أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - من مظاهر الهيمنة الإمبريالية في إفريقيا















المزيد.....

من مظاهر الهيمنة الإمبريالية في إفريقيا


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7384 - 2022 / 9 / 27 - 16:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد عدة أشهر من التوتر بين البلدين، اتهمت حكومة مالي فرنسا (العضو الدّائم في مجلس الأمن) عَلَنًا، بانتهاك سيادة مالي وتقديم الدعم المباشر للحركات الإرهابية، ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حاولت مستعمرة فرنسية سابقة تقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (15 أغسطس 2022) على أساس اتهامات بالغة الخطورة، تتمثل في العدوان الفرنسي على سيادة ووحدة أراضي دولة عضو في الأمم المتحدة، و"دعم استخباراتي ولوجيستي وعسكري للجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل " (المناطق المُحيطة بالصّحراء الكُبرى)، ولكن الحكومة الفرنسية نجحت في دفن طلب حكومة مالي.
كرّر عبد الله مايغا، رئيس حكومة مالي، يوم 24 أيلول/سبتمبر 2022، خلال الدّورة السابعة والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، المُخصّصة " للتخفيف من المحن والمحن في بلدان الجنوب ، وخاصة أفريقيا"، هذه التُّهَم علنًا، ولم ترد الحكومة الفرنسية على هذه الإتهامات، بل تمثّلت الرّدود في جُمَلٍ جوفاء مثل: "إنها إهانة ... لقد مات الجنود الفرنسيون لإنقاذ مالي"، ولم تتلق مالي ردًا على طلبها، ولم ينعقد الاجتماع الطارئ الذي طلبته من مجلس الأمن، وحظِيت حكومة فرنسا بدعم دول الاتحاد الأوروبي، بل وصلت الوقاحة بوزيرة خارجية ألمانيا حَدَّ التصريح: "ألمانيا لن تترك مالي لروسيا"، وكأن مالي ملكية خاصة لفرنسا التي استعمرت عدة دول في غرب إفريقيا وحول الصحراء (النيجر وتشاد وبوركينا فاسو والكونغو ومالي والسينغال وساحل العاج وطوغو وبينين والكامرون وغينيا والغابون...)، وارتكبت قواتها العسكرية جرائم ضد الشعوب الأفريقية. أما اليوم، خلال فترة الإستعمار غير المُباشر، تستغل الشركات الفرنسية متعددة الجنسيات والمصرف المركزي الفرنسي ثروات إفريقيا، بينما تحوّلت وسائل الإعلام (AFP - RFI- France 24 - TV5 إلخ) إلى أدوات دعائية في خدمة الشركات والحكومة الفرنسية في القارة الأفريقية، كما في غيرها.
تضم إفريقيا 54 دولة عضو في الأمم المتحدة ، لكن مشاكل إفريقيا لا يتم التطرق إليها إلا بشكل سطحي، لأن المُهِم بالنسبة لزعماء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو مواجهة روسيا والصين في إفريقيا، ما اضطر رئيس جنوب إفريقيا للحديث عن التبعات السلبية على اقتصاد الدول الإفريقية، من العقوبات الأمريكية على روسيا، بعد دخول القانون الأمريكي المعروف باسم "قانون مكافحة الأنشطة الخبيثة لروسيا في إفريقيا" حيز التنفيذ، وهذا يضر باقتصاد عدة دول ويهمش قارة إفريقيا، بحسب رئيس جمهورية جنوب إفريقيا. من جهتها أعلنت الحكومة الروسية، على لسان وزير خارجيتها، إنها مستعدة لتصدير 30 مليون طن من الحبوب وأكثر من 20 مليون طن من الأسمدة بحلول نهاية عام 2022، وعرضت روسيا توفير الأسمدة المجانية لأفريقيا، إذا قرر القادة الأوروبيون والأمريكيون رفع الحظر عن صادرات الأسمدة الروسية...
في أوروبا، طلب البرلمان الأوروبي (معقل لوبي الوقود الحيوي) وقف بناء خط أنابيب النفط الخام، شرقي أفريقيا، بطول 1445 كيلومترًا بين أوغندا وتنزانيا، بحجة "انتهاكات حقوق الإنسان" و"الإضرار بالبيئة"، و"نَصَحَ" التهديدات البيئية "و" النصائح " الدّول المَعْنِيّة بالتخلي عن المشروع، في حين يُمثل الاتحاد الأوروبي 10% فقط من سكان العالم، ويتسبب في 25% من الانبعاثات العالمية، وتمثل إفريقيا 20% من سكان العالم، ولا تُنتج سوى 3% من الانبعاثات، ويُؤَكّد موقف البرلمان الأوروبي محاولات الدول الغربية وقف أو إبطاء تنمية الموارد الطبيعية لأفريقيا، والبلدان "النامية".
المشاريع الأمريكية في إفريقيا
فيما يتعلق بالولايات المتحدة، تخطط الحكومة الأمريكية لعقد قمة أمريكية أفريقية، على مستوى الرؤساء ورؤساء الحكومات، في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول/ديسمبر 2022 بواشنطن ، لمناقشة "الأمن الغذائي وتغير المناخ و"الالتزام الدائم للولايات المتحدة تجاه إفريقيا "، من خلال المؤتمرات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان... إنه نموذج لتوضيح للسياسة الأمريكية وهجومها المضاد (بلغة الرياضة) في إفريقيا، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، لمواجهة روسيا والصين.
بعد أفريكوم، برنامج السيطرة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (منذ عام 2007)، قدمت الولايات المتحدة سنة 2010، خلال رئاسة باراك أوباما، برنامج "YALI" (مبادرة القادة الأفارقة الشباب) الذي تم تقديمه على أنه "تمكين الجيل الجديد من القادة الأفارقة"، أي "لتثقيف" أو "غسل دماغ" الأفارقة الشباب الطّموحين، على الطريقة الأمريكية، وتُشرف السفارات ومكاتب الإستخبارات الأمريكية بها على تنسيق المشروع الذي يستهدف الشباب من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويتعلق الأمر بالاستثمار في تدريب قصير مدته ستة أسابيع، في الجامعات الأمريكية، لمئات من الشباب الأفارقة حول "الأعمال والقيادة المدنية وريادة الأعمال والإدارة العامة"، ثم أربعة أيام في واشنطن للقاء "قادة الإدارة الإتحادية" والتقاط صورة مع الرئيس (أوباما ، في ذلك الوقت).
أعلن أوباما، في خطاب بجنوب إفريقيا، سنة 2013، عن إنشاء زمالة أو منحة واشنطن (Washington Fellowship )، والتي أعيدت تسميتها لاحقًا باسم زمالة (منحة) مانديلا واشنطن (MWF)، ولا يزال هذا البرنامج مستمراً لتدريب، بنهاية سنة 2022، سبعمائة من القادة الشباب من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الجامعات الأمريكية، ويهدف هذا التدريب إلى "تأكيد التزام طويل الأمد بين الولايات المتحدة وأفريقيا" ، بحسب باراك أوباما.
تقدر تكلفة البرنامج بنحو 24 الف دولار لكل شاب، تدفعها الجامعات الأمريكية المشاركة بالإضافة إلى شركات أمريكية عابرة للقارات، منها Coca-Cola و IBM و MasterCard Foundation و Microsoft و Intel و McKinsey و GE و Procter & Gamble ... استثمرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (حكومة الولايات المتحدة) أكثر من 38 مليون دولار ومؤسسة MasterCard عشرة ملايين دولار لإنشاء فُرُوع تتمثل في أربعة مراكز تدريب إقليمة في جنوب إفريقيا وكينيا وغانا والسنغال، بهدف تدريب 3500 "من قادة المستقبل" سنويا، عن بُعْد، بالفيديو، وفي الفصل الدراسي، ويُخفي (أو يُغَطِّي) هذا النوع من البرامج غير المكلفة، البرامج العسكرية (مثل أفريكوم) أو الإستغلال الفاحش للموارد الطبيعية الإفريقية، وما برنامج YALI سوى الغلاف المَدَني للبرنامج العسكري "أفريكوم"، لأن الولايات المتحدة، تحاول إخفاء محاولاتها ونجاحها أحيانًا، في الإطاحة بالعديد من الأنظمة الأفريقية على مدى العقدين الماضيين (منذ بداية القرن الحادي والعشرين)، بقوات مدربة من قِبَل الجيش الأمريكي، قبل وبعد إنشاء "أفريكوم" التي تعمل على عسكرة الحياة السياسية "للشركاء" الأفارقة المحليين، فيخلق بذلك الجيش الأمريكي "فوضى البناءة"، كما وصفتها كوندزوليسا رايس، ويقدم السلاح والذخيرة والتدريب العسكري للجماعات الإرهابية كما كان الحال في أفغانستان ثم العراق أو سوريا أو ليبيا، وهي نفس التجارب التي بدأتها الولايات المتحدة منذ عُقُود عديدة في أمريكا الجنوبية وآسيا...
تعلن إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إنها تهدف إلى "التثقيف الإعلامي والمعلوماتي" للشباب الأفارقة، لمحاربة "انتشار الاخبار الزائفة سواء من قِبَل روسيا والصين أو من أعداء إسرائيل والولايات المتحدة "، فيما لَخّصَ مستشار الأمن القومي السابق لترامب جون بولتون، في كانون الأول/ديسمبر 2018، في مؤسسة التراث (Heritage Foundation ) أهداف الولايات المتحدة (سواء كان الرئيس جمهوريًا أو ديمقراطيًا) وقال بوضوح: "لا علاقة للولايات المتحدة في إفريقيا، أو في أي مكان آخر، بدعم الديمقراطية والتنمية المستدامة، إنما يتعلق الأمر بمواجهة روسيا والصين".
تَعَثُّر المشاريع الفرنسية والأمريكية في إفريقيا
تنتمي كل من فرنسا والولايات المتحدة إلى الحلف الأطلسي، وشارك الجيش الفرنسي في كافة الحُرُوب العدوانية الأمريكية - الأطلسية، من يوغسلافيا إلى ليبيا مُرورًا بأفغانستان وسوريا، لكن التّنافس بين القوّتَيْن الإمبرياليّتَيْن يبقى قائمًا، إذ تعمل الولايات المتحدة، منذ 2007، عبر البرنامج العسكري "أفريكوم"، على إقصاء فرنسا من مُستعمَراتها في إفريقيا الغربية، رغم المُساعدة الأمريكية الثمينة للجيش الفرنسي في مجال الإستخبارات والدّعم اللُّوجيستي بمالي والنيجر وتشاد وغيرها...
كانت الإمبرياليتان الرئيسيتان (فرنسا وبريطانيا) تتقاسمان معظم المُستعمرات، في القرن التاسع عشر، وفي بداية القرن العشرين، كانت فرنسا تُسيطر على المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) وإفريقيا الغربية (توغو والسينغال وجزء من الكامرون وإفريقيا الوُسطى وساحل العاج وبينين وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر ومالي وجزء من الكونغو وغينيا والغابون، فضلاً عن جيبوتي بالقَرْن الإفريقي وجُزُر القمور ومدغشقر بجنوب القارّة )، وبعد الإستقلال الشّكْلِي سنة 1960، بقيت المُستعمرات الفرنسية مُرتبطة بفرنسا عبر اللغة الفرنسية وعبر العُملة (الفرنك)، إذ سمح التعامل باللغة الفرنسية وبالفرنك "الإفريقي" للجماعة المالية الإفريقية ( CFA ) باستمرار الهيمنة الفرنسية على التعليم والثقافة والإقتصاد، وسيطرة الشركات الفرنسية على ثروات إفريقيا الناطقة باللغة الفرنسية (النفط واليورانيوم والمعادن الثمينة) وعلى الموانئ والسّكك الحديدية والبُنية التحتية والإنتاج الفلاحي والإتصالات والتجارة، وكافة القطاعات، فضلا عن استحواذ المصرف المركزي الفرنسي على كافة احتياطي دول غرب إفريقيا من العُملات، ثم تم خفضها إلى 50% من الإحتياطي الإجمالي، وتغير إسم الفرنك الإفريقي إلى "إيكو"، المُرتبط باليورو، لكن لم يتغير جوهر الهيمنة الفرنسية.
في المُقابل أغلقت فرنسا حُدُودَها في وَجْه العاملين والطّلبة الإفريقيين، بل ترفض السماح بالإقامة للعُمّال الموجودين بفرنسا وتُرحّلُهم إلى بلادهم، بالتّوازي مع زيادة عدد الجنود بالقواعد العسكرية الفرنسية، للتّدخل في مالي وتشاد والنيجر وساحل العاج وإفريقيا الوُسْطى وغيرها، ونظّمت الإستخبارات الفرنسية انقلابات ضد الحُكّام الذين حاولوا عَرْقَلَة نفوذها، ونفّذت فرنسا أكثر من أربعين تدخُّلاً عسكريا مُباشرًا في إفريقيا، بين 1961 و 2013، وفق مجلة نيوزويك الأمريكية التي تُمهّد للتّوغّل الأمريكي في إفريقيا...
بقيت منطقة "السّاحل" الإفريقي (البلدان الواقعة على الضفة الجنوبية للصحراء الكبرى) من أفقر بلدان العالم، بسبب الهيمنة الفرنسية، عبر الإستعمار العسكري المباشر أو الإستعمار الجديد (الإقتصادي والسياسي)، حيث يسكن المنطقة حوالي مائة مليون نسمة، يعيش 80% منهم بأقل من 1,9 دولارا في اليوم، في بلدان مُثقَلَة بالدُّيُون الخارجية، وتلتهم ُالميزانية العسكرية حصة هامّة من ميزانيتها، ومن الدّيون الخارجية، تتراوح ما بين 17% و 30%، بفعل الضّغط الفرنسي، ليرتفع بذلك الإنفاق العسكري لبوركينا فاسو بنسبة 238%، ومالي بنسبة 339%، والنيجر بنسبة 288%، خلال عقد واحد، بعد تخريب ليبيا والإطاحة بنظامها، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وتعتبر المنظمات المُعارضة للهيمنة الفرنسية أن الدّول الإفريقية تحتاج للإستثمار في برامج التنمية، وليس في شراء السّلاح المُستورد من فرنسا أو غيرها، لكن أمريكا قَرّرت التركيز على الجانب الأمني ودُخول حلف شمال الأطلسي قارة إفريقيا، لدعم المُخطّط العسكري الأمريكي "أفريكوم" الذي بدأ تنفيذه منذ سنة 2007.
لهذه الأسباب وغيرها، تَعالَتْ أَصْوات الرّافضين للهيمنة الفرنسية، والمُطالبين بالخروج من "الإتحاد الإقتصادي والنّقْدِي لغرب إفريقيا"، وإنشاء عُملة إفريقية، بديلة عن "إيكو"، ورفض أعضاء المجموعة الإقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) من غير المُستعمرات الفرنسية السابقة (غانا وغامبيا وغينيا وليبيريا ونيجيريا وسيرا ليوني) استخدام عملة "إيكو"، كما تعدّدت أشكال الرّفض للوجود العسكري الفرنسي بإفريقيا وتدخُّله السّافر في العديد من البُلدان، خصوصًا منذ سنة 2012، في البلدان المُحيطَة بالصّحراء الكُبرى (موريتانيا ومالي والنّيجر وتشاد وبوركينا فاسو)، وأدّت تصريحات وتصرّفات الرئيس الفرنسي المُتغطرس (إيمانويل ماكرون) إلى توسيع رُقعة المناهضين له من الرؤساء الأفريقيين (السينغال ومالي والنيجر وساحل العاج )، خصوصا بعد زيادة حِدّة الإحتجاجات الشّعبية الرافضة لوجود القواعد العسكرية الفرنسية، وإحراق العَلَم الفرنسي، كما طالبت سلطات مالي الجديدة بمراجعة الإتفاقيات الثنائية، وتوتّرت العلاقات وبلغت حَدّ طَرْد السفير الفرنسي من "باماكو"، واستعانت الحكومة العسكرية بروسيا لتتمكن من مُعارضة فرنسا، قبل أن يأتي دور سُلطات بوركينا فاسو والنيجر، لِرَفْض "التّعاون الإجباري" الذي فرضته فرنسا، قبل الإستقلال الشّكْلِي...
تُعتَبَرُ مالي نموذجا لاهتزاز نفوذ فرنسا في مُستعمراتها الإفريقية السابقة، ولاحتداد التنافس بين القوى الإمبريالية على القارة وثرواتها وموقعها الإستراتيجي، فقد أعلن المجلس العسكري في مالي، يوم 15 أيار/مايو 2022، خروجه من "مجموعة الخَمْس" التي تأسّست سنة 2014 بإشراف فرنسا وتمويل السعودية والإمارات، وتضُمُّ بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وهي اتفاقية أَمْنِيّة - وإن نَصّت على زيادة التجارة البينية - "لمكافحة التهديد الأمني" الناجم عن الدّعم الفرنسي للمجموعات الإرهابية بالجزائر (1991 - 2002) والمُشاركة النّشطة للجيش الفرنسي في تفتيت ليبيا وفي انتشار المجموعات الإرهابية في البلدان المُحيطة بالصّحراء الكبرى، في النيجر وتشاد ومالي وغيرها...
تعاونت السلطات الفرنسية والأمريكية لتنسيق التّدخّل العسكري الفرنسي في مالي وتشاد وبوركينا فاسو، غير أن لكل منهما حساباتها، واستغلّت الولايات المتحدة (وشجّعت أحيانًا، وإن بشكل خَفِيّ) الإمتعاض الرّسمي والمُعارضة الشعبية للتواجد العسكري الفرنسي بإفريقيا، لتزيد من التواجد العسكري، منذ 2007، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، مع تعزيز نُفُوذها الإقتصادي ومنافسة فرنسا والصين وغيرها في نهب الموارد والثروات الإفريقية التي كانت حصْرًا على الشركات الفرنسية في مُستعمرات فرنسا السابقة، بموجب اتفاقيات "التعاون الإقتصادي" الذي فرضته فرنسا، واستفادت الشركات الفرنسية حصريا من برامج الإصلاح الهيكلي وخصخصة القطاع العام (المحروقات والطاقة والمناجم والموانئ...) التي فرضها صندوق النقد الدّولي، قبل أن تكسر الصّين هذا الإحتكار، منذ العقد الأخير من القرن العشرين.
