أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حنضوري حميد - تحرير المرأة في فكر قاسم أمين















المزيد.....


تحرير المرأة في فكر قاسم أمين


حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)


الحوار المتمدن-العدد: 6758 - 2020 / 12 / 11 - 16:59
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تعتبر قضية تحرير المرأة في الفكر العربي الحديث، من بين القضايا الفكرية التي استأثرت باهتمام المفكرين العرب، حيث شغلت حيزا واسعا من الزمان تجاوز قرنا. كما أن القضية عرفت انتشارا واسعا في مدونات أصحاب مختلف المذاهب داخل الوطن العربي كالليبراليين والمحافظين وغيرهم، وذلك لكونها كانت إحدى القضايا المحورية المطروحة آنذاك. وحظيت باهتمام المفكين لأنها تقاطعت مع العديد من الموضوعات الفكرية السائدة في تلك الحقبة التاريخية. ومعلوم أن قضية المرأة لازالت إلى حد الآن، تطرح في سياقات متعددة بأشكال أخرى.
ونظرا إلى الأوضاع التي كانت تعيشها الدول العربية، والمتمثلة في الجمود الفكري، وفي تقديس العادات والتقاليد من جهة، وفي الاستبداد السياسي والتخلف الاقتصادي، وغلق باب الاجتهاد عند المفكرين من جهة ثانية. كل هاته الأوضاع، إلى جانب أحوال أخرى، أثرت سلبا على وضعية المرأة. وأدت إلى تدني مستواها، وإلى إقصائها من المشاركة في الحياة العامة، وكل ذلك بسبب طغيان الفكر الذكوري وسيطرته في المجتمعات العربية. وهو فكر إما معتمد بالأساس على التأويل الخاطئ والسطحي للنصوص الشرعية. أو على الفهم البسيط، والأفق الضيق عند الرجل، الذي لم يكن لا عن وعي ولا عن ورع في فهم قضية المرأة. في الوقت الذي كانت فيه المرأة في العالم الغربي تعيش نوعا من التحرر من قيود المجتمع، والسلطة الدينية المتمثلة في رجال الدين والكنيسة، لتعرف نوعا من المساواة مع الرجل. والانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية.
وفي هذا السياق، ظهر المفكر قاسم أمين، المتشبع بالفكر التنويري الغربي، والوعي بضرورة تغيير وضع المرأة و إصلاح شأنها. ليقوم بثورة على تقاليد وعادات المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع المصري على وجه خاص، وثار كذلك على القراءة السطحية للموروث الديني دون أن يمس في جوهره. ليشتغل في إطار التأويل المعاصر للنصوص الدينية، التي تتماشى مع روح العصر. ولذلك يمكن اعتباره من الدعاة الأوائل، بل من مؤسسي فكر الحركة النسائية اللبرالية في العالم العربي، وخاصة بعد نشره لكتاب "تحرير المرأة" سنة 1899م.
وهو في الواقع كتاب خالف فيه العرف المعتاد، والسلوك السائد في المجتمع العربي تجاه المرأة. فخلق ضجة، وأثار جدلا واسعا، وجلب الانتباه داخل أوساط المفكرين والعلماء المحافظين والعلمانيين سواء. من خلال ملامسته في طيات الكتاب أبعاد التحرر الاجتماعي، وتعبيره عن الرغبة في تغيير المجتمع، والسير به نحو الحداثة. إذن ما هي تركيبة عقل المفكر المصري قاسم أمين؟ وتلك الأطروحة التي دافع عنها لتحرير المرأة؟ وما هي ردود الأفعال التي واجهت أطروحة هذا المفكر المشهور قاسم أمين؟
ـ تركيبة فكر الأستاذ قاسم أمين (1863 ـ 1908م.)
ولد قاسم أمين في دجنبر سنة 1863م. في بلدة تدعى طره ضواحي القاهرة. من أب ذي أصول تركية، ومن أم ذات أصل مصري. توفي والده وتركه في سن الطفولة، لينقل إلى حضن خاله الذي حل مكان أبيه في القيام بواجب تربيته وتعليمه، وتتبع مساره التكويني. وهذا التنوع في التربية ربما هو الذي أثر ايجابيا في تحصيله العلمي وسلوكه العملي، وأعطاه هذا النبوغ الفريد.
تلقى قاسم أمين تعليمه الابتدائي في مدرسة الإسكندرية. وهي مدرسة رأس التين، التي كانت تعتبر من أشهر مدارس ذلك الزمان. وهي التي درس فيها أبناء أرقى طبقات المجتمع في هذه المدينة. وهم من أثرياء الأتراك، ومن علية الأرستقراطية المصرية. ثم نقله أبوه قبل أن يموت إلى المدرسة التجهيزية التي تسمى ـ الخديوية الآن ـ في القاهرة. حيث فضل قاسم أمين أن يلتحق بقسم اللغة الفرنسية. وكان من وراء اختيار هذه المدرسة رغبة أبيه في رسم مساره العلمي الذي أراده مسارا استثنائيا.
حيث استكمل قاسم أمين دراسته متنقلا بين المدارس إلى أن حصل على شهادة الإجازة عام 1881م. من مدرسة الحقوق والإدارة،. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قاسم أمين استطاع أن يشكل استثناء في فوج المتخرجين معه لأنه حصل على الرتبة الأولى في هذا الفوج، وكان أصغر الشباب سنا أيام نجاحه.
استمر على منوال الاجتهاد والمثابرة حتى حالفه الحظ في استكمال دراسته في الخارج، حيث شد الرحال إلى فرنسا في بعثة علمية، لينظم إلى جامعة مونبلييه ، فأتم دراسته في تخصص الحقوق.
وهكذا ساهم وجوده في فرنسا لمدة أربع سنوات قضاها في الدراسة، في تفتحه على المحيط الفرنسي الذي تخلص أهله من القيود. فتشبع بالثقافة والأدب والفكر الرائج في فرنسا. وشغف بتتبع وقراءة وفهم هذا الفكر. وهكذا قرأ لرواد النهضة الغربيين، ولزعماء الفكر الثوري. إضافة إلى تجواله في مختلف مناطق فرنسا ملاحظا مظاهر المدنية، ومستفيد من المحيط الفرنسي حوله.
والانفتاح بالنسبة له لم يكن وليد اللحظة، بل تدرج فيه منذ أن بدأ تعليمه الابتدائي بالفرنسية، حيث زاوج بين دروسه، وبين القراءات الحرة لكتب الآداب الفرنسية، وكتب الاجتماع والتاريخ والقانون وكتب الدين. فأصبح واسع الاطلاع. وكان وراء انفتاحه رغبته في معرفة عمق ماضي بلده وتركيبة مجتمعه. وكل جهوده هذه ساهمت بشكل وافر في تفوقه ونبوغه من التفوق بين رفاقه.
وفي خضم هذه السنوات التي عاشها في فرنسا، جدد علاقاته مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس، كما تعرف على المجمع الفرنسي من خلال ربط مجموعة من العلاقات الاجتماعية مع رجال ونساء. كما أعجب بحرية المرأة وبشخصيتها. فكانت فرضية مشروع قاسم أمين الفكري مشتركة مع أفكار الشخصيات التي سبقته أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده وغيرها حيث كان لهم جميعا أفق واسع، ولهم نزعات متقاربة في مشروعهم الفكري، وفي رغبتهم وضع ركائز وشروط النهضة من أجل تغيير المجتمع المصري، والسير به نحو الأفضل. كما التقى سعد زغلول، وتعرف عليه. إذ يعتبر هذا الأخير من بين الشخصيات السياسية الوازنة والنادرة آنذاك، لكونه كان مشاركا في الحركة الوطنية.
اشتغل قاسم أمين بعد عودته من فرنسا في سلك القضاء. فعمل قاضيا لمدة عقدين ونيف من الزمان. كما عمل سابقا في المحاماة في مكتب مصطفى أمين بالقاهرة، وذلك بحكم تخصصه في القانون. وكانت المدة التي اشتغل خلالها في القضاء قد وصلت إلى 23 سنة، الشيء الذي أهله إلى أن يترقى في سلم القضاء، ليصل إلى رتبة المستشارين في محكمة الاستئناف الأهلية بالقاهرة.
وبإجماع من المفكرين أنه كان يتصف بالشفافية والنزاهة، والعدل والصدق. وهذه هي الصفات الحقيقية للقاضي. توفي قاسم أمين سنة 1908م. في سن صغير بحيث لم يتجاوز عمره 45 سنة.
أطــروحة قــاســـم أمــيــن
ينتمي قاسم أمين إلى مدرسة فكرية مخضرمة، جمع بين تكوين ثقافي إسلامي أزهري رصين، وتكوين علمي وثقافي حديث. انخرط في مسار ثقافي دشنه شيوخ النهضة، خاصة في الحديقة الفكرية المجتمعية والثقافية التي أسسها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في مصر.
وفي سن مبكرة، انبرى لنقاش مجتمعي متشابك، وكان صريحا وواضحا في معالجة قضايا تهم النوع الاجتماعي، والقيم والتقاليد المجتمعية المصرية والعربية والإسلامية. وترتكز أطروحته على صياغة تصورات جديدة لحل قضية المرأة، والإرث والطلاق والزواج، وتعليم المرأة وتشغيل المرأة، خاصة وأن قاسم أمين يعتبر من مؤسسي الحركة النسائية العربية الليبرالية الوطنية كما أشرت إلى ذلك آنفا.
قضية تحرير المرأة
يعتبر قاسم أمين أن قضية تحرير المرأة تحتاج إلى رغبة فكرية ومجتمعية في التغيير، تفضي أولا إلى تحديد المواقف التاريخية من المرأة داخل المجتمعات العربية الإسلامية، ثم تنتهي ثانيا بمعالجة وتصحيح هذه الرؤى باستحضار حقيقة موقف الإسلام من المرأة، وبالاستفادة أيضا من الحقوق التي حصلت عليها في أوربا حديثا . ويقرر أننا بهذه الطريقة سنحرر المرأة من القوالب التقليدية، التي تسعى إلى إبقائها مهضومة الحقوق، وذلك باستخدام مبررات فقهية مغلوطة. اعتبرها قاسم أمين
لا تاريخية، بحيث تقفز على محددات ثقافية ومجتمعية أنصفت المرأة، وكانت موجودة لدى القبائل العربية حتى قبل بزوغ الإسلام في الجزيرة العربية.
يعتقد قاسم أمين بأن تحرير المرأة، وتمكينها من جميع حقوقها أسوة بالرجل من حق في التعليم وفي الشغل، وفي المشاركة السياسية والمدنية، يعتبر مدخلا لتطور الوضع الاجتماعي العام نحو الأفضل داخل البلدان العربية. وبالخصوص داخل المجتمع المصري أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. إن المجتمع العربي الإسلامي لا يمكن أن يتقدم بنصف رئة، بينما نصفه الثاني خارج التاريخ، وخارج المسؤوليات المجتمعية. لقد حاول قاسم أمين أن يحرر المرأة من القوالب الفقهية السلفية، التي تحنطها ضمن أحكام لا تاريخية، ارتبطت بوضع القبائل التقليدية، أو بأحكام جامدة تحتاج إلى اجتهاد فقهي متقدم، من أجل السماح للمرأة بالتعليم والشغل والمشاركة في الحياة السياسية والمدنية، ومنحها المساواة القانونية والاقتصادية كباقي أفراد المجتمع من الذكور.
مسألة تعدد الزوجات
رفض قاسم أمين تعدد الزوجات كقاعدة فقهية لا تناقش، واعتبر ذلك ظلما للمرأة ، فإذا كان الرسول (ص) والصحابة فعلوا ذلك، فلأنهم فعلوه نظرا لظروف اجتماعية ضرورية؛ بحيث إن الغزوات والمعارك العسكرية، خلفت وراءها يتامى وأرامل. وكان الحل الوحيد لحمايتهم هو تعدد الزوجات آنذاك. إضافة إلى ذلك فإن مسألة تعدد الزوجات في نظر قاسم"عادة قديمة كانت موجودة ومألوفة قبل الإسلام في كثير من الأنحاء، ووجودها كان بسبب اعتبار المرأة في مرتبة بين الإنسان والحيوان." بل يرى أن التاريخ يخبرنا أن أمر تعدد الزوجات مرتبط ارتباطا وثيقا بوضع المرأة الاجتماعي الذي صمم لها؛ وهكذا بقي التعدد لصيقا بالأزمنة التي احتقرت فيها المرأة، وعوملت فيها معاملة وضيعة."
وهكذا اعتبر قاسم أمين التعدد احتقارا للمرأة. فهذه الأخيرة لا ترضى أن تشاركها امرأة أخرى في حب زوجها. كما لا يحب الرجل أن يشاركه أحد في زوجته. ولهذا يجب أن يعترف الجميع بمبدأ المساواة بين الجنسين.
أما بخصوص التغيرات التي طرأت على العالم في العصر الحديث، وما يطرحه من تحديات، فإنه يستدعي تبني ثقافة الانفتاح المعقول، والاعتراف بإنسانية المرأة، وجعلها صاحبة القرار النهائي في القبول بتعدد الزوجات عندما يستدعي وضع اجتماعي أو أسري هذه الضرورة.
معضلة الحجاب
رفض قاسم أمين التدخل في حرية اللباس المعقولة، كحق يجب أن يتمتع به الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة، ورفض بشدة البرقع والنقاب لأنهما ليسا من المشروعات الإسلامية. واعتبرهما تحنيطا للمرأة، لا يقتضيه الشرع. بل ما فقط ثقافة وعادات قديمة كانت سائدة. آتية من أزمنة قبلية عربية قبل الإسلام، ثم تبنتهما المجتمعات الإسلامية واستمرا إلى الآن. وهكذا يكون الحجاب موروثا تاريخيا بقي موجودا في حياة المرأة بصفة عامة. ولا يقتصر على المرأة المسلمة فقط وليس حكرا عليها، بل كان متواجدا في مجتمعات سابقة، وعند كل الأمم التي مضت مثل الأمة المسيحية واليونانية.
ويكمن دوره في استعماله لحماية جسد المرأة ووجهها من قساوة المناخ. سواء كان بردا أو حرارة. ولتعزيز هذا القول استحضر قاسم أمين ما ورد في القاموس "لاروس Laousse" متحدثا عن الخمار" كانت نساء اليونان يستعملن الخمار إذا خرجن، ويخفين وجوههن بطرف منه، كما هي الحال الآن عند الأمم الشرقية" وهذا يؤكد أنه عادة تاريخية ليس إلا.
كما يؤكد أطروحته من خلال قراءته لواقع المرأة المنقبة في المجتمع. فكيف لهذه المرأة المتبرقعة أن تتخذ لنفسها تجارة أو صناعة تدبر بها أمرها. أو تعمل كخادمة في بيت فيه رجال. فكيف لها أن تعقد أو تتقدم للزواج، وتحسم أمرها وهي مغلفة بنقابها. والرجل لم يتحقق من شخصيتها. وهذا أمر صعب للغاية لأنه مشترك مجتمعي بين الجنسين، لبناء مشروع مستقبلي تحت عنوان مؤسسة الزواج. وهذا الأمر يمنح لكلا الطرفين حق الاختيار. هذا من جهة. ومن جهة أخرى كيف للمرأة المنقبة أن تجسد موقفها المجتمعي أمام القضاء، للإدلاء بشهادتها في خصام حول قضية معينة، ووجهها مستور للتحقق من هويتها وهذا يسهل الغش. ومن حق أي رجل يقف موقف مخاصمة أمام المرأة أن يعرف تلك التي تخاصمه.
وحتى من ناحية التشريع الإسلامي فقد أجاز لرجل أن ينظر للمرأة في الخطبة وأباح للمرأة أن تكشف أو تظهر كفيها ووجهها. إضافة إلى هذا أن النقاب ليس أمرا شرعيا، لأن القرآن لم يرد فيه النقاب لا تصريحا ولا تلميحا، بل ورد فيه عكس ذلك، فعندما يقول القرآن لرجل أن يغض بصره، فإذا كانت المرأة منقبة فما الذي يراه الرجل حتى يغض بصره؟.
والخلاصة أنه يمكن القول على أن الحجاب الموجود عندنا ليس خاصا بنا، ولا أن المسلمين هم الذين استحدثوه، ولكنه كان معروفا عند كل الأمم تقريبا. ثم تلاشى لبسه طوعا لمقتضيات الاجتماع، وجريا على سنة التقدم والترقي. وهذا ما كان لزاما علينا معرفته؛ وعلينا أن نترك قضية الحجاب للحرية الشخصية التي تتعلق بإرادة المرأة نفسها، فهي التي تتحكم في جسدها، وترتدي ما تريد. لا أن تكون القوانين هي من تحدد لباس المرأة. لكن المرأة هي من تتصرف مع احترامها للذوق العام، وللأعراف المجتمعية التي قررتها الفئة المشرعة حول الحشمة.
o معضلة تعليم المرأة وتمكينها من العمل:
استحضر قاسم أمين كثيرا من الحجج ضد الفهم السلفي الفقهي لمسألة شغل المرأة. بحيث رفض هذا التوجّه الفقهي في مسألة تمدرس المرأة وتشغيلها. ويعتبر قاسم أمين أن تقدم المجتمع الحديث يفرض ضرورة تشغيل المرأة، والتحاقها بالحياة العملية على قدم المساواة في الأجر والحقوق. وتمييزها ايجابيا بسبب وضع الأمومة الطبيعي. ويؤكد قاسم أمين على ضرورة تعليم المرأة؛ لأنها الركيزة الأساس لتحقيق شروط النهضة. فنجاح المرأة في التعليم والشغل مقرون بنجاح المجتمع.
وكان المنطلق الأساس الذي اعتمد عليه في هذا الطرح، هو أنه قارن بين الرجل والمرأة فلم يجد أي اختلاف على المستوى السيكولوجي، أو المؤهلات المعرفية ماعدا الاختلاف البيولوجي. وهذا يستوجب ضرورة إشراك المرأة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما يحفظ لها كرامتها، وعزتها على غرار الرجل.
وأكثر من هذا أن التعليم في حد ذاته، هو حاجة من حاجات الحياة الإنسانية، وبه يرتقي شأن الإنسان، ولهذا فالمرأة محتاجة إلى التعليم لتكون إنسانة كاملة الشخصية والحقوق حتى تسهم في بناء الأسرة والوطن معا. وبشكل يضمن لها استقلالا تاما بعيدا عن وصاية الرجل.
o معضلة المساواة في الإرث:
طالب قاسم أمين بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، واعتبر عدم المساواة بينهما مسألة فرضها الواقع على أساس الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القبلية، حتى قبل ظهور الإسلام. ويرى أن الشريعة لا ينبغي أن تكون جامدة بخصوص هذا الموضوع. وخاصة مع التغيرات المجتمعية العميقة التي تحدث في العالم المعاصر. فالمرأة قديما لم يكن يسمح لها بالعمل، أما اليوم فهي تستطيع أن تحقق من خلاله ثروة معنوية ومادية،. كما أن المرأة في عالمنا المعاصر تتمتع بنفس الحقوق المدنية التي يتمتع بها الرجال. وتعتبر ندا للرجل من حيث النوع و القيم الأخلاقية، والرمزية الثقافية والقانونية عالميا. لذلك لا تعتبر المساواة في الإرث ضد الإسلام، بل على فقهاء الشريعة أن يجددوا الشريعة بما يناسب العصر، وما يناسب روح الدين الإسلامي القائم على المساواة بين الرجل والمرأة في جوهره.
o معضلة الطلاق:
حاجج قاسم أمين ضد الزواج التقليدي، والطلاق التقليدي، واعتبرهما مضرين بالمرأة والرجل والمجتمع. لذلك كان أول من طالب بالزواج والطلاق المدني في المجتمع العربي. وذلك لكي لا تضيع حقوق المرأة ولا تتعرض للظلم الاجتماعي.
وهذا النوع من الطلاق يعطي السلطة للرجل في اتخاذ قرار طلاق زوجته دون حضورها بصفتها طرفا معنيا بالأمر. فهي فقط أداة يستعملها الرجل في حياته، بحجة "الرجال قوامون على النساء". فهذا الأمر مرفوض في فكر قاسم أمين. ولهذا ناضل من أجل إعطاء الحق للمرأة في طلاق زوجها، واتخاذ القرار في تدبير أمر حياتها دون إكراه من الرجل. وأن يكون الطلاق مقننا بحضور السلطة المدنية لقضاء الأسرة، من أجل الحفاظ حقوق المرأة والأبناء معا. ولا يقتصر على السلطة الشفوية للرجل، ويكفيه أن يقول "أنت طالق".
ردود الأفعال ضــــــد أطروحة قاسم أمين
كان الطرح الذي جاء به قاسم أمين فكرا جديدا في الوسط الثقافي العربي، وذلك لأنه خالف بعض الثوابت في التراث الإسلامي، وفتح نقاشا حول قضايا كثيرة كان تحرير المرأة أكثرها استفزازا. وكانت دعوة قاسم أمين هذه بمثابة اتهام لكل الدول العربية، بتبنيها سلوكا استبداديا
إقصائيا تجاه المرأة. لا سيما أنه يصف العلماء المفسرين أنهم مقصرين في تفسير النصوص الشرعية. ومقصرين في التجديد والاجتهاد بما يستجيب لخصوصيات المجتمع الجديد، وللتطور الحاصل في هذا العصر. لقي هذا التوجه الجديد عددا من ردود الأفعال المتباينة، تراوحت ما بين منتقد ومناصر.
الرد العلماني على أطروحة قاسم
كما تمت الإشارة آنفا، فإن العالم العربي عامة في أواخر القرن 19م. وبداية القرن 20م. كان مجتمعا محافظا، يعتمد في تشريعاته وأعرافه على النصوص الشرعية. أما التواجد العلماني اللبرالي فقد كان في بداية تشكله في هذا العالم. وقد كانت نخبة قليلة هي من تتبنى أفكار التوجه العلماني اللبرالي، بحكم دراسة روادها في أوربا، وتأثرهم بالمستوى الراقي المبهر من التقدم في كافة مناحي الحياة. ورأوا أن ما ساعدهم على ذلك هو تطليقهم للمورث الديني ووصاية الكنيسة عليهم.
وبطبيعة الحال لقي فكر العلمانيين في الوسط العربي رفضا تاما، بسبب طرحهم أفكارا غريبة، ومرفوضة عند العلماء المسلمين، وفي هذا السياق ظهرت طروحات قاسم أمين التنويرية، زاوج فيها بين الاقتباس من النصوص الشرعية والأخذ من المنظومة الفكرية العلمانية. ومن أبرز ما دعا إليه العلمانيون هو تمكين المرأة من حقوقها بشكل متساوي مع الرجل. ومن أهم الحقوق التي أجمع عليها هؤلاء المفكرون اللبراليون هو مسألة تعليم المرأة. واعتبروها الركيزة الأساس، وهي التي تبناها المفكرون العرب ودافعوا عنها. وممن بدؤوا هذا التوجه رفاعة الطهطاوي الذي طالب بتحرير المرأة. ومنهم كذلك سعد زغلول ومحمد عبده، وهدى الشعراوي ونوال السعداوي وغيرهم من العلمانيين. وكلهم دافعوا باستماته عن مسألة إنصاف المرأة العربية. مع الإقرار بتباين مرافعاتهم وذلك بسبب تفاوت توجهاتهم الفكرية.
فنجد محمد عبده وسعد زغلول ينطلقان من أهمية إعادة قراءة النص الديني، وفهمه فهما صحيحا بما لا يحرف قدسية النص، وبما يسمح بتحسين وضعية المرأة، ويرفع الحيف عنها انطلاقا دائما من الدين. لكن كلا من هدى الشعراوي ونوال السعداوي تتمردان على الموروث الديني، وتدعوان إلى إعطاء المرأة الحرية التامة، والحق في التصرف والتفكير بدون قيود.
الرد الإسلامي على أطروحة قاسم أمين
لم يلق فكر قاسم أمين قبولا من طرف المسلمين، ولا سيما علماء الأزهرمنهم. وذلك لأنه جاء بأفكار جديدة، تحاول زعزعة المألوف فكرا ومنهجا. فكان الرد معاديا ولاذعا من طرفهم، واعتبروا أن في دعوات هؤلاء العلمانيين سما يقدمونه في شكل دسم. ذلك أن مستوى التحرر الذي نالته المرأة في المجمتع الغربي؛ والذي تأثر به، وتبجح به، وجعله هؤلاء أنموذجا يحتذى به إنما هو مستوى متدني جدا، ونتاج لحركة ليبرالية شيَّأت المرأة، وجعلتها مجرد سلعة. وأن محاولة هؤلاء إسقاط الإصلاح المزعوم على الواقع العربي سيؤدي لا محالة إلى سفور المرأة، وإلى خراب البيوت التي تعتبر عصب المجتمعات، وأساس قوته.
وبناء على هذا فإن دعاة المحافظة والتقليد اتهموا قاسم أمين، والمفكرين الذين يتقاسمون معه نفس الطرح، بالجناية على الدين ثم الوطن. وأنهم يخدمون أجندة غربية، وينفذون أمنية من أماني الأمم الصليبية التي أرادت بها هدم الإسلام، وتقويض الآداب والأخلاق. وتحريض النساء على الفساد. واتهموا كل من يعضد هذه الدعوة بأنه ليس من المسلمين.
فكان الرد الإسلامي المحافظ على مسألة المساواة بين الجنسين، في كافة الحقوق والمعاملات والتي بدا للعلماء أن قاسم أمين بالغ فيها حينما أراد يكون للمرأة كما للرجل الحرية المطلقة، وأن يكون لها مثل ما له من الأمر والنهي في كافة لأمور. بالرغم من أن الله خلقها ضعيفة القوة، ضعيفة العقل، قليلة العزم والحزم، ليجعلها تحت رعاية الرجل. واستدلوا على ذلك بقول الله " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ..." بل أكثر من هذا أن من امتيازات الرجال على النساء وكونهن غير مساويات لهم وذلك لوجود النبوة والخلافة فيهم، والأذان والخطبة، وتضعيف الميراث والتعصيب فيه. وتكليف الرجال بالقتال دون النساء، وهذه حكمة الله في خلقة. وبخصوص الحجاب، فإنه شرع للمحافظة على المرأة، وليقيها شر ذوي الأخلاق السيئة المنتشرين في الطريق. أما مسألة تعليم المرأة وتفقيهها في دينها، فلا أحد من المسلمين ينكر ذلك إلا جاحد، لكن ليس التعليم ذلك النوع الذي يركز فقط على المسائل الدنيوية، كما دعا إلى ذلك قاسم أمين.
كما أن تحجب النساء والتحرج من ظهورهن لأعين الرجال أصل من أصول الدين والآداب، التي يلزم التمسك بها، ولا ضرر منه أصلا. وقد فرطنا في تخفيفه حتى أضررنا بالمرأة وبالأمة معا. ويبقى الحجاب رفعة للمرأة، وفي التمسك به فائدة لا تنكر. وسواء كانت العفة بالحجاب لها أجر أو ليس لها أجر فالغرض نتيجته المفيدة. أما تعدد الزوجات فهو مكرمة وفضيلة للمرأة.
وفي الختام يمكن القول أن أطروحة قاسم وأفكاره، رغم أنها لقيت معارضة من التيار المحافظ التقليدي، إلا أنها تركت أثارا في الحياة العربية عموما، وفي المجتمع المصري خصوصا. ولا زالت أفكاره ومبادئه سائدة وحية، وتعرف انتعاشا في كل بيئة عربية إلى حد الآن. فتحث دوما على تحرير المرأة، وتدعو إلى انخراطها في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبشكل متحضر وأدق، يجب أن تساير التغيير والتقدم و متطلبات العصر. ويبقى المفكر قاسم أمين ركيزة في دعوات التغيير، يرجع له الفضل في تأسيس النهضة النسائية، وهو المرجع الأساس للحركة النسوية في العالم العربي. فهو الذي ناضل من أجل استقلال المرأة وتحررها من قيود المجتمع. ومن استبداد الرجل ومن أجل حصولها على شخصيتها المستقلة ، ولتكون سيدة قرارها.
وتبقى قضية تحرير المرأة قضية العصر، تحتاج إلى مزيد من النضال، والاستمرار في المعركة الحقوقية من أجل تحقيق العدل والمساواة بين الجنسين.
لائحة المراجع
1ـ خاكي أحمد، قاسم أمين، دار المعارف الاسلامية، د. ت.، د. م.
2 ماهر حسن فهمي، قاسم أمين، مصر،القاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مؤسسة المصرية لتأليف والترجمة والنشر، 1343هـ.، د.ط.،.
3ـ قاسم أمين، تحرير المرأة، مصر، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، د. ت. .
4ـ خيري عبد المجيد، الدفع المتين في رد على حضرة قاسم بك أمين، مصر، مطبعة الشرق بشارع عبد العزيز، 1899م.
5ـ نوال السعداوي، المرأة والاشتراكية، الحوار المتمدن، العدد، 6163ـ 3/4/ 2019.
http://www.lahaonline.com/articles/view/44656.htm
7ـ سورة النساء ، الآية 34.



#حنضوري_حميد (هاشتاغ)       Hamid_Handouri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوجه من النضال السلمي السياسي بالمغرب -الحركة الوطنية- أنموذ ...
- رفاعة الطهطاوي والحداثة الأوروبية منهج الاستيعاب والتوفيق.
- الاستشراق أهدافه وسياق ظهوره
- قراء في كتاب - الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصد ...
- الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمغرب قبل الحماية
- قراءة في كتاب- منهجية البحث- للكاتب الفرنسي ماثيو جيدير
- قراءة في كتاب: -قبائل أيت سكَوكَو في مواجهة الاستعمار الفرنس ...
- التاريخ وعبوره للتخصصات من أجل الكشف عن الحقيقة والقيام بمهم ...
- مرتكزات الحداثة في أوروبا


المزيد.....




- الشرطة الإيرانية متورطة في تعذيب واغتصاب محتجزات/ين من الأقل ...
- “بدون تشويش أو انقطاع” تردد قنوات الاطفال الجديدة 2024 القمر ...
- ناشطة إيرانية تدعو النساء إلى استخدام -سلاح الإنستغرام-
- شوفوا الفيديو على قناتنا وقولولنا رأيكم/ن
- دراسة تكتشف سببا غير متوقع وراء الرغبة الشديدة في تناول السك ...
- تجدد حملة القمع ضد النساء في إيران من قبل شرطة الأخلاق بسبب ...
- سوريا.. انتهاكات وقتل جماعي في مراكز احتجاز
- جانيت.. طفلة سودانية رضيعة تعرضت للاغتصاب والقتل في مصر
- بعد وفاة امرأة بالسرطان.. شاهد مفاجأة صادمة لعائلتها عند الق ...
- دخل شهري.. رابط التسجيل في دعم الريف للنساء 1446 والشروط الم ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حنضوري حميد - تحرير المرأة في فكر قاسم أمين