أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المتواضعُ العظيم … السنبلةُ الثقيلة














المزيد.....

المتواضعُ العظيم … السنبلةُ الثقيلة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7520 - 2023 / 2 / 12 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العظماءُ دائمًا متواضعون. والعكسُ صحيح. وفي الصين حكمةٌ من الطبيعة تؤكد الفكرة. سنبلةُ القمح الممتلئة بالحبوب، دائمًا منحنيةٌ على ساقها لأنها مثقلةٌ بما تحملُ من رزق، والسنبلة الفارغة، تقفُ منتصبةً تطاول السماء، فقط لأنها شاغرة. كذلك البشر. تجد الشاغرين من الناس متعالين، فيما "الكِبارُ" يتواضعون ويتباسطون، حتى أمام الصغار. والعالمُ كلما ازداد علمًا أيقن أن ما يجهلُ أكثرُ مما حصّل.
بعد أيام نحتفلُ بعيد ميلاد أحد العظماء من ذوي السنابل الُمثقلة بالعلم والفكر والتنوير. يوم ١٨ فبراير القادم سوف نطفئ الشمعة الواحدة بعد المائة من عمره الخالد، لأن ما ترك لنا من فكر وتحضُّر ووطنية ونضال، باقٍ وحيٌّ وإن رحل صانعُه. أتحدثُ عن المفكر المصريّ الكبير "محمود أمين العالم". فكلّ سنة وهو طيب، حيث يكون في فردوس الله العليّ. كلُّ عام وابتسامتُه مشرقةٌ تعلِّمُنا التفاؤلَ والثقة في غدٍ أجملَ لمصرَ. كان الأستاذُ واثقًا من إشراق مصر الذي لن يخلفَ موعده مهما تأخر. لم أرَ أكثر منه تواضعًا وطيبةً وحبًّا للبسطاء وحبًّا للحياة وحبًّا للوطن ودعمًا لتلامذته.
قبل عشرين عامًا، عام ٢٠٠٣، كنتُ في المجلس الأعلى للثقافة أحضر ندوة للأستاذ، وبعد انتهائها ذهبتُ لأصافحه فأخبرني أنه قرأ ديواني الأخير وأعجبه. ثم سألني عما أنا مشغولةٌ به آنذاك، فأخبرته عن كتاب جديد أعمل عليه حول: العمارة والهندسة والفنون السبعة وعلاقتها بالفلسفة والمنطق. أعجبته الفكرةُ وطلب المخطوطةَ وكتب لي تصديرًا للكتاب، من أعظم ما يكتبُ أستاذٌ عن تلميذته. صدر الكتابُ في ذلك العام بعنوان: “الكتابة بالطباشير"، وصدر الجزء الثاني منه عام ٢٠١٩ عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان "الكتابة بالطباشير الملوّن"، وحرصتُ على وضع التصديرَ القديم في الطبعة الجديدة. ذات يوم جاءني كاتبٌ شابٌّ وطلب مني أن أقدّمه إلى الأستاذ العالم الذي كان يجلس على مقربة منّا. قال إن كل ما يرجوه هو نيل شرف مصافحته. فقلتُ له اذهبْ وحدك، سوف يرحب بك فهو جميل وبسيط! لكن الشابَّ تردد خجلا، فنهضتُ وذهبنا للأستاذ وقلتُ: "هذا الشاب الطيب يودُّ مصافحتك.” فما كان من الأستاذ العالم إلا أن نهض ومدّ يده قائلا: "أنا اسمي محمود أمين العالم.” وابتسامة رائقة باشّة تكسو وجهه. قلتُ مندهشةً: "يا أستاذ لا تعرّفْ نفسَك! فالمعروفُ لا يُعرّف، وتقديمك نفسَك إهانةٌ لنا، كونك رمزًا من رموز مصر! أَبَعد كل ما قدّمتَ لنا وللوطن من فكر وعمر وجهد وكفاح، تُعرّف نفسك؟!”
