أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الحرب في رواية -كي ... لا تبقى وحيدا- حسن حميد















المزيد.....


الحرب في رواية -كي ... لا تبقى وحيدا- حسن حميد


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7363 - 2022 / 9 / 6 - 03:49
المحور: الادب والفن
    


الحرب في رواية
"كي ... لا تبقى وحيدا"
حسن حميد
رغم أن المنطقة العربية تعيش في حروب منذ عام 1948 وحتى الآن، إلا أن الأعمال الروائية التي تناولت الحرب قليلة إذا ما قارناها مع بقية الأعمال الروائية الأخرى، من هنا تأتي أهمية رواية "كي ... لا تبقى وحيدا" للروائي الفلسطيني حسن حميد، فهي توثق ما جرى ويجري في سورية، فبعد زمن، يمكن الرجوع إليها كوثيقة تاريخية، يجد فيها القارئ شيئا من الأحداث الدامية التي مرت بها سورية.
الرواية تتناول ما دونه "نزار باشقة" حيث كان أحد المقاتلين في الخطوط الأمامية، وتحديدا في منطقة تدمر، الذي تناول ما جرى له ولرفاقه في الجبهة وكيف واجهوا الإرهابيين، وهذا ما جعل الروائية تدون وجهة نظر المقاتل (الرسمي) السوري، الذي نقل للمتلقي الأعمال الإرهابية وما فيها من تخريب وقتل وتدمير لكل ما هو حي ولكل ما هو معمر.
فرغم أن الرواية تحدثت عن أعمال الإرهابيين، إلا أنها قدمت الأعداء بموضوعية، فوصفتهم كمقاتلين أشداء، وهذا الحياد يحسب للسارد الذي أقنع القارئ بحيادية السرد وبموضوعية الطرح، وهذا ما جعل الرواية مقنعة للقارئ، وغير منحازة لأشخاص/لجهة بعينها.
السرد الروائي
بداية ننوه إلى أن هناك لغة روائية خاصة يستخدمها حسن حميد في أعماله الروائية، فهو يعتمد على أنا السارد، حيث يختار أحدى الشخصيات لتقوم بسرد الأحداث، وهذا يقرب القارئ من الشخصيات والأحداث، حيث يشعر بالحميمية بينه وبين السارد الذي يتحدث عما جرى له، فالسرد بلغة الأنا له أثر أكبر على القارئ، وهذا وجدناه أيضا في رواية "ناغوغي الصغير".
الحرب
الحرب تعني الخراب والقتل والتدمير والتشريد، وفقدان الحياة والجمال والخير، وبما أن الرواية تتحدث عن الحرب فقد تناولتها بأكثر من صورة وحالة، منها هذه الصورة العامة: "للحرب عراف واحد، وكاهن واحد، وجاذب واحد.. هو الموت" ص727، هذا ما دونه "نزار باشقة" عن الحرب، فالصورة العامة لها تختزل بكلمة واحدة الموت، هذا ما جاء في بداية الرواية، وفي منتصف الرواية يقول عنها: "...ولأن المقابر ما عادت تفتح أبوابها إلا للقادمين من الحرب" ص876، هكذا يرى "نزار" الحرب، وبعد أن يصاب بجروح بليغة ويخضع لعلاج طويل في المشفى، يقول عنها: "...فلعنت الحرب لأن ظواهرها غير بواطنها، وبواطنها أكثر ذهولا ورعبا وفداحة، والأطباء يعرفون ما غورته من أذى في الجروح، لعنة الله على الحرب" ص945، بهذا الشكل يكون السارد قد أعطانا رؤيته عن الحرب، وبما أنه وزع نظرته في أول ووسط وخاتمة الرواية فهذا يشير إلى أن هاجس الحرب كان واقعه كبيرا وهائلا عليه، وإلا ما جاءت هذا النظرة عن الحرب بهذا التوزيع وهذا التناسق وهذا الترتيب.
