أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لقد نسيتَ كيس الأرز أيضًا!














المزيد.....

لقد نسيتَ كيس الأرز أيضًا!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7375 - 2022 / 9 / 18 - 14:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رجل فقيرٌ دخل البقالةَ مع طفلته ذات الخمس سنوات، واختلس رغيفًا من الخبز، وهمَّ بالخروج خلسةً. انتبه البائعُ واستوقفه. ارتعبَ الرجلُ وتصبّب عرقًا خجلا من ابنته؛ بعدما افتضح أمرُ سرقته أمامها. الطفلة تسألُ أباها في براءه عمّا يجري. ولا يدري الأبُ بماذا يجيب! فإذا بالبائع يجيبُها: (لا شيء يا ابنتي. لقد نسى والدك بعض المال بقية الحساب!) وأعطاه بعضَ المال. ولم يصدقِ الأبُ ما يحدث. فإذا بالبائع الآخر يبتسمُ للأب قائلا: (ونسيتَ كيس الأرز كذلك.) وناوله كيسًا ضخمًا من الأرز. كانت ما سبق أحداث فيلم إيراني قصير جدًّا (دقيقة واحدة) عنوانه "الخبز" وفاز بعدة جوائز في مهرجانات دولية عديدة. البائعان لم يسامحا الرجلَ وحسب، بل أنقذا طفولةَ طفلة لئلا تنهدم في عينيها صورةُ الأبِ الفارس.
تلك معضلة "العدل"، و"الرحمة". لو سرقت أُمٌّ فقيرة رغيفًا لطفلها الجائع؛ هل نضعها في خانة اللصِّ، أم في خانة المضطّر النبيل، الذي ضحى لإنقاذ روح بريئة من الهلاك؟ لن نحددَ أبدا إجابةً واحدة (نقيّة). لأن الشقّين موجودان كلاهما في هذا السلوك! الضِعةُ والعُلوّ. وكيف يجتمعُ نقيضان في سلوك واحد؟ ألا يهدمُ هذا أحدَ مبدأ "عدم التناقض" الأرسطيّ؛ القائل إن الشيء الواحد لا تجتمع فيه صفتان متناقضتان في آن؟ وكذلك مبدأ "الثالث المرفوع"، أو الوسط الممتنع، القائل إن لا قيمةَ وسطى بين الصدق والكذب، فكلُّ قضية إما صادقةٌ، وإما كاذبة؟!
ستواجهنا تلك الإشكاليةُ كثيرًا في كل ما يتعرض "للإنسانيات" في تعقيداتها الكبرى. انتبه الفنانون والشعراء والروائيون والمسرحيون خصوصًا إلى تلك المفارقة فصنعوا أعمالاً خالدة. الطفلُ الجائعُ الذي سرق رغيفًا، استلهمها "فيكتور هيجو" في رواية "البؤساء" قائلاً في مقدمتها: "تخلق العاداتُ والقوانينُ في فرنسا ظرفًا اجتماعيًّا هو نوع من الجحيم البشري، فطالما وجد فقرٌ ولامبالاة، فإن كتبًا كهذا الكتاب ستكون دائمًا ضرورة". انتقدت روايتُه الظلمَ الاجتماعيّ والفقر واللامبالاة في فرنسا أوائل القرن التاسع عشر؛ بسبب حروب التناحر على السلطة. وتعاطف القارئُ، مع "جان فالجان"، الطفل الجائع، الذي دخل السجن ١٩ عامًا لسرقته رغيفًا، ليخرج منه مجرمًا حقيقيًّا، لولا لقائه بالراهب الطيب الذي آواه في بيته وأطعمه وأكرمه. لكن "فالجان" غافله وسرق شمعدانه الفضيّ. وبعد القبض عليه برّأه القسُّ من تهمة السرقة لكي يُنجيه من السجن مجددًا. بفضل نبل القسّ وحكمته، تحول اللصُّ الآثمُ إلى رجلٍ نبيل يظلُّ يساعد الفقراء حتى وفاته. لكن الفكرة هنا أن القارئ تعاطف مع فالجان "الطفل السارق"، حتى قبل أن يتحول في كهولته إلى رجل كريم. يعني تعاطفنا معه "لصًّا”!
تلك الإشكالية الدرامية استلهمتها التراجيدياتُ الإغريقية قبل خمسة وعشرين قرنًا. خطايا الأبطال الخُطاة. "سوفوكليس" في مسرحية "أنتيجونا"، يطرح مأساة الفتاة التي حاولت دفن جثمان أخيها، فيما أراد "كريون" أن تنهش جسدَه الجوارحُ لأنه خان الوطن. قال "هيجل" عن هذه المسرحية إن سوفوكليس وضعنا أمام مذنبَيْن. أذنبت "أنتيجونا" في حق الوطن، وأذنب "كريون" في حق رابطة الدم. كذلك أوقعنا النرويجيُّ "هنريك إبسن" في تلك الأزمة الوجودية في "بيت الدمية". "نورا"، صاحبة أشهر صفقة باب عرفها التاريخ. حيّرتِ النقادَ والقراءَ معًا. وصفها البعضُ بالجسارة والقوة حين تركت كلَّ شيء وراءها رافضةً أن تظلَّ "دُمية" جميلةً في يد رجل. واختارت أن تكون كائنًا حرًّا وإنسانًا مسؤولاً. واعتبر هؤلاء تلك المسرحيةَ أول صرخة نسوية في التاريخ الأدبيّ تنادي بتحرر المرأة من الاستعباد. وفي المقابل رآها البعضُ امرأة مهزوزة مهلهلة الشخصية خسيسة احتالت على القانون بتزوير توقيع والدها للحصول على المال لتنقذ زوجها من مرضه الخطير. ويُشفى زوجُها بفضلها. لكن الشرير "كروجشتاد" يهددها بإفشاء سرها إن لم تقنع زوجها، مدير البنك، بالرجوع عن قرار فصله. ويعلم الزوجُ بفعلة الزوجة فيقرر طلاقها "خوفًا على سمعته”. وحين يستوثق من زوال الخطر باختفاء دليل إدانتها، يحاول استرضاءها. لكن "نورا" بعد صدمتها في زوجها تهجر البيت وتصفق وراءها الباب صفقة هزّت أركان الدنيا. هل نعاقبها أم نسامحها على سرقة والدها لإنقاذ زوجها من الموت؟ تلك إشكالية العدل والرحمة. ولم يقل التاريخُ كلمته النهائية. ولن يقول. محكمةُ "الضمير الإنساني والرحمة" تُبرّئ الأمَ السارقة رغيفًا، وتبرّئ جان فالجان وأنتيجونا وبرومثيوس ونورا، لكن محكمةَ "العدالة والقانون" تجرّمهم جميعًا، وتضعهم في سلّة واحدة مع اللصوص وعُتاة المجرمي! قد يكمن الخطأُ مع الصواب في أمرٍ واحد، فنحارُ بين العدل والرحمة. وكلاهما صفةٌ أصيلة من صفات الله تعالى. وتلك محنةُ الإنسان.
               ***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة المصرية والسنة القبطية وعيد النيروز
- هذا سبتمبر … يا أمّي!
- كوكب ياسمين مصطفى… المصري
- نجيب محفوظ … العصيُّ على الغياب
- ميس كاميليا … مسيو موريس
- سميرة موسى … نابغةُ مصر الخالدة
- في حب العذراء مريم
- أشقائي … شهداء كنيسة -أبو سيفين-
- ماذا علَّمني أبي … وأبي؟
- التعليمُ الراهن … مُعاصَرةٌ وأخلاق
- مهرجان -چرش- … يصدحُ ويزهو
- مدارسُ الفرير … على شرف الماعت
- لماذا تدنّى مستوى خطابِنا؟
- ٢٦ يوليو … تفويضُ الكرامة
- خطاباتُ جدّي وجدّتي … تعليم زمان
- أولادُكم ليسوا لكم … شكرًا للنائب العام
- في الطريق إلى الثمانين … السعادةُ اختيارٌ
- أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!
- العيد … العائلة … الجنّةُ التي على الأرض
- الضمير… القطّةُ التي كسرت عنقي!


المزيد.....




- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لقد نسيتَ كيس الأرز أيضًا!