والكلام عن هذا الرجل لا ينفد. سواءً في شِقّه الإنسانيّ، أو في شقّه الفكري والفلسفي والتنويريّ والسياسي. حدثنا الأستاذُ عن اعتقالات 59، وكان محبسه في سجن القلعة. كان السجّانُ يجلد الأستاذ بالسوط كل صباح، وكان الأستاذ العالِم يجلس في المساء إلى ذلك السجّان ذاته، لكي يعلّمه الأبجدية والقراءة ويمحو أميّته!! هتفتُ مندهشة: "تُعلِّم من يجلدك؟!!!" قال: "نعم. كلٌّ منا يؤدي عملَه! هو يجلدني لأن يظنُّ أنني عدوُّ الوطن والدين، وبالتالي يعاقبَني، لأنه يحب الوطنَ ويحبُّ الدين. وأنا أقوم بدوري معه فأعلّمه. فهذا واجبي نحو ديني، ونحو وطني أن أنوّرَ أبناءه ما وسعني ذلك. لأن محنة هذه الأمة تكمن في وعيها. ودور كل مثقف أن يبني وعي الناس، قبل أن يحاسبهم على أخطائهم.” هكذا كان ذلك الرجل الاستثنائي الذي قُدَّ من نسيج رفيع الطراز. هكذا كان "محمود أمين العالِم" القادر على الغفران للمسيئين إليه. هو لم "يكظِم غيظه"، ولم "يعفُ عن الناس" وحسب، كما تأمرنا الآية الكريمة، بل تمّمَ الآية وكان من "المُحسنين"، لمن آذوه وعذبوه. "والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناس، والله يحبُّ المحسنين" آل عمران ١٣٤.
والحق أن العالم حين جلس إلى السجان وراح يعلّمه الأبجدية والقراءة، فيما خطوط السياط تقطر دمًا من ظهره، كان يعرف أين يكمنُ عدوُّه. عدوّه لم يكن ذلك البسيط الجاهل الذي يحملُ سوطًا في يده، بل عدوه وعدونا جميعا هو "الجهل" ذاته. ولذلك كان يحاربه. ثم يأخذه السجّانُ إلى حيث الصخور الضخمة ويقول له: "كسّرْ يا مسجون! للصخرة سبعة أبواب، في واحد منها فقط تكمن نقطة الضعف.” فيسمحُ العالمُ للسجان "الجاهل" أن يعلمه كيف يحدد مكمن الضعف في الصخرة!
عشقُه لمصر ووعيه بالتاريخ، جعلاه قادرًا على الإيمان بقوة مصر. فهو فيلسوفٌ يحوّلُ المقدماتِ إلى توالٍ، والمعطياتِ إلى نتائجَ، ويعرفُ أن لكلِّ "بما إن"، "إذن" تلاحقُها. ومازالت قصائده التي حفرها على جدران "سجن القلعة" مستيقظة تشهد ميلاد "الجمهورية الجديدة". كل سنة وأنت طيب يا أستاذ محمود العظيم.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقبال بركة … الجميلةُ التي أقبلت
- بقلم: البروفيسور أحمد عكاشة
- كيف تقتلُ الأدبَ؟
- معرض الكتاب … على اسم مصر .. وذكرياتي
- سلاح التلميذ ... وكتابي الجديد
- سؤالٌ مُفخَّخ … في امتحان!
- مع عمر… أعيشُ طفولتي!
- مَحو الأميّة المصرية في الجمهورية الجديدة
- كلّنا واحد
- نوال مصطفى… وسامُ الإنسانية من البحرين
- حبيبتي 2022… رغم عذاباتكِ... أشكرك!
- معلّمو الرهافة … المتوحّدون
- إيه فيه أمل! عن الطفل شنودة
- حينما الموسيقى … صوتُ السماء!
- دولةُ الأوبرا تحتضنُ مليكتَها
- اتهامات مفيد فوزي ... وهداياه
- ذوو الهِمَم … أبناءُ الحياة
- ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان
- أخبرني الخيميائيُّ: عن طيف التوحُّد Autism
- سرُّ إشراق السير مجدي يعقوب: PPHH


المزيد.....




- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المتواضعُ العظيم … السنبلةُ الثقيلة