لكن هناك تفاصيل عن الحرب لا بد من الحديث عنها، من هذه التفاصيل: "ما كنا نعرف أولويات هذه الحرب المجنونة، ولا كيف تدار، كنا في مكاننا لا نعرف مكان العدو بالضبط، يقول لنا الملازم أول عبد الوهاب أحمد، وهو من دير الزور، إنهم هناك، في تلك القرية، أو البلدة، أو الوادي، أو الغابة، أو الجبل، أو هم بين تلك الصخور الراهجة تحت شمس الظهيرة اللاهبة، فلا نعرف كيف نصل إليهم، ولا كيف نوجههم، ولا كيف نتدبر القتال معهم إن اشتبكنا، كل شيء جديد ومفاجئا بالنسبة إلينا، وكان نقل المعدات العسكرية إلينا يتطلب وقتا طويلا حتى تصل، وكذلك كان وصول سيارة الطعام، وسيارة العناية الطبية انتظارا مرا، لا بل كانت حياتنا في المناطق الصحراوية مرعبة أيضا، فنحن نجهلها ولا نعرف ما فيها" ص736، هذا الوصف يشير إلى أن الحرب لا تتناسب مع الحياة الطبيعية/السوية، فالإنسان فيها يعيش حالة قاسية وصعبة ومجهولة، كما أن مكان الحرب له رهبة ووقعا على المقاتل، وهذا ما يجعل الحرب غير مرغوبة من الناس.
والحرب تعمل على المساوية بين القائد والجندي، فالخطر المحدق يجعل الجميع يتحد لمواجه الموت القادم: "...طبعا كنا نظن أن الرقيب لن يعرف الحراسة، وليست مطلوبة منه، ولكنها، هي الحرب، التي جعلت بعض ضباطنا يحرسون بدلا من رفاقنا في أثناء المرض، أو يشاركونه الحراسة بالسهر معهم" ص746، فالموت الذي يمكن أن يأتي مع أي قذيفة أو سيارة انتحارية أو رصاصة يجعل الجميع يتخذ ما يلزم من أفعال وأعمال، فالرصاص والقذائف والسيارات الانتحارية لا تفرق بين قائد وجندي.
ومخاطر الحرب لا تقتصر على هجوم الأعداء فحسب، فهناك مخاطر أخرى تتمثل في عدم وجود أدوية ووسائل علاج: "...وفقدان الأدوية (لم يبق لدينا سوى الدواء الأحمر الذي رحنا نظهر به جروحنا، وحروق جلودنا، حبوب وجع الرأس نفذت) أدوية الرشح نفذت، أدوية المعدة والقولون نفذت، مضادات الالتهاب نفذت" ص756، وهذا ما يجعل الحرب غير مرغوبة، ويجعل الجميع يبتعد عنها، فهي نقيض الحياة، وتتنافى مع طبيعة الناس، لهذا لا احد يريدها.
العدو
الرواية تتناول أكثر من عدو، فهناك من يشارك بصورة مباشرة فيها، وهناك عدو يدعمهم بالسلاح أو بالغذاء أو الدواء أو المال أو يمدهم بالمعلومات، كل هؤلاء الأعداء تناولهم السارد في الرواية، فالعدو المباشر يتمثل فيمن يشارك في القتال مباشرة: "...ويهاجموننا بجرأة أدخلت الرعب إلى قولبنا مرات، ولكن نالوا منا في بداية الأمر، وفي هجمات مباغتة، كانوا يراقبون حركتنا نهارا ويحددون مواقعنا، وفي الليل يهاجموننا بسيارات كثيرة، ...سيارات انتحارية، تتفجر بالدشم الكبيرة، والحواجز المانعة التي أقمناها في المداخل" ص735، نلاحظ أن السارد موضوعي في تناوله للعدو، فهو يقدمه على أنه جريء ويقدم على الموت/(سيارات انتحارية) كما لو أنه ذاهب للحياة، وهذه إشارة غير مباشرة إلى دور وأهمية التعبئة الفكرية للمقاتل، فمن يقدم على القيام بعملية انتحارية هو بالتأكيد مقاتل منتمي ومقتنع بالحرب التي يخوضها.
وعن بسالة الأعداء يقول: "... وقد عادت الطائرات قصفهم مرات عدة، وتكبدوا خسائر كبيرة، ومع ذلك لم ينسحبوا، وإنما غيروا مواقعهم وأمكنة تواجدهم" ص829، فالموضوعية في وصف العدو تحسب للسارد الذي يقدم العدو على حقيقته/طبيعته، وهذا يحمل بين ثناياه أن السارد يقاتل عدو شرس وقوي، وليس مجرد مجموعة من الأفراد لا يملكون خبرة أو قناعة بالحرب التي يخوضونها، من هنا يعد الانتصار على هؤلاء عملا خارقا وصعبا، فالتخلص والقضاء على الأعداء ليس بالأمر السهل أو الهين، ويحتاج إلى قدرات جسدية ومعنوية، وإلى معدات وأسلحة تكون فاعلة في الميدان.
لكن ليس كل الأعداء يقاتلوا على عقيدة وفكر، بل هناك من يقاتل من أجل المال أو الجنس، ومنهم من غُرر به: "...الأعداء الذين جاؤوا مرتزقة يقاتلوننا من أجل أمور كثيرة منهم من جاء من اجل المال والغنائم، ومنهم من جاء مدفوعا بحماسة دينية عمياء غايتها تمزيق الدين وشق وحدته، ومنهم من جاء من بلدان أوروبية لأن حياة الرتابة ضاقت عليه، والغالبية منهم كانوا بحاجة إلى مصحات عقلية لانهم عاشوا حياة اللهو، والشذوذ، وتناول الخمر والمخدرات ، ومنهم نساء"ص749، هذا هو حال المقاتلين، فهم غير موحدين/منسجمين الدوافع، ولكلا منهم دافع يختلف عن الأخر، وهذا انعكس على أدائهم، فما أن أخذ الواحد منهم ما جاء لأجله، عاد إلى المكان الذي جاء منه، هذا إذا لم يُقتل أو يُؤسر أو يُصاب.
أما عن العدو الذي يساعد هؤلاء الإرهابيين: "...دول كثيرة تمدهم بالمعلومات بواسطة الأقمار الصناعية، عدا عن أنهم زودوا بمناظير بعيدة المدى، منها نهارية، ومنها ليلية" ص757، وهناك أسلحة وذخائر تم تمريرها لهم من مجموعة مصادر: "...بعض الصناديق إسرائيلية، وبعضها الأخر أمريكية، وبعضها من بعض الدول العربية" ص925، فتنوع مصادر السلاح يشير إلى تعدد مصالح المغذين والمستفيدين من الحرب، وإلى أن هناك عدة جهات تعمل على إبقاء الحرب مشتعلة، كما أن هذا التعدد يخدم فكرة تعدد جنسيات المشاركين فيها، فلكل جهة جماعتها التي تدعهما بالسلاح والمعدات.
الأتراك
تركيا لعبت دورا قذرا في الحرب على سورية، فاق بقية الأطراف، وهذا يعود إلى رغبتها في ضم منطقة حلب إليها، فحلب تعتبر اكبر مركز صناعي في سورية وفي المنطقة، وضمها أو تدميرها يعني فتح المجال أمام تركيا لأخذ دور حلب الصناعي والتجاري في المنطقة، كما أن هناك عداء تاريخي بين تركيا والشعوب الأخرى، وهذا يعد إلى المجازر التي اقترفها الأتراك بحق الآخرين، يتحدث " لودفيك" الأرمني عن الأتراك: "...وكان الكثير منهم قتلوا، وأن القليل منهم هربوا، لقد عاد المسلحون المدعومون من الأتراك تمثيل جريمة الأتراك بالأرمن عام 1914 مرة ثانية، ولكن هذه المرة في كسب، اكتب أن حقول ورد أحمر ستنبت في الربيع فوق دوم الأرمن، أرجوك، وأكتب أيضا أن جميلات الأرمن في كسب اغتصبن مثلما اغتصبت جداتهن عام 1914 وعام 1915 ثم قتلن مثلما قتلت الجدات أيضا" ص795، هذا العداء التاريخي بين الأتراك وشعوب المنطقة متواصل ومستمر، فما تفعله تركيا من خلال عناصر تدعهما وجماعات تمولها يتماثل تماما مع ما فعلته قبل مائة سنة.
الوحشية التركية لم يتوقف أثرها على من قتلوا وشردوا فقط، بل طال أيضا أحفاد هؤلاء الأرمن الذين تأثروا نفسيا بما سمعوه من أجدادهم، يتحاور "لودفيك" ورفاقه في الجبهة بهذا الشكل: "... حانت الآن فرصة الأرمن يا لودفيك لمواجهة الأتراك الذين يدعمون المسلحين في شمال حلب وشرقها، ومناطق كثيرة في إدلب، فقال لودفيك، نعم هذا صحيح سيدي، الأتراك لا يريدون اقتصاد حلب، ولا الحلبيين، هم يريدون القضاء على الأرمن فقط، هم يدعمون المسلحين، ويفتحون حدودهم لهم من أجل أن يقتلوا الأرمن فقط، فقال النقيب نعمان جنورة وهو يضحك: كيف هذا يا لودفيك؟ لقد سرقوا المعامل والمواسم، وصوامع الحبوب، ودمروا المدارس والمشافي ودور العبادة، التركي يقصدنا جميعا، وليس الأرمن فقط، قال لودفيك: " والله سيدي، أنا أحس بأن التركي لا يريد أحد إلا الأرمن، ... سيدي التركي لديه حاسة شم، يشم رائحة الأرمني من على بعد ويعرفه...لقد سرقوا محطات الكهرباء، أو خربوها، وكذلك محطات ضخ المياه، الترك يريدون تدمير حلب اقتصاديا لأن مهارة الحلبيين وشطارتهم تغيظ الترك منذ سنوات بعيدة، التركي لا يشعر بأن أحدا في المحيط ينافسه تجاريا ويتفوق عليه سوى أهالي حلب" ص885و886، اللافت في هذا الحوار أن يجمع الواقع، ما يجري على الأرض، مع الماضي وأثره النفسي على أحفاد الضحايا، وهذا الأمر يشير إلى أن السارد يعي أن الجرائم لا يتوقف أثرها عند من تعرضوا للقتل أو للتشريد فحسب، بل يطال أحفادهم أيضا، وهذا الأمر ينطبق على كل الشعوب التي تعرضت للقتل وللتهجير والتشريد.
