أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عليوي - الفصل الثامن عشر والفصل التسع عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت















المزيد.....



الفصل الثامن عشر والفصل التسع عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت


مؤيد عليوي

الحوار المتمدن-العدد: 7490 - 2023 / 1 / 13 - 00:18
المحور: الادب والفن
    


الفصل الثامن عشر : الناصرية .. وأهوار الذكريات
قررتُ الذهاب إلى الجنوب، وأورك أول مدن الطين والعشق، حيث بقايا السومريين من صيادين اسماك الاهوار ونبض الحياة الأول، فكانت الناصرية بعد ظلمة الفجر الشفيفة وغبش الطيور المهاجرة ومرح الاسماك حيث الحرية والتأريخ والانسان، ملتقى الأديان وأرض إبراهيم الخليل..دخلنا أنا وصاحبي إلى مقهى شعبي وسط الناصرية، طلبتُ الشاي، لكن فضّل (زوو) العصير الطبيعي الذي اشتراه له أحد عمال المقهى من عربة العصير التي تقف على رصيف باب المقهى..
فلم أسمع ثمة أغنية لناصر حكيم أو داخل حسن أو حضيري أبو عزيز أو حسين نعمة، تُذاع من راديو كبير الحجم شامخ من رّف المقهى على الجالسين في بطنها، فلا وجود للراديو اليوم كما حكيتَ يا أبي عن الناصرية عند أول تعيينك فيها معلما، قبل الجبهة الوطنية بسنة تقريبا، بين الاحزاب التي تأسست في الناصرية أما اليوم فترى الجميع في مقاهي الناصرية، إذا أراد أحدهم الاستماع لأغنية أو لقصيدة حسينية، ما عليه إلا أن يفتح هاتفه الجوال ويسمع ما يريد وحده من خلال سماعتين في أذنيه، فاليوم عندما تتقدمت التكنولوجيا والإلكترونيات تقدمت معها الحريات الفردية خطوة إلى الأمام، وتغيب مركزية الإذاعة والتلفزيون لغياب طريقة الحكم المركزية القديمة، كما غابت عن مجتمعات العالم المتحضر، لتكن الحريات الفردية في متناول يد المواطن، لكن الديمقراطية السياسية المجلوبة من الخارج وغير النابعة من التطور الصناعي لم توفر بنية للمجتمع العراقي نحو الرقي الإنساني، نحو حريات فردية حقيقية فيها أحترام للرأي الآخر المختلف، كما كنتَ تود أن يتقبل العراقي أخاه العراقي بكل أختلافه معه.. تاه محمد السومري بين الكلمات ثم أعاده الوطن،عودا على ذي بدء مع أبيه : فكلماتك أبي مازال صداها يتردد "الوطن يجمع الجميع تحت جناحيه مثل اليمامة تجمع أفراخها على اختلاف لون ريشهم"، كيف يحدث هذا التطور،وحقيقة أمرنا أننا نستورد كل شيء، حتى فساد الساسة ممهور بالعَمالة بجنسيتين أو ثلاث، فسادهم ينخر المجتمع والناس قبل الدولة، إذا كان المسؤولين عن سقوط أكثر من نصف مساحة العراق بيد داعش (دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام؟!)، لم يُقدموا إلى المحاكم، فهل يُقدم المسؤولون عن ضياع وطن وإنسان؟! هل اتفقوا جميعا على قتل الناس وبيع الوطن؟ هل فرانك وزمرته في لندن، وزمر أمثالهم في كل مكان من العالم متفقون على قتلنا؟!، بذريعة أنهم يبحثون عن مصالحهم في النظام العالمي الجديد، هل يعلم الشعب العراقي حقيقية ما يدور بإسم الديمقراطية والدين والقومية وحقوق الإنسان و .. و...، وهل يعلم الشعب العراقي حقيقة خطط إصلاح اقتصاديات دول العالم الثالث في صندوق النقد الدولي، وكيف يتم إركاع الشعب بالخبز، بدلا عن استعمال الدبابات والطائرات وباجرات عملاقة في البحر؟، صار صوت نفسه يضرب في رأسه مثل جرس كنسية كبير وقد أصابه اليأس، حتى يتكلم بصوت مسموع غير وهو ينظر الى صاحبه( زوو) الذي لا يعلم بهذيانه هذا.. عبد الله النجفي يقول ثمة تظاهرات ستخرج بقوة هذه الأيام، أيا عبد الله، جميع التظاهرات عادية بل إن المحافظات الجنوبية التي في عمق الجوع والبطالة، والغرق في المخدرات لا تتظاهر، والحشيش وحبوب الكرستال وغيرها من المخدرات مثل النار في الهشيم، تنهش جسد المجتمع، نظر إليه (زوو) : لستُ بالسيد عبد الله! وعاود نظره الى جواله المحمول، لم يلتفت محمد لكلام صاحبه، فهو في عالم ثانٍ، قاطعهما صوت (قافله من الصوبين) من الطاولة المجاورة، مع صوت ضربة قوية على تلك الطاولة من يد لاعب الدومينو، رجع محمد بوجهه صوب السماور يرنو له وهو ينفخ دخانه إلى فوقه، وإلى جنبه إبريق الشاي الكبير على الموقد، في ركن المقهى المترفع بالبناء أكثر من متر ونصف، أشعل السومري سيجارته ونفخ دخانها صوب جهة السماور الفضي اللون كأنه يجاريه في النفخ، كان صوت أبيه يواصل حكاياته عن أول تأسيس للأحزاب العراقية في الناصرية في بواكير القرن المنصرم، وقت كانت السياسة وكلمة حزب تعني التضحية بالنفس من أجل الشعب والوطن، ولا تعني راتبا شهريا في نظامين بات أحدهما أكثر حقارة من الآخر، وضباع السلطة القديمة ذاتها تلبس كل ثوب من أجلها، ذات خصال الضباع في كتابة التقارير والحقد والضغينة على الناس بلا سبب، ربما زمانك يا أبي وأنت معلم في الناصرية وقت كانتْ تتغنى باسم ظافر وقصيدة عريان السيد خلف " هلبت مات جيفارا"، وشجاعة أستاذ كاظم واصحابه، كان أحلى زمان لها، أو ربما كنتَ تراه أنت كذلك، فتحكيه بذلك العشق على الرغم من أنك لم تقاتل مع ظافر ولستَ ضده، كنتَ شاهدا على زمان مضى، في ذلك الوقت كانت كلمة الحضارة العراقية تأخذ مأخذها في الواقع، بينما كان المعلم والتعليم والعلم يمثل ضرورة لدى الناس على اختلاف ميولهم، واختلاف حالتهم الاجتماعية، حتى ركب ظهر السلطة في العراق صنم الحروب والقتل والسجون والتشريد والمقابر الجماعية والحصار، المتغني بالقومية العربية فمزقها بغزوه للكويت، شبيه عملهم بضرب الجبهة الوطنية وأركانها، مثل عمل مليشاتهم منذ شباط منذ سنة 1963 إلى اليوم والمليشيات من كل دين وقومية تمزق العراق، ذلك الذي يبرره بعضهم على أنه ردا على ما حدث في الموصل وكركوك سنة 1959،متناسيا ذلك البعض تمرد الشواف وفعله ضد جمهورية عبد الكريم قاسم، التي أخرجت بريطانيا العظمى من العراق، ولم يسألوا أنفسهم لمصلحة مَن يكون الانقلاب وتمرد الشواف وما تلاه من انقلابات على عبد الكريم قاسم وفقراء العراق؟، بالتأكيد كان لمصلحة إعادة بريطانيا وزمرها الرجعية في داخل العراق وخارجه، وكنتَ تقول لو كانت الملكية قد بقيت لما كان حالنا هذا، فالعراق تابع اقتصادي للدول العظمى على طول العصر الحديث وكان نوري السعيد وعبد الاله ذيل بريطانيا قد بلغا من العمر عتيا وكان الملك الجديد "فيصل الثاني " شابا طموحا في بناء العراق ومن الممكن أن يتطور المجتمع العراقي تراكميا مع مرور الوقت وهدوء الوضع دون استفزاز الدول العظمى بالجمهورية التي آلت الى دكتاتورية وحروبها، لقد كانت الظروف الآنية تدفع بالسياسة وبالمواقف الوطنية الى نقطة اللاعودة دون نظرة استشراف المستقبل، واليوم كل مَن يتحدث عن حقّه أو يطالب بوطنه ...
كان محمد السومري مازال في خضم كلامه مع ذكريات أبيه : كل كلامك صحيح يا أبي، فطالما سألتكَ هل ممكن لحكومة أمريكا أو بريطانيا أن تساعد شعبنا العراقي في محنته تحت وطأة الدكتاتور، كنت تقول: أمريكا أو بريطانيا تساعد شعب من الشعوب؟! وتفتح عينيك متعجبا متسائلا، رافعا نظارتك إلى أعلى أنفك العزيز وأنت تتحدث وتقول : الإمبريالية تبحث عن مصالحها فقط يا محمد، أو علي، أو سيد خليل أو عمر، أو سعدون، أو آزاد، أو بابان، أو طاووس، أو ...، فلا ينفعك سوى إخوتك العراقيين من هذه الأسماء العربية أو الكردية ومن جميع أبناء التنوع العراقي، لكن يا أبي ها قد جعل الدكتاتور أغلب الشعب العراقي يقبل بالإمبريالية أن تحتل الوطن للخلاص مِن ظلمه، وبعده جاءتنا الأحزابُ الدينيةَ ومَن لبس ثوب العلمانية معها، والتي جعلتَ أغلب الشعبَ العراقي يعيد نفس تلك الكلمة "نقبل بشارون اليهودي يحكم ولا أحزابهم تبقى بالعراق"، لممارستهم ظلم الدكتاتور ذاته بطريقة لبس كل شيء يبقيهم في الكراسي هذه المرة، ليكون الظلم أكثر مكرا وخداعا،مع مَن يتقاسم معهم كل شيء حتى وظيفة معاون مدير مدرسة في بغداد، فقد غدت بغداد، بغداد يا أبي، غدت ملتقى تقاسم الثروات والنهب حتى آثارها نُهبت، لتصير ثروات تخروج إلى ملاهي لندن وصالات قمار لاس فيغاس، بيد أبناء المسؤولين الجدد من كل نوع ورعكه وباوبوج ، ما أشبه اليوم بالأمس، فغابت الحضارة عن واقع العراقيين أكثر من غيابها قبل عقود، أكلتها الحروب والحصار وتفشي الجهل وتدليس الدين، ها نحن من جديد على شفا ضياع الوطن مرة أخرى، فالصمت يخيم على الناس ولا تظاهرة حتى! ، نظر محمد إلى جوانب المقهى بنظرة ساهمة تقلّب الموجودات فيها شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، بينما راحت نفسه تشغل ذاكرته لتعيد كلام أبيه عن "مقهى البرغوثي"، حين كان يصف وصوله لها، حيث كنت ستصلها بعد أن تتجاوز ساحة الرصيف المثلثة وسط المدينة والتي يستعملها باعة الفاكهة في الصيف لتنزيل محصول البطيخ والرقي وغيرهما من الفاكهة، كان ذلك المقهى عبارة عن مقهى ثقافي تُناقش فيه دون موعد سابق جميع الأفكار.. يدخلها طلاب الثانوية والجامعة، بل حتى مَن لا يقرأ ولا يكتب كان يجلس فيها ليتعلم من بعض ما يسمع، كانت النقاشات بين الأفكار وليس الأشخاص بمعنى ليس لغايات شخصية، حتى كنباتها لم يكن فيها مكان مخصص لشخص ما دون غيره، والتي كانت تُفرش بالحصير من سعف النخيل، ورائحة الهيل تملأ الشارع من المقهى، مما حدا بأهل المدنية أن يسوموه بـ"بالمقهى المثقفين"، كانت الافكار النيرة تدور ليل نهار مثل نواعير هيت الزراعية، أما حول كتابٍ وأفكار ورؤى أو عن شخصيات فلاحية نضالت في مدة الحكم الملكي من أجل حقوقهم، قصص تخص رجال المدينة وريفها مثل أية مدينة عراقية تجد فيها قصة الشيخ أحمد عبد الله، أو يطلق عليه أحيانا ملا أحمد حين كان يسكن خارج المدينة في ريفها مترامي الأطراف، لتسيطر شخصيته وحضورها كأسطورة في المدينة ومدن الفرات الأوسط، على عقول الناس وأحاديثهم، لمَا تحمّلت تلك الشخصية من ظلم وضيم وجوع وملاحقة بين البساتين والأدغال، وأسلوبه الخاص به في التملص من عيون أمن نوري السعيد وشرطته، جاعلا منهم نكتة بين الناس يتفكهون بها في مجالسهم، معتمدا على حب الفلاحين له وحرصهم بالحفاظ على حياته، ليظل صاحب الشخصية مستمرا بنضاله لا يكل ولا يمل، فلم تستطع أية سلطة الإيقاع به..
خرج محمد من صوت نفسه وهمس بصوت مسموع إلى صاحبه، كانت المقاهي في العراق متشابهة في كل شبر منها، مثل مقاهي اليوم ، فيما لم يعره (زوو) الانتباه وظل مكبّا على هاتفه المحمول.
*****
أخرج محمد هاتفه من جيبه واتصل على صديقه أبي حسين وقال له: أنا في المقهى المتفق عليه قرب الكراج لقد تأخرتَ كثيرا، إنني في الطريق إليك وقريب منك، أغلق هاتفه ثم قام من مكانه مرحبا بأبي حسين الذي جلس بينه وبين صاحبه وبادرهم بالضيافة عنده، قائلا تتفضلون الآن معي إلى البيت لترتاحوا قليلا، ونقوم بخدمتكم أنتم ضيوفي وأعزاء على الناصرية كلها، ثم نذهب بجولتنا في المدينة، كانت كامرة (زوو) تركز على وجه المواطن الشاب الذي تحدث عن ظاهرة الانتحار للأعمار الشبابية بين 19 سنة و20 سنة من أترابه أو المقاربين له في السن، هذه الظاهرة التي بدأت تغزو شباب العراق في مدن الجنوب منذ سنتين، كان حديثه يدمي القلب عندما تحدث عن اليأس من تحقيق الأحلام، فإذا كانت حقوقنا وحقوق أهلنا لم نحصل عليها من الأحزاب الحاكمة التي تستأثر بكل شيء، هل يعقل أن لا يستطيع شاب أو شابة، من تحقيق حلم حياته، قاطعه محمد، وما الفرق بين الحقوق والأحلام؟ أجابه: الحقوق يا أخي واضحة من مثل حقنا بالخدمات، فأفقر الدول توفر الكهرباء المستمرة لشعوبها، ومثلها باقي الحقوق في التعليم والصحة وغيرها، والأحلام شخصية ، إني أحلم أن أصبح طيارا أجوب العالم، فلا حقوقنا قادرين أن نحصل عليها، ولا أحلامنا قادرين أن نحققها ، قاطعه محمد : ولكنك إلى الآن لم تنتحر مثل أقرانك؟ إني بانتظار التظاهرات التي دونوا عنها في موقع التواصل الاجتماعي، والتي ستنطلق في أول يوم من أكتوبر القادم إن شاء الله، وواصل كلامه عن واقع المأساة اليومية لفئة الشباب، هذه المرة عن أزمة الثقة بين الطلبة وواقعهم المرير، قائلا : إن الطلبة الذين يتعلمون لا توجد وظائف لهم بعد تخرجهم، مما سبب حالة يأس من التعليم، كما ازداد عدد المتسربين منه، والجهل والفقر في أي مجتمع لا ينتج سوى كوارث منها الانتحار، المهم مَن مدينة الناصرية التي انطلق منها شعار "باسم الدين باكونه الحرامية" في تظاهرات 2015 وكنا أصغر من هذا العمر وشاركنا بها، قسما بالله ستكون التظاهرات القادمة في الناصرية أقوى وأشد مِن سابقتها، وحق العراق أبي الحضارات، لا اختلاف عندنا كيف نموت، المهم إزاحتهم لتعيش الأجيال القادمة من شعبنا، فنحن شعب حي لا يموت ،ولن يموت، كان قد أكمل اللقاءات التي أجراها من يومه، حتى واصل نهاره بالليل، لكثرة الضحايا بسبب الانتحار في الناصرية، ولكثرة المشاكل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، التي يعاني منها الشباب من البنين والبنات، كان محمد يأخذ قسطا من الراحة وهم جالسين في إحدى المقاهي، وقد توقد بخلده يوم واحد من تشرين الأول، يوم التظاهرات في العراق كان صوت الشاب، الذي تحدث عن الأحلام والحقوق ينثال في رأسه ونفسه دون غيره من الناس، فسأل صديقه أبا حسين الذي يجالسه في المقهى؟ مستفهما منه عن تأريخ اليوم، إنه يوم 28 / 9 / 2019، نظر في هاتفه ليتأكد من التاريخ واليوم، ثم نظر إلى صاحبيه ليطلعهما على قراره في مبيت ليلتهم تلك عند أبي حسين، الذي سبق وترجاهما كثيرا بأن يكونا ضيوفه بعد يوم عمل، كما كان من قراره السفر إلى النجف صباحا، في حين أمست حركة الزوار المنطلقة من مدن الجنوب إلى كربلاء مشيا، تبدو أقل مما كانت عليه في أول الصباح، حينها التفتَ محمد إلى الشارع وفي ذهنه أبي كوكب وكلامه حول موقده، لم يكن الزوار من شعوب أخرى يتوافدون مثلما كل سنة يزورون ويغادرون العراق قبل وقت الزيارة الأربعينية، والعراقيون في مدن الطين والعشق من الوسط والجنوب والشمال، يتحدثون عن معاناتهم وضياع وطنهم بيد الأحزاب والسلطة التي تمارس السطوة على المجتمع والدولة، وتتقاسم الوظائف والمناصب فيما بينها باسم الشراكة الوطنية أو التوافق الوطني ومن تلك المسميات، التي لا تفضي إلا إلى محاصصة حزبية ضيقة وفئوية مقيتة .
رجعتُ ببصري إلى التلفاز وحديث نفسي، ونحن نتفرج على قناة إخبارية في المقهى الشعبي بالناصرية ، صارت عيناي على الشاشة، وعقلي يحلل حديث نفسي المتواصل،حتى مَن أعدّ نفسه لخدمة الزوار كان يتحدث عن الهم الجمعي ذاته وعن الضحك على الذقون نفسه، بما يشبه كلام أبي قيس وأبي كوكب عند "موكب الشيخ جاسم" من السنة الماضية، وكلام الناس نفسه في الموصل وهيت، وغيرها من مدن الطين والعشق والبترول، ذات الكلام الذي تتناوله الفضائيات، الغريب في الأمر إن القنوات الفضائية لأحزاب السلطة تتحدث عن هموم المواطنين وتتباكى على ضياع الوطن والناس! هذا ما لم يتحمله عقلي، هل يُعقل كل هذا الكذب والزيف و..؟!، قمنا وخرجنا من المقهى، لــنباتَ ليلتنا تلك في بيت أبي حسين، نتابع الأخبار أنا و(زوو) في غرفة الاستقبال، وطلبتْ أجسامنا أن نمدّها قليلا، بعد أن استأذننا أبو حسين ظنّا منه أننا سنخلد للنوم بعد أن شاهدنا نمد ظهورنا كل على فرشه، فاطفأ إنارة الغرفة وذهب إلى داخل بيته، مما جعل شاشة التلفاز الكبيرة أمامنا، تبدو مثل شاشة السينما وقت بث فلمها، لا يوجد سوى الظلام وضوء الشاشة، وفيه ظهر (عاجل : انتحار رجل مسن هو وعائلته بقنبلة يدوية فجرها وسط منزله في مدينة الديوانية)، وبعد لحظات خرج أحد أقرباء الضحايا على شاشة تلك القناة وقال :(أنهم كانوا فقراء، وأبوهم لم يستطع توفير الخبز وما يرغبون من أكل فانتحر هو وأسرته)، أطفأ (زوو) جهاز التلفاز مستغربا من هذا الخبر العاجل وعلى وجهه علامات الاستفهام، ثم أشعل موسيقى هادئة من هاتفه، ووضع سماعاته في أذنيه ..



الفصل التاسع عشر: النجف وتوهّج شرارة أكتوبر...
كان سائق سيارة الأجرة القادمة بنا من ناصرية الجنوب إلى النجف، يقود سيارته بيدين خاليتين من المحابس والخواتم، فيما نبّع هاجس من قلبي، أن أرجع إلى "فندق در النجف" وأستأجر الغرفة عينها، التي كانت تطلّ على الشارع وساحة التظاهرات هناك كما قالوا في النجف..

كانا قد وصلا إلى مدينة النجف، حين نزلا في الكراج الجنوبي من المدينة، ثم استأجرا سيارة التاكسي من الشارع المقابل للكراج، لتوصلهما إلى "فندق در النجف"، بادرهم السائق بحديث عن النجف والتظاهرات ومشاركة المرأة فيها مفتخرا بمديرة المدرسة الابتدائية والنقابية المعروفة عنده في نقابة المعلمين "ست سهى"، التي شاركت في جميع التظاهرات المطلبية السلمية بالنجف منذ سنوات، مُؤكدا لهما عن أهمية النجف في العراق، وقبل أن يوصلهما إلى ساحة ثورة العشرين، أخذ السائق يتفاعل بحماس وطني، وهو يروي وقائع التظاهرات التي حضر بعضها إذا لم يكن لديه عمل، أو ما يراه من خلال عمله في الشارع، وهو يرى التظاهرات عن قرب في ساحة ثورة العشرين تحت مجسراتها الجديدة، وراح يروي لهما عن آخر تظاهرتين.. فيما التفتَ لهما وقد أوقف سيارته بسبب الازدحام، ليحكي التفاصيل التظاهرة الأولى التي كانت مناصرة للتظاهرة السلمية لحملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل في بغداد، وهم يطالبون بالوظائف في تظاهرتهم تلك، فتعرضوا مرة أخرى، إلى الضرب المبرح وخراطيم المياه الحارة، نسي السائق ان الازحام انتهى وقد فتح الطريق أمامه مسح وجهه ونظر اليها وهو مازال يتحدث خاطبه شرطي المرور (تحرك)، حرك سيارته وهو مستمر بالحديث عن التظاهرة السلمية الثانية في النجف فمطاليبها تهدف إلى توفير الوظائف العامة، وخاصة في وزارة التربية، والمطالبة بحماية المتظاهرين وحرية التعبير، لقد كانت التظاهرتان سلميتين صغيرتين بالعدد، كبيرتين بالمعنى، شارك بهما الناس في شعارات كانت تأخذ شكل " الردّات الحسينية " لكن مضمونها شعارات وطنية كان قد أسس لها الشاعر الوطني الحسيني عبد الحسين أبو شبع في خمسينات القرن الماضي، تفضح الأحزاب الحاكمة وفسادها وتدحض نظام المحاصصة الفاسد وتطالب بالحقوق المستحقة لجكيع العراقيين..
كان حديث سائق التكسي مستمرا حتى أوصلهما الى الفندق، وقد توقف قليلا بسيارته عند باب الفندق مكملا حكايته عن تأريخ التظاهرات في النجف، حتى استأذنَا منه ونزلا من السيارة، في ترحيب حار منه لهما بعد أن تعارف الجميع، ليودعهما بكلمته:(إذا تحتاجون شي اتصلوا عليه هذا رقمي)، دلفا "فندق در النجف " ومحمد يلح على استعلامات الفندق أن يسكنا في الغرفة التي سبق ونزل بها منذ مدة، بينما صعد(زوو) بالحقائب إلى الغرفة فوجدها خالية، وضع الحقائب ببابها ونزل إلى صالة الفندق، ودون أن يكلم رجل استعلامات الفندق، تناوش مفتاح الغرفة من لوحة المفاتيح التي خلفه، وأخذ محمد من يده حيث المصعد الكهربائي، فسأله محمد عندما صارا في المصعد كيف خطرت ببالك الفكرة؟ أجابه وجدتها جميلة، وأنت كنت تفكر فيها، تصافح الاثنان بمرح عند باب المصعد الذي فتحه السومري وصاحبه، ودخلا الغرفة وضعا أغراضهما فيها ونزلا إلى صالة الفندق، ليواجها موظف الاستعلامات وجها لوجه، لم يعترض بدوره على ما فعلاه، بل رحبّ بهما بقوله "الزبون دائما على حق"، ولم أكن أرغب أن تسكنا بها، لأنني أردتُ أن أرسل مَن ينظفها مجددا لكما على الرغم من نظافتها الجيدة، شكراه وغادرا الفندق للتجول في المدينة قليلا ، ثم عادا لغرفتيهما، ليريحا جسميهما من عناء السفر..
خرجتُ وصاحبي من الفندق متأخرينِ بعد وقت العصر، نتجول دون قصد منا، والجو مازال حارا، حتى جذبتنا نسمات الهواء الباردة في حي السعد، وحدائقه المتناثرة بظلال باردة، حين ترفع الشمس ثوبها الحار بين وقت العصر والمغرب، دارت بخاطري صفحات مما قرأتُ في كتاب "الوجه الآخر للنجف" ونحن نتجول في المدينة من حي السعد الى شارع الروان ونرى معالم التطور العمراني فيها خاصة في هذا الشارع الذي عرفت ان اسمه الرسمي شارع "الشاعر محمد مهدي الجواهري " رجعنا انا ورفيق الكامرة وزميل العمل الى غرفتنا..كنتُ بدأت أدوّن من "دفتري السومري" كلماتي هذه التي مرّت في الصفحات الماضية فيما مرّ بنا أنا وأبي الذي حين كان يقول :"لم يكن حمام الزاجل خائنا، ولم تكن الناس لا تقرأ ولا تكتب، بل كانت ثمة دكتاتورية تشرّد بالوطن، مثلما تحاول أحزاب السلطة اليوم أن تشرد بهذا الوطن"، صرتُ أكتبُها منتظرا شمس يوم جديد في الأول من تشرين، فأنا لن أترك وطني ولن أهاجر كما هاجر أبي، غفوتُ على أوراق ليلتي تلك عند الفجر تقريبا...، كان يرى في منامه تظاهرة كبيرة تمتد من ساحة ثورة العشرين إلى نصف طريق الكوفة وجميع المتظاهرين يرفعون العلم العراقي لا غير، بينما كانت راية واحدة من العلم العراقي كبيرة تتوسط الجماهير ترفرف عاليا، ليس لها عمود سارية، كأنها غيمة قريبة ولها ظلّ وافر، سمع صوتا يكلمه "لا تتعجب، إنها أرواح الشهداء من المتظاهرين، ترفرف في سماء العراق وتحمل رايته، فلا تثريب عليك، انت الشاهد على هذا ولن يدوم ظلم، حتى ربّ السموات والأرض، لا يحاسب صبية وفتيان وشباب أن أذنبوا لأنه رب رحيم، حتى كبار السن لهم رب يحاسبهم وليس من حق البشر ذلك، فما بالك بمَن لا ذنب لهم غير أنهم طالبوا بحقّهم في العيش الكريم وحفظ كرامتهم وتراب وطنهم"، أختفى الصوت الذي يكلّمه، ثم صار يرى دخان دون نار وسط جموع المتظاهرين، وسمع أصوات إطلاق عيارات نارية على جموع البشر، ورأى فتية يتساقطون من بين تلك الجموع التي تتفرق تارة وتتجمع تارة أخرى، ثم تفور الناس من كل شارع وزقاق في حركتها المتقدة، لتعود جموعا أكثر إلى الساحة كلما سقط شهيد، سمع باستشهاد مصطفى الكهربائي، وأبي قيس، وأبي كوكب رجل الموقد، ومهند وميض القيسي، وأحمد السعبري، وصفاء السراي، وحيدر القبطان، وسيد خليل القزويني العراقي الذي حاز اوسمة دولية بوصفه رياضي فنون قتالية، وعلي إيهاب علي الموسوي وعمر السعدون، وفاهم أبو كلل الطائي، و..، و.. .و...، فكانت أغلب مدن الطين والعشق، كانت تردد أسماءهم، فترتفع أرواحهم تعانق العلم العراقي الكبير الخالي من السارية، لتمسك كل يد بطرف منه في السماء، وترفرف به أكثر، كان السومري يغط بنوم عميق حتى صحا من نومه ....
وفي وقت العصر من أول تشرين/ أكتوبر، كان الصحفيان في "فندق در النجف" في غرفتهما المطلة على الشارع، حينها صار (زوو) ينصب سيقان الكامرة، ثم ثبّتَ عليها كامرته الكبيرة وزومها يُبصر الشارع وساحة تظاهرات مجسرات ثورة العشرين، كان المنظر في الشارع عبارة عن لوحة عسكرية قاتمة، كأنّ الحكومة ستدخل حرب شوارع، فيما كان عدد السيارات الحكومية العسكرية المدججة بالسلاح كبيرا جدا، ومعها سيارات ضخمة مُعدّة لرش المياه الحارة من خراطيمها السوداء على المتظاهرين العزل، فالقوات الأمنية تحوّط ساحة ثورة العشرين، بالإضافة إلى عجلات مدنية بلا أرقام مرورية، وهي تمخر شوارع ساحة التظاهرات بشكل طبيعي كما تفعل السيارات الحكومية ،كنتُ ما زلتُ في غرفة الفندق، وقد تركتُ(زوو) يصوّر من شباك النافذة المطل على كل الأحداث، وينقل مباشرةً إلى إحدى القنوات الفضائية التي اتفقتُ معها على البث المباشر لتظاهرات النجف، فتحتُ تلفاز الغرفة الذي أهملناه أنا (زوو) طوال مدة جلوسنا في النجف وغيرها من مدن الطين والعشق، حين كنا نعيش واقع الناس، بثتْ الفضائية الإخبارية نقلها المباشر من ساحة التحرير، لزخم المتظاهرين السلميين، كان أكثرهم من الشباب والفتية والنساء .. كانت الجماهير الغفيرة تمتد من بدايات شوارع ساحة التحرير المدورة كقرص الشمس، لتكون الجماهير الغفيرة والغاضبة أشعة تلك الشمس، تموج من جميع الشوارع التي تؤدي إلى وسط الساحة، عند الحشود تحت نصب الحرية ، وهي تردد شعارا واحدا "الشعب يريد إسقاط النظام"، أطفأتُ التلفاز، وخرجنا أنا و(زوو) إلى ساحة ثورة العشرين .. هبطا من درجات عتبة الفندق إلى الشارع بسرعة، ليصيرا وسط الشار بين كثافة من الجنود والعسكر يرتدون الملابس السوداء، بعضهم قد غطى وجهه وبعضهم غطى حتى شعر رأسه، كما كانت سيارتهم العسكرية سوداء أيضا، أما نحن فكنا نرتدي ملابس الصحافة، فلم يسألنا أي شخص مدني أو عسكري، عن سرّ ذهابنا إلى وسط ساحة ثورة العشرين عصر ذلك اليوم، مشينا وأنا أكلم (زوو) هل مازلت تتواصل معي، هز رأسه بنعم، وعلى وجهه هندسة معاني جديدة، لم أرها من قبل، وكامرته الصغيرة بيده، سألته ما بك؟! قال أحس بخوف كأنني أشم رائحة الموت، كأننا هنا وسط الساحة محاصرين من أجل قتلنا، ماذا سيفعل هذا السلاح الكثيف بالناس إذا حضرت اليوم؟ قلتُ : لا تخف فرّبنا معنا ونظرت الى السماء ودون شعور مني ذهبتْ نفسي بنظري حيث مرقد الامام علي عليه السلام فقلتُ بصوت مسموع "يا حاضر الشدادت يا علي"، أعاد تلك الكلمات (زوو) وقد أطمأن كثيرا والقى السلام على السيد المسيح والسيدة العذراء ..
كان محمد السومري ينظر الى (زوو) وهو يصور بكاميرته الصغيرة العسكر والساحة وانتظار الناس على جوانبها بشكل ملحوظ للقوات الأمنية، كانا وقد وصلا تحت جسر ثورة العشرين، ليقفا مع مَن كان موجودا من الناس القليلة وسط كثافة العسكر، تحت الظلال التي يوفرها الجسر ذو الطابقين، فيما وقف السومري يرنو صوب جموع الشباب القادمين من جهة الكراج الجنوبي بين جسر ثورة العشرين وبناية "مقبرة الحكيم" المقابلة تماما لبداية شارع الجديدات، لاح مطلع التظاهرة يتقدمها الشباب مثل مطلع قصيدة جميلة، كانت تظاهرة سلمية، فأيديهم تخلو من كل شيء سوى العلم العراقي، تسلم صديقي (زوو) مطلع التظاهرة بينما كان جزء من المتظاهرين ينتظر على جميع جوانب الساحة ومداخل الشوارع إليها، بعيون يقدح منها شرر الانتفاضة، بعيون تركت خلفها سنوات عجاف من استئثار الأحزاب الحاكمة بالمال والوطن وعقول بعض الناس، كان انتظار عيونهم وهي تترقب بحذر وتتفحص الساحة وما حولها، عند باب فندق زمزم ومكتب البريد وبجنبه مدخل شارع الحنانة من وسط الساحة إلى داخل حي الحنانة، ومن الجهة الثانية ومن خارج الساحة واتصالها ببداية شارع الجديدات كان جمهور الناس أكثر، ينظر صوب الكراج الجنوبي يترقب نهاية التظاهرة القادمة من هناك، وكذلك من جهة كراج الداخل في الشارع المؤدي إلى محافظة كربلاء عند نهاية جسر ثورة العشرين، أما من جهة شارع الكوفة حيث "فندق در النجف" فكان توافد الناس أقل من غيرها، لكثرة انتشار وتمركز القوات الأمنية والعسكرية وسياراتهم، في عصر أول يوم من شهرأكتوبر 2019، كانت ساحة التظاهرات في النجف تعج بالمئات من المتظاهرين أغلبهم من الشباب، ممن فتح عينية على الدنيا، في ظلّ نظام المحاصصة وفسحة الديمقراطية التي أوجدها التقدم الإلكتروني، ليمنحهم الحرية الفردية التي لم يشهدها العراق من قبلُ، فأمسى أغلب المتظاهرين من العاطلين عن العمل، يشتغلون في أعمال مهمشة اجتماعيا، ومعهم بعض الذين حصلوا على التعليم الابتدائي من أقرانهم فتركوا إكمال تعليمهم وذهبوا لبيع أكياس النايلون الصغيرة في سوق الخضار حتى نشئوا وأهلهم في الحرمان، أو ممَن وقفوا في تقاطعات الشوارع يمسحون زجاج السيارات للحصول على لقمة العيش المرّة، كانوا قد بلغوا العشرين ربيعا من أعمارهم، وأصغرهم بات عمره عشر سنين، ينتفض مثل البركان، بينما تلوح سواعد أخرى قد اسمرت من كثرة العمل تحت الشمس، فعمال البناء كانوا يلوّحون بأيديهم وعليها الجص والإسمنت، ومعهم سائقي ستوتات، وهناك ثمة بعض من الرجال ممن تقدم بهم العمر والهم والضيم، والعقال واليشماغ الأبيض والأسود علامة مميزة لهم، فيما كان أغلب الشباب قد مزقت الشمس ثيابهم فبدت الأمور على حقيقتها لتعري زيف وكذب الأحزاب الحاكمة حين استأثرت بالمال والوظائف العامة وأهملت التعليم والصحة و..، وكشفت فشل طريقتهم في التعامل مع الشباب، حتى انفجر بركان المجتمع بوجه تلك الأحزاب الدينية والقومية الحاكمة من الشمال الى الجنوب، في عموم مدن الطين والعشق، ليكونوا فتيان وشباب الانطلاقة الأولى لانتفاضة تشرين السلمية في الساحات، ومنها ساحة ثورة العشرين في النجف..كان (زوو) يحسّ بما أريد تصويره، فيأخذ كامرته ويشغلها حيث تتجه التظاهرة في عصر يوم بدا حار جدا كأنه من أيام شهر تموز، كانت التظاهرة الشبابية تردد شعارا واحدا " الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم رددت مجموعة أخرى منهم شعار " باسم الدين باكونه الحرامية "، وأخرى تردد " أحزابهم بره، بره، والنجف تبقه حرة" ،، و"ما نريدكم بعد ما نريدكم"، أمسى جميعهم ومَن كان ينتظر التظاهرة من الناس وسط ساحة ثورة العشرين، وقد امتلأت الساحة عن بكرة أبيها بحماس قلّ نظيره بوجوه أشرقت بها الساحة، مثلما يشرق يوما جديدا بالشمس، كانت الجموع مثل بحر لا يريد أن يهدأ وأمواجه تضرب ببعضها لتصير بما يشبه الإعصار عند خط التماس مع العسكر المدجج بأنواع الأسلحة،باتجاه الكوفة فكانت تتقدم الجموع بالهتاف والعلم العراقي لا غيره بأياديهم وكان بينهم مصطفى الكهربائي لاح وسط الجموع مثل رمح طويل يهتف بكل قواه وسط مجموعة الشباب، وقد بان على وجه الشباب المنتفض لفحات شمس كانت نبرة الحق تصدح بها حناجر المحرومين، مطالبين بحقهم في العيش الحلو الرغيد من ثروات وطنهم، المحرمون تحت سطوة زيف وكذب السلطة، كان إرث الثورات الذي تحدث عنه صديقي، رجل الموقد أبو كوكب، يتحقق وينفجر بعنفوان الشباب ومواقد نفوسهم التواقة لوطن يعيشون فيه بكرامة و يباهون به الأمم، فبعد أن تجمع الشباب وسط ساحة ثور العشرين يملأها الهتاف وحركة الشباب ذهابا وإيابا في الساحة كأنها موج بحر يتلاطم بعنفوان مجنون، وصوت الحق المطالب بوطن وكرامة إنسان في طريقة عيشه وحريته، مثلما كانت تظاهرات النجف السلمية منذ سنوات وبقيّتْ تظاهرات مدن الطين والعشق.. وبعد ساعة كاملة ازداد عدد التظاهرة، مع بث مباشر من ساحة التظاهرات يقوم به شباب الانتفاضة على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي كان السبب بزيادة زخم التظاهرة المنتفضة، وأنا و(زوو) مستمرين بتغطية التظاهرة بعد ساعة مع زيادة عدد المتظاهرين قام العسكر بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع،أو من لبس زي العسكر ليفعل ذلك ؟! كانت الامور مخلوطة تماما .. كان (زوو) يبحث عني فوجدني أحاول الاتصال على مصطفى الكهربائي، الذي أجابني "أستاذ محمد محتاج شي"؟، شكرته، وسألته عن حاله ممازحا إياه، ضحك مِن قلبه وقال "تحتاج مشروب "؟، أنهيت مكالمتي بشكره، وراجيا من الله حفظه، ثم قلتُ في نفسي "الحمد الله والشكر .. مرّت سلامات ".
*******
رجعتُ ومعي (زوو) إلى غرفتنا في "فندق در النجف"، في الساعة الثامنة من تلك الليلة الحارة جدا، توهّج إبداع (زوو) في تعامله مع الكامرة، كان ذكيا جدا لم تهرب منه لقطة واحدة في ساحة التظاهرات، كما كان ذكيا في تصرفه عندما ترك كامرته الكبيرة تسجل وتوثق ما يدور في الشارع من نافذة الغرفة، وقتها كانت ثمة حركة لقوات عسكرية تجوب الشارع وتطلق عيارات صوت في الهواء، مع عدم وجود أشخاص أو متظاهرين في الشارع أو ساحة ثورة العشرين، كنت أنظر من النافذة بينما ذهب (زوو) وأخذ يستحم تحت الدش البارد وهو يردد أهازيج المتظاهرين، خرج من الحمام وهو يسرح شعره القصير جدا، مما زاد وجهه حسننا، رمى بالمشط على سريره مثل حركة بعض الشباب العراقي وهو يمشط، ثم قال: خرجتُ من طفولتي، وقتها وصلني إحساسه، إنه أراد إخباري بمغادرة نفسه لطفولته مع أمّه نهائيا، بعد لحظات من الضحك المغموس بشكر (غوميز أو زوو) لي على مساعدتي له في خروجه من أزمته النفسية تلك، وضّحتُ له أننا الآن بوضع خطر جدا، لا نعلم ما سيحدث هنا، لذا دعنا من أمورك الشخصية الآن، ركّز معي، بالعراقي( صير زلمه صدك)،سألته: ألم تسمع صوت إطلاق النار في الشارع؟ قال وقد بدت على ملامح وجهه الشجاعة أكثر، لقد تجاوزت الخوف من المجهول، لننزل إلى صالة الفندق ونرى ما الأمر، كان بعض المتظاهرين يجوبون الشوارع الفرعية في عملية كرّ وفرّ ليلية مع عسكر الحكومة أو من يدعهما فلا نعلم شئيا عما يدور خلف الكواليس، أخبرنا بهذا أحد عمال الفندق، عندما نزلنا نسأل عن سبب إطلاق النار على الرغم من عدم وجود أشخاص في الشارع، أردنا الخروج اعترض رجل من استعلامات الفندق وقال لنا: أنصحكم بعدم الخروج ليلا، لأن الوضع خطير، ولا تنسيا إن هذا هو وضع العراق، ولستما في دولة أوربية تعملون فيها بالصحافة، لكزني (زوو) بطرف أصبعه، وقد حرّك رأسه بشجاعة، وقال لنعود إلى الغرفة، في المصعد أخبرني برأيه السديد وخطته إلى أين نذهب، من غير الممكن الدخول إلى الشوارع الفرعية ونحن في الطريق الرئيسي للكوفة والنجف والعسكر فيهما، كما من غير الممكن أن نتعرف على تلك الشوارع ليلا ونحن لا نكاد نعرفها نهارا، ثم دلفا الغرفة وأخذ كل واحد يستخرج من الثلاجة بعض الثلج لمشروبه، فيما اتصل (زوو) من الهاتف الأرضي في الغرفة، وطلب وجبة عشاء من مطعم الفندق، بينما ظل التلفاز يشتغل حتى الصباح، ذهبا في وقت الضحى إلى المستشفيات، التي كانت باتجاه الكوفة على الشارع الرئيسي، كان أولها المستشفى القريب من سكنهم عند جسر الإسكان، تاركين ساحة ثورة العشرين والفندق خلفنهم.
وجدنا في المستشفيات إن عدد الضحايا قد صار خمسة شهداء، أربعة من المتظاهرين وواحد من القوات الأمنية، في بادئ الأمر لم يسمحوا لنا بدخول أول مستشفى طالما استبينوا أننا صحافة أجنبية من خلال هوية الجريدة التي كنا نعمل بها ونحن بملابسنا الصحفية، فأغلب التابعين للأحزاب الدينية في هذه الأماكن لا يجيدون اللغة الإنكليزية، ولولا تأكدهم من أننا عراقيينِ من خلال اللهجة لما تركونا أحياء، حينها كان (زوو) قد اتقن اللهجة العراقية أكثر من قبلُ، بينما عرفتُ تلك المعلومة من أحد ذوي شهداء التظاهرة، الذين بقيتُ أنتظرهم عند باب المستشفى الخارجي، عرفته من ذوي الشهداء عندما خرج يشتم ويلعن الأحزاب الدينية حزبا حزبا وزمرة زمرة بصوت مرتفع، فأقبلتُ عليه وأخبرته إنني صحفي، وأريد أن أجري معه حوارا، سأبثه مترجما باللغة الانكليزية على قناة فضائية في أوربا، وافق الرجل وقبِل التعازي منّا، ثم رجعنا إلى الفندق منهكين، وبمجرد أن وضعنا رؤوسنا على الوسادة أطبق النوم علينا، لنصحو عصرا، وقبل أن أضع الماء على وجهي فتحتُ جهاز التلفاز أبحث عن أخبار يوم أمس في بغداد وباقي مدن الطين والعشق، كانت الأخبار مروعة بالمنظور الإنساني نسبة لعدد الشهداء والجرحى في تظاهرات سلمية لم يحمل المتظاهرون فيها سوى علم العراق، فاتصلتُ على رئيسة تحرير الجريدة التي كنت أعمل معها في لندن
- صباح الخير
- صباح الخير محمد أيها السومري أين أنت ؟
- في النجف
- كنت أتوقع حضورك الى لندن
- سيدتي هل سمعتِ بأخبار تظاهرات العراق السلمية يوم أمس؟ عدد الشهداء مهول والجرحى أكثر، كل ذلك في تظاهرة سلمية لم يرفع المتظاهرون فيها سوى علم العراق، أين دور الحكومة في ايقاف الطرف الثالث كما تدعي، أين حقوق الإنسان في هذا العالم؟ أرجو مساعدة شعبي بنشر الخبر في الجريدة وأرجو أن تتابعي الفيسبوك، فأكثر العراقيين في الداخل يستعملونه، ستجدين الحقائق كلها موثقة بالصور والفيديوهات وبالبث المباشر من ساحات التظاهر، سأتواصل معك من أجل إيصال الحقيقية إلى العالم، عسى أن يتحرك الضمير الإنساني . مع السلامة
- طيب .. طيب، مع السلامة .
كانت رئيسة التحرير قد أخذت على عاتقها نشر مقال بقلمها في الصفحة الأولى من جريدتها بعد أن شاهدت ما طلب منها أن تشاهده في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الاخبارية باللغة العربية.
فيما هو لم يكن قد خرج مِن جراحه النفسية لهول ما شاهد من استشهاد مصطفى الكهربائي وجرح العشرات من المتظاهرين منهم طلاب في جامعة الكوفة ومنهم من فقد احدى عينيه بسبب قنبلة دخانية موجه الى رأسه، كانت مشاهدته لفيديو على مواقع التواصل وهي تنقل لحظات استشهاد مصطفى الكهربائي في ساحة ثورة العشرين قد اقتعلت برج رأسه الى السماء فبقي جالسا يبكي .. رجع إلى ذاكرته يتأمل بقية الأسماء التي سمعها في ذاك المنام وهو لا يعرفها أصحابها لكنه دوّنها في ورقة بيضاء وأخذ يبحث عنها في التواصل الاجتماعي، فوجد صفحة صفاء السراي بصورته الشخصية، والثورة في عينيه، وكان المنشور الأخير فيها قبل ساعة قصيدته :
وطفه الشارع ضواه
ونعستْ كل الدروب
وروحي عالمامش تلوب
وانا اذوب
وانا اذوب
يا بحر ، يا ليل ، يمعود
روحي بالظلمة تذوب
والخطاوي متيهة دمي
والعيون تريد حلمي
والازقة الغافية ، وكل الذنوب
يا فوانيس المحلة اشتعلي مني
هاج دمي
هاج دمعي
هاج كل هذا الحنين
اشتعلي مني ، روحي بالظلمة تذوب
يا بريد ، الليل ما يندز رسالة
خاطر كليبي يتوب
وانا بالظلمة اذوب .
>>>>>>>>>>>>>>
خرجتُ من القصيدة لمشاهدة صفحة ثانية فيها صورة لشاب يبدو أصغر سنا، اسمه حيدر القبطان، وهو على ما يبدو يحب الفلسفة من خلال منشوراته في صفحته التي غادرتها الى صفحة عمر سعدون الذي كان يعشق كرة القدم ويشجع المنتخب العراقي، كما يشجع نادي الزوراء ولاعبه عباس بحماس شبابه، وغيرهم من الأسماء الواردة في منامه فيما كانت صفحة "فاهم ابو كلل الطائي" رجل من رجال الحشد الشعبي وكان يدافع عن حقوق الناس في التظاهرات مع اخوته العراقيين الفقراء المتظاهرين من اجل حقوقهم في العيش الكريم مثل باقي شعوب الارض..

******
سافر محمد السومري و(زوو) إلى بغداد، خلال فترة الأسبوعين التي توقفت فيها التظاهرات بالنجف بسبب الزيارة الاربعينية، فحجزا تذاكر سفرهما إلى لندن، تلك السفرة التي اتفقت (مع زوو) عليها لكي أبيعه شقتي في لندن، ولأقوم بعدها بنقل مكتبتي وكل ما ورثته عن أبي وأمي إلى العراق، وقد اخترتُ مكان إقامتنا المؤقتة في أحد فنادق شارع السعدون القريب من ساحة التحرير، في هذه المدة كثرت إشاعات السلطة في لعبتها الجديدة القديمة حول التظاهرات، وقد قطعت شبكة "الانترنت" عن المدن المنتفضة والمحتجة على فساد الاحزاب الحاكمة من الشمال الى الجنوب، فيما كنا قد زرنا أنا و( زوو) ساحة التحرير مرات عدة نشارك في تظاهرة تارة ونقوم بعملنا الصحفي تارة أخرى، فكانت مشاركة النساء أكثر في ساحة التحرير، من مشاركتهن في النجف حينها، قبل يوم 25 تشرين/ أكتوبر، لكن لم يكن يختلف سيناريو قمع التظاهرات في بغداد عن غيرها من المدن المنتفضة، هو القمع نفسه والقتل والطريقة ذاتها في النجف، والحلة،وكربلاء والناصرية، والكوت والديوانية ،والبصرة، والسماوة، والعمارة، لقد بقي لنا ثلاثة أيام على موعد طائرتنا، سهرنا خلالها نشرب سويّا في احد النوادي الليلية وتارة في الفندق، وقد قضى بعض الوقت يمرح معنا علي أبن عمي، كان قد طلب مني أن نكون ضيوفه في بيته، فرفضتُ وأقنعته إننا هنا ليومين بما يناسب عملنا الصحفي، لكن الامر الغريب والمريب هناك أنه قد زارنا أحد الأشخاص إلى غرفة نومنا قبل ليلة سفرنا إلى لندن بيوم واحد، كان شخصا هادئا لا أعرفه، يرتدي قميصا وبنطلونا فاخرين على جسم يشبه جسم لاعبي رفع الاثقال والحديد، حليق الذقن وله شارب كثيف، وقد رش وجهه بعطر من أفضل الأنواع عالميا، تشمّه من مسافة بعيدة ولا تنساه، كلمني كلمة واحدة قال : (إذا وصلت سالما إلى لندن فلا ترجع إلى العراق)، وذهب دون أن ينتظر مني ردا أو يرى ردة فعلي، وأنا في لحظتها لم أناديه أو أحاول الاستفسار منه، حينها اتصلت على علي أبن عمي، فعملتُ كما أخبرني سلفا عندما أكون بحاجة الى مساعدته، بأن أقول له : " أرجو أن تحضر عندي".
بعد ساعة حضر علي مرتديا بزته العسكرية إلى لقاء أبن عمّه محمد السومري، وقد أقلق جميع مَن كان في صالة الفندق، خوفا من الاعتقال العشوائي للناس بسبب استمرار الاحتجاجات في بغداد، بينما هو اعتذر من زبائن الفندق ومديره الذي كان موجودا في صالة الاستقبال، وطمأنهم إنه يريد لقاء أبن عمّه الذي نزل من غرفته فأخبره بموضوع صاحب العطر وحضوره إلى غرفته، فقال علي: حسنا فعلتَ ولم تكلمه، فلن يفعل لكَ شيئا، إنه من الضباط التابعين للأحزاب الحاكمة، وإذا وجدته مرة ثانية في بغداد اتصل بي وأخبرني: "إنك وجدتَ صديقك الذي تبحث عنه"، فقط هذا الكلام ولا تزيد كلمة واحدة عليه، ثم سأله "هل تعلم لمَ اتصلت عليك من هاتف الفندق الأرضي؟" اتصلتُ لكي تنزل أنت ولم أصعد إلى غرفتك، ليعلم الجميع في الصالة هنا، إنك أبن عمي كما أنني أوصيت صاحب الفندق عليك، فهو يحتاجني بظروف تخصّ عمل فندقه، ثم ذهب علي إلى عمله، فيما غادر محمد السومري صالة الفندق إلى غرفته .



#مؤيد_عليوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل العشرون والاخير رواية لم أشرقت .. لم رجعت
- الفصل السادس عشر والفصل السابع عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- الفصل الرابع عشر والفصل الخامس عشر راوية لم اشرقت ..لم رجعت
- الفصل الثاني عشر والفصل الثالث عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- الفصل العاشر والحادي عشر رواية لم اشرقت .. لم رجعت
- الفصل الثامن والتاسع رواية -لم اشرقت ..لم رجعت -
- الفصل السادس والسابع رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- رواية لِمَ اشرقتَ ..لِمَ رجعت َ!!
- الفصل الرابع والخامس رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- الفصل الثاني والثالث رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- التميع والتطبيع
- شعر كزار حنتوش ومرجعية الجمال في قصيدته - قصائد رسمية - إنمو ...
- أخرُ عشاءٍ للشاعر تأبط شرا في بغداد
- تقنية السارد بين الراوي العليم والرواي الثانوي في رواية -رما ...
- أخرُ عشاءٍ لتأبط شرا في بغداد
- في 2021
- قصة قصيرة - ضوءٌ منتفض -
- جماليات إيقاع التقابل في -تحوّلات- / الشاعر عبد المنعم القري ...
- سقوط
- سيرة نضال نجفيّة في قصيدة -خطى على ضفاف- *


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عليوي - الفصل الثامن عشر والفصل التسع عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت