أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - حنضوري حميد - دور الفئة غير العالمة في مواجهة الوباء في المغرب خلال القرنين (1718م.)















المزيد.....

دور الفئة غير العالمة في مواجهة الوباء في المغرب خلال القرنين (1718م.)


حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)


الحوار المتمدن-العدد: 6882 - 2021 / 4 / 28 - 22:54
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


مــــــــــــــــــــقـدمة
نسعى من خلال هذا الطرح إلى تبيان الدور الذي لعبته الفئة العامة في مواجهة الأوضاع العصيبة والمتأزمة التي شهدها المغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وكان تأزم الأوضاع ناتجا عن مجموعة من الكوارث الطبيعية من أمراض و أوبئة. وكان تأثير هذه الأوبئة والأمراض الناتجة عنها سلبيا على المجتمع المغربي. فقد خربت بنيته سواء في المدن أو في البوادي. فلم تقتصر على الفئة العامة فقط بل أثرت سلبا حتى على الفئة العالمة و الميسورة الحال. ومعلوم أن كل طرف كان لزاما عليه إيجاد طرق وحلول لمواجهة وتخطي هذا الوضع.
وليس من المهم في هذه السطور أن نخط ما ذهبت إليه الدراسات السابقة، ولكن هدفنا أن نبين أن الأستغرافيا التي سجلت تاريخ المغرب، سواء المتصدية لسردية الإثنو المركزية الأوروبية أو الكتابات المتأثرة بها، ركزت بشكل أساس على الحواضر باعتبارها المكان المحتضن للفئة العالمة و الفاعلة والتي يرتكز عليها المجتمع، مقصية بطريقة أو بأخرى دور الفئة العامة التي تسكن البوادي. والتي كانت هي الأخرى لها مساهمات في الحد من الوباء باستعمال مجموعة من الوسائل والتقنيات التي أتيحت لها من خلال تفاعلاتها مع المحيط. حيث عرفت التقنيات التي اعتمدتها انتشارا في المجتمع المغربي، ثم لتشهد بعد ذلك انتقالا في العالم المتوسطي كأفكار معرفية تبنتها المجتمعات الأوروبية كتقنيات طبية للحد من مخاطر الأوبئة. وبناء على ذلك سننطلق في هذه الورقة من إشكال رئيس يكون كالتالي: إلى أي مدى ساهمت الفئة العامة في محاولة إيجاد أفكار وتقنيات كحلول لعلاج الأوبئة؟
لكن انبثق عن هذا الإشكال سؤالان جزئيان وهما كالتالي: ما هي الوسائل والتقنيات التي اعتمدتها هذه الفئة؟ وهل انتشرت أفكارها باعتبارها تقنيات طبية لمعالجة الأوبئة؟
للإجابة عن هذه الإشكالية السالفة الذكر، وقبل الغوص كذلك في الحديث عن التقنيات والأفكار التي استعملتها الفئة العامة للحد من الأمراض الأوبئة، لا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن المجتمع المغربي بشكل عام، والطبقة العامة منه بشكل خاص تلك التي تقطن البوادي، كانت معتمدة في العيش على الفلاحة المرتكزة أساسا على زارعة الحبوب، وتربية المواشي. حيث كان هذا النمط هو النموذج الاقتصادي العادي والتقليدي في بلاد المغارب. ومعلوم أن الفلاحة في هذا الزمن كانت تعتمد فقط على ما جادت به السماء من أمطار . ولم يستعمل الفلاحون في خدماتهم إلا أدوات وأساليب بسيطة وتقليدية .
إن الارتباط مع هذا النشاط الاقتصادي القائم على الزراعة جعل كل ممارساتهم تتفاعل مع الطبيعة، فكانت طبيعة الغذاء نباتية بالأساس، لأنه ارتبط بشكل مباشر بما كان فلاحو الفئة العامة يتنتجونه من محيطهم الطبيعي. وكانوا بإنتاجهم البسيط يوفرون لأنفسهم غذاء متوازنا نسبيا. فكانت التغذية التي اعتمدوها تغذية نباتية. وعليه كانت كل أفكارهم وتقنياتهم في معالجة الوباء كانت مرتبطة بشكل مباشر بما هو متوفر لهم في الطبيعة المحيطة.
أهم التقنيات المعتمدة من طرف الفئة العامة في علاج الأمراض والأوبئة.
كان للفئة غير العالمة في المجتمع المغربي، دور فعال ومساهمة في محاربة والحد من الوباء، حيث ابتكرت تقنيات وأساليب للوقاية من الأمراض الوبائية، بالرغم من أنها كانت أساليب بسيطة كما وصفها البعض مقارنة على ما هو سائد اليوم ، إلا أنها عرفت انتشارا واسعا في أوساط المجتمع المغربي، كما استطاعت أيضا أن تتنقل إلى العالم المتوسطي. فكيف تم ذلك؟
قبل الإشارة إلى كيفية انتقال هذه الأفكار، لا بد من عرض أهم التقنيات التي اعتمدتها الفئة العامة لمحاولة الحد من الأمراض الناتجة عن الأوبئة، والتي جاءت نتيجة الإكراهات التي فرضها عليهم الوضع، بسبب غياب المعرفة العلمية الطبية. فكان ضروريا على الفئة العامة هي الأخرى أن تبتكر تقنيات تساعدها على علاج الأمراض والوقاية منها، أو التخفيف منها على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات الاستشفائية لا تستند إلى علم ولا إلى قانون طبيعي، وإنما أتت ممارستها بناء على تراكم تجارب الأفراد والجماعات في البوادي والمدن على السواء. وقد أشار ابن خلدون في المقدمة إلى هذا النوع من التقنيات التي نعتزم الحديث عنها والتي كانت منتشرة في البوادي أكثر من الحواضر. ومن بين هذه التقنيات:
أولا: تقنية وقائية، هذه التقنية عرفت استعمالا، خاصة بعد إدراك الفئة العامة أن مرض الطاعون ينتشر في الهواء، فقاموا بحرق مجموعة من الأشجار والأخشاب العطرية، كالعرعار وإكليل الجبل وشجر الإجاص ، وكلها تساهم بإصدار روائح زكية تقضي على الأبخرة الضارة التي تتسبب في نقل مرض الوباء. إضافة إلى اجتناب شرب المياه الراكدة أو الملحة التي تغيرت رائحتها لأن الهواء الفاسد هو مصدر المرض.
ثانيا: تقنية علاجية من بينها تقنية الحجامة وهو إخراج الدم الفاسد من الجسد بشريط الورم الطعوني، وتنظيف الجرح على نحو تام. إضافة إلى تقنية الحك على الجلد التي عرفت بالخصوص عند النساء. وهي إعطاء الأصحاء خفيفا من الحك بالقيح المأخوذ من بثور المرضى على جلد ذراعهم . وأكثر من هذا ابتكروا مجموعة من الوصفات العلاجية للتخفيف من ألم الداء، وهي تقنيات مبتكرة من المحيط الطبيعي الذي يعيشون داخله. وهذه الوصفة عبارة عن خليط مكون من الزيتون وأحماض الليمون والسفرجل، تستعمل في تهدئة القلب ، وتبريد الصدر للتخفيف من الألم. كما استعملوا أيضا تقنية دهن نبات يدعى الريباس على جسم المريض.
وهذه التقنيات سالفة الذكر ، سواء تقنيات علاجية أو وقائية كانت هي الأخرى موجودة في الجزائر بكثرة، انتقلت إلي المغرب، وكانت تستعملها طبقة العوام بشكل أساس. بحكم تشابه الأوضاع الصحية بين المغرب والجزائر، وخصوصا في هذه الفترة. وكذلك تشابه البنية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية للبلدين.
وإلى جانب التقنيات العلاجية المرتبطة بالمحيط الطبيعي، هناك تقنيات أخرى مرتبطة بما هو غيبي وخيالي، كالعلاج بالتمائم والعزائم، وكذلك المداواة بالسحر والشعوذة، وخير مثال في هذا السياق النساء القوابل اللواتي كن منتشرات في أوساط المجتمع المغربي وفي الجزائر كذلك. ويبقى السؤال المطروح هنا كيف اقتنع عامة الناس باستقبال هذا النوع من الأفكار متيقنين من أنها صحيحة، و أنها السبيل للعلاج؟ علما أن هذه المسألة لم تقتصر فقط على المجتمع المغربي بل كانت ظاهرة كونية منتقلة كأفكار في أوساط المجتمعات العالم العربي الإسلامي لفترات طويلة.
ومن الملاحظ، وبغض النظر عما ساهمت به الفئة العامة كعنصر فاعل في المجتمع، أنها كانت تعتمد في علاج المرض على قاعدة الأضداد؛ وهي العلاج بعناصر تكون مختلفة الطبائع مثلا أن الماء البارد يصلح في نظرهم لمن فيه الحمى، ولكنه ضار لمن فيه الزكام أو البرد، ويجب تسخينه لكي يصلح لمن أصيب بنوبة البرد. .
انتقال الأفكار والتقيات العلاجية من الفئة العامة إلى العالم المتوسطي.
بالرغم من أن الأساليب الوقائية والعلاجية المبتكرة من طرف الفئة العامة بالمغرب والتي اعتمدتها في التداوي من الأمراض، كانت بسيطة خلال هذه الفترة، وهي تقنيات اقتصرت على التداوي بالأعشاب، كما استعمل الكي وسيلة للتداوي وأصبح معروفا ومتداولا بين فئات هذه الطبقة (أي طبقة الناس العاديين العوام) في الجزائر والمغرب بحكم التقارب الجغرافي، وبحكم الاشتراك في بعض العادات والتقاليد. ثم انتقلت إلى دول المشرق العربي لتعرف انتشارا واسعا بين سكان هذه البلدان. ولم تتوقف هذه التقنيات هنا بل استمرت في الانتشار، فعرفت بعد ذلك انتقالا بشكل واسع إلى أوربا كتقنيات طبية، تبنتها الطبقة العالمة الأوروبية؛ وخاصة في اسبانيا وانكلترا. للتداوي من الأمراض المعدية. وفي هذا الصدد استطاع الدكتور محمود الحاج قاسم محمد أن يثب في بحثه - محاولا الخروج من القوالب المعرفية التي يتبانها المؤرخون المتأثرون بالصبغة الغربية أي بالمركزية الأوروبية- أن التقنيات التي ابتكرتها الطبقة العامة في المشرق العربي انتقلت إلى أوربا كأفكار طبية، وليس كتقنيات شعبية، عن طريق الاحتكاك التجاري مع الغرب. فكان ذلك من فضائل العرب عليهم. كما ذكر أن تقنية الحك على جلد الذراع المأخوذ من بثور المرضى التي ابتكرتها امرأتان من العامة، انتقلت عن طريق زوجة السفير البريطاني، التي أطلعت على كيفية ممارستها، وأعجبت بالنتائج الباهرة المحصلة منها، فبدأ استعمال هذه الطريقة في أوساط الطبقة العالمة وحتى ميسورة الحال من الإنجليز وحتى الأوربيين الآخرين..
وهذا الأمر يدل على أن هناك حركية الأفكار وانتقالها من مجتمع إلى آخر وكذلك تقنيات طبية انتقلت من العالم العربي إلى أوربا، وأن العرب سباقون إلى ابتكار بعض التقنيات والمساهمات الطبية للحد من انتشار العدوى، عكس ما تروّجه السردية المتأثرة للإثنو مركزية الأوروبية على أساس أنها مركز العالم في كل شيء. وهي من صدّرت للعالم العربي والإسلامي كل الأفكار العلمية.
خاتــــمــــــــــــــــــــــــــــــــة
وختاما، ومن باب الإنصاف، بعيدا عن سردية الإثنو المركزية الأوروبية والكتابات المتأثرة بها، يمكن القول إن دور طبقة العوام حاضر في المجتمع المغربي، في الفترة قيد الدراسة، ويتضح هذا من خلال مجموعة من المساهمات التي قامت بها هذه الطبقة إلى جانب الطبقة العالمة بصفتها فاعلة في المجتمع. وهكذا استطعنا من خلال مجموعة من الإشارات الواردة في بعض الكتابات أن نتبث ذلك. وأكثر من ذلك أن الأوروبيين نقلوا الأفكار والتقنيات التي ابتكرتها هذه الفئة، واعتمدوا عليها في المداواة من الأمراض الوبائية المنتشرة في أوساطهم. إلا أن الوجه الحرج المطروح هو أن الكتابات ذات سردية الإثنو مركزية الأوروبية أو المحلية المتأثرة بها لم تعترف بالدور الذي لعبته هذه الطبقة وبالمساهمة التي قدمتها هذه الفئات السفلى الفاعلة. وهكذا يبقي موضوعها يشكل في وقتنا الحاضر حقلا بحثيا ثريا يمكن للباحثين الاشتغال عليه.


.



#حنضوري_حميد (هاشتاغ)       Hamid_Handouri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساطع الحصري والدفاع عن القومية من خلال كتابه العروبة بين دعا ...
- قراء في كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمان ا ...
- قراءة في الفصل الأول من كتاب تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب ...
- العبرة قبل القصة
- ذكرياتي مع ليلة القدر في قبيلة ايت حموا
- لماذا نقدس العذرية ؟
- الجامعات الديمقراطية، الواقع والرهانات (إطار نظري)
- المنهج المادي التاريخي 2
- التاريخانية من هيجل إلى ماركس وانجلس/المادية التاريخية 1
- قراءة في الباب الأول من كتاب - الدولة الموحدية أسس الشرعية و ...
- تأريخ لمعركة لهري 13نوبير1914م.( بين وجهتي سعيد كنون و محمد ...
- تحرير المرأة في فكر قاسم أمين
- أوجه من النضال السلمي السياسي بالمغرب -الحركة الوطنية- أنموذ ...
- رفاعة الطهطاوي والحداثة الأوروبية منهج الاستيعاب والتوفيق.
- الاستشراق أهدافه وسياق ظهوره
- قراء في كتاب - الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصد ...
- الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمغرب قبل الحماية
- قراءة في كتاب- منهجية البحث- للكاتب الفرنسي ماثيو جيدير
- قراءة في كتاب: -قبائل أيت سكَوكَو في مواجهة الاستعمار الفرنس ...
- التاريخ وعبوره للتخصصات من أجل الكشف عن الحقيقة والقيام بمهم ...


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - حنضوري حميد - دور الفئة غير العالمة في مواجهة الوباء في المغرب خلال القرنين (1718م.)