أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب14














المزيد.....

مرايا الغياب/ سليمان النجاب14


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 13:25
المحور: الادب والفن
    


24

التقيت سليمان مرات عدة في عمان بعد عودتي من براغ.
كانت عودة غاصة بالألم بسبب انهيار النظام "الاشتراكي" هناك، واضطراري إلى مغادرة براغ بعد توقف مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" عن الصدور. عدت إلى عمان، وبدا واضحاً منذ اللحظة الأولى أن حياتي فيها بعد غياب ما يزيد عن ثلاث سنوات، لن تكون استمراراً عادياً لحياتي السابقة، ذلك أن عمان نفسها تغيرت وأنا أيضاً تغيرت.
كان سليمان يأتي من تونس إلى عمان ليكون على مقربة من الناس هنا، ولكي يلتقي الأمين العام للحزب، بشير البرغوثي، الذي كان يزور عمان بين حين وآخر. ولم تكن علاقة سليمان بعمان هي العلاقة نفسها التي كانت في وقت سابق. سليمان يأتي إلى عمان كما لو أنه زائر أو ضيف. يقيم فيها بضعة أيام، ثم يعود إلى تونس، حيث مكتبه ومقر إقامته هناك.
بعد قدومي إلى عمان بأيام وقع الغزو العراقي للكويت. وكان سليمان في عمان آنذاك. أبدى عدم ارتياحه لهذه الخطوة الحمقاء. قال إن صدام حسين سيدفع ثمن هذه الخطوة ولن يفلت من العقاب. بعد أشهر وقعت الحرب جراء هذا الغزو. قام الحلف الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بشن حرب ضارية على العراق. ودخلنا بذلك، أو ربما دخلت وحدي في دوامة من القلق والإحباط.
أذكر أننا التقينا في بيت عبد الرحمن النجاب، شقيق سليمان. وكان بين الحضور: فائق وراد، عبد الجواد صالح، ثروت البرغوثي، سليمان النجاب، وأنا وعدد آخر من الرفاق والأصدقاء. تناولنا طعام الغداء ثم جلسنا في الحديقة التي تقع في الناحية الخلفية من البيت. كانت الجلسة ممتعة لولا الهم الذي تركته حرب الخليج الثانية على الأنفس والأمزجة، ولولا التأثيرات السلبية التي خشينا أن تتركها هذه الحرب على القضية الفلسطينية وعلى الوضع العربي برمته.
حدثنا سليمان عن تقديرات القيادة الفلسطينية في تونس للموقف، وهي تقديرات غير متفائلة. أبدى تخوفه من تطورات سلبية مرتقبة سوف تترك أثرها على قضيتنا. كنا جميعاً نرقب المستقبل بعيون حذرة، والعمل السياسي العربي يدخل منعطفاً بالغ الخطورة.
ولم يكن سليمان يطيل الإقامة في عمان.
أقام في تونس سنوات عدة.
سكن في بيت واسع هناك، من حوله حديقة فيها شجرة نخيل واحدة أو أكثر (لم أعد أتذكر). وأخذ يداوم كل صباح في مكتب فيه عدد من الموظفين. زرته في مكتبه، حينما جئت إلى تونس العام 1991 لحضور دورة اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين. كان بادي الهمة والنشاط، يستقبل الزوار ويدير النقاش في السياسة، ويتلقى المكالمات الهاتفية بصخبه المألوف وضحكاته المجلجلة ومزاحه الدائم.
عند الظهر ذهبنا، سليمان وأنا، إلى البيت لتناول طعام الغداء. بيت هادئ، تقيم معه فيه زوجته ليلى وابنه الفتى فؤاد. وفيه مكتبة تحوي رفوفاً من الكتب في شتى فروع المعرفة. كان من عادة سليمان أن يشتري كتباً كلما سافر إلى بلد، يهديني بعض هذه الكتب، وأفعل الشيء نفسه بين الحين والآخر، أهديه بعض كتب أقدر أنه راغب في قراءتها.
تناولنا طعام الغداء، ولم نتوقف أثناء ذلك عن الحديث في شتى الموضوعات. قدرت أن سليمان يعيش فترة من الهدوء، بعد سنوات طويلة من القلق والمعاناة. كان المنفى التونسي محتملاً كما أعتقد، لجمال تونس وللتهذيب البالغ الذي تنطوي عليه نفوس التونسيين.
ومن تونس، كان سليمان ينطلق إلى بقاع شتى في هذا العالم.
ذات مرة في العام 1989، جاء ومعه زوجته وابنه الأصغر، إلى براغ.
جاءوا لقضاء إجازة الصيف في المدينة الأوروبية الجميلة. أقاموا في شقة مفروشة في حي هادئ من أحياء المدينة. وكنت أقيم في براغ ومعي زوجتي وابنتاي. ذهبنا لزيارة سليمان وأسرته بعد وصولهم إلى المدينة بيوم واحد، ثم دعوناهم لتناول طعام الغداء في بيتنا. كنا منفيين في براغ، لكننا لم نتوقف عن ممارسة عاداتنا الشرقية المتمثلة في الكرم وفي التواصل الاجتماعي، خصوصاً إقامة الولائم للقادمين إلى براغ من رفاق وأصدقاء. نشتري لحوم الخراف والجديان، ونعد المناسف لضيوفنا مستعيدين بذلك جو البلاد، ولو على نحو مجتزأ إلى حد كبير.
جاء سليمان وزوجته وابنه قبل موعد الغداء بقليل. جلسنا في صالة البيت، تسامرنا بعض الوقت، واستعدنا بعضاً من ذكرياتنا في الوطن. ولم نكن نعرف ما تخبئه لنا الأيام. كان سليمان واثقاً في المستقبل، ودول أوروبا الشرقية ومن ضمنها تشيكوسلوفاكيا، تتلقى أولى النتائج السلبية للبيريسترويكا التي بشر بها غورباتشوف ووصفها في كتابه بأنها ثورة من فوق. نتائج أولى على شكل تحركات شعبية متفرقة ذات طبيعة معادية للنظام، ولم نتحمس لتلك التحركات لأننا كنا في صف النظام. لم نكن نقدر حجم الأوهام التي تنطوي عليها البيريسترويكا، ولم نخمن في الوقت نفسه حجم الفساد الذي يعشش في أجهزة الأنظمة "الاشتراكية" في الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية. كان حسنا النقدي أقل انتباهاً مما يجب، ربما بسبب نزعة الولاء المطلق للفكر الذي آمنا به وأخلصنا له.
بعد الغداء، واصلنا أحاديثنا العابرة، ثم غادَرَنا سليمان وأسرته إلى سكنهم المؤقت. كانت براغ تعيش صيفها الأخير تحت حكم الشيوعيين، ولم نكن نعلم أنه الصيف الأخير، لذلك كنا مغتبطين (لولا هذه التحركات) لأننا نعيش في عاصمة دولة اشتراكية، ونشعر فيها بتعويض جزئي عن حرماننا من العيش في وطننا. ولم تفصح لنا براغ آنذاك عن شيء محدد قد يتمخض عنه ذلك الصيف.
بعد أسبوع، غادر سليمان براغ إلى تونس لأسباب تتعلق بعمله القيادي في منظمة التحرير، وغادرت زوجته وابنه المدينة بعد أسبوعين، لمواصلة العيش في تونس من جديد.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 13
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب12
- الأرملة... رواية اجتماعية لجميل السلحوت وديمة جمعة السمان
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب11
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 10
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب9
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب8
- مرايا الغياب/سليمان النجاب7
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب6
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب5
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب4
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب3
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب2
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب1
- مرايا الغياب/ أمينة7
- مرايا الغياب/ أمينة6
- مرايا الغياب/ أمينة5
- مرايا الغياب/ أمينة4
- مرايا الغياب/ أمينة3
- مرايا الغياب/ أمينة2


المزيد.....




- شاهد.. الرئيس الايراني الشهيد بريشة فنان فلسطيني
- أقوى أفلام الكرتون.. تردد قناة توم وجيري عبر أقمار العرب سات ...
- بخطىً ثابتة.. -جائزة سليماني- تكرّس حضورها في قلب المشهد الأ ...
- 300 صالة سينما فرنسية تعيد عرض -إنقاذ الجندي رايان- في ذكرى ...
- تفاعل كبير مع ظهور الشيف بوراك في مهرجان -كان-: ماعلاقة الكب ...
- فيلم -بوب مارلي: حب واحد-.. محاولة متواضعة لتجسيد أيقونة موس ...
- -دانشمند- لأحمد فال الدين.. في حضرة وجوه أخرى للإمام الغزالي ...
- الجامعة العربية: دور محوري للجنة الفنية لمجلس وزراء الإعلام ...
- تَابع Salah Addin 26 مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 26 مترج ...
- افتتاح مهرجان -نجوم الليالي البيضاء- الموسيقي في بطرسبورغ


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب14