|
فنان أخذ من - البحر - الاسم والعنفوان والخلود
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7370 - 2022 / 9 / 13 - 02:38
المحور:
الادب والفن
-----------------------------------------------------------------------------
الحالة نفسها تنتابنى ، عندما أحاول الكتابة عن رجل أحبه . أرق بالليل ، وارتباك بالنهار ، مزاج متعكر متوتر ، لا مذاق الشاى يصلحه ، ولا اعتصار آخر رشفات الفنجان ، معطر بالُبن المحوج بالمستكة والحبهان . من تجاربى اكتشفت كم من السهل أن يخفق القلب . وكم هو صعب جدا أن يخفق القلم . بارادتى أستسلم لهذه الحالة المرهقة . فالحب مسئولية تلزمنى بتحمل العناء . والحب سيمفونية لا يخلدها الزمن ، الا بالعزف على أوتار الوفاء . ماذا أكتب عن " سيد درويش البحر " 17 مارس 1892 - 15 سبتمبر 1923 ، وبعد ثلاثة أيام ، ذكرى رحيله ال 99 ؟؟. فى " كوم الدكة " ، عند " البحر " ، كان مولده . ومن طباع " البحر " ، أخذ النفور من الطاعة والرتابة والتقليد . ولأنه ابن " البحر " الوفى ، كان لابد أن يحدث ثورة ، فى الموسيقى العربية ، شكلا ، ومضمونا . ألحانه برائحة الخير ، تحرك أجمل وأنبل العواطف ، تطير بنا الى آفاق حرة تدهشنا ، تزيل الجلد الميت الملتصق بأجسادنا ، تحرضنا على مقاومة كل حصارات " النشاز " . حالة عقلية وجدانية تنظفنا ، تطهرنا ، تقوينا ، وتبهجنا ، ومعها نكتشف الموسيقى داخلنا . لم يخاصم التطريب ، والارتجال ، والزخارف ، لكنه التزم بالتعبير البسيط عن اللحن . قًلب المسرح الغنائى ، رأسا على عقب ، وجدد فى جميع ألوان ، وقوالب الغِناء ، الموشح والدور والطقطوقة والمونولوج والنشيد الوطنى ، والنشيد الشعبى غير المصاحب بالآلات الموسيقية ( الأهزوجة ) . كانت شهرزاد 1920 ، تأليف بيرم التونسى 23 مارس 1893 - 5 يناير 1961 ، البداية التى أحدثت انقلابا فى تلحين الأوبريت . تنافست الفرق المسرحية المرموقة فى جعله بطلا لأعمالها ، مثل فرقة الريحانى ، وجورج أبيض ، وعلى الكسار وأولاد عكاشة ومنيرة المهدية . امتزجت ألحانه بالروح الوطنية المتمردة ، وأول منْ غنى للمرأة يحرضها على النهوض ، " ده وقتك ده يومك يا بنت اليوم قومى اصحى من نومك بزياداكى نوم ". مع بديع خيرى 17 أغسطس 1893 - 1 فبراير 1966 ، كون ثنائيا متناغما فى الكثير من الأغنيات بكافة أشكالها وقوالبها . وكذلك كان الأمر بينه وبين " يونس القاضى " 1 يوليو 1888 - 1969 ، انسجاما ثريا فى الفكر والمشاعر . غنى لكل الفئات والشرائح ، والطوائف والمهن . أدخل الموسيقى الكنسية فى نسيج اللحن . عشق الموسيقى الايطالية ، خاصة الأوبرا . وكان أول منْ استخدم آلات الأوركسترا الغربية فى الموسيقى العربية ، وكان أول منْ أدخل الغناء البوليفونى ( تعدد الأصوات ) . خلع الجبة والقفطان ، ليصبح الشيخ المودرن ، المزروع فى الأرض المصرية ، العصرى فى رؤيته . سئل سيد درويش عن انتاجه الغزير المتدفق المدهش ، وفى وقت قصير ، فقال : " وأقدر ألحن الجورنال ". آمن سيد درويش بأن " الغِناء للجميع " مثل الخبز والماء والهواء والحرية ، لا أحد يحتكر الغِناء ، ولا أحد يحتكر الوطن . فى سنة 1923 كان ينهى تلحين نشيد وطنى ، لطالبات المدارس ، احتفالا بعودة سعد زغلول 1 يوليو 1859 - 23 اغسطس 1927، من المنفى ، يقول : " مصرنا وطننا سعدها أملنا "، تأليف بديع خيرى . وفعلا ، عاد سعد زغلول من المنفى ، وغنت له الطالبات نشيد الاستقبال . وفى وسط المشاعر الوطنية المتأججة ، لم يكترث أحد بجنازة يمشى فيها ، أربعة أشخاص فقط . وكانت جنازة الشيخ سيد درويش . من ابداعاته التى أعشقها ، " أنا هويت وانتهيت " .. " والله تستاهل يا قلبى " .. " ضيعت مستقبل حياتى " ، " على قد الليل ما يطول " ، قوم يا مصرى " ، " سالمة يا سلامة " ، " شد الحزام على وسطك " ، " القلل القناوى " ، " أنا المصرى " ، " أنا عشقت " ، " فى شرع مين " ، " هز الهلال " ، " يقطع فلان على علان ".
