أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حينما الموسيقى … صوتُ السماء!














المزيد.....

حينما الموسيقى … صوتُ السماء!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7469 - 2022 / 12 / 21 - 06:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"أنصتوا! أصيخوا السمعَ: إن الملائكةَ تُغنّي". هذه واحدةٌ من ترانيم الميلاد الأربع وعشرين التي أبهجت أرواحَنا أولَ أمس على "مسرح النيل"، بوسط البلد بشدو "كورال كنيسة سان جوزيف الكاثوليك"، بقيادة المايسترا الجميلة "ماجدلوين ميشيل". لا شيء أجمل من الموسيقى، ولا شيء أرقى من صوت الإنسان حين يناجي الله. الموسيقى هي صوتُ الملائكة تُغّني وهي تسكبُ الفرحَ على الأرض كلَّ صباح لكي نتنفس. صدّقوا الموسيقى واذهبوا إليها؛ فهي الدليلُ على أننا نتنفس. كان الأبُ المثقف "بطرس دانيال" جالسًا إلى البيانو أمام النوتة الموسيقية، يعزفُ النغمَ الرفيع وينطقُ البِّشرُ من وجهه. وهو كذلك الموزّع الموسيقي لبعض المقطوعات التي صاحبتِ الترانيم الجميلة في الحفل السنويّ الثري الذي تعوّدنا حضوره نهاية العام، لكي نودِّعَ عامًا كهلًا يتوكأُ على عصاه ويتأهبُ للمُضي في غياهب كهف الزمان، ونستعدُّ لاستقبال عامٍ فتّيٍ جديد، ندعو اللهَ أن يكون واعدًا بالسلام والمحبة والأمن والرغد للوطن العزيز مصرَ، وللعالم بأسره.
ليس أجملَ من مشهد رجل دين يعزفُ الموسيقى! لا تصدّقوا الصورةَ الذهنية لرجل الدين المتجهّم المُعادي للحياة! فتلك صورةٌ مصطنعةٌ زائفةٌ، وغير منطقية. فكلّما اقتربَ الإنسانُ من الله، ازداد فرحًا وبشاشةً واحترامًا للجمال والفن؛ لأن اللهَ تعالى واهبُ الفرح وواهبُ الجمال، وهو الفنانُ الأعظم الذي تجلّى في خلق الإنسان، والطبيعة لانهائيةِ التنوّع والسحر.
وهكذا أبناء مصر المسيحيين، في لحظات العُسر تعلو الصلوات في الكنائس تدعو الله أن يده لينقذ البلدَ الأمين الذي ذُكر في الإنجيل: "مباركٌ شعبي مصر"، مثلما كرّمه القرآن: "ادخلوا مصرَ إن شاءَ اللهُ آمنين." وفي لحظاتِ الفرح يدعون أبناء الوطن لكنائسهم لكي نكون: "فرحًا مع الفرحين" بعيد الميلاد المجيد. نُزيّن معًَا أشجار الكريسماس الخضراء بالنجوم ونُدف الجليد والأجراس الملونة، وندعو الله أن يجعل العام القادم عام فرح وسلام.
على مدى الأعوام الطوال، منذ عام ١٩٨٩، يقومُ الأبُ "بطرس دانيال"، مدير المركز المصري الكاثوليكي للسينما، بتدريب أطفال وصبية من طلاب المدارس الموهوبين والمتخرجين، يُدرّبهم على العزف، وتدرّبهم القائدة "ماجدولين ميشيل" على الغناء الأوبرالي، مرتين في الأسبوع طوال العام، حتى تكوّن كورال "سان جوزيف" الاحترافيّ، الذي تفخرُ به مصرُ وتنافسُ أرقى كورالات إيطاليا. تعلّم الأبُ "دانيال" الموسيقى الأوبرالية في إيطاليا على يد كبار الموسيقيين، ثم عاد إلى وطنه حاملا شعلة أرقى الفنون وأعلاها: الموسيقى. والحقُّ أن عجزَ اللغة، كل لغة، عن التبيان، يتبدّى حين تحاولُ الكلماتُ رسم قطعة من الموسيقى! بوسع الكلمات وصف جميع الفنون إلا الموسيقى. بوسع الأديب أن يصف: قطعة نحتية أو لوحة تشكيلية أو بناية معمارية، وتظل الكلماتُ أداةَ رسم: الشعر والمسرح، لكنها تعجزُ أمام الموسيقى. كيف نرسمُ "النغمةَ" بالكلمات؟ كيف نصفُ صوت الكروان أو خرير الماء أو حفيف الشجر، أو صوت طفلة تُرنّم؟ لهذا اخترع الموسيقيون لغةً خاصة برموز لا يفكُّ شفرتها إلا الموسيقيون: "النوتة الموسيقية". وهنا لا أملك إلا لغتي القاصرة لرسم حفل الكريسماس الذي تقدمه لنا كنيسة "سان جوزيف" سنويًّا في السبت الأخير قبل عيد الميلاد. تشهد مصرُ هذا الكونشرتو الضخم ويحرص على حضوره مثقفو مصر من السياسة والفنانين والأدباء والإعلاميين، ونحن موقنون أننا على وعد بنهل طاقة وجودية دافقة، وغسيل روحي عميق، يذهب بهمومنا التي راكمتها الأيامُ فوق أرواحنا على مدار العام، الذي يوشك أن يرحل، مُفسحًا الطريق لعام جديد نأمل أن يكون أجمل من سلفِه. الأبُ "دانيال" جالسًا إلى البيانو، المايسترا "ماجدولين" وعصا القيادة في يدها تواجه الكورال الذي تراوحت أعماره من السنوات الأربع إلى الخمس والستين عامًا. قدّم الحفلَ الأبُ الجميل "ممدوح شهاب" على نحو مبهج خفيف الظل، بذكر عنوان المقطوعة ومؤلفها كلماتٍ وموسيقى وتوزيعًا، ولمحة تاريخية عنها إن كانت من التراث العالمي أم حديثة، وأسماء المغنين الصولو والعازفين. ثم ينهمرُ شلالُ العذوبة يُغرق الحضورَ في صمت يشبه صمتَ خشوع الصلاة، لكي نغترفَ أكبر قدر من الطاقة السماوية التي تقارب حال الحلول الصوفي في روح الله. أربع وعشرون ترنيمة بالفرنسية والإنجليزية والإيطالية مع مزج خيوط من العربية سلّمنا إليها أرواحنا لنبرأ من الحزَن. كنا ننصتُ ونحن نسترجع طفولتنا وذكرياتنا في المدرسة مع احتفالات رأس السنة، وأغاني الميلاد، وانتظارنا زيارة بابا نويل بالهدايا والأمل في تحقيق أحلامنا الصغيرة. الُله يحبّنا ويعلمنا درسَ الحب لكي نحب الآخرين. ما أحوجنا إلى التشبّث بدرس الحب الذي لا يسقط أبدًا. المجدُ لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة. ميري كريسماس وشكرًا على كل هذا الجمال.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولةُ الأوبرا تحتضنُ مليكتَها
- اتهامات مفيد فوزي ... وهداياه
- ذوو الهِمَم … أبناءُ الحياة
- ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان
- أخبرني الخيميائيُّ: عن طيف التوحُّد Autism
- سرُّ إشراق السير مجدي يعقوب: PPHH
- عيد ميلاد الرئيس … محرابٌ ومذبح
- التنمُّرُ ... قاتلُ المستقبل
- تجمَّلْ بالأخلاق
- طنطا … تصدحُ شِعرًا … وتشدو مددًا
- مصرُ الراهنةُ ... في عيون الأشقاء
- ماذا صرتَ اليومَ يا جوناثان؟
- اِتحضَّر للأخضر … نحو عالَمٍ نظيف COP27
- علبةُ كشري ودرسٌ : الأسطى مختار
- افتتاح مهرجان الموسيقى العربية… إبهارٌ في إبهار!
- أخبرني الخيميائي: الزئبق... القاتلُ الصامت
- جيشُنا المصري… مصنعُ رجال
- اليوم العالمي للفتاة … زهرة الحياة
- شهداءُ مصرَ -المصريون- ... لأجل الوطن!
- جائزة الأولمبياد للرئيس... ويومٌ مع أطفال الرجاء


المزيد.....




- ثبت الأن تردد قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات وعرب سات ...
- مقتل العشرات من منتظري المساعدات جنوب قطاع غزة، وإغلاق المسج ...
- العراق.. السوداني يدعو الدول العربية والإسلامية للتعاون في ...
- هل تعتقد أن اغتيال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فكرة جيدة ...
- 1400 عام من الصمود.. ما الذي يجعل أمة الإسلام خالدة؟
- وزراء خارجية 20 دولة عربية وإسلامية يدينون الهجمات الإسرائيل ...
- هكذا يتدرج الاحتلال في السيطرة على المسجد الإبراهيمي بالخليل ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة نايل سات وعرب سات 2025 .. ث ...
- نتنياهو: لا أستبعد اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ...
- الخليل.. إسرائيل تخنق البلدة القديمة وتغلق المسجد الإبراهيمي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حينما الموسيقى … صوتُ السماء!