أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حنضوري حميد - مشهد لن أنساه أبدا














المزيد.....

مشهد لن أنساه أبدا


حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)


الحوار المتمدن-العدد: 7430 - 2022 / 11 / 12 - 20:31
المحور: سيرة ذاتية
    


بعد غياب دام سبعة أشهر في سفري الأول خارج البلاد، كان أبي يطير فرحا وسرورا عند سماعه خبر عودة ابنه الوحيد إليه. لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا. كان يوم رجوعي إلى البيت يوما استثنائيا لم يكن كالمألوف، سعادة وفرح ومرح وشعور ممزج بالقلق، لم أخبر أسرتي بالعودة إلى البيت لكي تكون المفاجئة لكن كان الواقع عكس ذلك فتفاجأت بالمشهد الذي وجدته. كان يوم وصولي إلى البيت قد انتهى نهاره، كان الوقت حينها ما بين صلاة المغرب والعشاء في أيام الأولى من عطلة فصل الصيف.
فعند وصولي سلمت على الأسرة بتوالي، حييتهم جميعا واحدا تلوى الأخر، كلام وعناق وقُبَل المحبة والاشتقاق، واستمريت بهذا المنوال حتى أنهيت سلامي على الجميع، فإذا برجل عجوز تجاوز من العمر السبعين، يجلس في ركن البيت، رجل نحيف القامة أسمر اللون ناخر العين، رقيق الشفتين، ورجليه رقيقتان مثل عود القصب، وبثياب قديم، لا يقدر على التحرك، نصفه الأسفل من الجسم ميت، هيكل عظمي في صفة الانسان، نظرت إليه ونظر إليّ بنظرات خافتة، وكررت النظر إليه مستغربا مما رأيته، كانت نظراتنا متفاوتة لكن نظرات تحمل حزنا وهمّا وغمّا شقت قلبي، ومن يكون هذا الرجل حتى أثر في؟ إنه سند حياتي إنه مظلة حياتي إنه أبي... ارتميت عليه وعانقته وعانقني بقوة حتى يكاد أن يخنق أنفاسي، ولدي ولدي حميد رجعتي ليا ثم أجهش بالبكاء. قبلت رأسه ثم يده، ووضعت يدي على كتفه، و وجلست بجانبه على يده الأيمن، ولم أقدر على أن أطول النظر إليه، لأنني كلما حاولت أن أسرق النظر إليه نظرة خافتة، اهتزت فيها مشاعري واستفزت فيها أدميتي. أه أنه أبي لقد فعلت فيه الحياة أفاعل، قبل أن كان رجل ذو بنية قوية، بدوي المنشأ .
في صبيحة يوم الثاني من لقاءنا، وكواجب الإنساني وبرّ بالوالدين، استيقظت لأقدم لأبي وجبة الفطور وأخدمه في بعض الأشياء والحاجيات وأقدم له المساعدة إن احتاج إليّ، لكن الأمر اختلف هذه المرة على ما كان عليه في الأيام السابقة، وجدت جبينه يصب عرقا أصفر، يداه مرتخيتان وعينيه مغلقتان، لم استوعب المشهد جيدا، كنت أظن أنه نائم، فناديته مرتين أبي، أبي ... لكن لم يجبن، وناديته مرة أخرى لكن بدون جدوى. أخبرت فورا ابن عمي، الذي يسكن بجوارنا بمسافة لا تتجاوز دقيقتين ، لأستفسره عن المشهد بحكم أنه يكبرنا سنا وأكثرنا خبرة في الحياة ،وكان حامل لكتاب الله لهذا يحظى بالاحترام.
وكذلك كان، فبعد مدة قصيرة انضم إلينا ابن عمي سي محمد، نظر إليه ثم جلس في جانبه الأيمن وقابلته أنا من الجهة الأخرى على يده الأيسر، ثم بدأ يقرأ عليه " يا أيها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية..."، حينها علمت أن الأمر ازداد سوءً، بالرغم أنني لم أدرك معنى الموت، لكن عشت على أمل ولو كان مزيفا أن أبي سيبقى معنا، وسنكون جنبا إلى جنب، وسندا لبعضنا البعض. لكن لم يكن ذلك، لينكسر حلمي بعد دقائق معدودة ليستسلم لقدر الله.
نظر إليّ أبي وهو في حالة متقدمة من الاحتضار، فكانت تلك النظرة هي الأخيرة في حياته ليغادرنا إلى عالم الصمت الأبدي، ليغادرنا إلى دار البقاء للقاء ربه. لم يقل لي لا وصية ولا أمر ولا شيء، لكن غادر؛ وفي تلك اللحظة التي فاضت فيه روحه، أدركت أن مظلة الأبوة التي كانت تحمني قد انكسرت، وأدركت أن لاحد يحب لك الخير والنجاح ألا والديك، وأدركت أن حمل الحياة بذون أب صعب، وأدركت أن السير المشوار بدون سند ثقل... أدركت أن لكل في هذه الحياة بديل إلا الوالدين، ولهذا لا تحسبوا أن الفراق هين. فيا أبي إن أذيتك بدموعي فسامحني، فأنا لا أبكي اعتراضا لقدر ربي وإنما أبكي شوقا واشتياقا لك فليس للمشتاق حول ولا قوة.



#حنضوري_حميد (هاشتاغ)       Hamid_Handouri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل يبحث عن معنى
- علي الفياض: عاشق لتراث الشعبي وخادم لقطر معنويّا
- قالت لي أمي لا تشرب القهوة
- البعد الإنساني للمؤرخ وجيه كوثراني
- الوالي سيدي المخفي: من المقدس إلى المدنس
- تمثّلات الفاسدة عن الفلسفة
- مسألة الأكراد سورية ... الواقع ...والتاريخ... والأسطرة.
- تبلور فكر القومية العربية.
- موجز عن كتاب الجماعات المتخلية للباحث بندكت أندرسن
- قراءة في كتاب -الحركة التونسية رؤية شعبية قومية جديدة-
- المشترك بين الشريعة والعرف - الإرث والقضايا الأخلاقية أنموذج ...
- نقاش حول مسألة النهضة العربية من منظور وجيه كوثراني
- دور الفئة غير العالمة في مواجهة الوباء في المغرب خلال القرني ...
- ساطع الحصري والدفاع عن القومية من خلال كتابه العروبة بين دعا ...
- قراء في كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمان ا ...
- قراءة في الفصل الأول من كتاب تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب ...
- العبرة قبل القصة
- ذكرياتي مع ليلة القدر في قبيلة ايت حموا
- لماذا نقدس العذرية ؟
- الجامعات الديمقراطية، الواقع والرهانات (إطار نظري)


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حنضوري حميد - مشهد لن أنساه أبدا