أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - التنمُّرُ ... قاتلُ المستقبل














المزيد.....

التنمُّرُ ... قاتلُ المستقبل


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7437 - 2022 / 11 / 19 - 13:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


استكمالًا لحديثي الاثنين الماضي حول "التنمّر" الذي هو "قتلٌ عمدٌ مع سبق الإصرار والترصد"، دعوني أُحلّقُ معكم بخيالي لنكتشفَ أن التنمّر والسخرية قتلٌ للمستقبل والعِلم كذلك.
قبل ألف عام، أشار طفلٌ إلى طائر يجوب السماء، وقال لأبيه: “أريدُ أن أطيرَ مثله يا أبي." فسخر الأبُ من ابنه وقال بثقة العالِم: "الإنسانُ لا يطير يا أحمق." فصمتَ الأحمقُ. جلست طفلةٌ على شاطئ البحر تراقبُ الموجَ الهادر، ثم ركضت إلى أمها: “أمّي أودُّ أن أغطسَ في عمق الماء.” فهزأت الأمُّ منها: “كفى غباءً فأنتِ لستِ سمكة!” فكفّت الغبيةُ عن غبائها ومضت تكنسُ الدار. كبُر الطفلان وقالا: “اشتقنا إلى حكايات الجدّة التي تسكن في البلدة البعيدة. كيف يمكنُ سماعُ صوتها عن بعد؟" فضحك الأب والأم من بلاهة الطفلين، وأخبراهما أن الإنسانَ ليس عِفريتًا ليسمع عن بعد. وأنهما حين يكبران سيعرفان أن ما تمنياه مجرد نكتة سمجة. فسكت السمجان وانتظرا أن يكبُرا.
سوف يكبرُ الأطفالُ ويموت الآباءُ والأمهات، وتبقى نظرياتهما خالدةً خلود القوانين. وحين يكبر الأطفالُ سيعلّمون أطفالَهما أن الإنسان لا يطير، ولا يغطس، ولا يُنصت عن بعد. وتمرُّ القرونُ ونصلُّ إلى القرن ٢١ دون أن نعرف شيئًا اسمه طائرة، ولا غواصة، ولا هاتف، ولا حاسوب كالذي أكتب الآن، ولا مطبعة تنقل أفكاري إليكم. فالأسلافُ لا يتكلمون هراءً، وما يُقعّدونه من نظريات لا يجوزُ مسُّها، لأن الأقدمين مقدسون لا يخطئون. وانتقاد قول الأموات خطيئةٌ ومروقٌ وكفرٌ وحمق. ومن تمنطقَ تزندق.
في القرن الرابع قبل الميلاد، قال "سقراط" إن عدد أسنان المرأة أقلُّ من عدد أسنان الرجل. لم يقل هذا كطبيب أسنان، بل كفيلسوف يرى أن المرأة بفمها "النونو"، لابد يحتوي على أسنان أقل. وحين جاء أول طبيب أسنان في التاريخ ليكشف خطأ تلك الفرضية، اِتُهم بالجنون والشذوذ، لأنه يُكذّب عظيمًا من السلف، بالرغم من أن "سقراط" العظيم نفسه، قد حُكم عليه بالموت بتهمة الزندقة والكفر وازدراء الآلهة في شريعة الإغريق لأنه نادى بإعمال العقل وهجر الأساطير! للموت هالةٌ تمنح الميتَ قداسةً افتراضية. ومن حسن الخُلُق توقيرُ الميت ونسيان عيوبه. وفي الحديث الشريف: “اذكروا محاسنَ موتاكم، وكفّوا عن مساوئهم.” وهي خصلةٌ طيبة، لأن الميت لم يعد هناك ليدفع عن نفسه الأذى، فأمّنتْ له الإنسانيةُ أن يرقد في سلام، دون الاضطرار للذود عن اسمه السابق في دنيا تركها إلى غير رجعة. لهذا ننسى أخطاء موتانا ولا نتذكر إلا مواقفهم الكريمة. إلى هذا الحد، يُعدُّ الأمرُ إنسانيًّا وجميلا. لكن الخطورة أن نتجاهل تطور العلوم ونعدُّ نظريات الأقدمين من صحيح العلم.
