أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عليوي - الفصل الثاني عشر والفصل الثالث عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت















المزيد.....


الفصل الثاني عشر والفصل الثالث عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت


مؤيد عليوي

الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 00:33
المحور: الادب والفن
    


الفصل الثاني عشر: نار مصطفى الكهربائي .. والحي الصناعي
أغلق رجل الموقد أبو كوكب هاتفه المحمول في الجهة الثانية للكرة الأرضية، أغلقه على اتصال محمد السومري من لندن، بصعوبة بالغة حين كانت أحدى يديه تصك على قطع الغيار الصغيرة التي إبتاعها لتوه من المحل المجاور لكهربائي السيارات في الحي الصناعي من محافظة النجف قرب مدينة الكوفة..
كان أبو كوكب قد أوصل مَن استأجروه بسيارته، إلى ساحة ثورة العشرين وسط مركز محافظة النجف، حيث حدائقها المترامية الإطراف تحت الجسر وعلى جانبيه، ذي الطابقين الذي يسقّف معظم الساحة أسفل منه، ثم ذهب إلى الحي الصناعي قرب مدينة الكوفة، كان يروم إصلاح عطل مفاجئ في كهربائيات سيارته الصغيرة البيضاء.. فيما قضة وقته ذاك عند الكهربائي مصطفى إلّا إنه عندما اتصل عليه صاحبه السومري من لندن، كانت يداه مشغولة ببعض الأغراض التي طلبها كهربائي السيارات هناك، في وقتها أضحى راجعا بخطواته الوئيدة يمشي إلى محل أبو مصطفى النجفي، لقد أضحى عائدا وهو يغني بصوت المطرب داخل حسن (لو رايد عشتركَ وياي حجي الجذب لا تطريه، أدور على الصدك يا ناس..)، حتى صار أمام المحل الصغير للكهربائي:
- أبو مصطفى هذي الأغراض التي طلبتها .
- إنقطعت كهرباء الوطني ولا أستطيع العمل إلا بها، فكهرباء المولدة لا تُعين على العمل .
- هاي اشلون شغله؟!! خره بهل القسمة.. نطلع تظاهرة لو نغنّي؟ .
- غنّي يخوي أحسن، غني رحمة لأبيك .
أمسك أبو كوكب بزمام الأمور، وراح يشجي الحاضرين ممَن تجمعوا حوله من المحلات القريبة من محل أبي مصطفى الكهربائي وحالهم مثل حاله ينتظرون عودة الكهرباء الوطنية، فقطع تلك الجلسة الشعبية صراخ مصطفى بأعلى صوته داخل محل أبيه الكهربائي، الذي لا يبعد عنهم سوى مسافة محلين صغيرين، كان جسمه ينتفض بقوة داخل المحل، ويهـتز مع بقاء يديه ممسكتين بسلك كهربائي غليظ في زاوية المحل، هرع جميع مَن سمع صوته في الشارع، إلى داخل محل أبي مصطفى الكهربائي، ثم استل المغني أبو كوكب هاتفه المحمول من جيب "دشداشته" البيضاء، وفتح عدسة كامرة الفيديو وراح يسجل ما يدور ، فالكهرباء الوطنية كانت قد عادت دون أن يعلم بها مصطفى الشاب الذي تجاوز سنيه العشرين بسنتين، فصار يرتعد فيما تصاعد بعض الدخان من رأسه، ويداه مازالتا متصلتين بالنقطة الكهربائية وسلكها الغليظ، وقد انزلقت عيناه من مكانهما إلى الأمام على أعلى خديه، تشبه عيون أفلام الكارتون التي تتدلى من مكانها، منظر مروّع هزّ كيان أبي كوكب من أعماق نفسه، فبكى وهو ممسك بهاتفه قيد التسجيل، لمَا يراه من خلال شاشة الكامرة وهي تصوّر تلك المناظر، وقد انهال الرجال ضربا بقطع الخشب على مصطفى حتى تم فصله عن الكهرباء، في تلك اللحظة انقطعت الكهرباء الوطنية مجددا، وقال رجل ببذلة عمله الزرقاء وهو منفعل جدا، قاصدا دائرة الكهرباء أو الحكومة :(يا أولاد النعل ليش كطعتوه، وليش ترجعوه بسرعة) كأنّ مَن يسبّهم أمامه، فيما الضرب كان مستمرا بقطع الخشب، وبعض العصي المُعدّة للعراك متوسطة الطول بحدود المتر والنصف، ومصقولة الجوانب، لها مقبض يد ملفوف بقطعة قماش، كان الضرب بها مستمرا على أطراف مصطفى الذي عانق أرض المحل، وسط جمهرة من عمال المحال في الحي الصناعي، وزبائنهم من النجف ومن مدن أخرى، صارت أصواتهم تعالوا بالسب على الحكومة وأحزاب السلطة، بينما أخذ بعضهم يدفع الموجودين بقوة يديه، ويردد:(إخرجوا من المحل نريد بعض الهواء، فالمحل صغير ولا يسع لنا، أخرجوا وامنحوه نسمة هواء، رحم الله والديكم)، بعد طول انتظار وتدليك على أطراف الشاب المسجى أرضا، وعلى وجهه الأسمر المكتنز والمدور، أسفل صورة مرجع الفتوى الجهادية ضد داعش، بينما شارب مصطفى الكثيف مع لحية طويلة تصل إلى أسفل رقبته، في كثافة من شعره فوق عينيه واللتين عادا إلى مكانهما الطبيعي، بنظرة لا مبالاة دون ينبضان بحياة، يعلوهما حاجبين كثيفين، كان وجهه هذا يوحي بوجه قديس قديم أو وجه تيشي جيفارا عند استشهاده، في حين مَن بقي عنده، صار ينتظره أن يحرك هو ساكنا وهم مستمرين يدلكون جسمه.
استمر التدليك مع دعاء بعض العمال له، إلى أن دبّت الحياة بيديه وساقيه، ورمَشت عيناه بسرعة مثل حركة جناحي عصفور يفر من قبضة صياد ماهر، فكانت أول كلمته أن طلب الماء وهو مازال يلوب مثل سمكة مزوهرة ، ينقلب ذات اليمين وذات الشمال على الأرض، استقرت حالته أكثر فأمسى يطلب الماء بلهجة أكثر حدة وبمزاج منفعل، محاولا أن يعوّض بشربة ماء، ما تبخر من رأسه وتصاعد دخانا،
- ابو مصطفى ولده : لا تعطوه الماء الآن، بل استمروا بتدليكه، وضربه بالخشب لكن برفق، مِن أجل استخراج باقي الشحنات الكهربائية من جسمه.
وقد أجلسه هو وصديقه العامل بهاء الدين عن حاله تلك، يساعدهم الآخرين في إسناده إلى الجدار خارج المحل الصغير في الظل المرح حيث مكان غناء أبي كوكب، وقتذاك أغلق أبو كوكب عدسة الفيديو وراح يلتقط صور لمصطفى الكهربائي وأبيه ومَن بقي حولهما، وقد ابتعد بهاء الدين اليساري الهوى، عن صديقه مصطفى ورفيق سلاحه في الحشد الشعبي قبل أن يتركا الحشد .. ، كان بهاء الدين يتصل على "إتحاد نقابات عمال العراق"، ثم أجرى اتصال آخر، رجا فيه الإسعاف أن تأتي بسرعة، بينما صوته كان مسموعا من الجميع حوله .. نادى عليه مصطفى الكهربائي رافضا اتصالاته بشدة وقوة، وقد استعاد وعيه وتحسّنت حالته حينها، ودخل الجميع في نقاش مع مصطفى وسؤالهم عن رفضه القوي على حضور سيارة الاسعاف أو ممثل النقابة العمالية حتى حضر ممثل النقابة، وليس بيده شيء يقدمه أو يؤخره،
حينها أجباهم مصطفى الكهربائي – ها يابه اشكال البهلول ؟!!
وعندما سأل أبومصطفى صاحب النقابة - ماذا نفعل ؟
- ماذا نعمل للكهرباء وعدم انتظام قطعها أو استمرارها، أحزاب فاسدة وتتلاعب بحياتنا جميعا..
رنّ هاتف النقابي المحمول هو مستمر بحديثه على ضرورة جمع التواقيع وتقدميها للمحافظ ليجد حلا للمشكلة التي باتت تتكرر مرارا، أو ينتفضون بتظاهرات مطلبية سلمية من اجل مصالحهم وحياتهم.
أخرج هاتفه من جيب بنطلونه وأجاب المتصل، ليخبره أحد أعضاء النقابة، عن انفجار سيارة تكسي تعمل بالغاز بدلا من البنزين، عن طريق التحوير، بسبب الشركة التي فرضت استعمال الغار الإيراني للسيارات بدلا عن البنزين، وهي تعود لفاسدين في السلطة، تأمل رجل النقابة أصحاب المحلات وعمالهم، وهم مَن حوله وقد أغلق اتصاله، ماذا أخبركم ؟ هذا الاتصال من أحد السواق وهو في النقابة معنا قال فيه إنني يجب أن أحضر إلى مكان حادث انفجار سيارة أحد سواق الأجرة بسبب استعماله غاز السيارات الإيراني بدلا عن البنزين، وواصل وهو يزفر ضجرا :(هؤلاء لا يعلمون أن جونا حار جدا، ولا ينفعنا استعمال الغاز، القضية علمية يا أخوان الغاز بدلا عن بنزين السيارات ينجح في المناطق الباردة والمعتدلة مثل ايران، أرجوكم لا تحولوا السيارات من البنزين إلى الغاز في الحي الصناعي)، أنهى توضيحه، وطلب برجاء أبويّ من بهاء الدين أن يوصله بدراجته النارية إلى مكان حادث السيارة القريب من الحي الصناعي على طريق الكوفة – النجف، فيما بقي مصطفى الكهربائي في محلهم الصغير بما يكفي أن يكون محل كهربائي في الحي الصناعي بالنجف، واقفا بين منضدة حديدية مترفعة قليلًا، أمسى سطحها ممتلئ بالزيت والماء وبعض الأدوات الغارقة فيه، وبين نقطة الكهرباء القريبة، والتي كان عالقا بها عندما صعقته الكهرباء الوطنية على حين غفلة، وقف عندها يتأمل نفسه بشجاعة المقاتل:(يجب أن أتحرّك بالتظاهرات وأجعلهم يدفعون ثمن هذا اللعب بحياتنا، كنا في الحشد وتركناه بسبب فساد مَن يسرق رواتبنا، مِن زمر الأحزاب التي في كل مكان)، تولدت لديه رغبة الانتقام من الحكومة وأحزابها النافذة، بعد خروجه من الموت مثل عصور فر من قبضة صياد ماهر ، فهو يعلم أن أكثر ما يؤذي الأحزاب الحاكمة خروج الناس في تظاهرات تفضحهم على الرغم من إظهارهم عدم الاكتراث بها، كما سمع أحدهم مرّة في الحي الصناعي، يقول هذه الفكرة وهو يريد اصلاح سيارته ، بل زاد ذلك الرجل لماذا يخرجون بتظاهرات ، لماذا لا تشارك الناس في الانتخابات؟! ماذا يريدون أكثر وقد أسقطنا لهم صدام، وهذه الحرية، فتدخل حينها أبو سعيد صاحب "محل فيترية"، وكان رجلا قويا بيده مطرقة كبيرة وثقيلة على الرغم مِن تقدمه في السن، تدخل دون معرفته المسبقة بالمتكلم المار في الشارع قرب باب محله، خرج له من عمله ومازالت يده تقبض على المطرقة بقوة، وهو يقول :(أمريكا التي أسقطت صدام، كان عمر أحزابكم عشرين سنة حينها، وعلى مدى عمرها لم تستطيعوا فعل شيء له، ثم أين كنتم عن مساعدتنا عندما حاصرنا صدام وأمريكا بذرائع شتى؟!)....
*****
أمسى مصطفى الكهربائي يعيد شريط ذكرياته القليل عن عمره العشريني في مواقف مشابه بين هذا وذاك، ثم خرج منها، وعرّج على ذكرياته في غرفة عقله المختصة بالحشد الشعبي، مع صديقه وتربه وجاره في الحي الصناعي بهاء الدين، وهما يقاتلان داعش، بلا راتب لمدة سنة، وكيف نجت مجموعتهم من كمين نُصب لهم، عندما نجيا من تلك السيارة المفخخة المتروكة في إحدى قرى الموصل التي حررتها قوات العراقية الحكومية، وسلمتها للحشد الشعبي كي ينظفها من بقايا داعش، حينها نصحهم زميلهم الطاعن في السن والمقاتل الأكثر حنكة قتالية، بعد أن اقترب من تلك السيارة، وعاد مسرعا يأمرهم بأن يأخذوا مواقع للقتال وأن يكونوا في حالة استعداد للاشتباك مع العدو دون اصدار ضجيج أو صوت يُسمعُ ..
فـأخذنا أنا وبهاء الدين موقعنا خلف جدار أحد منازل القرية الفارغة تماما من الناس التي رفضت حكم داعش ودولته باسم الدين، بينما توزع بقية الجنود خلف جدران أخرى، وفوق سطوح المنازل الفارغة، ثم فجرّ تلك السيارةَ الرجلُ المُسن، برمية صاروخ من قاذفته، حينها خرج داعش، بلحاهم الطويلة وعليهم البزة الأفغانية، من جيوب زراعية فوق الأرض، ومضافات تحتها، من مختلف الأماكن في القرية المهجورة، ظنا منهم إننا بلعنا طعم السيارة المفخخة، فدارت رحى تلك المعركة وجها لوجه حتى انتصرنا بها، لـيزورنا بعد المعركة أحد الضباط الكبار في الحشد وانكشف زيف مسؤول الرواتب، عندما جاء مسؤول التعزيزات العسكرية ولا رتبة عسكرية على كتفه وربما كان أحد المسؤولين الكبار في قيادة الحشد الشعبي، وقد حضر بعنوان آخر لا يراد له أن يُكتشف حفاظا على سرية وجوده في ساحة المعركة، فـالتقى بنا الرجل مباركا لنا النصر، وحامدا الله على سلامتنا جميعا، ومتمنيا لجرحانا الشفاء العاجل، وأمر بنقلهم إلى المستشفى بأقصى سرعة، حينها سألناه عن الرواتب، فتلعثم وقد اعتلت وجهه الدهشة، فنظر إلى ضابط الرواتب الذي لم يجب بشيء مقنع، ونحن نعلم أنه ينتمي إلى أحد أحزاب السلطة، حزبه الذي كان يتبجح بالانتماء إليه كثيرا في كلامه أمامنا..،
تألم مصطفى بسبب هذه وتلك من الذكريات، أكثر من صعقة الكهرباء، وفي نفسه يقول:( لا معنى لكل ما تفعلوه احزاب السلطة سوى الضحك علينا حتى ونحن الفقراء نقاتل داعش، بل الضحك على الحشد الشعبي وفتوى مرجعية النجف، أنه الاستخفاف بعقولنا جميعا، فلا عقل لمَن يصدق بهم بعد اليوم) بهذه الكلمات كان عقله يحدث نفسه ويشحذ همتها وهو الشاب المقاتل الذي أبى إلا أن يكون حرا، تثاءب عقله وتعبت نفسه فاحتاج جسمه للجلوس، هجَر الأمور جميعها، جلس قليلا وقد انتعشت نفسه بعد شربة ماء، ثم قام امسك بالمطرقة يلوّح بها، وهو يردد فرحا حبورا (هيله علينه هيله، مصطفى بعده بحيْله)، هاربا من واقعه وعيشه المرّ وذكرياته، وهو شاب ليس على عاتقه مسؤولية أسرة، ليمسي سعيدا بعلبة عرق كان قد أدخرها بهاء الدين لوقت يعيشان فيه السعادة لساعة مع زملائهم العمال بعد تعب يومهم، بينما ظل أبو كوكب مستمرا بغنائه، وسط الشارع مقابل محلات الصناعي من الجانبين، ومِن حوله بعض أصحاب محلات الحي الصناعي يحوطونه بالتشجيع والغناء والتصفيق، وهو يصدر صوتا من بين أصابع يديه، مستمتعين بصوته الريفي الشجي، وفي الجهة المقابلة لهم من المحلات، كان مصطفى داخل محل أبيه، وقد أخرج علبة العرق المستورد تلك من حقيبة دراجته الهوائية، وأضاف نصفها إلى نصف قارورة ماء بارد، أخرجها من ثلاجة الفلين المركونة أسفل المنضدة، رجّها جيدا وشربها بدفعتين الواحدة تلو الأخرى، وأشعل سيجارة ، أنهاها بثلاثة أنفاس، وجلس يغني بأغاني فرج وهاب.
كان أبو كوكب قد أصلح سيارته، وأوصى أبو مصطفى ومصطفى وبهاء الدين، على ضرورة رفده بصور وقصة السيارة التي انفجرت بسبب الغاز، متفقا معهم على الصداقة في التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، ثم غادر الحي الصناعي بالنجف وفي نفسه أن يراهم مرة ثانية، فقد راقت له جلستهم وصحبتهم، أمسى يمني نفسه وهو في طريق عودته إلى سكنه عصر ذلك النهار.. كان يغني لنفسه طوال الطريق وحال وصوله لبيته أخذ يملأ هاتفه المحمول بالإنترنت، فالهمّة تتوقد في داخله بما ينجز من عمل وطني، بإرساله قصة الشاب مصطفى الكهربائي مع صورها والفيديو، إلى الصحفي محمد السومري في لندن، كما أرسل قصة سيارة الأجرة المتفجرة بالنجف، التي صار سائقها عاطلا عن العمل وهو رب أسرة كبيرة ولا معيل لها سواه، ولا عمل لديه سوى أنه كان سائقا بأجر يومي بتلك السيارة التي تعود ملكيتها إلى رجل يملك بعض السيارات مثلها، كانت مشكلة سائق الأجرة هذا متفاقمة ليس لفراغ يديه من فرصة العمل وحسب، بل إن مالك السيارة قد أوعز إلى الشرطة أن السائق الذي نجا من انفجارها بالصدفة، هو مَن حرقها فانفجرت، ليغطي على فساد تحويل السيارة من البنزين إلى الغاز الإيراني، وأصبح المالك يريد منه ومِن عشيرته أن يدفعوا له ثمنها وإلا لن يخرج من سجنه. كما أخبره بهذا بهاء الدين على موقع التواصل الأجتماعي حال وصوله ، الذي اتفق معه على تزويده بها..

الفصل الثالث عشر: مدينة النجف في ضباب لندن
عندما وصلتْ رسائل أبي كوكب إلى محمد السومري الذي كان يجالس رئيسة تحرير الجريدة جوار مكتبها المكان الذي يوده لهدوءها وحبّها لمدن الطين والعشق، حدثته عن أهمية عمله وضرورة أن يكون موضوعيا في نقل الحقيقية، كما عبّرت له عن اهتمامها به لأنه صحفي ذكي ومجدّ، فيما أتقدت في مرجل نفسها جذوة عشقها للحضارة السومرية، حين شكرها على اهتمامها به ونصحها له، وعشقها للحضارة العراقية ومدن الطين والعشق، ثم قطع استرسال حديثه معها، فتسمّرت آخرُ الكلمة على طرف لسانه، كاد أن يقول لها يا بنت عشتار، كما أعتاد أن يقولها لديانا، فسكتْ قليلا وقد بلع الكلمات، نظرتْ إليه وقد أطبق الصمت على المكان وعلى مكتبها الذي يفصل بينهما، على وجهيهما، وعلى شاشة التلفاز المركبة على الجدار المقابل لها بجنب باب غرفتها، أطبق الصمت على النافذة التي خلفها، فلم تعتاد هي منه أن يقطع كلامه معها أو يخفي عنها كلاما، نظر إليها، ثم ابتسم بهدوء، آسف كنتُ أود أن أكمل موضوع العمل، لقد وصلتني من داخل العراق بعض الصور، أنسلّ من كرسيه بخفّة وهدوء، ليمشي خطواته باتزانٍ باتجاهها، ويقف عندها مثل صقر أختار أعلى السماء لينقض على صيده في الارض، حيث تجلس خلف مكتبها كان لعطرها أنوثة غير معهودة له، مازلت ديانا في رأسه ومشاعره، أعاد أتزان مشاعره بقوله لنفسه:(أنها رئيس تحرير الجريدة وليست ديانا)، قدّم الصور والقصتين والفيديو وبعض الصور التي وصلت إليها من أبي كوكب، ومثلها عن حالات انتحار للشباب في مدن جنوب العراق بسبب يأسهم من تحقيق أحلامهم، كانت هي فرحة جدا بعمله، لكنها أخفت فرحها وتعاملت معه بهدوء يشبه هدوءه ، فقالت له:(طيب اجمع مثلها من مناطق أخرى وواصل عملك) همّ بالخروج من مكتبها، وصل إلى باب غرفتها، ويده على مقبض الباب، حينها كلمته بماذا كنتَ تريد أن تقول بعد كلمة (يا..)؟ ثم سكتت وغيّرتَ الموضوع الى الصور والفديو .. استدار هو بنصف جسمه إليها من وقفته عند باب غرفتها، ليكون ووجهه بوجهها وهي تجلس على الكرسي خلف مكتبها، فأجابها : (يا وردة) بسرعة اللحظة التي صارت عينيه بعينيها، وابتسم لها بصدق، فرحتْ هي بها، وأجابته بالشكر ثم أردفت قولها:(لا تهتم بالأمور الصغيرة اهتم بعملك)، وأخذت نفْسًا فيما رجعت عيناها على أوراق بين يديها وعاودت نصائحها له:(فلا تنظر إلى تقارب السن بينا، نحن أصدقاء فقط وزملاء عمل)، فيما غادر هو غرفتها عندما توقفت لتلتقط أنفاسها وانزلت عينيها ..كان قد خرج ملوّحا بيده لها، ظنّا منه أنها شكرته ولم تعر للموضوع أهمية كبيرة، فلم يسمع آخر جملة منها فيما يخص تقارب السن بينهما، خرج من ممر غرفة الرئيسة إلى خارج البناية، ليستأجر سيارة أجرة من باب الجريدة، ويتجه به إلى سكن عبد الله النجفي، ثم اتصل به من مكان جلوسه، وهو يواجه الزجاجة الأمامية الكبيرة للسيارة، ليرحب به مضيفه عند باب الشقة كعادته عندما يزوره محمد السومري أو عدد قليل من العراقيين في سكنه وأسرته بإحدى عمارات ضواحي لندن، ثم دخلا إلى صالة استقبال الضيوف، التي تشبه غرف استقبال الضيوف في العراق، والمعزولة عن داخل البيت والأسرة، فيما كانت البشاشة والسعادة على وجه عبد الله النجفي، وهو مرتدي "دشداشته" البيضاء التي تلقي من لونها على بشرته السمراء ولحيته المشذبة والخفيفة جدا، وقد اتكأ على كنبة، يقابله محمد على كنبة أخرى، إذ أن من طبعه السعادة بالضيف وأن يرحب به بعد جلوسه ويحثه على الكلام بطريقته يحاوره بما يحب من مواضيع، بينما كان محمد يستمع له بإصغاء وإنصات،
- إن الناس تريد أن تعيش براحة وتريد عمل وخبز وكرامة، بعدما انتهى كابوس ما قبل 2003، حتى جاءت سطوة الأحزاب الدينية مِن شرقها وغربها بطريقة غير مقبولة مع تابعيتها لدول الجوار، فحرمت الجيل الجديد من كل شيء، ها هي الأسواق في النجف، وقد أصابها الشلل فلا بيع أو شراء فيها، والبطالة مستشرية بشكل أكبر من السابق بين صفوف الشباب، فالمقاهي تعج بهم.
ثم واصل عبد الله النجفي كلامه عن بعض الناس التي صارت تميل إلى السرقة لكي تحصل على خبز يومها، مع هبوط مستوى التعليم وكثرة المتسربين من المدارس الحكومية والجهل المدقع، بينما تركز الثروة بيد قلّة حزبية من كل حزب ديني أوالعلماني، بينما للشباب ثورة جديدة مع المحرومين من خيرات البلاد، عندما يرون أبناء المسؤولين عبر الأعلام المُتلفز والالكتروني، يبعثرون ويلعبون بملايين الدولارات في أجمل مدن العالم، أضف إلى ذلك الضحك على عقول الناس باسم الدين، وهذا يجعل الشباب المتعلم ثورة من نوع جديد، خاصة طلبة الإعداديات والجامعات الجيل الذي نشأ منذ تغير حكم الدكتاتور الى اليوم، ومعهم الشباب الذين لم يحصلوا على عمل بعد إكمالهم التعليم بسب محاصصة الأحزاب للوظائف العامة، وما بقي من الأمور فأنت أكثر الناس اطلّاعا عليها أستاذ محمد، ثم سكتَ النجفي، وقد تغيّرت معالم عمارة وجهه، وزفر جمر موقده، واستغفر الله بعدها، ليعاود حديثه بكلمته ما بيد حيلة لأنقاذ البلاد والدين من هذا الوضع ..
بينما كان السومري يصغي له وينظره من الكنبة المقابلة، رأى رغبة الحديث قد غاصت إلى أعماق نفْس مضيّفه العراقي في غربته التي عاد اليها بأختياره وقلبه يخفق بين أزقة النجف القديمة، فأمسك هو بالحديث مجاريا إياه ليخبره(كانت زيارتي إليك اليوم لطلب مساعدتك، كي أستطيع أن أخدم وطننا من خلال عملي الصحفي، فجميع الأمور مهمة وتلتقي في نقطة السياسة)، إستجاب عبد الله النجفي لما يريده محمد من مساعدة، مع رجائه لصديقه الصحفي بأن لا يُظهره في الصورة، حرصا منه أن يظل بعيدا عن السياسة ومتاعبها، حينها كان عليُّ أبن عبد الله النجفي، قد أحضر إليهما الشايَ والماء وماعون من قطع الكيك العراقي صناعة البيت، فأوعز والده بتقديم الضيافة إلى محمد الذي أخذ يحتسي شايه ويستمع إلى هديل جديد من النجفي الذي أضاف قائلا :
- وربما المعلومات التي أحصل عليها من الأصدقاء في النجف تكون مهمة جدا..
مواصلا النجفي حديثه مثلا قبل أقل من سنة في شهر تموز قامت تظاهرة كبيرة من أكثر خمسة آلاف شخص تقريبا، باقتحام بناية المحافظة، ثم اقتحام مطار النجف، ثم حرق لبعض مكاتب الأحزاب التي تدعي الإسلام، هناك حدث هذا في رمشة عين، وقد نُشر هذا الموضوع، كما نشر أن الحكومة المحلية اتهمت بعض الناس بالتخريب والإرهاب، فاعتقلوا مَن اعتقلوا، وهاجر مَن هاجر، أمّا ما لم يُنشر فهي تظاهرة ألف وخمسمائة امرأة من النجف، تضامنت معها أغلب منظمات المجتمع المدني بالنجف، كانت تظاهرة كبيرة ضد قرار الحكومة المركزية بإلغاء رواتبهن في الرعاية الاجتماعية، طالبن بحماس يفور مثل التنور، استمر هتافهن لساعات النهار الحار بشجاعة وثبات، مما دعا بعض أعضاء الحكومة المحلية لمحاولة تهدئة تظاهرتهن، فتطايرت نعل وأحذية المتظاهرات على كل مسؤول حضر تلك التظاهرة، بما يشبه رمي البيض الفاسد على تاتشر في مدة حكمها، فلولا حاجتهن لما اندفعن بهذه القوة، فيما استجابت الحكومة المركزية وألغت قرارها، خلاصة القول إنّ نفَس الثورة والانتفاضة سيظهر في النجف إذا ضحكوا على العقول مرة أخرى، ولكن لم تستجب الحكومة ولا تلك الأحزاب الحاكمة لجميع المطالب بل سوّفت كثيرا، وحاولت أن تتذاكى بعد أن كُشفت عورتهم في الآونة الأخيرة خصوصا بعد المشاركة القليلة جدا من الشعب العراقي في الانتخابات الأخيرة في 2018 ..
أجابه الصحفي السومري، لم أكن أعلم بهذه الدقة والتفاصيل عن الحراك الشعبي السلمي في النجف، وبصدق أقولها إنني لم أهتم بالشأن السياسي عبر الفضائيات لقناعتي أنها غير حيادية ولا تعمل بمهنية، ومهمل كثيرا في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، لذا كان أكثر وقت فراغي أقضيه بقراءة الكتب عن السياسية والاقتصاد والفلسفة، وعن الحضارات القديمة والمدن و..، كما كنت اشغل يومي بالمسرح والسينما وما يتصل بهما، أبان عملي على هذه المواضيع في الصحافة، لكن لدي قراءة في بعض الكتب عن النجف بوصفها مدينة عراقية، من مثل كتب عن ثورة 1918 أو ثورة النجف، وبعض كتب عن ثورة العشرين، وكتاب "الوجه الآخر للنجف"،
- هذه القراءة جيدة عن النجف، لكنها غير وافية، أتريد رأيا ينفعك في عملك الجديد.
- نعم .
- اذهب أنت بنفسك إلى النجف هذه الأيام، واصبر هناك وتابع عملك منها، سأخبرك شيئا ربما تتعجب منه، يُتوقع أن تكون هناك انتفاضة في الأشهر القادمة، متى..الله اعلم؟ لأن جميع التراكمات الماضية تشير إلى تظاهرة وانتفاضة شعبية في العراق، ومِن النجف تستطيع أن تتحرك إلى باقي مدن العراق.
- سأفكر بالنصيحة وإذا اقتنعتُ بها سأخبر رئيسة التحرير، شكرا جزيلا أبو علي، على كرم الضيافة والنصيحة، مع السلامة.
- مع ألف السلامة وفي الأمان الله .



#مؤيد_عليوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل العاشر والحادي عشر رواية لم اشرقت .. لم رجعت
- الفصل الثامن والتاسع رواية -لم اشرقت ..لم رجعت -
- الفصل السادس والسابع رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- رواية لِمَ اشرقتَ ..لِمَ رجعت َ!!
- الفصل الرابع والخامس رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- الفصل الثاني والثالث رواية لم اشرقت ..لم رجعت
- التميع والتطبيع
- شعر كزار حنتوش ومرجعية الجمال في قصيدته - قصائد رسمية - إنمو ...
- أخرُ عشاءٍ للشاعر تأبط شرا في بغداد
- تقنية السارد بين الراوي العليم والرواي الثانوي في رواية -رما ...
- أخرُ عشاءٍ لتأبط شرا في بغداد
- في 2021
- قصة قصيرة - ضوءٌ منتفض -
- جماليات إيقاع التقابل في -تحوّلات- / الشاعر عبد المنعم القري ...
- سقوط
- سيرة نضال نجفيّة في قصيدة -خطى على ضفاف- *
- فنيّة اليوميات ولغتها في ولهِ الشاعر عمر السراي
- فنيّة القافية عند الشاعر د. وليد جاسم الزبيدي / ديوان -أناشي ...
- التضاد المكاني في قصيدة -الملوك - لكريم جخيور
- لا اشبهكَ


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عليوي - الفصل الثاني عشر والفصل الثالث عشر رواية لم اشرقت ..لم رجعت