أوغسطين عن " مدينة " الله " السماوية ومدينة " هذا العالم " الأرضية، وأصبح كل مؤمن يتوق إلى مدينة الله بعد أن فقد الأمل بمدينة العالم الأرضي. لقد تكلمت كل الأديان عن الجنة السماوية مقابل الجحيم الأرضي. ويمكن الإشارة إلى رواية " دون كيشوت " للروائي الاسباني سرفانتس على أنها رواية المغامرة لاستعادة ذلك العصر الذهبي، فقد كان سرفانتس يؤمن بذلك العصر الذهبي، وإنه يمكن استعادته. وقد حدد أركانه في الرواية حيث يقوم على: 1 الملك المستنير، سيد الفرسان والمحافظ على قيم الفروسية. 2 الوطن حيث الأرض ملك لجميع الناس. 3 الحبيبة التي ترمز إلى قيم العدل والخير والجمال والحق والفرح الإنساني.
ورغم أن الأديان ربطت العصر الذهبي بالمستقبل، فالجنة السماوية تنتظر المؤمن في المستقبل_ نهاية التاريخ، يوم القيامة ويستحق المؤمن حياة الجنة من أجل إيمانه وجهاده في سبيل الله. ولكن في التاريخ العربي الإسلامي كان هناك أيضاً مدينة فاضلة أرضية هي عهد الرسول والخلفاء الراشدين، معروف البعد الديني لتمجيد الماضي، فالرسول الكريم يقول في حديث شريف" خير القرون قرني ثم الذي يليه.. "، وهكذا كلما تقدمنا في الزمان كلما ابتعدنا عن ذلك العصر الذهبي، ولذلك نجد أن التيار الديني لا يرغب بنهضة تتجه إلى المستقبل بل بنهضة تتجه إلى الماضي الذهبي. وهذه الإشكالية تعود إلى أن للقوى الاجتماعية الإسلامية مشروعان: الشروع الأول هو المتعلق بالدين وهو، مشروع سماوي، ويقول بالعصر الذهبي في المستقبل _ في الجنة. أما المشروع الآخر فهو المشروع السياسي، والذي يقول بالعصر الذهبي في الأرض، ويرجع إلى عصر الرسول والخلفاء الراشدين. وفي المقابل فإن التيار القومي العلماني ينقسم هو الآخر إلى المشروعين: التيار القومي السلفي، ويتمثل بـ " زكي الأرسوزي " الذي يرى " أن العصر الذهبي للأمة كان الجاهلية، وكل ما تلاه كان انحطاطاً.. فكان عصر الانحطاط الكبير الذي لا سبيل إلى فك الذات القومية من إساره إلا بالبعث، أي العودة إلى صفاء الجاهلية الأولى ". أما التيار القومي العلماني فيتمثل مشروعه في المستقبل، حيث يتم صنه المدينة الفاضلة.
وكان فرجيل من أنصار العصر الذهبي في المستقبل، ففي الأنشودة الرابعة من أناشيد الرعاة يقول " رفقاً بالصبي عند مولده يا لوكينا الطاهرة، إذ بمجيئه سينمحي العصر الحديدي ويشرق العصر الذهبي على ربوع العالم بأسره ". لكن أوفيد ربط العصر الذهبي بالماضي ويقول " في الماضي، كان الناس يعيشون في عصر ذهبي، حين كان الناس يتصرفون وفق إرادتهم، دون خوف من عقاب، وكانوا يتمتعون بإيمان سليم، ويقدمون على فعل كل ما هو صحيح ". ويلاحظ أيضاً في التاريخ أن العصر الذهبي كان يستعاد على شكل احتفالات ومهرجانات وكرنفالات الشعوب، وكانت تحكى الحكايات عن " جنة الفقير " حيث، كما أوضح هسيود، " كان الجنس البشري الذي أنعم عليه بالكلام، والذي أوجده الخالدون _ أولئك الذين يسكنون في قصور على جبال الأولمب _ جنساً ذهبياً. عاش هؤلاء في زمن كرونوس عندما كان ملك السماء، وتماماً مثل الآلهة أمضوا حياتهم بروح تخلو من الهم، بعيداً عن التعب والبلاء ". وكان احتفال الرومان بعيد الإله سارتون مهرجاناً فعلياً يستعيدون فيه العصر الذهبي لفترة وجيزة، حيث يتآلف في تلك الفترة الوجيزة الفقراء والأغنياء.
لقد التجأ السفسطائيون إلى الإيمان بالعصر الذهبي في زمن الانهيار اليوناني بعد هزيمة أثينا من قبل أسبرطة ودخول البلاد في الخراب السياسي والاقتصادي، باعتبار أن العصر الذهبي هو العصر الذي يعيش فيه الناس بحرية وعدالة اجتماعية. ومعروف أيضاً رغبة الإنسان في مواجهة صعاب الحاضر بالهرب إلى ماضيه الذهبي، عصر الطفولة، باعتبار أن الطفولة، رغم كل مشاكلها تبدو وكأنها الفردوس المفقود. وهذا ما حصل مع كثير من الشعراء والروائيين، وكمثال فهذا ما حدث مع الروائي وعالم الاجتماع حليم بركات في روايته " طائر الحوم " فحتى يهرب من حاضر أمريكا السياسي الذي حول حياته إلى جحيم لا يهرب إلى طبيعة أمريكا الساحرة، بل يهرب إلى موطن أحلام طفولته الذهبية في قرية الكفرون حيث الفردوس المفقود. إن الهرب إلى الطفولة تحجب عن الإنسان بؤس الحياة، وفي إحدى قصائد هولدرين:
لقد غنيتم أحلام الطفولة الذهبية
وحجبتم عني فقر الحياة
وقد يتحول الماضي إلى عصر ذهبي بسبب البعد التاريخي، فحين ننظر إلى الماضي يبدو أبسط من الحاضر الموحش، فإن تعقيدات الماضي تضيع في الزمن ولا يبدو منه سوى ما يفرح الإنسان، رغم أن المجتمع يتطور نحو الأفضل بفعل التقدم التكنولوجي الذي جعل عصرنا عصر الرفاهية. ثم أن الماضي يعاد عبر ذاكرة الإنسان، وهي ذاكرة انتقائية تتذكر ما هو جميل من الماضي، وكأنه فردوس في مواجه حاضر يبدو ككابوس ثقيل، ومستقبل أكثر كابوسية، ولذلك يجمل ذلك الماضي عبر تنقيته من المآسي والعذاب والظلم والقهر، كل ذلك يصبح في الغياب، ويبقى الماضي كفردوس مفقود. وفي " اعترافات " روسو عودة إلى الماضي كفردوس مفقود، ويقول في اعترافاته: " خيالي الذي كان قديماً يتطلع دائماً إلى المستقبل، بينما يرتد اليوم إلى الماضي، هو الذي يعوضني بهذه الذكريات الحلوة، عن الأمل الذي فقدته من غير رجعة. فلا شيء يغريني في المستقبل، والعودة إلى الماضي تستطيع وحدها أن تغمرني بالبهجة والسرور ".
كما علينا ألا ننسى أن المجتمع في مرحلة الهزيمة يحاول أن يحافظ على تماسك أفراد المجتمع ويملأ قلوبهم بالشجاعة والأمل بدل الخوف واليأس عن طريق استعادة بطولات الماضي وكأنها بطولاته وما هذه الهزيمة إلا لحظة عابرة في التاريخ، وأن التاريخ هو تاريخ البطولات والانتصارات. وهذا أيضاً ما يفعله الكتاب في مرحلة الهزائم يعيدون أبطال التاريخ في أعمالهم الأدبية، ففي مواجهة هزيمة حزيران عاد الكاتب محمد أبو المعاطي أبو النجا إلى شخصية عبدالله النديم في روايته " العودة إلى المنفى "، كما أن كثيراً من الكتاب والمفكرين يسترجعون عصر الرسول والخلفاء الراشدين، عصر الفتوحات الإسلامية، لأنه كما يقول وليم جيمس " إننا في انتقائنا لأبطالنا من التاريخ إنما نبعث في كل فرد منا من المناعة والإيحاء ما يمكنه من تلمس تلك الطاقة الخلاقة التي تقبع في ذاته ". كما لابد من القول إن إعلام الأنظمة الحاكمة في عصر الهزيمة تركز على بطولات الماضي حتى تهرب من مسؤوليتها عن تخلف الحاضر، وحتى تبعد الناس أيضاً عن التفكير في أسباب هذا التخلف.
