أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حنضوري حميد - بين الواقع والخيال كنت أعيش














المزيد.....

بين الواقع والخيال كنت أعيش


حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)


الحوار المتمدن-العدد: 7432 - 2022 / 11 / 14 - 15:11
المحور: سيرة ذاتية
    


وأنا في بداية مرحلة عزّ شبابي لا زلت أعيش في الخيال، لم أستطيع أعلن لمحيط أصدقائي وخاصة الصدقات منهم واقعي الحقيقي، لم أرضى بفقر الأسرة ولا السكن في بالبادية التي كنت أعيش فيها منذ أتيت مرغما إلى هذه البسيطة، لا أريد أن أعلن كل هذا لعاشقتي نادية أو أصرح به كي لا تتخلى عني، أحاول أن أصنع لها خيالا يناسب معاير التي تريدها الأنثى، أبني لها قصور من الرمال، وبساتين من النخيل، وجنات من النعيم، وبيوت من زجاج ... كل هذا من وحي خيالي، خيالا ليس بحجة الابداع وإنما هو خيالا أرفع به خسيستي وأخفي به واقعي المرير. كل يوم قبل اللقاء مع عاشقتي أنسج حكاية جديدة حتى أخفي بها الأولى، خطط مدروسة وكذب ناعم حتى لا يظهر واقعي المأزوم، كذبة تلوى الأخرى، ولكل كذبة غاية، الكذبة الثانية تخفي عن الأولى، والثانية تمحي الأولى، كي لا تتناقض مع الثالثة والرابعة والخامسة، قبل كل موعد غرامي كان لازما عليّ أن أعد سيناريوهاً مناسب للقاء، حتى لا تنتهي علاقتي ولا تفرش حكايتي المزيفة التي أنسجتها، إذ وضعت نفسي في طبقة الأغنياء بعد أن أعلنت كرهي مع زمرة المغضوب عليهم ماديّا. وجدت نفسي في دوامة أكرهها وفي دائرة خارجة عن منظومة الأخلاق، ومخالفة لمبادئ الأسرة ومبادئ النجاح، لكن ما دامت تخدم صالحي وحافظت على عاشقتي نادية لكي تستمر معي، فلتذهب المبادئ إلى الجحيم وتضرب المبادئ والأخلاق عرض الحائط المصبوغ. أتدرون ما هو أصعب شيء وأخبته في هذا الكون الملغز، هو أن تحاول دوما أن تغطي على الواقع بالكذب، إنه أبشع الجرائم في حق الصداقة والحب والشعور والإحساس وفي حق الإنسانية جمعاء.
بَقيتْ علاقتي مع نادية بهذا المنوال أكثر من سبعة أشهر ونيف، كلها كانت كذب ناعم، حلم خيالي، حب مزور، شعور أحادي ، وأمل مزيف ... دائما أسمعها كلام معسول التي تبحث عنه، عقلية نساء هكذا تريد، لا تحب الأنثى من يطبخ عقلها بأفكار مشيل فوكو ولا بتجارب دوستويفسكي، ولا عقل شوبنهاور ولا منطق ديكارت... فكر النساء بسيط جدا أكثر ما تتخيل لا يحتاج إلى التعقيد، فكر تغلب عليه العاطفة أكثر من المنطق والعقلانية، المرأة حربائية الموقف، تتأقلم وتندمج مع كل شيء مهما كان، تركيبة الإبستمولوجية للأنثى معقدة وسهلة في آن نفسه، حيرت العلماء وجننت الفلاسفة وحمقت العظماء على مر التاريخ، هكذا كانت شاكلة نادية... وقبلها كانت ليلي حتى أتت مريم ولا شيء تغير في كنه النساء .
وذات يوم من مساء الاثنين كان لقائي بنادية كما هو مألوف دائما إلى وقت متقدم من الليل، أطول الجلوس معها، لا أشبع منها قُبلاً وعناقاً وهي لا تشبع مني كذبا وخيالا ... ودّعتها بعد أن قبّلت خديها السمراء، ورجعت إلى البيت التي تبعد عنّي بساعتين مشيا على الأقدام. وفي طريقي كانت تراودني أحلام اليقظة، أشياء تبدو لي حقيقية لكن هي من صنع خيالي إلى أن وصلت إلى البيت وأنا في ثلث الأخير من الليل، وجدت الكل غارق في نومه، فدخلت مختفيا حتى لا أزعج الجميع، سرقت النظر في غرفة النوم وجدت أمي لا زالت مستيقظة، لكن ووجهها شاحب غارقة في التفكير وحاملة لهمّ ثقيل، نبرتها حزينة، اليأس على ملامح وجهها، سألتها مستغرباً عن حالها، ما بك يا أمي؟ فأجابني غدا يوم السوق الأسبوعي ولا أجد أي من النقود أشري بها مستلزمات السوق، أمي كانت المسؤولة عن البيت، أسرتنا غارقة في الفقر والعوز كأننا ورثناه عن جدنا السابع حتى لا يريد أن يفارق سبيلنا. جواب أمي جاءني كالسيف في فؤادي، أحسست بالضعف في رجولتي، اغتصبت أدميتي وإنسانيتي في تلك اللحظة، جواب أمي كان صفعة يقظة من خيالي الذي أرسمه لعاشقتي نادية، قررت في تلك اللحظة أن أعيش واقعي بمأساته، وسعاته، وفرحه، وفقره، وقررت أن أتصالح مع الماضي والمحيط، وأن أهجر العشق المشأوم إلى الأبد، لكي أعيش واقعي ولا ليس خيالي.



#حنضوري_حميد (هاشتاغ)       Hamid_Handouri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشهد لن أنساه أبدا
- العقل يبحث عن معنى
- علي الفياض: عاشق لتراث الشعبي وخادم لقطر معنويّا
- قالت لي أمي لا تشرب القهوة
- البعد الإنساني للمؤرخ وجيه كوثراني
- الوالي سيدي المخفي: من المقدس إلى المدنس
- تمثّلات الفاسدة عن الفلسفة
- مسألة الأكراد سورية ... الواقع ...والتاريخ... والأسطرة.
- تبلور فكر القومية العربية.
- موجز عن كتاب الجماعات المتخلية للباحث بندكت أندرسن
- قراءة في كتاب -الحركة التونسية رؤية شعبية قومية جديدة-
- المشترك بين الشريعة والعرف - الإرث والقضايا الأخلاقية أنموذج ...
- نقاش حول مسألة النهضة العربية من منظور وجيه كوثراني
- دور الفئة غير العالمة في مواجهة الوباء في المغرب خلال القرني ...
- ساطع الحصري والدفاع عن القومية من خلال كتابه العروبة بين دعا ...
- قراء في كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمان ا ...
- قراءة في الفصل الأول من كتاب تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب ...
- العبرة قبل القصة
- ذكرياتي مع ليلة القدر في قبيلة ايت حموا
- لماذا نقدس العذرية ؟


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حنضوري حميد - بين الواقع والخيال كنت أعيش