أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة -المعايير السلوكية للأسير الفلسطيني















المزيد.....

بخطى طليقة -المعايير السلوكية للأسير الفلسطيني


عصمت منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7461 - 2022 / 12 / 13 - 18:21
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


لم يكن الشأن الحياتي وظروف الاعتقال هو الهاجس الأكبر لدى الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال، الا من خلال كونه البنية التحية، والبيئة التي تمكّنه من تحقيق مكاسب سياسية ومعنوية، تقرب بينه وبين جوهره الحقيقي وصفته الأساسية كمناضل من أجل الحرية، وأسير سياسي يمثل قضية عادلة ويجسد منظومة أخلاقية وقيمية سامية.
من هنا كان النضال الاعتقالي داخل السجون الإسرائيلية والذي اتخذ طابعا مطلبيا حياتيا معيشيا في ظاهره، خطوة أولى نحو ملاءمة السجون كي تتحول الى بؤر تنوير وتعبئة وطنية وإنسانية واكاديميات تخرج مناضلين مجربين، واعين قادرين على الاستمرار والنهوض في أعباء الكفاح ضد الاحتلال وقيادة مجتمعهم نحو الأمام.
بعد ان طويت سنوات السبعينات من القرن الماضي، وتبلورت الحركة الأسيرة على شكل جسم منظم، وجيش متراص من مقاتلي الحرية الذين يمتلكون أدوات نضال وأسلحة تعتمد على إرادتهم ووحدة صفهم، وقدرتهم على التحمل وطول النفس، بدأت تظهر مبادرات وأفكار تدعو الى استكمال النضال وتتويج حالة النهوض التي تشهدها ساحات السجون (وانجازات الثورة في الخارج) من خلال فرض الاعتراف بالأسير الفلسطيني كمقاتل من أجل الحرية، وأسير حرب بكل ما لهذا الاعتراف من دلالات ومعان وانعكاسات حياتية ومعنوية على الأسير الفرد وحركة نضاله.
كانت مديرية السجون ومنظومة أمن الاحتلال تطلق على الأسرى الفلسطينيين صفة المخربين والإرهابين، وتترجم هذه التسمية على شكل اجراءات ونمط حياة مذل ويفتقر الى الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية، وأيضا عبر قرارات المحاكم والأحكام الرادعة التي تصدر بحقهم، وهو ما يعني ان هذه التسمية كانت المدخل السياسي والقانوني لدولة الاحتلال من اجل الزج بهم لسنوات طويلة داخل غياهب السجون وفرض مستوى حياة متدنٍّ ومذل، ناهيك عن التبعات المعنوية والدعائية لهذه التسمية التي تجرّم الضحية وتظهر الجلاد على انه هو المؤتمن على محاربة الإرهاب.
كان لا بد، والحال كذلك، من النظر الى جذر الأزمة، ومعالجتها بعمق من خلال إعادة تصويب اللغة والمصطلح ومن خلفه السردية والرواية التاريخية الكاملة.
رغم الفصل النظري بين المطلبين المتضافرين معا، ورغم أولوية النضال الجذري من أجل تصويب التسمية التي ستتكفل تلقائيا بتحسين شروط الحياة، الا أن مسألة الأولويات خضعت لعوامل وظروف موضوعية جعلت أولوية تحسين شروط الحياة والتنظيم الذاتي تحتل مكان الصدارة دون إغفال المطلب الأساسي، بل بما يقربه ويجعل تحقيقه ممكنا.
لم تكن مديرية السجون غافلة عن هذا التوجه، بل بقيت تشدد على الصفة التي تخدم روايتها وتسهل مهمتها وتعطي دورها غطاءً دعائيا وقانونيا أمام العالم، لذا سعت ومنذ اليوم الأول الى عدم الاعتراف بهيئات الأسرى وممثليهم، وانما تعاملات معهم بحكم الأمر الواقع، كما انها اعتبرت ان أي حق ينتزعه الأسرى عبر خطواتهم النضالية ومعارك الأمعاء الخاوية التي يخوضونها خلف الجدران هو مجرد انجاز مؤقت لا توثقه ولا تعترف به كحق وتبقى تسعى لإفراغه من مضمونه والانقضاض عليه كلما سمحت لها الظروف بذلك.
هذه الحالة الحساسة والمتداخلة بين الحياتي والسياسي فرضت معادلة شديدة التعقيد في الصراع اليومي بين الأسير والجلاد، حرص الأسرى على الإبقاء فيها على تفوقهم الأخلاقي السياسي من جهة، والنضالي التنظيمي من جهة أخرى وعدم تغليب اي واحدة على الأخرى وبالتالي الانغماس في اليومي واستنزاف قواهم في قضايا ثانوية وفقدان البوصلة.
عوّض الاسرى عن عدم الاعتراف الرسمي بهم كأسرى حرب ومقاتلين من أجل الحرية من قبل مديرية السجون، من خلال تعزيز وتنمية الروح والسلوك والخطاب السياسي في شكل تنظيمهم الذاتي وصراعهم مع إدارة السجون، وتبني برامج ثقافية وسياسية تعزز هويتهم السياسية والنضالية وصقل ذاتهم من الداخل للبقاء في حالة جهوزية في انتظار اللحظة المناسبة سياسيا (انتصار الثورة خارجيا) وتنظيميا داخل السجون.
أكسب الأسرى كل حركة مهما صغرت بعدا سياسيا، حيث تم توزيعهم على غرف وأقسام على أسس تنظيمية ووفق الانتماء السياسي والفصائلي للأسرى، كما تم تسمية الزنازين والأقسام والسجون بأسماء شهداء او رموز وطنية وتراثية لها صلة بالبلاد وهويتها التاريخية والحضارية او بأسماء قادة وطنين وثوارا عالميين.
وضع الأسرى لأنفسهم برنامجا حياتيا صارما وشديد الانضباط ينمي الجسد والفكر معا، اذ اعتبرت الثقافة عمودا فقريا للصمود، والرياضة أداة مهمة للحفاظ على الجسد الذي لم ينظر اليه على انه يخص الاسير وحدة فقط، بل أداة وملك للجماعة، ولبنة في بناء واحد متماسك ومتراصّ وهو ما جعلهم ينظرون اليه على انه سلاح منخرط في معركة دائمة تتطلب أن يكون في حالة لياقه وجهوزية لتحدي السجان والانتصار عليه.
حتى الزي واللباس او الهندام فقد حرصوا عليه، وان يظهرهم أمام سجانهم بصورة تعكس رقي وسمو الأفكار التي يحملونها ويكسبهم ثقة بأنفسهم ويعطي انطباعا قويا بالترتيب والجهوزية والمعنويات المرتفعة والرغبة في الحياة، وهو الأمر الذي انسحب ايضا على النظافة الشخصية ونظافة الزنزانة وساحة السجن.
بهذه المسلكية الثورية وحالة التنظيم والمحتوى السياسي اعتقد الأسرى انهم انما هيأوا قناعاتهم الذاتية وأرسوا أسس البنية التحية النفسية والتنظيمية في سبيل الاعتراف بهم كأسرى سياسيين، وأن بإمكانهم ان يفرضوا على السجان ان يتعامل معهم باحترام، وان يعترف ضمنا بهم كمقاتلين من أجل الحرية الى ان تحين اللحظة التي يضطر فيها للاعتراف فعليا بهذه الصفة والتسليم بكافة حقوقهم السياسية والوطنية والحياتية.
كان يمكن لهذا الخط الصاعد من التنظيم الذاتي والتهيئة ان يستمر، وأن يصل الى نتيجته النهائية الحتمية، لولا ارتباطه العضوي بمسار آخر موازٍ وهو مسار الثورة والنضال الوطني الذي تخوضه منظمة التحرير الفلسطينية، والذي رغم بلوغ حالة الوعي والتنظيم الذاتي داخل السجون ذروتها بالتزامن مع انطلاق الانتفاضة الاولى عام 1987 وإنجاز تبادل الأسرى عام 1985، الا أنه شهد انتكاسة كبيرة عند التوقيع على اتفاق اوسلو، وانقلاب المفاهيم ودخول عوامل جديدة ذاتية وموضوعية على حياة الأسر ربما كان أبرزها الإفراجات التي تمت بشكل مجتزأ وضمن معايير سياسية وجغرافية (الداخل والقدس)، وحسب التهمة التي تميز بين أسير وآخر، وايضا تبلور وقوة تيار جديد يحمل خلفية سياسية وايديولوجية مختلفة وهي الحركات الاسلامية وتحولها عدديا وسياسيا الى قوة مؤثرة داخل السجون بكل ما حملته معها من تقاليد عمل وتفكير مختلف، بالإضافة الى حالة الانقسام السياسي بين مؤيد ومعارض للاتفاق.
مع التوقيع على اتفاق اوسلو بين قيادة منظمة التحرير واسرائيل، قطع مسار الاعتراف بالأسرى كمقاتلين من أجل الحرية وأسرى حرب بشكل مأساوي، ومعه انهارت الكثير من البنى والمرجعيات جراء حالة التوهان، وعدم القدرة على تعريف المرحلة، هل هي مرحلة نضال واستمرار لذات السياق السابق أم مرحلة سلام، خاصة ان عملية السلام المفترضة قفزت عن الأسرى وابقتهم في السجون يواجهون نفس العدو في ذات الميدان ولكن دون يقين...



#عصمت_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخطى طليقة - تحويل الأسر الى ظاهرة خلاقة
- بخطى طليقة- غرف العار
- بخطى طليقة - إضراب البسكويت
- بخطى طليقة - تجربة بيت ليد
- بخطى طليقة - الأمن
- بخطى طليقة- التبادل
- بخطى طليقة- الاوائل
- بخطى طليقة - الرعيل الأول
- بخطى طليقة - المخاض
- خطى طليقة مرحلة الإنفلاش
- بخطى طليقة - إضراب
- بخطى طليقة.. أزمة التكيف.
- التنافس على ضمّ آيزنكوت في الانتخابات الإسرائيلية القادمة
- حقول الغاز الإسرائيلية اللبنانية المشتركة: فرص ومخاطر
- معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد
- محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة
- إسرائيل والتعامل مع نتائج التحقيقات في اغتيال شيرين أبو عاقل ...
- شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي
- وهم الفصل بين الساحات
- تهديد الطائرات المُسيّرة وأثرها على المواجهات القادمة


المزيد.....




- -لا أستطيع التنفس!-.. فيديو يظهر لحظة اعتقال رجل من ذوي البش ...
- لبنان يرفض تهمة تلقيه رشوة أوروبية لإبقاء اللاجئين على أرضه ...
- تظاهرة تونسية تطالب بإجلاء المهاجرين الأفارقة
- كيف تصدرت موريتانيا ترتيب حرية الصحافة عربيا وأفريقيا؟
- احتجاجات وسط تونس تطالب بـ-الإجلاء السريع- لآلاف المهاجرين ا ...
- ميقاتي: الكلام عن رشوة أوروبية للبنان لإبقاء النازحين على أر ...
- مسئولة أممية: المجاعة تنتقل من شمال قطاع غزة إلى جنوبه
- تعذيب مجندات بجيش الاحتلال رفضن الخدمة على حدود غزة: تذنيب ت ...
- ميقاتي يرد على حملة بوجود -رشوة أوروبية- لإبقاء النازحين الس ...
- عشرات المهاجرين يصلون إلى إنجلترا على متن زورقين من فرنسا


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة -المعايير السلوكية للأسير الفلسطيني