إن شعور الإنسان بأن القديم (العتيق) هو الأفضل ما زال في قلوب كثير من الشعوب، وخاصة الشعوب الفلاحية التي هي مجتمعات مغلقة أقرب إلى الركود، مجتمعات تتعلق بالماضي والتراث والتقاليد التي تتوارثها جيلاً بعد جيل. والحنين إلى الماضي ما زال له تأثيره (جان جاك روسو، رغم أن عودة روسو إلى الطبيعة في مواجهة بؤس المدينة تختلف عن الحنين إلى الماضي لكنهما يشتركان في الهروب من الحاضر الموحش، قارن مع حالة فرجيل)، وربما يعود ذلك إلى الفقر الروحي الذي تخلقه الحياة الحديثة حتى في المدن التي هي ضد الماضي والتراث لانفتاحها على الآخرين عن طريق التجارة والرحلات ودخول الحضارة إليها، إن الحياة في تلك المدن، وخاصة الكبيرة، أصبحت حياة مادية وفقيرة روحياً (حياة منغلقة على نفسها، كل يعيش خلف جدران بيته خائف من الآخر)، حياة مضادة للإنسان (حياة القلق والخوف، حياة الأمراض النفسية) ومن هنا حنين الإنسان إلى ماض ذهبي يجد فيه روحه الضائعة.
كما لا بد من القول إن أدوار بيلامي كان يحلم بالمستقبل وقت كتب مدينته الفاضلة " التطلع إلى الوراء "، وأعتقد أن العنوان له علاقة بأن العصر الذهبي هو في الماضي، وهذا أيضاً ما تطلع إليه زامياتين في روايته " نحن "، وهكسلي في روايته " عالم جديد شجاع "، فرغم أن أحداث الروايتين تحدث في المستقبل الخيالي إلا أنهما عبر رفضهما لذلك المستقبل الذي يحطم حرية الإنسان يرغبان بالعودة إلى الماضي، أو الحاضر _ زمن كتابة الروايتين، الذي هو ماض بالنسبة للزمن الذي تجري فيه أحداث الروايتين، باعتباره العصر الذهبي. ولا بد من الإشارة إلى رأي كارل بوبر في جمهورية أفلاطون بأنها ليست أكثر من حنين إلى عصر ذهبي، وعلى ذلك فإن كل الجمهوريات الفاضلة ليست رغبة في مستقبل أفضل، ولكنها حنين إلى عصر ذهبي مضى ولن يعود أبداً.
وأعتقد أن ما قاله الشاعر مانريكه في إحدى قصائده يلخص حكاية العصر الذهبي:
كل زمن مضى
كان أفضل.
ويمضي إورتغا غاسيت في كتابه " تمرد الجماهير " قائلاً: والانطباع الذي يعبر عنه خورخه مانريكه كان يقيناً الانطباع الأعم، على الأقل إذا أخذ بمعنى إجمالي. فلم يبد لمعظم العصور إن عصرها أرفع مستوى من عصور أخرى قديمة، بل العادة الغالبة عند البشر أن يتصوروا عصوراً أفضل، وذوات وجود أكمل وقائمة في ماض غامض: العصر الذهبي كما نقول نحن المثقفين.
إن كل طبقة تمثل في زمن صعودها المجتمع بأكمله حيث تحتاج إلى كل المجتمع من أجل سيطرتها على السلطة السياسية، وهي في هذه المرحلة التي تمتلك فيها الدينامية الاجتماعية وما تزال فيها من الإنسانية ما يكفي لكي تبشر بجنة على الأرض كما تلك التي في السماء، إنها تنشر في المجتمع أن تقدمها المستمر سيخلق في النهاية ذلك " العصر الذهبي " الذي تحلم به البشرية. وهكذا اعتبر الليبراليون، كما يقول جون فرانسوا دوروتيه: " قدوم الحداثة يمثل العصر الذهبي للإنسانية. فالعلم والعقل يضيئان منذئذ بنورهما ذهن الجميع الذي بقي مظلماً بسبب ثقل المعتقدات الدينية ". لكن زمن احتضان البورجوازية للمجتمع سرعان ما ينتهي وقت تكتسب القوة الكافية للسيطرة، وبذلك تبدأ العمل لـ " ذاتها " وليس من أجل المجتمع، ويصبح المجتمع في خدمة مصالحها كطبقة.
ولا بد من التذكير بقول سان سيمون: " لقد وضعت مخيلة الشعراء دائماً إلى وضع العصر الذهبي في مهد التاريخ الإنساني، وسط جهالة وخشونة الأزمان الأولى، وكان بالأحرى بهم أن يضعوا في العهد العصر الحديدي، إن العصر الذهبي للنوع الإنساني، لا يوجد خلفنا، بل أمامنا. إنه في تحسين النظام الاجتماعي والاقتراب به إلى الكمال، آباؤنا لم يروه، وأولادنا سيصلون إليه يوماً، وعلينا نحن أن نشق إليه الطريق ".