انتبه المفكر الإنجليزي "فرنسيس بيكون"، إلى تلك الآفة البشرية في "تقديس الأولين"، دون مجرد الرغبة في تحليل أقوالهم وغربلتها وتمييز الصالح منها والطالح، والعميق منها والعفوي، والعلمي منها والاعتباطي. وأطلق على تلك الآفة: "صنم المسرح"، ضمن الأصنام الأربعة التي تعوّقنا عن معرفة الحقيقة. واستشهد بتجربة علمية عملية أجراها مُجايله الإيطاليّ العالِم الفلكي الفيزيائي "جالي ليو جاليلي”، الذي أثبت بالتجربة، أمام علماء الرياضيات والفيزياء، وحشود العامة أننا لو ألقينا من أعلى "برج بيزا"، حجرين يزن أحدهما رطلا، والآخر عشرة أرطال، أن الحجرين يصلان الأرض في لحظة واحدة. وشاهد الناسُ ذلك بعيونِهم، لكنهم كذّبوا عيونَهم واتهموا "جالي ليو" بالجنون! لماذا؟ لأن "أرسطو" الفيلسوف الإغريقي الشهير، الذي مات قبل تلك اللحظة بعشرين قرنًا، قال إن الحجر الأثقل وزنًا، يصلُ الأرضَ أسرع! "أرسطو" "قال" ولم يثبت. و"جالي ليو" قال و"أثبت". لكن الناس صدقوا "الميت"، ولم يصدقوا "الحيَّ"! لماذا؟ إنها "هالة الموت" التي تجعل من الأموات قديسين وعلماء لا يخطئون. وتكرر الأمرُ حين أثبت "جالي ليو" بالمعادلات الرياضية أن الأرضَ تدورُ حول الشمس، فحكمت الكنيسةُ عليه بالموت لأن في هذا مخالفة لما فهموه من الكتب المقدسة أن الأرضَ مركزُ الكون، تدور حولها الشمسُ. فاضطر "جالي ليو"، إنقاذًا لحياته، إلى العدول عن قوله ومجاراة أقوال الكهّان المغلوطة.
أديرُ الآن رقم هاتف "جالي ليو" وأعاتبه قائلة: لو كنتُ مكانك لتمسّكتُ برأيي ولم أخف." فيضحك ويقول: "الحياة غالية يا عزيزتي وهم لم يستحقوا المعرفة. وقد أنصفني التاريخُ حين خرجت أوروبا من غفلتها الغيبية وأفاقت على نور العلم بعد موتي بقرون.”
بعد "جالي ليو" والطفلان، جاء أطفالٌ آخرون، أخبرهم آباؤهم أن الإنسان لا يطيرُ كالطائر ولا يغطسُ كالسمكة ولا يسمع عن بُعد كالعفريت، لكن أولئك الأطفال أنعم اللهُ عليهم بمَلكة عظيمة اسمها "الشكّ". فكانت الطائرةُ وكانت الغواصةُ وكان الهاتف. لا تسخروا من الأحلام، فهي المستقبل.
               ***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجمَّلْ بالأخلاق
- طنطا … تصدحُ شِعرًا … وتشدو مددًا
- مصرُ الراهنةُ ... في عيون الأشقاء
- ماذا صرتَ اليومَ يا جوناثان؟
- اِتحضَّر للأخضر … نحو عالَمٍ نظيف COP27
- علبةُ كشري ودرسٌ : الأسطى مختار
- افتتاح مهرجان الموسيقى العربية… إبهارٌ في إبهار!
- أخبرني الخيميائي: الزئبق... القاتلُ الصامت
- جيشُنا المصري… مصنعُ رجال
- اليوم العالمي للفتاة … زهرة الحياة
- شهداءُ مصرَ -المصريون- ... لأجل الوطن!
- جائزة الأولمبياد للرئيس... ويومٌ مع أطفال الرجاء
- عِلمُ بلادي الجميلة: Egyptology
- -هشام سليم-… الأبُ الجسور
- الآخرُ الجحيمُ … الآخرُ الفردوس
- فارساتُ راهباتِ الفرنسيسكان
- لقد نسيتَ كيس الأرز أيضًا!
- السنة المصرية والسنة القبطية وعيد النيروز
- هذا سبتمبر … يا أمّي!
- كوكب ياسمين مصطفى… المصري


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - التنمُّرُ ... قاتلُ المستقبل