طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7325 - 2022 / 7 / 30 - 22:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إعادة قراءة فرويد من خلال منظور الديالكتيك
كما ناقشت في الحلقة 23, يعتقد فرويد ان الفرق بين الانسان العصابي والانسان الطبيعي (!) هو فرق كمي وليس كيفيا, واننا كلنا عصابيون لكوننا نحلم: الحلم هو تجلي لمحتويات اللاوعي اثناء انخفاض رقابة الانا ودفاعياتها بسبب النوم.
كان جورج كانغويلهم Georges Canguilhem 1904-1995 فيلسوفًا وطبيبًا فرنسيًا متخصصًا في نظرية المعرفة وفلسفة العلوم (على وجه الخصوص، علم الأحياء). تم تدريب كانغويلهم في الطب والفلسفة، وأحد أهداف عمله في المنطق ونظرية المعرفة وتاريخ مفاهيم علوم الحياة وعلم النفس هو تتبع معنى هذه المفاهيم لكونها تُعاش في مواقف ملموسة والسياقات التي تؤثر فيها بشكل مباشر على حياة وصحة البشر.
وكما يجادل صامويل تالكوت
Samuel Talcott, PhD
Associate Professor
https://www.sju.edu/faculty/samuel-talcott
بشكل مقنع، فإن مشروع كانغويلهم يرقى أيضًا إلى نوع من العلاجات الفلسفية المتفاعلة الموجهة ضد الأشكال المنتشرة من الاغتراب والقلق الوجودي والمعاناة وخسارة العالم. هذه الأشكال مميزة بشكل خاص في الحقائق المعيشية للمرض، والإصابة،ولكنها، كما يدرك، موجودة في كل مكان في الحياة المعاصرة وتميز هيكليًا بعض المؤسسات والأيديولوجيات
والممارسات الأكثر هيمنة.
في عام 1929، شرع الشاب كانغويلهم في استخدام انعكاس الفلسفة على مفاهيمنا باعتباره قادرًا على إثارة الفكر في الفرد البشري الذي توسع من أجله الحياة العضوية ويعاد ربطه بالكون من خلال إدراكه وحماسته.
The Normal
and the Pathological
Georges Canguilhem
with an introduction by
Michel Foucaul
https://monoskop.org/images/b/b6/Canguilhem_Georges_The_Normal_and_the_Pathologic_1991.pdf
بالنسبة لـ كانغويلهم، فإن هذا الاستعادة العضوية والشاملة متسقة مع أهداف الطب في استعادة الصحة على المستويين الفردي والثقافي. ولكن لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال عمل فلسفي دقيق وصارم للتفكير النقدي حول الحقائق الاجتماعية والمؤسسية والتاريخية التي تشكل علم الأمراض والاغتراب حيث يتم فهمهما بشكل جماعي والحفاظ عليهما في اتصال وثيق مع فئات "الطبيعي" و "العادي"، "و الصحي. كما يجادل تالكوت في جميع أحزاء الكتاب وكما اقترح كانغويلهم ايضا، فإن الطريقة المركزية لهذا التفكير النقدي الصارم تتمثل في استجواب القيمة الإيجابية المحتملة لتلك التجارب والوقائع المتعلقة بعلاقتنا المعرفية الحية بالعالم - بما في ذلك تلك المتعلقة بالخطأ, اللاعقلانية، والخيال - التي يتم رفضها بشكل روتيني باعتبارها سلبية بحتة في سياق نظرية المعرفة الوضعية,التي هي الفلسفة الطاغية الآن في العلم الرسمي أو المؤسساتي, واعادة البناء. يصر كانغويلهم على تصور لكل من الحياة البشرية والحيوانية بحيث لا تكون هي المعنى الأساسي لشيء ما للدراسة العلمية أو الفلسفية، بل مصدرًا أساسيًا وأسسًا للقيمة في, ومن, خلال نشاطها الدفاعي العفوي والنضال ,ومن أجل الإحساس المترابط بهدف التفكير الفلسفي والتساؤل النقدي والمشاركة والمقاومة.
