أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بلمزيان - إحساس بحجم الفاجعة














المزيد.....

إحساس بحجم الفاجعة


محمد بلمزيان

الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 11:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدون أدنى شك أن أصعب موقف وظرف قد يعيشه الفرد في حياته هو فقدان أحد أحبته أو أقربائه، ويزداد حجم وقيمة هذا الشعور كلما كان الفقيد قريبا منك أشد الإقتراب، ولست إلا جزءا منه أو هو جزء منك ، الأمر سيان،كيف يمكن التصرف وكيف تتحمل عبىء هذا الإحساس الفظيع وأنت تتلق خبرا في عز الليل بل وفي الساعات المتأخرة من الليل برحيل والدك، هذا التوقيت الذي يجعل أمر تحمل هذا الخبر صعب للغاية، حيث أن الليل بقدرما يرمز الى السكينة والهدوء فإنه يرمز الى الخوف والظلام والرهبة، يمتزج هذا الإحساس أكثر حينما يقترب بموقف استثنائي كالذي عشته شخصيا ليلة السبت 31-12-2022 حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا، وفي عز الليل الدامس، حينما رن جرس هاتفي والذي تركته بعيدا عني على الأريكة كما العادة ، ولم يكن قد مضى على خلودي للنوم سوى ساعة أو أكثر بقليل، نهضت من سريري مسرعا مخترقا أدبيات النهوض العادي، وأنا في اعتقادي الجازم بأن هذه الرنة في هذا التوقيت بالذات لن تحمل لي سوى أخبارا مؤلمة في الأغلب الأعم، ولم تكد يداي تكشف عن شفرة هذه المعلومة، بالضغط على زر الجواب حتى جاءني الخبر اليقين يعلن رحيل والدي : بلمزيان حمو موح عمر أمزيان، عن عمر مديد ناهز 90 عاما أو يزيد بقليل، بعض صراع مرير مع مرض داء القلب والشرايين، انتعلت حذائي وأضفت بعض الملابس الشتوية درءا لقساوة الطقس الشتوي، أخبرت زوجتي بالأمر التي تركتها مرعبة لوحدها، نزلت درج العمارة في الطابق الثاني، ورجلاي ترتجفان من شدة وقع هذا الخبر،تنقلت عبر سيارتي متجها نحو مسكن عائلتي على بعد حوالي 6 كلمترات ، مسرعا لعلي أحظى بكلمات من والدي وهو ما يزال على قيد الحياة، وهو الذي كنت قد زرته قبل يومين فقط يسألني عن أحوالي ووضعي، كنت أطوي الأرض طيا خاصة وأن الطريق كانت فارغة من السيارات في هذا التوقيت في الساعات الأولى من الصباح ليوم السبت الذي يصادف آخر أيام العام 2022 الذي يرحل ويستد الناس لاستقبال سنة جديدة وها أنذا أغيش لحظات رحيل والدي واستقبال كم هائل من الغم والهم والحزن، وصلت الى منزل والدي ولاخطت بالضوء الخارجي مشتعلا، مع إضاءة الإنارة العمومية في البادية قد خفف من هول هذه الفاجعة، طرقت على الباب الخارجي، افتتحت الباب واندلفت مسرعا نحو الغربة التي كان ينام والدي تغمده الله بواسع رحمته، وجدت بعض الشقيات متحلقات حوله والبكاء والعويل مستمر ارتميت على سرير والدي، باكيا منتحبا وأنا أضع يدي على قلبه محاولا ما يشبه الإنعاش خاصة وأن جسده كان دافئا للغاية،جسده كان قد نخرته الأدوية المختلفة والمتنوعة التي تناولها لسنوات مثل ادوية القلب والشرايين وأدوية العمود الفقري ( السياتيك )، وأدوية كثيرة لتوقيف الألم، تحول الى جسد نحيل وضعيف، بقيت بجانيه أكثر من ساعة ونصف لعلي أعيد له نبضات القلب، كل محاولاتي باءت بالفشل ، فيما أن أحدى شقيقاتي لم تكف عن ترديد آيات قرأنية وهي تضع يدها تتحسس رأسه وتحاول مسح شفتيه بمنديل صغير مبلل بماء دافيء، رغم أنني قد لاحظت بأن نبضات القلب قد توقفت حسب ما لمسته بيدي على جهة القلب أو العنق أو اليدين، وكم كان رهيبا أن تعيش اللحظات الأخيرة لوداع أب عاش أكثر من تسعين عاما، بحلوها ومرها، وهو يفارقك وأنت تعلم بأنه رحيل بدون رجعة أو أمل في العودة، إنه لأمر فظيع وإحساس مدمر للنقس البشرية مهما حاولت إبداء الكبرياء والصمود أمام هذا الجبروت وهو الموت الذي أصبح بتغذى من الموتى بعضهم علىة حين غرة وبعضهم بعد بموت بطيء وبعد سنوات طوال من الصراع مع المرض والألم، بعد لحظات من إحساسي بالرحيل النهائي عن هذا العالم وعيوني لم تكف عن انهمار الدموع الغزيرة انهمارا لم أتمكن من توقيفها، وبقيت على حالها طيلة تلك الساعات الى غابة انقشاع الظلام وبداية الصباح، وقبل ذلك كنت قد رجعت الى شقتي لتفقد زوجتي التي تركتها لوحدها وأنا أعلم أنها كانت مرعبة رغبة رغم أنها أخفت عني هذا الإحساس وتنكرت بأنها لم تكن خائفة، وهو شعور يخالف دواخل إحساسها الذي كشفته لي فيما بعد بأنها اضطرت الى ترك مصابيح المنزل مشتعلة وهي ترتجف خوفا ورعبا من الخبر الذي لم تكن موقنة منه بشكل كامل، وهي تعلق أمالا لعل الزمن ينبيء بخبر آخر ولو بنسبة ضئيلة، لكن الخبر الصاعق كان هو كما حملته الرنة التي كانت ملفوفة في خبر مخفف، ضمتني زوجتي تخبرني ودموعها لم تنكفف بأنها كانت تحس بشعور عريب تلك الليلة ودمعت عيناها وأخفت عني هذا الإحساس ، وكم كان حدسها صحيح ويحمل تنبؤا واقعيا لحدث مؤلم، كم هو رهيب أن تفتقد أحد أقرب اقربائك في عز الليل وهو يسلم روحه ، وأنت تعلم بأنه قد أنهى مشوار حياته ولم تعد تحظى بأية إشارة منه أو نداء أو صوت أو حتى حركة في الفضاء الذي اعتدت أن تراه متحركا او متواجدا بالأحرى في خضم فضاء الأسرة، إنه إحساس تتوقف عنده عقارب العقل من التحرك والإشتغل وتتجمد منصات الدماغ من التفاعل مع المحيط اللامنتهامي، وتستسلم ملكة القوة أمام هذا الإحساس الرهيب الذي يخطف بين يديك أعز ما تملك بالقوة والجبر والتحدي اللامنتهي ويأمرك بأن تنزع عنك شراسة إحساسك بالتشبث والأمل في الحياة والدعوة القسرية للخضوع الى إرادة الموت مهما تمنعت ورفضت ، فنم قرير العين ، وانت تعلم بأنك رحلت بعد سنوات طوال من الجد والعمل المثابر، وتحملت من المواقف الصعاب في حياتك المحفوفة بسنوات الجمر والرصاص، وتنقلت كثيرا مسافرا ليلا ونهارا للزيارة الى سجن عين قادوس بفاس، وهي ايام مثخنة بالجراح والألم الذي لم يكن له معادل موضوعي في الحياة سوى الصمود والإرادة القوية على تجاوز تلك اللحظات الرهيبة والقاسية على أي نفس بشرية مهما حاولت الصمود في وجه الأعاصير العاتية، فقد رحلت وفي عينيك إشعاع وإرادة على الحياة.



#محمد_بلمزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرعة بين علامتين
- ملاحظات على الهامش
- اختلال القيم بين الأمس واليوم
- الحروب وحسابات المصالح
- الغش مقوض لتكافؤ الفرص
- لمحات من ذاكرة
- شعر ( مظفر للنواب) ذخيرة حية
- التعليم- الأسرة- المجتمع
- في رحاب فاس
- ملاحظات لا بد منها
- تتعدد الوسائط والحصار واحد !
- كل شيء على ما يرام !
- على هامش اليوم العالمي للمرأة ، شذرات من الذاكرة
- الإعلام بين الحقيقة والتضليل
- ألا تخجلون ؟!
- ثرثرة في حافلة
- الطفل - ريان- والدرس المستفاد.
- عاد من حيث أتى
- في يوم بارد وحزين
- الجزء الثاني تتمة لمقال ( مقولة نهاية المثقف) بين الواقع وال ...


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بلمزيان - إحساس بحجم الفاجعة