ولا بد من القول إن هناك من المفكرين من هاجم تلك: " اليوتوبيا حول عصر البشر الذهبي. فالحياة المتوحشة أو الحالة الطبيعية التي رغب فيها بعض المفكرين المكتئبين _ روسو _ في إرجاع الإنسان إليها، والعصر الذهبي الذي طالما تغنى به الشعراء ما هما في الواقع سوى حالات من البؤس والحماقة والجهالة ".
يتساءل أورتيغا في كتابه: " فما هو عصرنا باختصار؟
ليس هو كمال العصور. ومع ذلك يشعر بنفسه أنه فوق العصور الكائنة كلها، وأعلى من كل كمال معروف. وليس سهلاً صياغة الشعور الذي يملكه عصرنا عن نفسه: هو يؤمن أنه أكبر من العصور الأخرى، ويحس بنفسه في آن واحد أنه بداية، من غير أن يكون واثقاً بألا يكون احتضاراً. فأي تعبير نختار؟ ربما هذا التعبير: هو أرفع من العصور الأخرى، ودون ما في نفسه. هو قوي للغاية وغير مطمئن إلى مصيره في الوقت ذاته. وهو فخور بقواه ويخشى هذه القوى أيضاً ".
وفي الخاتمة، مع الدكتور محمد جابر الأنصاري: " إن المثاليات النظرية السياسية لدى مختلف الفرق الإسلامية كانت تبشر المؤمنين بأوضاع أفضل، إلا أن الواقع السياسي ظل، في الماضي والحاضر على السواء، يمثل أقوى نقض ونفي لتلك المثاليات مما أدى إلى حالة من الفصام _ الشيزوفينيا _ والواقع المعاش المتطاول، كما لم يحدث _ ربما _ في تاريخ اية أمة أخرى ". ولكن هذا لم يمنع وجود حركات ثورية عبر التاريخ العربي الإسلامي تطالب بـ " المدينة الفاضلة " مثل حركة الحركة البابكية، والحركة القرمطية، وآخر هذه الحركات في الزمن المعاصر حراك " الربيع العربي "، ويعتبره مراد دياني في كتابه " حرية، مساواة، كرامة إنسانية طوباوية العدالة من منظور النموذج الليبرالي الإسكندنافي " حراكاً طوباوياً: " يتعلق شعار عيش، حرية، كرامة إنسانية في حقيقة الأمر بطوباوية بالمعنى الدقيق للكلمة أكثر من أي شيء آخر، وسوف نسميها في هذا الكتاب طوباوية التحرير. فالحراك العربي المعاصر ينادي في جوهره بمدينة فاضلة تتضمن العيش للجميع. وهي أيضاً مدينة فاضلة تتضمن الحرية للجميع. كما أنها مدينة فاضلة تحقق الكرامة الإنسانية للجميع " فإذا كان شعار عيش حرية كرامة إنسانية ينطلق من مشاعر صادقة في التغيير والتنوير وآمال قوية في الاعتراف وتحقيق العيش الكريم، فهو يبقى طوباوياً إلى أقصى درجة في غياب أية مقاربة وضعية لمعالجة الواقعية والسياسات التي يمكن أن يتمخض عنها، ومن ظل الافتقار لأي تنظير لمبادئه الجوهرية ".



#محمد_علي_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفضل العوالم أفضل العصور
- عبد الرحمن بدوي ومقال التنوير: رواية - هموم الشباب -
- بهاء الطاهر والعلمانية: رواية - خالتي صفية والدير -
- فاوست العربي الإنسان العربي الفاعل اجتماعياً
- أمواج فصل من قصة
- حول - الكتلة التاريخية -
- تقدموا وتأخرنا: حول التقدم والتأخر
- العولمة: أمركة العالم
- رواية المجتمع مجتمع الرواية
- عن مهدي عامل والبنية الاجتماعية الكولونيالية
- الصدق في الأدب
- نظرية الأدب والزمن
- الرواية العربية وتحرير المرأة
- دروب الابداع: الروائي وشخصياته
- المخطوط القديم
- حول النخبة العربية المفكرة
- مأزق الثقافة العربية
- زمن التعلم زمن الإبداع
- الدكتور محمد عزيز الحبابي والمفاهيم المبهمة
- رواية: هموم الشباب _ عبد الرحمن بدوي وخطاب التنوير


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد علي سليمان - أفضل العوالم أفضل العصور القسم الثاني