أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان














المزيد.....

ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7452 - 2022 / 12 / 4 - 11:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يغمرُني الفرحُ حين تومضُ بين الحين والحين ومضةُ نور وإشراقةُ رجاء، تؤكد لنا أن الطائفيةَ والأنانيةَ إلى زوال، ولن يتبقى فينا إلا التحضرُ والمحبة والإيثار. الإشراقاتُ ليست قليلة، بل كثيرة لكننا قد لا نراها، والعتمةُ ليست شاسعةً، بل هناك من أعداء الوطن مَن يريد لها أن تتشاسع. لكن شعبَنا الطيب يأبى لها أن تكون، وقيادتَنا السياسية الواعية وقائدنا العظيم حريصون على تذويب العتمة في النور في مصر أم الحضارة والنور.
دعوني أحكي لكم ومضةَ إشراق مصرية صغيرة تؤكد أن الغدَ بإذن الله مضيء بشمس التحضُّر. "بيشوي"و "ياسين"، تلميذان في المرحلة الابتدائية وزميلان في الفصل. الصغير "بيشوي" يضعُ نظارةً طبية لضعف نظره. لهذا لم يرَ حقيبة زميله "ياسين" وجلس على مكتبه في اليوم الدراسي الأول. جاء "ياسين" ووجد مقعده مشغولا، فقال لزميله: "هذا مقعدي وحقيبتي موضوعة على الديسك!” فنهض بيشوي معتذرًا لعدم رؤيته الحقيبة، وراح يجمعُ أدواته ليبحثَ عن مكان آخر. هنا قال "ياسين": “لا لا، انتظر. أنت لابس نظاره، خليك أنت هنا قُدام، وأنا هاغير مكاني.” وذهب الطفلُ الجميل ليجلس في آخر الفصل. عاد "بيشوي" إلى بيته وقصَّ الحكاية على والديه، فذهب الوالدان في الصباح إلى المدرسة وأخبرا الإدارةَ بالقصة الجميلة، فقامت المديرةُ بتكريم "ياسين" أمام زملائه، وشرحت لهم دلالة القيم الإنسانية النبيلة التي يجب أن نتحلّى بها، ونقلت ديسك "ياسين" إلى مقدمة الفصل مكافأةً له. حكايةٌ صغيرة بسيطة، لا شك تحدثُ مئاتِ المرات على صور مختلفة، لكنها تحملُ إشارة إلى الغد النقيّ الذي لن يكون فيه أثرٌ لبغضاء ولا عنصرية بإذن الله تعالى.
تحية احترام لوالدي "ياسين" اللذين أحسنا تربيته على القيم الرفيعة، وتحية احترام لوالدي "بيشوي" اللذين شعرا بأهمية إذاعة القصة لنشكر جميعًا هذين الطفلين الجميلين، اللذين يحملان لواءَ الغد.
***
الآن دعوني أحكي لكم فيديو صغيرًا يشرح لماذا اليابانُ يابانُ، ولماذا المواطن الياباني هو الأعلى في التهذّب واحترام الآخر. يبدأ الفيديو بحافلة تسير بسرعة عالية، فشاهد سائقُها طفلين يقفان على الرصيف في انتظار العبور إلى الرصيف الآخر. توقف السائقُ، وعبر الطفلان، لكنهما استدارا تلقائيًّا وانحنيا للسائق تلك الانحناءة اليابانية الشهيرة التي تقول: “شكرا". هذا ما يُطلقُ عليه: “الاحترام". هذا المشهد يحدث في اليابان كل يوم فهو من "طبائع الأمور”. مهما كنتَ مُتعجلا، ومهما كانت الظروف، مستحيلٌ ألا تشكرَ مَن يستحقُ الشكر. هذا "قانون كوكب اليابان”. حتى "الروبوت" الذي يقدم المعاملات في المصالح الحكومية، تعلّم الأطفالُ أن يقدموا له انحناءة الشكر، تلقائيًّا. لماذا يختلفُ الطفلُ الياباني عن بقية أطفال العالم؟ لأن المدارس في اليابان لا تكتفي بالتعليم الأكاديمي الرفيع الذي يصنعُ العلماءَ، بل تعلّمهم الأخلاقَ القويمة بشكل أساسي وعملي. من مرحلة KG يتعلّم الأطفال أن ينظفوا فصولَهم ويعيدوا ترتيب الفوضى التي صنعتها ألعابُهم. يتعلمون فضيلة "الشعور بالآخر". يتمرنون منذ طفولتهم أن يضعوا أنفسَهم محل الآخر. يتعلمون "المسؤولية" منذ بداية تكوينهم النفسي. الطفل الياباني يذهب إلى المدرسة في أولى سني حياته دون مرافقة الأم أو الأب. وبمجرد دخوله المدرسة يتشارك مع زملائه في تنسيق الفصول وطهو الطعام الذي سوف يتناولونه في الغداء. في العديد من المدارس اليابانية، ليس هناك وظيفة: "عامل نظافة”. فالتلاميذُ النجباءُ هم عمالُ نظافة مدارسهم. وبعد العودة إلى المنزل لا تنتهي مسؤوليةُ الأطفال، بل يذهبون إلى السوبر ماركت "بمفردهم" ليشتروا احتياجات البيت وفق توجيهات الأم. ثم يخرجون من البيت ليلقوا القمامة في الصناديق المخصصة وفق الترتيب العالمي للمخلفات. تبدأ عمليةُ غرس القيم والمبادئ والأخلاق في اليابان في عمر الثالثة. ولهذا يكبر الأطفالُ مهذبين متحضرين صبورين. مستحيل أن تشاهد عمليات التدافع في المترو تلك التي نشهدها أحيانًا في بلادنا. ينتظرُ الناسُ بكل أدب على جوانب الأبواب حتى يهبط الركاب، ثم يصعدون بهدوء ونظام. حتى على السلالم المتحركة يقفُ الجميعُ في طابور منتظم مرسوم بالمسطرة. أولئك الأطفال اليابانيون الذين نظفوا فصولهم وفناء مدرستهم في طفولتهم، هم الذين نشاهدهم اليوم في مباريات كأس العالم بعدما كبروا وهم ينظفون مدرجات الجماهير بعد انتهاء المباريات. هذا ليس دورهم كمشاهدين، لكنهم يعتبرونه دورَهم كبشر متحضرين. من أفسد شيئًا عليه إصلاحه، فلا نتركُ أحدًا ينظم فوضانا. تعداد اليابان اليوم يقترب من ١٣٠ مليون نسمة، لكن وطنهم هو "الأول" في العالم من حيث الترتيب والنظافة والتحضر والتعاطف، و"الأخير" عالميًّا في معدلات الجريمة.
شكرًا لكل متحضّر في هذا العالم، يمارسُ التحضرَ والاحترام والأخلاق، ويعلّمها لأولاده.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخبرني الخيميائيُّ: عن طيف التوحُّد Autism
- سرُّ إشراق السير مجدي يعقوب: PPHH
- عيد ميلاد الرئيس … محرابٌ ومذبح
- التنمُّرُ ... قاتلُ المستقبل
- تجمَّلْ بالأخلاق
- طنطا … تصدحُ شِعرًا … وتشدو مددًا
- مصرُ الراهنةُ ... في عيون الأشقاء
- ماذا صرتَ اليومَ يا جوناثان؟
- اِتحضَّر للأخضر … نحو عالَمٍ نظيف COP27
- علبةُ كشري ودرسٌ : الأسطى مختار
- افتتاح مهرجان الموسيقى العربية… إبهارٌ في إبهار!
- أخبرني الخيميائي: الزئبق... القاتلُ الصامت
- جيشُنا المصري… مصنعُ رجال
- اليوم العالمي للفتاة … زهرة الحياة
- شهداءُ مصرَ -المصريون- ... لأجل الوطن!
- جائزة الأولمبياد للرئيس... ويومٌ مع أطفال الرجاء
- عِلمُ بلادي الجميلة: Egyptology
- -هشام سليم-… الأبُ الجسور
- الآخرُ الجحيمُ … الآخرُ الفردوس
- فارساتُ راهباتِ الفرنسيسكان


المزيد.....




- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان