أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - وهاي دفشة الله لا يردك/2















المزيد.....

وهاي دفشة الله لا يردك/2


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 7381 - 2022 / 9 / 24 - 11:00
المحور: الادب والفن
    


وهاي دفشة الله لا يردك/2*

قلت له :" اتفقنا ما تنط قبل ما اخلص الحكي...صح ولا لا؟
انا من شي سنوات بعيدة كتير مريت بنفس حالتك الله وكيل،مليت من كل ما حولي وقررت أن أنتحر. أعوام طويلة من الفاقة والفقر تكفيني.سنوات من الشقاء عقوبة الهية كافية،وحدة قاتلة تمرمر روحي أصابتني بالسأم من كل شيء.لهذا قررت الانتحار وأنا مدرك أنني سأموت كحشرة تافهة لن ينتبه إلى إختفائها أحد في هذا الكون.من المؤكد أن جثتي ستتعفن وعندئذ سينتبه احد إلى وجودي وقد لا ينتبهون إلا بعد مرور سنوات عدة. فانا لم يزرني أحد منذ سنوات،إلا موزع البريد الذي يطرق بابي ليسلمني إنذارات من كل دوائر الدولة ومن صاحب البناية وآخر من عرفته وخبط"الباب هرول بعيدا و بات ذكرى من العالم الآخر.أما جيراني فهم بالكاد يستطيعون تمييزي واذا التقيت أحدهم صدفة في المصعد أو الدرج يدير رأسه إلى الجهة الأخرى ولا يرد السلام. لقد وصلت ارذل العمر لا املك عملا ولا انيسا او جليسا..لا اقارب من حولي لهذا سأنتحر ما دمت قد بت عددا زائدا في هذا الكون.
جلست أفكر في طريقة الانتحار،وهل أنتحر بصمت أم بضوضاء أجبر الآخرين على الإنتباه لوجودي ولو لمرة واحدة أخيرة.حملت كرسيا خشبيا مهترءا اكل السوس خشبه حتى مل منه فتركه عله يسقط من ذاته.حملته وخرجت إلى الشرفة وجلست أفكر في انتحاري.بيتي في الطابق الثاني والشارع أسفلي مكتظ بالمارة،فالجميع يستعد لعيد الهالوين القادم بعد عشرة أيام.نظرت إلى البيوت في الجهة الاخرى من الشارع ،كانت امرأة شابة منهمكة في اخراج يقطينة ضخمة بداخلها ضوء أحمر استعدادا للاحتفال،أسفلها كان بعض الصبية قد ارتدوا ملابسا تنكرية وخرجوا إلى الشرفة لاخافة المارة.لمحت رجلا عجوز يزين هيكلا عظميا على سلم وشابا يحمل أضواءا عدة لتعليقها على طول نوافذ منزله.أثار انتباهي عاشقين في العمارة المقابلة لي وقفا يتبادلان القبل ويضحكان بشدة على شيئا ما يحملانه،حين دققت النظر كانا يلهوان بجمجمة انسان ويحاولان تعليقها على عصاة خشبية.وفوقهما كانت شرفة المرأة الحيزبون قد امتلأت بالافاعي والخفافيش.أما في الأسفل فقد كان المخبز قد أخرج لوحا ضخما علق عليه خبزا وكعكا بأشكال مختلفة،منها ما يشبه هيكلا عظميا أو يقطينة أو شبحا أو وطواطا....أما بائع اللحم فلم ينس أن يعلق على باب محله صورا لدراكولا وفرانكشتين......ويكملها برؤوس أبقار وأغنام وخنازير من اللعب.
تعبت من النظر لهذا كله،ووجدته يحرف نظري عن همي الأساسي:الانتحار.أرجعت الكرسي للوراء قليلا ثم نهضت لاحضار كوبا من القهوة لعله يشحذ ذهني ويدلني على الطريقة المثلى للخلاص.في المطبخ تفحصت ما أملك من أدوات تسهل موتي،اكتشفت ان لدي الكثير من وسائل الموت.عدت إلى الشرفة وبدأت التفكير.هل أستخدم السم؟هو وسيلة سهلة وأملك سما فعالا كنت قد اشتريته لقتل الجراذين التي تسللت إلى المنزل قبل شهور عديدة.أعجبتني الفكرة ولكن المشكلة أن السم بطيء وسأصاب بمغص في البطن وقد أتقيء وهذا الأمر يزعجني أكثر من الموت بحد ذاته ،وقد أصاب بأوجاع كثيرة ،ومن المحتمل أن لا أموت واصاب بمشاكل عدة ترافقني بقية حياتي الباقية. وصدقا الموت بسم الفئران خسة وجبن لا بطولة فيه ولا نبل ،فالميت والفأر واحد ،وسيقولون عند اكتشاف جثتي:" ما أتفهه ألم يجد ميتة تليق بالرجال كي ينهي حياته بها؟".سأصرف النظر عن هذه الميتة التافهة وأفكر في شيء أكثر دراماتيكية وحيوية.
نعم سأنتحر بقطع أوردة معصمي ،فهذه الطريقة أكثر اثارة،وتليق بالعشاق وأنا كنت في يوم من الأيام،لا أدرى متى ،عاشقا ولهانا.ربما هكذا تشفق علي تلك الحيزبون وتظنني كنت عاشقا لها وانتحرت من أجل عينيها المنتفختين من كثر النوم والتي لم تعودا الا كحفرتين كئيبتين يعم السواد حولهما.لكني أكره رؤية الدم ومنذ كنت صغيرا كنت أصاب بالدوار والاغماء ما أن أرى جرحا صغيرا،فكيف بدم متدفق من معصمي.وقد الوث الدنيا بذلك ومن المحتمل أن لا أموت وما أن أرى الدم حتى أبدأ بالصراخ والولولة كالنساء الثكلى وينتبه الجيران عندئذ ويتم انقاذي، وهكذا لا أستفيد شيئا سوى الفضيحة والجرسة،وعاهة تترك أثرا على معصمي مدى الحياة.
لماذا لا أنتحر مثل الساموراي؟انها طريقة أكثر اثارة،وستربط صورتي عند مشيعي جثتي بالنبلاء اليابانيين.كل ما أحتاجه سيفا وعزيمة للتنفيذ.نعم هكذا ينتحر الأبطال وأنا كنت بطلا،ألم أشارك في حرب 82 وصمدت أثناء غزو لبنان وحضرت مجزرة صبرا وشاتيلا،كما صمدت مع المقاومة سنوات طويلة حتى مللت الصمود؟.سأنتحر كالساموراي اذا.لكن هنالك مشكلة انني أخاف أن أغرز سيفا في أمعائي وقد لا أموت وأتعرض لاصابات بليغة تؤثر فيما بعد على تناولي الطعام والدخول إلى الحمام وهذا إن حدث كارثة كبرى،من الممكن أن أتحمل أي شيء الا حرماني من الأكل الطيب ومتعة الدخول إلى المرحاض.لا سأبحث عن طريقةاخرى تفضي بي الى الموت السريع والمضمون.
حينها لم أنتبه الى أن الليل قد أرخى ستائره على الكون،وأن الشارع قد خلا من المارة.نهضت من فوق الكرسي وأطللت الى الأسفل لم يكن في الشارع الا بضعة سكارى ومومسا تقف على زاوية الطريق تنتظر زبونا عابرا عله يقع في مصيدتها،عندئذ تنبهت الى وسيلة للانتحار تلفت انتباه الناس جميعا،القفز من الشرفة الى الشارع.من المؤكد أنني سأحظى بانتباه تلك الجارة الشقراء التي تستعرض مفاتنها كل يوم على الشرفة اثناء جلوسها بالمايوه وأخذ حماما للشمس،والتي كانت تطنشني كغيري وتضن علينا حتى بالابتسام. من المؤكد انها حينما تراني أقفز في الهواء وأنا شاخص بنظراتي صوبها سترسل لي قبلة الموت الأخيرة.سأختار وقتا مناسبا تكون فيه قد تمددت على الشرفة بانتظار أن تلوح بشرتها الشمس برفق ودلال.وقد أستطيع قبل أن أقفز أن ألقي خطبة عصماء أهجو فيها كل أصدقائي السابقين،فرسان الجملة الثورية،الذين ترهلوا حتى أصبح الواحد منهم بلا رقبة،وحتى باتوا نجوما في التلفزيونات المعارضة والمؤيدة على حد سواء.سأقول لهم كلمة وددت قولها منذ عقود عدة...لا سأكتفي باخراج لساني لهم هازءا من هذا الكون الأحمق.
لكن هل أضمن الموت كذلك أم أنني سأتهشم وأصاب بكسر في العمود الفقري وأمكث كسيحا ما تبقى لي من عمري؟واذا مت كيف سيكون منظر جثتي؟مهشمة ومقززة للاخرين؟أخاف أن يشمئزوا منها ويبصقون عليها لأنها أرعبتهم وكدرت مزاجهم.كما أن الانتحار بهذه الطريقة فيه فاشية واهانة لمشاعر الاخرين، خاصة تلك الفتيات الجميلات اللواتي يملأن الشارع ليلا نهارا ويبحثون عن عاشق يتوله في حبهن،لن أنهي حياتي هكذا.لا لن أقفز اذا.
لم يبق أمامي الا الانتحار بالمسدس.فأنا أملك مسدسا قديما من بقايا مرحلة النضال تلك ،أخبئه في السقيفة سأحضره وأطلق النار على صدغي ،رصاصة واحدة في هذا المكان كافية لانهاء الامر.وصوت اطلاق النار سيلفت الانتباه مؤكدا.لكن ماذا سيحدث إن ارتجفت يدي خوفا وخرجت الرصاصة لتصيب الحائط ؟سيسمع الجيران الصوت ويحضرون الأمن والمخابرات،وهؤلاء سيجرونني من قفاي الى التحقيق ،و ستنهال علي الأسئلة:من أين أحضرت السلاح؟الى أي تنظيم متطرف تنتمي؟من هم شركاؤك في التنظيم؟ما هي مخططاتكم التخريبية.....ومن المؤكد أنهم سيجعلونني أتمنى الموت ولا أناله"......
لا أدري كم هي الساعة الان...بت أشعر أن أطرافي تجمدت من البرد ...أو من الرعب من جلوسي قريبا من الشاب مطولا على حافة السطح...لا أدري،أشعر بنخزة حادة في صدري،لم أعد أقوى على الوقوف ...أخ....أخ....أخ".وضعت يدي على صدري حاولت النهوض وانا اقول لنفسي لماذا اقحمت نفسي في هذه الورطة،انتحر ولا نط ولا عمره ما ينط لجهنم ، اقتربت من الحافة أكثر ،نظرت إلى الاسفل،نهض الشاب فجأة،ظننت انه سيساعدني،اقترب مني وضع كلتا يديه على ظهري ثم صرخ:"كل هذا وبعدك ما انتحرت يا إبن ال..... ؟ هاي دفشة والله لا يردك..وانا اطير في الهواء تتردد ضحكته وهو يرفع لي اصبعه الأوسط راكضا إلى داخل العمارة،بينما انا اسمع صرخات الناس من تحت واميز صوت جارتي الكرنيبة وهي تصرخ فرحة:"ولييي وأخيرا خلصنا".

*بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار الذي مر منذ أيام
*نص من مجموعة جديدة قيد الإعداد



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هاي دفشة والله لا يردك/1
- بلا ستيك بلا بفتيك خدلك سندويشة فلافل وروح على السكيت
- زوال
- اهرب بجلدك
- حين وقعت في شر اعمالي
- انا وكوابيس ابن سيرين
- نهاية الشبيه
- فكنا من خرابيط المثقفين/الشبيه 3
- الأربعون شبيها/2
- صخرة سيزيف
- الاربعون شبيها /1
- ظل حيط ولا ظل رجل
- تحشيش بلا حشيشة
- على نفسها جنت براقش
- عنانة
- تحليق/نص لا جنس له
- برقيات في زمن الفيروس
- اعتذار من أقمار فلسطين
- نصوص واتس آبية
- وصايا ميركل


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - وهاي دفشة الله لا يردك/2