أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - السيل البشري لا يبالي بالتوابيت














المزيد.....

السيل البشري لا يبالي بالتوابيت


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 7390 - 2022 / 10 / 3 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


وجه مدور عينان واسعتان تلتقط كلية المشاهد ,لا يستقر كثيرا خلف مكتبه حيث يصدر التوجيهات مراقبا عماله والقادمين بمهارة , ماكنة شوي الدجاج تتقدم المطعم وسط السوق ,وضعت اسفلها الدجاجة المشوية .. ما تزال ببخارها معتقلة باصابع من حديد.. يعالجها شاب وقور ملتحي..هاديء تتغلب حركات يديه على لسانه وعيناه في ركود .. اثر لسجود في جبينه .. وجهه مشرئب غالبا ..صاحب المطعم ذو العينين الناطقتين يوزع التحايا وجمل الترحيب بلا توقف..يظهر انه اعتادها وطور من قاموسه اللفظي , انه يقرا كل الزبائن , مهتم بكل احد منهم ... ولهذا ازدحم لديه معجمه حسب الانواع والمستويات (اهلا حاج . مراحب استاذ ... تأمري اختي ...احييك شيخ ..تدلل عمو .... ).. وهو يهديء من ضجر المنتظرين (لحظات ويصلك الطلب ) او لعامله بحدية (بسام تعطلوا وين خمسة تمن ). وهناك تأخذه سنة فيسند ظهره على الكرسي لحظة ويحدق بعينيه كذئب احس خطرا .. فينتفض كله بموجة الفاظ الترحيب يتابع زبونه متفحصا ويقصده ثم يصيح بعامله (3 نفر كباب )..سيظل هكذا حتى يرفس اول الظلمة شلال الحركة ويشل الاصوات ..لا ادري هل سيتمكن بعد وصوله منزله ان يلاطف اطفاله وقد تحول راسه لمرجل ..او يشعر زوجته بانوثتها .. ربما .. لكني اشك بذلك ..كان امامي رجل مسن يستقر خلف بسطته وتكاد دمية دب احمر ان تخفي اكثر حزنه فلم اتمكن من دراسة خلجاته وشعوره بالمرارة لتوالي الخيبات والصفعات , يضع طاقية على راسه ويهش الذباب بعصا ربطت بها باقة من ريش الطاووس ( في صباح اليوم الثاني سيعتلي درجات المطعم تحمله عكازتان يشد وسطه بذيل دشداشته ويبين منها سروال ابيض , يمسك بيده قنينة بلاستيكية صغيرة ويغادر بعد لحظات وقد ملأ البطل بالماء ...ان تعتلي درجات وانت شاب فتلك لحظة عابرة اما ان كنت معاقا واجتزت الستين فان صعود عتبة واحدة هي نزيف من القهر والمعاناة , ..جواره بائع الحلوى قال لنا (لحظات ترك دراجته فسرقت ... لا تتركوا دراجاتكم)..
غطست في السوق اتجنب عباءة فتدفعني اخرى ..صاح بائع (جوة السوك .. دجاج ) ففكرت بالمجاز (انقلبت مفردة تحت لمعنى التخفيض ) .. ورايت ذلك الصغير الذي دخل المطعم رثا وسخا واخذ كيسا من المطعم منتفخا وخرج .. كان يلهث خلف امه التي تحاول اللحاق بزوجها-قصير بدشداشته البيضاء ورقبته تدخل بين دفتيه - وتكشّف لي وجهها الضفدعي ووباء الفقر الذي نخرها وهي تحاول ان تعدل عباءتها على شبه حدبة اعلى ظهرها .. تمر محنكات- يسترن الحنك والفم بقطعة قماش سوداء -هؤلاء النسوة لا يضعن الكمامات ويحسبنها لعبة غربية - اذن هو لثام العفة القروية ...انت تفرزهن اتين من القرى النائية او الاهوار او المدن من خلال الوجوه والروائح والايادي والازياء .. بعض القرويات وبنات الاهوار ما يزلن يتمسكن بالحناء صبغة للشعر ولا يضعن من العطر سوى المسك والعنبر وامثاله .. تلتقط لون الكمون في ملابسهن والالوان المتناقضة ..ويثبتن الشيلات بكلّاب -جنكال وتخترق انوفهن خزّامة تتدلى :
(يابو محابس شذر يلشاد خزامات
يا ريل بالله بغنج من تجزي بام شامات
لا تمشي مشية قهر كلبي بعد ما مات ).
وتلتقط الوانا من الوشم الازرق -المثبت بغرز ابر ورش رماد عليه-على النحور والايادي والوجوه ... اما القلادات فهي من النوع الرخيص -خرز من البلاستك ينظم بخيط -.وماذا تنتظر من نساء تنتشي بالروث ورائحة البردي والاسماك الصغيرة تشوى على حطب حتى تتفحم.. حيث تضرب القبضات القوية رؤوس البصل حتى يدمع وياتي خبز التنور الطين الساخن وتبدأ معركة الالتهام ... ولكنهن غالبا فائقات الجمال .. مرة كنت في بيئتهم فاتى صغير يبيع السمك بصينية متبرما (امي انجبت طفلة وبقرتنا انجبت ولدا ).. حتى الصغار يتحيزون للرجل .ولا ينظرون للمرأة اكثر من آلة للكدح .هؤلاء النسوة ان هاجمت عشائرهم فينطلقن بالزغاريد وهوسات تشحذ الهمم .. لكنهن يطلقن عويلا يقطّع القلب على قتلاهن .. سالت امراة مرة لماذا تكدحين وانت مسنة اجابت (انا اكنز النقود لاجل الفصل -الدية , المفترضة .
ورايت في السوق اسماكا باحواض شحيحة الماء يحتضرن ...واخرى باحواض ,انبوب يصب عليهن الماء الدافق بعضها تهرب من مركز هبوطه واخرى يسبحن في قوة الماء .. اغلب المخضرات مستوردة في هذه البيئة الزراعية ... , اعتليت مدخل محل لبيع الملابس : صفان من الملكان .. يسارا نصب لصغيرات محدقات في الفراغ ولهن شعر مرسل مهمل يقابلهن صف من الملكان بلا رؤوس يتلفعن بالملابس المدرسية للصغيرات .. من المرتفع المبرد ارى السيل البشري يسح كتلته .. يحتلها الحزن والقلق ويسوّدها الرعب .. اسبوعان على بدء الدوام الرسمي ...موسم يشعر العوائل بالفزع .. بطالة وارتفاع الاسعار ..يجري السيل البشري متدافعا مفرغا من المعنى والبسمة والاحلام .. كانهم ينقلون في قطار الموت ... او ينقلون الى <قصر النهاية >..الباعة المسنون يتثاءبون وهم يتربعون امام بسطاتهم علب الكارتون .. خالية المحتوى الا من ازواج جوارب او علكة او بالونات صغيرة ودمى قماشية انهم ينظرون السيل يتخطاهم فلا يبالون به ولا يبالي .. تتخطاهم حركة الحياة ...وجدان مشغول برؤية التوابيت وعذاب القبر او الحسرات .. البسطات تحيطها اربع قوائم من حديد او خشب تتثبت عليها قطع من الجنفاز اتقاء لشمس تموز الصاهر.
بامكانك ان تقنع فأرا ان يغادر مخزن الملابس فيما تعجز عن اقناع امراة دخلت المحل لتختار ... عاجز انت عن معرفة كيف وماذا تنتقي .. هكذا غزتنا الظلمة قبل ان يتم الشراء.



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجريدة المقطوعة قصيدة
- اضاءة على زمن وحشود قصيدة
- ( خروف نذر )
- حول قصيدة النثر
- النادرون والعزلة قصيدة
- الحفر بمآزرة الصنارات قصيدة
- النحت الفاخر قصيدة
- ماء في غربال قصيدتان
- البريكان : مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج8
- الملّاك .. بستان لاجل قبلة
- اياد في صفيحة الجص قصة
- رغيف الاستقراء قصيدتان
- المدرس.. لا يصمد سر قصة
- فراغهم
- المؤتمر الكروي قصيدة
- ( اللنجات والطيار) قصة
- نظرة للامام مذكرات ج15
- قصيدتان اغتيال قدري
- بسوس حول طير شارد قصة
- نظرة الى الامام مذكرات ج14


المزيد.....




- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...
- الحرب في السودان تدمر البنية الثقافية والعلمية وتلتهم عشرات ...
- إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - السيل البشري لا يبالي بالتوابيت