أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منى نوال حلمى - الحصار ضد الأقليات المبدعة














المزيد.....

الحصار ضد الأقليات المبدعة


منى نوال حلمى

الحوار المتمدن-العدد: 7411 - 2022 / 10 / 24 - 23:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


---------------------------------
عرفنا من فلاسفة الأخلاق القدماء أن الفضيلة وسط بين رذيلتين . فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور . والكرم وسط بين البخل والتبذير . والحرية وسط بين القهر والانحلال . والنظام وسط بين الفوضى والجمود.
ولأن الإبداع فضيلة ، فهو يخضع للنظرية نفسها . فالإبداع وسط بين رذيلتين (الجنون) ، و(العادية) . ويكون المبدع بالتالى ، هو الوتر المشدود بين الإنسان فاقد العقل (المجنون) ، والإنسان فاقد التفرد (العادى) .
وإذا نظرنا إلى (الجنون) باعتباره حالة الانفصال الكامل المستمر عـن الواقع والناس والعالم الخارجي ، وإلى (العادية) باعتبارها حالة الاتصـال الكامل ، يكون الإبداع هو تلك الحركة الخلاَقة (الفاصلة) بين قطبي أو رذيلتي الانفصال والاتصـال . ويكون المبـدع هو ذلك المسافر أبدا ، على المسافة المتأرجحة والوعرة بين الخارج والداخل بين الآخر والذات ، بين الكلام والصمت ، بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون .
هنا تكمن عبقرية المبدع أو (المبدعة) وأيضـا مأساته. يدرك المبدع أن استمرار عبقريته وإبداعه مرهون بالإبقاء على الخيط الرفيع بين الاتصال والانفصال. فالإبداع يُشحن ويجـدد بالاتصال. لكنه لا يمنح طاقاتـه وأسراره ورؤاه إلا بالانفصال .
ويحكى لنا التاريخ، عن مواهب وطاقات مبدعة ، تبددت بسبب ارتباك في جرعتى الاتصال والانفصال ، فإذا زادت جرعة الاتصال بالعالم الخارجي، كان ضياع الوقت، والتعطل، وحصار التفاهات ، ومشاغل الدنيـا غير الموحية، أو زادت جرعة الانفصـال عـن العـالم الخارجي، فكانت العزلة ، والإفلاس، والجدب، وربما الكآبة إلى حد الجنون أو الانتحار.
يتعطش المبدع إلى نوع خاص رفيع من التواصل . ليس أي بشر، ليس أي حوار، ليس أي عمل فنى، وليست أية صحبة قادرة على مخاطبة أصالة الحياة داخله ، وتفجير ما يملكه من عمق وثراء .
وهذه مشكلة اجتماعية تاريخية ، لا دخل للمبـدع فيها ، فالتواصل اللازم للمبدع لا توفره إلا المجتمعات المتألقة فكـرا وفنـا وحيوية . مجتمعات تقدس قيمة الفن ، تحتفى بأهل الإبداع ، وتحرص على إشباع رغباتهم في الاكتشاف والتجديد وكسر المحظورات وتغيير شكل الحياة .
قد يفضل المبـدع العزلة والانفصال ، عن تواصـل زائف سطحی ، يسحب من طاقاته وينال من إنسانيته وإبداعه.
ويبقى السؤال الذي يواجهه المبدع في كل زمان ومكـان هو ، كيـف يتحرك برشاقة بين (الخارج) و(الداخل) ، بين (الآخر) و(الذات) ، بين كثافة وعنفوان التجربة ، والتأمل الهادئ ، لإعادة إنتاجها في الإبداع . كيف يختار زاويته الصغيرة الخاصة من العالم ، ليطل منها على العالم ؟ .
إنها (القلعة الداخلية) التي تمنح المبدع الاكتفاء والاستغناء ، وثورية الرؤية . كل مبدع بالضرورة هو بطولة صامتة ، في عالم لا يخجـل مـن صخب الثرثرة العقيمة . كل مبدع بالضرورة هو زهد نبيل، في حضـارة اعتنقت الشراهة.
يقول أرنولد توينبي ، متابعا حركة التاريخ : إن (الأقلية المبدعة) هي التي تغير شكل الحضارات ، وتدفع بالمجتمعات إلى آفاق غير مسبوقة من التقدم .
لا نبالغ إذا قلنا أن (الأقلية المبدعة) في مجتمعاتنا ، ما زالـت محاصرة بالممنوعات والمحظورات والريبة وسوء الفهم ودورها ورسالتها . ونحن على مشارف قرن جديد من الزمان ، نتساءل ، إلى أي مدى تستعد مجتمعاتنا لفتح الطريق أمام (الأقلية المبدعة) ؟.
هل لدينا فلسفة مستقبلية .. ما الذي نريده من هذه (الأقلية المبدعـة)؟. أنريد لها الجنون ، أو العزلة أو الانتحار ، أو الكآبـة ؟ . أم نريد لها ما قصدته البشرية ، من وجودها .. إثراء الحياة بالحق والخير والجمال ؟.
مجرد سؤال .
-------------------------------------------------------------------



#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 22 أكتوبر ميلاد - نوال - أمى
- قصتى معك ... قصة قصيرة
- يوم فى حياتى ... قصة قصيرة
- الخوف من الاختلاف
- أحب أن أعرف موعد ومكان وطريقة موتى
- جيفارا .. الموت من أجل كوب لبن لكل أطفال العالم
- اعلان زواج .. خطيئتى .. فنجان من الغيب المحوج ثلاث قصص قصيرة
- الشهر العاشر .. زينب جدتى قصتان قصيرتان
- تأملات : - غاندى - الفقر أسوأ اشكال العنف
- تنويعات متفلسفة مع بدايات الخريف
- وطن يعطينى مرتبا شهريا على تمردى
- 13 سبتمبر ميلاد أبى شريف حتاتة
- فنان أخذ من - البحر - الاسم والعنفوان والخلود
- مصلحة البشر وسعادتهم وحريتهم فوق الأديان
- الموت على البث الحى
- تأملات .. الرأسمالية وباء وداء
- العَلم والقلم ..... ثلاث قصائد
- رجل يتمنى صداقتى .. ميتة مخادعة ............. قصيدتان
- كاتبة من شبرا ..... ثلاث قصائد
- مشاهد ناقدة لمفهوم وصلاحية الديمقراطية


المزيد.....




- التوقيت بعد ساعات على تهديد ترامب.. خامنئي يشعل ضجة بتدوينة: ...
- مصر.. عمرو موسى يشعل ضجة بدعوة عاجلة تفعيل المادة 205 بسبب ص ...
- التقارب بين بيونغ يانغ وموسكو يزعج سيئول
- مكون بسيط في أغذية شائعة قد يقلل خطر النوبات القلبية
- آبل تخطط لإطلاق ساعات ذكية مزودة بمقياس لسكّر الدم
- أطعمة تزداد فائدتها عند تبريدها
- مقتل شخصين وانتشال 5 ناجين حتى الآن إثر انهيار مبنى في منطقة ...
- حلم الشباب الدائم يقترب!.. مركبات بكتيرية في دمائنا تمنحنا ا ...
- اكتشاف بركان مريخي ظل مخفيا عن أعين العلماء 15 عاما!
- إسرائيل بدأت الحرب، فمن سيربح؟


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منى نوال حلمى - الحصار ضد الأقليات المبدعة