أما أغنية " أهو ده اللى صار " ، و " زورونى كل سنة مرة " ، فلا أعرف كيف تدفقت موسيقاهما على خيال الشيخ سيد . اللحن الأول تأليف بديع خيرى ، يشد معه أحبالى الصوتية ، أغنى بكل طاقتى المتشبثة بنفسى ، بالخير ، وبوطن حر ، وتنساب الدموع . أما اللحن الثانى تأليف يونس القاضى ، فانه يفجر بكاء دون قطرة دمع واحدة . وما أصعب هذا البكاء الكامن تحت الضلوع . سيد درويش ، لا يقل عن نوابغ الموسيقيين فى التاريخ الموسيقى الغربى ، بدءا بالعصور الوسطى المنتهية سنة 1500 ، مرورا بعصر النهضة وعصر الباروك ، ثم العصر الكلاسيكى ثم العصر الرومانسى المنتهى سنة 1900 ، مثل باخ ، هاندل ، فيفالدى ، بيتهوفن ، هايدن ، شوبرت ، موتسارت ، شوبان ، ليست ، مندلسون ، كورساكوف ، شتراوس ، فاجنر ، تشايكوفسكى . نقف اجلالا لنشيد السلام الوطنى المصرى ، " بلادى بلادى " تأليف " يونس القاضى " ، وأفكر أننا فى اللحظة نفسها ، نقف اجلالا لمنْ أبدع موسيقاه ، الشيخ سيد درويش البحر ، الخالد لانهائى الامتداد ، تماما مثل " البحر " . ------------------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصلحة البشر وسعادتهم وحريتهم فوق الأديان
-
الموت على البث الحى
-
تأملات .. الرأسمالية وباء وداء
-
العَلم والقلم ..... ثلاث قصائد
-
رجل يتمنى صداقتى .. ميتة مخادعة ............. قصيدتان
-
كاتبة من شبرا ..... ثلاث قصائد
-
مشاهد ناقدة لمفهوم وصلاحية الديمقراطية
-
طالما أننى ... قصيدة
-
أمى .. اليكِ أشكو ثلاث قصائد
-
لا تهاجرى .... لا تهاجر
-
جوائز النفط ... أربع قصائد
-
15 أغسطس عيد استقلال وطن لا أحمل جنسيته
-
تأملات .. الأحكام الأخلاقية لأجساد النساء
-
ثلاث قصائد .. للكِلاب أقدم اعتذارى
-
تنويعات .. محمد رمضان ونجيب محفوظ
-
متلازمة ستوكهولم ومسئولية الاعلام
-
تنويعات ... الخرفان هى التى تصنع الذئاب
-
تنويعات ... الديمقراطية ليست هى الحل
-
خواطر .... غشاء البكارة وخدعة أن السينما والفن رسالة
-
سبع قصائد .. مثل الأشجار أموت واقفة
المزيد.....
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|