الناتو في إفريقيا
حلف شمال الأطلسي (ناتو) هو صنيعة أمريكية خالصة، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشَكّل الحلف ركيزة للحرب الباردة، وكانت قُواته تجوب البحار، ومنها البحر الأبيض المتوسط، الفاصل بين أوروبا الأطلسية وإفريقيا، حيث استخدمت القوات الصهيونية قاعدة "سيغونيلا" الإيطالية للتزود بالوقود وقصف تونس (01 تشرين الأول/اكتوبر 1985) وانطلقت منها الطائرات والصواريخ الأمريكية لقصف ليبيا والسّودان، وبدل حلِّ الحِلْف وإنهاء مهمته بانهيار الإتحاد السّوفييتي، تَوسّع الحِلْف ليشن الحرب على يوغسلافيا وأفغانستان وليبيا، ليصل إلى الحدود الرُّوسية، وليتحول، بدخوله إفريقيا من بوابة العدوان على ليبيا، سنة 2011، إلى منظمة عسكرية عدوانية عالمية، لكن الحلف بدأ منذ 2003، سنة العُدوان واحتلال العراق، محادثات "للتعاون" مع إفريقيا، وبدأ التعاون بالفعل، سنة 2005، عندما طلب الإتحاد الإفريقي (الذي يدّعي أنه يَبْنِي هيكلاً أمْنِيًّا مُستقلاًّ) مساعدة حلف شمال الأطلسي لتنفيذ مهمة "حفظ السّلام" في السّودان، وتتالت مهمات الدّعم اللُّوجستي للناتو في إفريقيا، بإشراف الجيش الأمريكي، قبل تأسيس القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، سنة 2007، وبداية من 2008، بدأ حلف "ناتو" العمل في القارة الأفريقية من خلال "أفريكوم"، إلى أن وَفّرت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا الفرصة لحلف شمال الأطلسي للتدخُّل العسكري المباشر في ليبيا، بداية من آذار/مارس 2011 زكانت فرصة إضافية لتبرير الهيمنة على إفريقيا، وخاصة على البلدان الغنية بالموارد مثل ليبيا ونيجيريا والكونغو والنيجر وغيرها، وأصبح تدخّل حلف "ناتو" رسميا وعلنيا، عندما افتتح في أيار/مايو 2014، مكتب اتصال في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وبذلك أصبحت قِمَمُ الحلف تدرس خطط "مواجهة التهديدات المنبثقة من جوارنا الجنوبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا" أي إفريقيا والمشرق العربي، بداية من 2014 ، وقرر قادة الناتو، خلال قمة وارسو (2016)، تعزيز التدخل العسكري في إفريقيا، وبالخصوص في منطقة الساحل والصحراء.، وإنشاء قوة أفريقية (تابعة للحلف) لتدريب الضباط في القوات العسكرية الأفريقية.
رغم جهود فرنسا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، رفض قادة العديد من الدول الأفريقية الكبرى دعم الموقف الأمريكي بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، وامتنعت العديد من الدّول عن التصويت على القرار الأمريكي لإدانة روسيا بالأمم المتحدة، فيما عارضته دول أخرى منها الجزائر وجنوب إفريقيا وأنغولا وإثيوبيا، بل إن رئيس جنوب إفريقيا (وهو رجل أعمال ثَرِي) أعلن التزام بلاده "بتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية ليس فقط لشعبنا ولكن لشعوب فلسطين والصحراء الغربية وأفغانستان وسوريا وعبر إفريقيا والعالم"، ما يُشكّل صَفْعَة للإمبريالية الأمريكية، ونكسة لمخططات توسع الناتو في إفريقيا.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيطاليا، ما هو مُؤنّث -موسلِّيني-؟
- تونس- عرض موجز للوضع الإقتصادي
- مخاطر وُجُود حلف شمال الأطلسي (ناتو)
- الدّيون وانتفاء السيادة - نموذج المغرب العربي
- متابعات إخبارية وتعليقات
- ديمقراطية الولايات المتحدة - غسيل الأدمغة، أحد دعائم القوة
- السيادة الغذائية شرط الإستقلال الإقتصادي والسياسي
- بعض قضايا الزراعة والغذاء
- حُرّيّات - دفاعًا عن الصحفي والمناضل التّقدّمي التونسي غسان ...
- تونس – دستور جديد، وبَعْدُ؟
- مُتابعات إخبارية
- روسيا - الصين - إيران ، تحالف الضّرورة؟
- السّردية الإستعمارية للتاريخ - نموذج فلسطين
- تونس- الهجرة غير النظامية
- التربية بين الدعاية والتدريب على التفكير النقدي
- مساهمة في تبسيط مفاهيم الإقتصاد السياسي
- تونس- الولايات المتحدة، علاقات هيمنة
- تونس غداة الإستفتاء
- استثمار الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في حرب أوكرانيا
- أمريكا- جرائم بلا عقاب


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - من مظاهر الهيمنة الإمبريالية في إفريقيا