طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7437 - 2022 / 11 / 19 - 10:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما تكون الليبرالية تقهقرا نرجسيا او ذهان!
في الحلقة 35 وضعت بعض فرضيات عمل, بضمنها:
"هل اصبحت سمات مثل القمع والفساد والتعصب العقائدي تركيبة جينية مخزونة في العقل الباطن, عابرة للعقائد او الآيدولوجيات, في مجتمع مثل المجتمع العراقي ويتم توارثها عبر الاجيال؟"
وسعيت في الحلقة 39 الى إثبات فرضيتي بذكر حقيقة امبريقية واحدة, وسأكمل ذكر الحقائق الأخرى لاحقا, رغم إني في الواقع لست من انصار الامبريقية بمفهومها الشائع التي تختزل الظواهر الاجتماعية والبشرية المتعددة الجوانب والتي تتبادل التأثير على بعضها البعض بشكل متغير ودائم وتحيلها الى ظواهر ستاتيكية معزولة عن بعضها البعض, رغم انها تحكمها ديناميكيات متعددة المستويات, وكذلك رغم كونها في تفاعل دائم من سلسلة لا يمكن قطعها من عوامل اجتماعية, سياسية, نفسية-بيولوجية او ما له صلة بالموروث الشعبي, الذي ينصاع كما ذكرت في حلقة سابقة, الى سلطة الأب, او بالاحرى قانون "اسم الاب" بعرف المحلل النفسي جاك لاكان.
Lacan s "Name of the Father" - summary
https://culturalstudiesnow.blogspot.com/2012/05/lacans-name-of-father-summary.html
وخلاصة هذا القانون ان الاب, او من يمثله, يقول لابنه "كلا": لا يمكنك مجامعة امك لأنها زوجتي: سفاح القربى من اكبر المحرمات في تاريخ البشرية-وحتى الاب في قطيع الحيوانات يطرد ابنه من القطيع عند بلوغه جنسيا. "كلا" الاب او من يمثله تُدخل الطفل الى سجل اللغة او السجل الرمزي وتصبح اساسا للقانون والأعراف المجتمعية لاحقا, واذا فشل الطفل في دخول السجل الرمزي سيكون شخصا بدون لغة ومصابا بالذهان. وتُحل المشكلة عادة, بعرف فرويد, بتماهي الطفل مع أبيه او من يمثله وبسعيه الى الاقتران من امرأة شبيهة بأمه. بعض المنظرات النسويات انتقدن فرويد لذكوريته. وبعض منظري ما بعد الكولونيالية أيضا انتقدوا فرويد بشدة واتهموه بعنصرية الرجل الابيض: عقدة اوديب هي من بنات خيال فرويد سليل مجتمع فينا البرجوازي, مع العلم ان المحلل والطبيب النفسي والفيلسوف الماركسي والناطق الرسمي باسم جبهة التحرير الجزائرية وقتها, فرانتز فانون, قد اعتمد الى حد كير على فرويد في كتابة مؤلفه الشهير
Black Skin ، White Masks
Black Skin, White Masks Summary
https://www.litcharts.com/lit/black-skin-white-masks/summary
في المقدمة، يتفحص فانون سبب اختياره لكتابة كتابه. يجادل فانون بأنه من أجل فهم العنصرية، يجب أن نسأل ماذا يريد "الانسان=الانسان الابيض=الانسان العالمي الذي يحتكر الحقيقة وباسمها يتكلم وتنازله للآخرين في امتلاكهم حقائقهم دليل ساطع, بعرفه, على تفوقه ونبله, وماذا يريد "الانسان الأسود". يسعى فانون إلى فهم العلاقة بين البيض والسود، ويجادل بأن كلا المجموعتين محاصرتان في هوياتهما العرقية الخاصة وأن التحليل النفسي هو أداة مفيدة لفهم التجربة السوداء، وأنه من خلال التحليل، من الممكن "تدمير" المجمع النفسي الهائل الذي نشأ نتيجة للاستعمار. وهو يعطي نظرة عامة عن كل فصل وينتهي بالتشديد على أنه من الصعب فهم الطبيعة الحقيقية لتجربة السود لأن المجتمع الأبيض خلق الكثير من الأساطير الضارة عن السود. يصف فانون في الفصل الأول تجربة سكان الأنتيل (في الكاريبي) السود الذين يسافرون إلى فرنسا ويصبحون "أكثر بياضًا من البيض" انفسهم. انهم يرون انفسهم كعملة بائرة فيبيّضون انفسهم كما تُبيض العملات! وهم يصبحون اكثر ملوكية من الملك نفسه. وحال هؤلاء هو نفس حال ليبرالييننا العتيدين, الذين لا يكفون عن التشدق ليل نهار , وليس خمس مرات فقط في اليوم, بحسنات وفضائل الليبرالية باعتبارها, بعرفهم, الوصفة الجاهزة او السحرية لحل مشاكل شعوبنا. وهم لا يختلفون قيد شعرة عن من ينادي إن "(الرجوع الى) الإسلام هو الحل!", ونحن ننأى بأنفسنا بالطبع عن التساؤل: اي إسلام واي حل؟ لأننا ليس فقط سنجابه بضوضاء ليس كلها بيضاء التي بعضها نافع في علاج حالات طبية مزمنة ومؤلمة نفسيا الى حد بعيد مثل طنين الأذن tinnitus, بل لأنهم أيضا, حالهم حال ليبرالييننا الأعزاء, يرتكبون الخطأ المنطقي, بعرف عالم المنطق الرياضياتي, نورث وايتهيد: خطيئة تحويل المجرد الى واقع صلب, وفيزياء الكم تؤكد منطق وايتهيد.
The Fallacy of Misplaced Concreteness - What is Reality and what s so great about it? (T. Mckenna)
https://www.youtube.com/watch?v=kKukWJps-Vs
والاثنان ليسا فقط ضحية خطأ منطقي لا تستطع عقولهم, مهما بلغ مقامهم من شأن او بلغت بلاغتهم من علو, ان تستوعبه رغم انه من أبسط البديهيات في علم المنطق. وهم إضافة الى ما سبق, لم يقرؤوا التاريخ وإذا قرأوه فهم يقرؤوه على غرار قصص الرزوخونات او قصة "ابو زبد الهلالي: "ولا غرابة في هذا, فقصة "أبو زيد الهلالي، تعتبر من أجمل وأشهر القصص التي ذاع صيتها في الوطن العربي، فهي من القصص التي تتوارث جيل عبر جيل ( تتوارث جيل عبر جيل. ط.ا)."
قصة أبو زيد الهلالي
https://mqaall.com/the-story-of-abu-zaid-al-hilali/
انهم روزخانيون ولا شأن لهم بعلم التاريخ كما يكتب من وجهة نظر الشعوب, كما فعل, بكل بلاغة وجمال, المؤرخ الامريكي الماركسي الكبير كريس هارمان
A People s History of the World: From the Stone Age to the New Millennium Paperback – May 2, 2017
by Chris Harman
https://www.amazon.com/Peoples-History-World-Stone-Millennium/dp/1786630818
انهم كمن يختار ان بضع نفسه خارج التاريخ, خارج الزمن, وبالتالي يكون خطابه هو خطاب الموت, ان كان للموت من خطاب, وذلك بفضل رؤيته لليبراليته كمفهوم مجرد يتضمن أحقيته المنأصلة ووجوب تكراره لأته حدث مرة كواقع, متناسين ان الليبرالية انحراف تاريخي أملته ظروف الحرب الباردة. وحالما وضعت الحرب أوزارها, او حتى قبل ان تفعل, خلعت الليبرالية (الناعمة) قناعها وكشفت عن قباحتها فتحولت الى ما هو صنو للمسخ: مسخ الرأسمالية, كما وصفه او تنبأ به فرانس كافكا.
Alienation and Capitalism in Kafka’s ‘The Metamorphosis’
https://blueinknotes.blog/2018/01/30/alienation-and-capitalism-in-kafkas-the-metamorphosis/
او النيوليبرالية, التي هي, حسب صحيفة الغارديان البريطانية, اساس كل مشاكلناا
Neoliberalism – the ideology at the root of all our problems
https://www.theguardian.com/books/2016/apr/15/neoliberalism-ideology-problem-george-monbiot
ولكن لا غرابة ان ليبرالييننا, الذين يخالفون المنطق والعلم, فيزياء الكم على الأقل, ويرفضون كلاهما, ويضعون انفسهم خارج التاريخ, يعتقدون وبسذاجة منقطعة النظير, ان المشكلة هي الحل! انه التقهقر الى السجل الخيالي- المرآتي,
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372614
ما قبل اللغوي, بعرف المحلل النفسي لاكان: انه اما نرجسية هدامة (نارسيسوس في الأسطورة الإغريقية هام حبا بوجهه منعكسا على سطح بركة هادئة ولم يبرح مكانه الى أن وافته المنية), او ذهان!
وليبراليوننا او يساريوننا النيوليبراليون نرجسيون حد الثمالة. انهم يزعمون انهم من دعاة التنوير والحداثة: اي نعم! سفسطة وثرثرة برجوزاية صغيرة تثير عندنا الضجر والقرف, فنحن ايضا بشر ولا نريد ان نبلد مشاعرنا بحجة الحياد الايجابي او السلبي او نفاق ومهادنة ما يسمى المنطق السليم!؟
انه ليس منطقا وليس سليما! هذه العقلية المهادنة للظلم والقمع في مجتمعنا العراقي تتجسد للأسف حتى في هيئة تزعم, أو يفترض فيها, أنها تعلي راية الكلمة الحقة وتحتفي بالأبداع وحرية الرأي: ففي "البلاغ الذي اصدره الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق على صفحته الرسمية على فيس بوك بتاريخ 11/ 11/ 2022 بمناسبة الغاءه للجلسة التي كانت مخصصة للشاعر والمترجم سعدي يوسف الذي توفي في لندن في الثاني عشر من شهر حزيران عام 2021.", علل رفضه بقوله:
"اننا لا نريد خدش مشاعر اهلنا وناسنا، ولا نريد ان نزج الاتحاد في قضية هو بعيد عنها، فنحن متمسكون بثوابتنا الايمانية ومقدساتنا ورموزنا التي لا نقبل لا حد مهما كان ان يسيء اليها...."
-اتحاد الادباء والثوابت الايمانية وسعدي يوسف-
جلال الصباغ
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=774190
والاتحاد يزعم انه, سوية مع قوى وجهات وأحزاب اخرى, يعمل من اجل تنوير الناس وإقامة دولة مدنية: دولة الحداثة (آمين يا رب العالمين), والدولة المدنية-الليبرالية هي غلاف جميل يخفي قباحة شموليتة.
ونحن نستغرب إننا لم نسمع اعتراضا من احد او بعض اعضاءه على القرار.
ولكن البعض قد يستغرب من استغرابنا, ويفسر بقوله ان:
النيوليبرالية شكل من اشكال الفاشية, او انها تعبد الطريق الى الفاشية!
Neoliberalism’s dark path to fascism
https://canadiandimension.com/articles/view/neoliberalisms-dark-path-to-fascism
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