المقاتل
كما تناول السارد العدو بحيادية، تناول أيضا الجندي السوري، فقدمهم على طبيعتهم الإنسانية، من هنا نجدهم يخافون، يفرحون، يبكون، ينتشون بالنصر، ويحزنون أمام الشهداء، وهذا ما صور المقاتل على أنه إنسان حقيقي وليس بطل هوليودي، من هنا تعددت صورة المقاتل، منهم من كان مستعد للاستشهاد كما هو حال "ميلاد إلياس" الذي شعر بأنه سيستشهد قبل المعركة، فتحدث قائلا: "أنا لي ستة أخوة، فإن استشهدت لا أحد يبكي علي أرجوكم، أنا حصة أسرتي فدا للبلاد،...هذه الحرب لا تعرف ضيفا أو صاحب بيت! ميلاد إلياس استشهد في الليلة نفسها" ص736، هذه إحدى صور المقاتلين، الذين خاضوا الحرب عن إيمان بالوطن، في الجهة الأخرى كان هناك مقاتلين يبولون على أنفسهم من الخوف: "لقد ظهرت بيننا نكوص إلى عالم الطفولة، رهيبة ومخجلة في آن، فقد عرفنا السلس البولي فعلا، لأن الروائح ما كانت تختفي إلا بالاغتسال، وكان أصحاب السلس البولي يباكرون الفجر بالذهاب إلى النبعة، وبالجرأة كلها، مخافة افتضاح الأمر، كان رفاقنا في المحارس يعرفون من منا تسلل فجرا إلى النبعة واغتسل، وغسل ثيابه، ...كنا نسمع بكاء بعضنا نواحا مثل بكاء الأطفال حين يفقدون أماتهم، وكنا نهمهم ونحاكي أنفسنا فيصير كلامنا مثل هديل الحمام، ..كنا ننادي على بعضنا بعضا في أوقات الحراسة لكي نستأنس بأصوات بعضنا بعضا، ونعجز عن النطق أو عن المناداة إن رأينا أفعى أو عقربا، بل ونعجز عن الحركة والمشي إن سمرنا من الخوف شيء رأيناه" ص755، هذا حال المقاتلين في بداية وصولهم ميدان القتال، فالصورة ـ رغم سلبيتها ـ أن أنها موضوعية، وتمثل حال من لم يخض غمار الحرب ويعرف كيف يتعامل مع العدو.
ونجد العديد من المقاتلين يبكون، عندما يذكرون أمهاتهم أو يستشهد أحدا من رفاقهم: "نواف الجاسم...ومعروف بطبيعته وسخاء دمعته، لأنه وكلما حدثنا عن أمه بكى، وكلما حدثنا عن حبيبته (عطية) بكى، وكلما عزف على ربابته التي جاء بها بكى أيضا" ص765، اللافت في هذه الصورة أنها تحمل صورة الإنسان البسيط، الذي يتفجر إنسانيا عند ذكر أحد من أحبابه، وهذا يشير إلى قذارة الحرب وقسوتها التي تسحب هذا الإنسان من عالم البساطة والطيبة إلى عالم القتل والرصاص والقذائف.
في الحرب يتأخى المقاتل مع رفيقه، ويفضله على نفسه "شاهين رابوبة" يعطي حقه في الإجازات لرفاقه: " ...أنا أعطيت دوري في الإجازات مرتين، مرة ل عباس بدر، ومرة ل فوزي برهومة،... عباس بدر اشتاق دقات قلبه وهو قريب من سلوى، وفوزي برهومة، قال لي أبي مريض، لعله راحل، دعني أراه" ص858، بهذا النبل كان المقاتل السوري، ونجد حرص "فوزي برهومة" على رفاقه عندما ذهب في إجازة لتقديم الثانوية العامة بقوله: "إياكم أن يستشهد أحد منكم في غيابي قبل أن أخبركم كيف قدمت الامتحان، وإياكم أن ينساني أحد منكم من الدعاء وبنية صافية" بهذه الصورة كان المقاتل يتعامل مع رفاقه، فهم وهو كيان واحد، جسد واحد، فحرصهم على بعضهم بعضا، وتفضيل الرفاق على النفس جعلهم قادرين على تجاوز أهوال الحرب والانتصار على العدو.
هذا النبل لم يقتصر على رفاق السلاح فحسب، بل طال أيضا التعامل مع الأهل، فعندما أصيب "نزار باشقة" رفض أن يتحدث مع أهله وإخبارهم بإصابته، يبرر هذا التصرف بقوله: "...أهلي أهل عاطفة، ستطير عقولهم إن عرفوا ما جرى لي، حين أتعافى سأذهب إليهم ومعي تمر من تدمر، وحلاة من حمص" ص947، بهذا المشهد يكون السارد قد قدم صورة محايدة عن المقالتين، وهذا ما جعل الرواية (منطقية)/موضوعية وغير منحازة.
المرأة
موضوع الحرب يعني القسوة والقتل والموت، لهذا كان لا بد من وجود شيء يخفف به على القارئ، فكان حضور المرأة التي تحدث عنها أكثر من مقاتل، فغالبية شخصيات الرواية تحدث عن المرأة، ولحديثها أثرا ناعما وهادئا على المتلقي الذي خرج من عالم الحرب إلى عالم الحب.
هناك أكثر من شخصية تحدثت عن المرأة، يحدثنا السارد عن "عبد الرحمن حمو" وعن علاقته ب غزالة بصورة لافتة: "...وأن روحه تاقت للخروج من الغدير لكي يرمي جسمه فوق الصخرات الواسعات ليجف في شمس الظهيرة، ..لم ينم، ولكن جسده تراخى، ولم يكن يقظا تماما لأن خدرا ما سرى في ظهره، سرى من عنقه إلى آخر قدميه، فأحس أن حرارة الشمس الدافئة تمر بجسده تماما كما لو أنها راحة كف فاستسلم لها.. ولكن حين أحس بأن يد تمشط شعره أيقن أنها ليست الشمس، ولا حرارة الشمس أيضا، فاستدار، وفتح عينيه، فرأى غزالة أمامه، غزالة بكامل جمالها" ص783، بهذا الشكل استطاع السارد أن يخرج القارئ من عالم الحرب إلى عالم الحب، وهذا ما سهل عليه تناول رواية تتحدث عن القتل والموت.
وفي مشهد آخر يتحدث "محمد سعد الدين عن تعلقه بتغريد بقوله: "..بنت مثل الحديقة، العامة، لها خضرة في عيونها، وزهر في وجهها، ونور قمر في صدرها، طويلة وعالية مثل سور القلعة، في جسمها قوة تشبه قوة البغال أو الثيران، ولكن الأهم خفت دمها، فتحس أنها موسيقى، ومصقولة مثل وجه الصابونة" ص808، نلاحظ أن لكل شخصية لغتها الخاصة بها عن المرأة، وهذا ما يحسب للغة الشخصيات، فهناك تباين في وصف المرأة وتبيان جمالها، وكيفية النظر إليها، وهذا يعود إلى طبيعة الشخصية المتحدث والمكان الذي نشأ فيه، من هنا يمكننا القول أن لغة الشخصيات موفقة، وجاءت مقنعة للقارئ، الذي يشعر بأن المتحدث شخصية حقيقية وليست مقحمة في النص الروائي عن طريق الكاتب/السارد.
ولم يقتصر الحديث عن المرأة على أنها الحبيبة فقط، بل تعداه إلى دورها في تحفيز الرجل على تجاوز العقبات التي تقف أمامه، يحدثنا "نواف الجاسم" عن "عبطة" ودورها ليكمل تعليمه: "...وكم شجعتني على الدراسة حين رأتني أبكي رسوبي، قالت لي،: الحصان إن وقع .. يشب، وأنت حصان، وعليك أن تشب وتنهض يا نواف! كانت عبطة ترياق الحياة وفرحتها حين تصير الحياة مرضا أو محزنة" ص839، بهذا الصورة يمكننا القول أن السارد أنصف المرأة وأكد على دورها كمخفف للرجل، وعلى أنها عنصر الفرح الذي يلجأ إليه وقت الشدة/القسوة.
ونجد نبل ووفاء المرأة في حديث "شاهين رابوبة" عن حبيبته "سعاد": "...وحين تفقد نفسه وجد الليرات الذهبية الثلاث ساقطة في جيبه، ويكتب قائلا: أسرتني يا سعاد، يا حبيبة فلبي، أكثر فأكثر بهذه الليرات الذهبية" ص865، وإذا ما توقفنا عند صورة المرأة في الرواية سنجدها بمجملها مشرقة إذا ما استثنينا صورة تغريد التي قدمت بصورة سلبية، وهذا يعكس الصورة الإيجابية للمرأة وعلى أنها صاحبة الفضل على الرجل، الذي لا يقدر على المواجهة الصمود دون أن يستمد جمال روحها وعطائها.
الأم
من قرأ عن حال الجنود الأمريكان في حرب فيتنام، يجد انهم بغالبيتهم كانوا يستحضرون أمهاتهم في الحرب، وهذا الأمر يشير إلى أن هناك علاقة روحية أبعد من العقل بين للأم وابنها، وبما أن رواية "كي.. لا تبقى وحيدا" تتحدث عن الحرب والمقاتلين، فكان لا بد من حضور الأم، فالعديد من الشخصيات تحدثت عن الأم، منها "محمد سعد الدين الذي يتحدث عن موت أمه قائلا: "ماتت أمي ووجهها يشع بالنور، فقد بدا لنا حين غاب تنفسها أشبه بوردة جورية كبيرة" ص805، اللافت في هذا المقطع أن الحديث عن الأم جاء بلغة بيضاء ناعمة، رغم أنه متعلق بموتها، وهذا يعكس نظرة "محمد" لأمه، فهو يراها جميلة حتى وهي ميتة.
ويقول شاهين رابوبة عن الأمهات: "أن الأمهات يتحولن في ساعات الشوق إلى أجهزة قياس حساسة للشوق والحنين، بعد أن تطفح قلوبهن بالدق عنيف لا تسمعه إلا أرواح الأمهات فقط، فتحسب الواحدة منهن متى يعود ابنها الغائب، فقد قالت لي أمي معاتبة إنها ومنذ شهرين وقلبها يدق ليخبرها أنني قادم" ص860، فالعلاقة الروحية بين الأم وأبنائها هي من تجعل الأمهات يأخذن هذه المكانة، وحالة التوحد والتواصل بينهما تبقى حاضرة ومؤثر رغم ابتعاد الأجساد وبعد المكان.
الرواية من منشورة الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، الأمانة العامة، رام الله، فلسطين، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني، طبعة 2021.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية القط الذي علمني الطيران هاشم غرايبة
- إيجابية الفلسطيني في رواية -الحياة كما ينبغي- للروائي أحمد ر ...
- رواية أفاعي النار حكاية العاشق علي بن محمود القصاد جلال برجس
- الأخلاق في رواية هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي
- مناقشة رواية الصدور العارية في دار الفاروق
- القيمة المعرفية والتحليلية في كتاب -سميح القاسم شاعر الغضب ا ...
- العبرة التاريخية في رواية هاني بعل الكنعاني ل صبحي فحماوي
- اللفظ ا والمضمون في قصيدة -قرقوزات- منصور الريكان
- الملحمة والمعاصرة في رواية -البكاء بين يدي عزرائيل- حسام الر ...
- المطارد في رواية -العاصي- سائد سلامة
- مناقشة رواية -هاني بعل الكنعاني- للروائي -صبحي فحماوي-
- المثنى في -قال الناس- أحمد سعيد محمد بوكيزي
- التنوع في مجموعة -حديقة بلا سياج- فيصل سليم التلاوي
- رسائل من القدس وإليها جميل السلحوت وصباح بشير
- رواية عودة ستي مدللة مصطفى عبد الفتاح
- الفلسطيني في كتاب -ذاكرة المنفى- تيسير نصر الله
- جمال التقديم في كتاب -الدهيشي- عيسى قراقع
- الاسم وأثره في قصيدة -فيء الفاء- وجيه مسعود
- التغريب والدهشة في قصة -الخبر السيئ لنبيل عودة
- السيرة الغيرية في كتاب -الطيور لا تغرد بعيدا عن أوطانها- للك ...


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الحرب في رواية -كي ... لا تبقى وحيدا- حسن حميد