أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - بسوس حول طير شارد قصة















المزيد.....

بسوس حول طير شارد قصة


كاظم حسن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7377 - 2022 / 9 / 20 - 00:22
المحور: الادب والفن
    


ضاقت به الجدران وطال جلوسه امام الحاسوب ... انه يتسلى وليستكشف وربما ليصطاد ..هكذا دخل عالم الفيس بعد ان كان ساخرا منه مستخفا من المدمنين عليه .. الدروب تتضخم بالمسوخ ..الاطفال اشد قردية من القرد واعلى حميرة من الحمار .. تلفظهم البيوت لضيقها ولضيقهم .. تعبوا حتى اصبح عبث الصغار واصواتهم تزكمهم وتوترهم .. ينتظرون قارب الارواح فيما اغرقت العاصفة جميع الزوارق وتهاوت الجسور ..المنقذ وهم يتمسكون به .. ادركوا انهم ايام متشابهة تجري عبر مشهد من الانين والانصهار .. يقابلونك بملابس براقة وكلمات مزينة ويشتمونك بعد خطوات من المغادرة .. لقد تمكن منه الملل ففكر باقتناء بلبل ..
انه اليوم الثاني من عيد الاضحى الناس منكفئة الشوارع شبه مقفرة وحين يصافح احد احدا مهنئا يطلق الكلمات كمن يعلك ضفدعة .. سوق البصرة قبيل الغروب زاخر بالظل والروائح التي تستدعي الغثيان....الشمس استنزفت طاقتها وشرعت بلعبة الوداع ..جلود الخراف المدماة تجاور الخراف الحية .. السلال تحتضن اخر المخضرات وسواد الباذنجان .. الاضواء تسطع وتخفت .. الازقة الضيقة تقفر من تقوسات العباءات .. قلت لصاحبي: ..واضفت (اين يمضون فقد ودعهم الحماس وما عادوا يحتملون صخب احفادهم .. اما هؤلاء الشباب ؟) فاجابني (الم يشبع الشبان ..من الصبح وهم يصيحون الم يدركوا جمالا للحياة .. ).. كانت ازقة السوق طافحة بالفجيعة ... تكلس صامت للحياة الا من باعة ينادون حين نمر بهم ... اجساد يخامرها الملل .. كساد مستقر ..
وتجول بسام في سوق الطيور .. وصاح بصاحبه .. وسألا عن سعره وغادرا الاقفاص .. وكان ينشده شعرا عن القطا بالفصحى واللهجة الدارجة ..ويخبره عن طرائق صيده في البراري اللاهبة ..وكلما مرا على محل طيور يتوقف بسام ويطيل النظر حتى جزع صاحبه اسعد فقال بعيون ضجرة (ان بقيت هكذا تتوقف امام كل قفص فلا اصحبك للسوق .. السوق مزهر بالف شيء .. وفي اخر زقاق توقف بسام امام بائع طيور واراد صبي ان يختار له فقال له (انت في أي صف ... انا اريد صاحب المحل يختار لي .. كان صاحب المحل مشغولا مع زبون في في اخر المحل فنهض رجل مبتسما كان يشبه الصبي واختار له ووضعه بكيس وثقبه ثم احكمه ..وبقي في غرفته صامتا لايام حزينا حتى جزع بسام ...كان يحسه يقول <فك اسري فانا لا اصلح للعشق ولا اغرد في الاسر .. ) .واسمعه نغمات فلم يحرك لسانه وبدا كشيخ هرم يلقي النظرات الاخيرة ويحاول اقتناص ما ترسخ من منثور الذكريات .. وقال له خبير اشتر له انثى وسيغرد ...لم ينفع معه حمص طحنه ولا الخيار ولا المخضرات واتى له بالوان من الفاكهة ولم يغرد .. حزن عميق كدولة ازالها برابرة وصمت يستفز بسام وهو في عزلته الكهوفية ..
بعد خمسة ايام اشترى انثى بلبل صغيرة .. وقفص من الخشب كبير ..ولانه وصاحبه تناول بعد ان اشتراه كبابا ومعلاك فقد اسموه <معلاك >.
كانت بقعة واسعة تتوسط محال اغلقت وبدات الشمس تلم الظلال وهويات الاشياء حتى القمامة ستختفي .. باستثناء الروائح سيتساوى الجمال والقبح بعد ساعة .. كان مراهقا رث الثياب اشعث عيناه كلص في طور التدريب قد علق طيرا في قفص من الجريد ملطخ بالتمر وكوب ماء : (هذا يصيح صيحات طوال ).. ابتسم اسعد وعدل من ياقة دشداشته السماوية وحدق بدراسة للشاب وتشكك وسخرية واجابه (طوال ... ههه اثبت ذلك فهو صامت كارملة لحظة شعور بالوحشة .. ) فقفز المراهق وعلقه بسقف من الصفيح المضلع الصديء وقال (سترون .. انه صيد من بساتين ابي الخصيب ).. ومضت عشر دقائق واعلنت الشمس بدء الحداد واستعد موج الغربان ليشمل الاشياء جميعا الا بقع تسلط ضوء عليها ...لكن البلبل لم يغرد .. انه في لحظة تحد.. بامكانك ان تاسر طيرا وقد تعجز عن استنطاقه .. وكان رجل في الخمسين يرقب المشهد فلما اعطينا لصاحب النغمات الطوال ظهرنا .. اقترب منا واشار لطيره في القفص المعلق على الحائط (انه لي وهو مجرب .. ينغم حتى تترحموا لي ).. وطلب سعرا مرتفعا ..
ــ لماذا انه غالي الثمن
ـــ لان موسم الصيد قد ولى والسلعة نادرة ..
ومرا على اقفاص بلابل اخرى .. التي يمينا سعرها مرتفع .. فاشار بسام لطيور جهة اليسار وبعد مساومة وتثعلب من الطرفين وضعه له في كيس وثقبه ..هكذا تم اقتناء <معلاك >.. وكان يصدر صوتا وهو يتحرك داخل الكيس ,قلقا ..فمرا على مكتبة وطلبا ن من صاحبها ان يحكم الكيس بكابسة ..(والله دوختنا بهذا البلبول ).. قال اسعد في حال بين المزاح والسأم ...كانت المحال تغلق ابوابها واصحاب المخضرات يصيحون باعلى اصواتهم (خياار .. باذنجان .. مخضرات خمسة بالف .. خمسة بالف .. عرنوص..)..
ــ تصور من الفجر للان لم يخفض صوته فاي طاقة .. قال اسعد ..وضحكا ...
كانت شابة من المعدان بياض شمس وجسم رشيق مختصر ..تشد جبهتها بعصابة سوداء وتلتف بعباء ة تنزل من كتفيها .. تجلس خلف صينية القيمر .. عيناها نابضتان .. سال بسام عن السعر وساوم لحظة التقط اسعد عشرات العيون مسلطة عليهما .. وناولته القيمر في علبة بلاستك شفافة وضعتها بكيس نايلون ..
ــ الو ... تدري طار البلبل
ــ لا انك تمزحين
فاجابت بجد وفزع (لقد طار ) .. اسقطوا عليه من الاعلى قطعة صفيح تعود لموكب عاشوراء .. وهو الان باعلى البرج
ـــ لحظتها كان في بيت احد اقاربه .. قالت المراة .. (زوجي سيعود شامتا محتفلا وانت تفقد طيرك ).. واتى ورقص من الفرح وهو يصيح ..<عافيات .. ظل صافن .. طار طار هههههههههه ..) وكانت زوجته مشغولة ببث الخبر عبر النت .. وقطع النبأ عشرات الكيلوات وتم تناقل وتحليل الحدث والتعليق عليه .. والاستفسار .... هكذا علم الجميع بيتا بيتا وتحمس الجميع وتصدر الموقف وطغى على كل الطارئات .. لم يهتموا بساعات قبيل تحرير الموصل قدر اهتمامهم بطير تكسر قفصه وتنفس الحرية .
وفكر: (هناك لحظات قدرية ..في اية لحظة قد يبلغ الانسان والحيوان الحرية او المرض الخبيث او الشفاء .. قد ينال غبي كسول الثروة وقد يصاب عبقري بالاملاق ..التاجر بعد خسارة لا تفنى وانثى محصنة تفقد عفتها غدرا وقد يذل شجاع ويقهر طاغية ويتسلط جبان ويتبختر..لم يستطع العلم الا تفسير ذرات من المجريات .. والعلم تعملق بالنفخ .. ما نزال في اول البحث عن الحقائق )..(ماذا لو امتلك الانسان اجنحة .. وملك طاقية الاخفاء .. ماذا سيكشف في مخابيء الملوك .. وخرائط الغزاة .. وما وراء الابواب .. وفي الغرف السرية ؟ ).
قبل اربعين عاما وكان بسام طفلا يستقر على دكة خشبية طويلة في ساحة ام البروم
وجواره يحتشد العشرات .. في انتظار سيوف على الهامات سياتون متلفعين ببياض الكفن يسبقهم دمام وصنوج ويعلو الهتاف الذي يخلف القشعريرة (حيدر .. حيدر .. حيدر ) ستسيل الدماء ويتخيل المتابعون مجزرة الطف .. مع الضوء الاول سيصل المطبرون .. غروبا وفيما كان ساهما لفته صوت ساخر .. شاب متوسط الطول يرتدي دشداشة جوزية يمسك بسلاحه ويهزه مبتسما مرددا < حيدر حيدر >.. مثل هذا كان حالة نادرة ..لكنه رأى مناسبة الطف بعد اربعين عاما وقد تنوعت الطقوس حتى تحول بعضها الى لون من السفاهة.. ابعد ما تكون عن الذكرى الاشد الما ..
بعد ذكرى الدفن في اليوم الثالث عشر من عاشوراء حيث تقام التشابيه ويتم تمثيل مشهد المجزرة وحرق الخيام والسبي في الساحات ويجتمع جمع حاشد .. غروبا سيرفعون السرادق التي اصبحت تقام على كل شبر.. وتسكن مكبرات صوت تكاد ان تصيب بالصمم .. وتختفي المناضد التي تستقر عليها اقداح الشاي والنومي والمناقل المتجمرة ويختفي دخان الحطب المشتعل حيث تعد القهوة ..سيعود الجمع لبيوتهم يبحثون عن مغذيات روحية لا يجدونها فيغمرهم الفراغ ويهاجمهم الملل.. في مثل هذا اليوم .. فككت اجزاء موكب حسيني ونقلوا الصفائح وقطع الحديد التي تسند الخيام والسرادق وصعدوا الى السطح يحملونها .. فجاة هوت قطعة صفيح على القفص اول الليل فتكسر القفص وفر العصفور وطار بعيدا على برج شاهق يتوسط اعلى السطح وظل هناك ..القى <معلاك >نظرة شاملة على البيوت ونظر بعيدا في الافق .. نظر الى امواج الظلام ..تصعق الشواخص .. ورغم الصدمة التي حلت به وهو يتهاوى من اعلى الجدار فانه لم يغادر المنزل .. هل كان حائرا اين يمضي .. هل انتظر الدليل ..ام فرح بحريته ..بخفة اجنحته ..الانسان يغمره فرح فريد ان اقترب او دخل حافة الموت ونجا .. كخلاص الفرد بعد صعقة كهرباء ..لا ندري ما يخامر ظبي ان تصارع نمران بعد سقوطه بينهما وتمكن من الهرب ..لا ندري بنملة غرقت وصادفها عود واهن وانقذت .. وحاول اصحاب الموكب مع البلبل الشبان وفشلوا فنزل شاب من الاعلى وتناول النعال وخلف بقعا في وجه من اسقط قطعة الحديد على القفص في موجة من الضحك والسخرية اطلقها اصحابه وهم يحثون <اقوى .. على رأسه ..اقوى )..بعد ساعة تلقى بسام مكالمة من منزله ( بعد جهد ومحاولات وحيل واجتهادات تمكنوا بعون من الله ان يقبضوا على العصفور ..) تلفنه بن اخيه وهو يطلق القهقهات .. وصعق زوج البنت الشامت ولم يصدق فناوله المبايل فتغيرت ملامحه واختفت البهجة وقال لبسام <قضية حظ >..لقد اتوا بفقص صياد ذي بابين : ثابت وقانص .. يتوسطه بلبل وفتحوا بالنقال نغمة غريدة .. فتطاير من اعلى البرج ونزل بحذر ثم اقترب للقفص ودخل الباب الخادع فتحركت عتلة واغلقت عليه ..
(ثانية في قفص
زهيرة في الاصص).



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة الى الامام مذكرات ج14
- الباص الخشبي قصيدة
- ثلاث قصائد الصيف
- الخفاجية قصة
- الجمعيات بعد السقوط قصة
- سنلتحم قصيدة
- الحي العشوائي قصة
- مقهى
- قصيدتان : طحن الارواح
- البريكان : مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج7
- نظرة الى الامام مذكرات ج13
- في انتظار الطبيب
- قدح شاي
- ( خيمة الحركة ) قصيدة
- نهاية فاجعة لشاشة سينما محمود البريكان
- من شظايا الزجاج
- 3 قصائدوجوم
- فناجين قهوة من الورق المقوى
- مأتم وسوق
- الصيد( بيك اخطيتك )


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - بسوس حول طير شارد قصة