Georges Canguilhem and the Problem of Error
https://ndpr.nd.edu/reviews/georges-canguilhem-and-the-problem-of-error/#_edn3
في الجزء الأول من أطروحته (اعلاه)، يجادل جورج كانغويلهم ضد وجهة نظر كمية بحتة للتمييز بين الطبيعي والمَرَضي. افتتحت دراسته بهذا السؤال: هل الحالة المرضية مجرد تعديل كمي للحالة الطبيعية؟ نشأت صياغة هذه الإشكالية في نقد قوي لمبدأ بروسيس (نسبة الى الطبيب الفرنسي Broussais, François Joseph Victor, 1772-1883)، وهو المبدأ الذي سيطر على وضعية كونت (التي هي فلسفة العلم الرسمية والمؤسساتية التي تعمل وراء الكواليس من اجل اسباغ مصداقية على الزعم بحيادية العلم وكونه الحكم الاخير في تقرير ما هو معقول ومقبول او العكس: انها الايديولوجية العِلمانية. وهي آيديولوجية شوفينية هاجمها بكل شدة اكبر مؤرخ للعلم في القرن العشرين, بول فايرآبند, حيث يقول
There is no idea, however ancient and absurd, that is not capable of improving our knowledge. The whole history of thought is absorbed into science and is used for improving every single theory. Nor is political interference rejected. It may be needed to overcome the chauvinism of science that resists alternatives to the status quo
"لا توجد فكرة، مهما كانت قديمة وعبثية، غير قادرة على تحسين معرفتنا. يتم استيعاب تاريخ الفكر بأكمله في العلم ويستخدم لتحسين كل نظرية على حدة. ولا يتم رفض التدخل السياسي. قد يكون ذلك حاجة للتغلب على شوفينية العلم التي تقاوم بدائل الوضع الراهن."
Paul Feyerabend (1975)
Against Method
https://www.marxists.org/reference/subject/philosophy/works/ge/feyerabe.htm)
),
وعلم النفس التجريبي لكلود برنارد. في الواقع، إذا كانت أمراض بروسيس وفقًا لبروسيس هي: زيادة أو نقص الإثارة في الأنسجة المختلفة أعلى أو أقل من الدرجة المحددة كقاعدة . سوف ينسب كونت نطاقًا عالميًا لهذا المبدأ، معلناً تشابهًا بين الظواهر المرضية والظواهر الطبيعية - التي تختلف عنها فقط من حيث الشدة بقدر ما كان لهذه الظواهر نفس البنية. وهكذا تتجاوز هذه الأطروحة إعلان استمرارية بسيطة، لأنها تؤكد وجود علاقة تشابه بين الطبيعي والمرضي. يفسر هذا على أنه نفي للاختلاف النوعي المقبول من قبل Vitalists. في إشارة صريحة إلى هيغل
Science of
Logic
https://www.marxists.org/reference/archive/hegel/works/hl/hlconten.htm
فقام بصياغة الصيغة، وفقًا للكمية التي ستُبطل الكيفية، هي الصيغة الخاصة به. وبالتالي، فإن نفي الاختلاف النوعي سيؤدي بالضرورة إلى تأكيد التجانس الذي يمكن التعبير عنه كميًا. من خلال هذا النقد للفهم الكمي للظواهر المرضية، يطور كانغويلهم نهجًا نوعيًا للفرد في حالة المرض؛ تفكيك الحكم الموضوعي للطبيب فيما يتعلق بعلم الأمراض باتجاه التقدير الذاتي الذي أدلى به المريض نفسه لحالته الجديدة. وهكذا يُفهم المرض على أنه إدخال لقاعدة جديدة، أوجدها الكائن الحي، استجابة لتغير في بيئته.
يذكر كانغويلهم في بداية عمله أن علم النفس المرضي ليس هو الموضوع المركزي لتفكيره، ويشير في مقدمته إلى نهج شامل للظواهر المرضية، التي اتخذت كجزء من مسألة الكائن الحي ككل، حيث حنف القدم الخلقي، الانقلاب الجنسي a sexual inversion, السكري، الفصام، كلها جزء متساوٍ من نفس المشكلة. ومع ذلك، قد يكون من المفيد استقراء الاقتران المعرفي المكون من التعارض بين المفهوم الكمي والمفهوم النوعي للمرض مع خصوصيات علم النفس المرضي، سواء من وجهة نظر التحليل النفسي أو من وجهة نظر علم الأعصاب الأكثر معاصرة.
كان هيرمان جوزيف مولر Hermann Joseph Muller
( 1890- 1967) عالم وراثة ومربيا أمريكيًا وحائزًا على جائزة نوبل. اشتهر بعمله على التأثيرات الفسيولوجية والوراثية للإشعاع (الطفرات)، فضلاً عن معتقداته السياسية الصريحة. حذر مولر مرارًا وتكرارًا من المخاطر طويلة المدى للتساقط الإشعاعي من خلال الحرب النووية والتجارب النووية، مما أدى إلى مزيد من التدقيق العام في هذه الممارسات.
في كتابه Out of the Night
Out of the night : a biologist s view of the future
https://archive.org/details/outofnightbiolog0000mull/page/n1/mode/2up
اقترح البروفسور مولر مشروعا بيولوجيا للمستقبل, حيث دعا الى تأسيس مجوعة بشرية خارج الطبقات وبدون التفاوتات الاجتماعية كمثل اجتماعي يمكن أن يُحقق بتوفر تقنيات الحفاظ على السائل المنوي لأجل التلقيح الاصطناعي artificial insemination للنساء اللواتي جعلهن التعليم العقلاني يفتخرن بالحصول على مثل هذا الشرف، على حمل وتربية أبناء العباقرة، لينين أو داروين. تمت كتابة الكتاب على وجه التحديد في الاتحاد السوفياتي, وارسلت المخطوطة الى الجهات العليا في الدولة, حيث كان يعتقد أنها ستحضى بالاهتمام والتقدير. ولكن, على العكس, تم انتقادها بشدة من قبل علماء الجينات السوفيت, واعتبر العمل عارا اكاديميا-أخلاقيا. لم يكن ازالة عدم المساواة من خلال علم الوراثة, من خلال خلق تقنيات لتصحيح ذلك، أمرا مرحبا به في مجتمع لا طبقي.
علم النفس الفروي الفرويدي الطبيعي والمَرَضي؟
ذكر Freud في كتابه The Psychopathology of Everyday Life ، منذ عام 1901، وجود سلسلة متصلة بين العمليات النفسية الطبيعية والمرضية. لقد ذهب إلى أبعد من ذلك ليجادل (يدلي بتصريح أدلى به تلميذه ووريثه على العرش كارل يونغ الذي انشق عنه لاحقا) بأن الأفراد الأصحاء يصابون بالمرض من خلال نفس المجمعات التي نكافح ضدها نحن الأشخاص الأصحاء أيضًا. وبالمثل، عندما كان يدرس جنون البارانويا لدى الرئيس شريبر (Daniel Paul Schreber
1840-1911 كان رئيس مجلس الشيوخ الالماني ومصابا بشيزوفرينيا البارنويا
[Daniel Paul Schreber, the illness of the Senate president].
https://www.researchgate.net/publication/14614899_Daniel_Paul_Schreber_the_illness_of_the_Senate_president
)، اعتذر فرويد عن رتابة الحلول التي قدمها التحليل النفسي، ودائماً ما كان يطرح عقدة الأب الشهيرة. يضاف إلى هذا الإعلان عن الاستمرارية بين الصحة العقلية وعلم الأمراض، في صياغة فرويد، كشف النموذج الاقتصادي للعمليات النفسية، مع نظرية مبدأ المتعة، وكذلك مع مبدأ الثبات المتماثل الذي سيستمر في نظريته اللاحقة عن ثنائية الدوافع. وهكذا، فإن الجهاز النفسي يسعى إلى تفريغ كل من الإثارة الخارجية والداخلية، من أجل استعادة التوازن المثالي homeostasis.
يمكننا أن نسعى إلى التشكيك في النص الفرويدي بأثر رجعي، في ضوء مقال كانغويلهم حول بعض المشاكل المتعلقة بالطبيعي والمرضي؛ إعادة قراءته من خلال منظور الديالكتيك، الذي عبر عنه كانغويلهم، بين المفاهيم الكمية والنوعية لعلم الأمراض. هل يمكن أن يكون هناك في تفكير فرويد، فيما وراء النموذج الاقتصادي الكمي الحاسم، تمييز نوعي بين العمليات النفسية الطبيعية والمرضية؟
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
