أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هويدا طه - زيارة إلى موريتانيا:الأولى.. والأخيرة















المزيد.....

زيارة إلى موريتانيا:الأولى.. والأخيرة


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:20
المحور: المجتمع المدني
    


عندما خطونا داخل طائرة تقلنا من الدار البيضاء في المغرب إلى نواكشوط العاصمة الموريتانية.. قال صديق موريتاني:"الآن تودعين الحضارة!"، لا.. أنت تبالغ!.. فنحن ذاهبون إلى موريتانيا في طائرة وليس على ظهر بعير! أي هناك مطار! ونتحادث مع باقي أصدقائنا هناك عبر الموبايل.. أي هناك شبكة تليفونات أرضية ومحمولة.. ورأينا البيان رقم واحد في الانقلاب الأخير العام الماضي على فضائية موريتانية.. وغير ذلك من أدوات العصر، قد تكون موريتانيا دولة فقيرة- هكذا قلت ونحن ما زلنا بعدْ بالطائرة- لكن هذا لا يعني غياب الحداثة والاستجابة لوسائلها ولو نسبيا وإلا أين العولمة.. هذا يعني اختلال العدالة، فملامح الفقر موجودة في كل بلداننا، بل وفي نيويورك عاصمة المال في العالم.. كما نشاهد ذلك في أفلام تليفزيونية عن المتشردين سكان أنفاق القطارات في المدينة الأغنى ماليا وتكنولوجيا، هكذا (تفلسفت) في الطائرة المتوجهة إلى نواكشوط، صحيح.. كلام كتب! لكن.. الوصول إلى مطار نواكشوط هو حقا المدخل إلى (عالم الذهول)! هو أول عرض من أعراض (الصدمة الحضارية).. فُتح باب الطائرة فإذا بأرض المطار مليئة بالحفر والتشققات.. لا توجد حافلات تنقل الركاب من الطائرة إلى قاعة الوصول!.. بل يتناثر الناس في أرض المطار مشيا وركضا في فوضى رهيبة متجهين نحو باب القاعة.. الحقائب تفرغ من الطائرة على أرض المطار ويركض الناس بينها يعوقهم الظلام.. فليس هناك من أضواء تساعدك في تحاشي التعثر في حقيبة هنا أو هناك أو حفرة من تلك الحفر.. إلا من ضوء بعيد يأتي من عامود عند باب قاعة الوصول حوله نافورة اسطوانية.. تبدو من بعيد جميلة وسط هذا المشهد الصادم، تسير على هدي هذا الضوء البعيد والنافورة التي تحيط به إلى أن تصل قريبا منه فتتجمد مكانك واقفا مذهولا مذعورا.. فالذي بدا من بعيد نافورة جميلة حول عامود النور ما هو إلا سرب من الحشرات حول النور! وقبل أن يعود مخك إلى العمل من جديد بعد لحظات التجمد والذعر تكتشف أنها ليست فراشات! إنها حشرات لا تعرف إن كانت ذبابا أو نملا أو صراصير.. فهي هجين من كل هذا.. تتردد، مستحيل أن أمضي إلى النهاية.. تشخص ببصرك إلى الطائرة.. يائسا من إمكانية العودة إلى طاقمها لتتوسل إليه:"رجعت في كلامي خدوني معاكم تاني" إنما عقلك يدرك ألا مجال هناك لهذا التراجع السريع! خائفا من التقدم وهذا السرب من الحشرة الهجينة ينتظرك على الباب.. يتخطاك الناس إلى الباب بلا اكتراث بتلك الحشرة التي يهشونها بعيدا عن ملابسهم وشعرهم بكل بساطة.. "تقدمي ولا تخافي.. دي حشرة مسالمة".. على وجه القائل ابتسامة سخرية من ذعري! داخل القاعة توجد في السقف مراوح لا طائل من عملها أمام هذا الحر الخانق المفزع.. المطار غير مكيف! الأجساد تتلاصق وروائح تملأ المكان تكاد تقضي على البقية الباقية من الصمود! أفارقة وعرب وأوروبيون، ليس انتظارا لدوري فلا توجد صفوف أصلا وإنما ترويا لشحن النفس بالتحمل للمرور من الأزمة على خير شغلت نفسي بمراقبة ملامح سيدة ذات ملامح أوروبية تحمل رضيعا أوروبيا.. المسكينة! مصدومة مذعورة مذهولة صامتة لا تصرخ لا تتأوه لا يصدر عنها شيء يعبر عن شيء.. بل تسخر كل طاقتها لزود الحشرة اللعينة عن رضيعها الغض! ماذا تفعل أوروبية شقراء بعيون زرقاء هنا؟ هل لديهم سياحة هنا مثلا؟! انتهى الصديق الموريتاني من إنهاء إجراءات دخولي.. وأخذني صامتة مستسلمة إلى السيارة، لا يبدو متفاجئا بما يبدو مما فشلت في محاولة إخفائه من ملامح الصدمة.. هو واحد من (قلة) من شباب موريتانيا تعلموا.. لديه شهادة الدكتوراه في القانون حيث درس بالمغرب، أما من قال ونحن نخرج من الدار البيضاء:(ودّعي الحضارة) فقد درس في السوربون بباريس.. وأعرف أصدقاء آخرين موريتانيين وصلوا إلى درجة كبيرة من التعليم والتعلم وأبدوا تميزا في العمل.. خارج موريتانيا طبعا، وبينما تصل نسبة الأمية في موريتانيا إلى أكثر من ستين بالمائة- حسب تقارير اليونسكو- فإن تلك القلة التي تعلمت هي من توجهت إليها بألف سؤال وسؤال عن موريتانيا..
** الاستعمار والتطور والبداوة وأسئلة أخرى
في الصباح بدأت مسيرة التعرف على (مدينة) نواكشوط.. لا توجد بنايات! لا عالية ولا منخفضة.. إلا من عدد قليل هو بنايات متواضعة للغاية تخص الوزارات، لا توجد شوارع وأرصفة كتلك التي نألفها فيما نعرف من بلدان، الطرق رملية إلا من أسفلت قديم متهالك للشارع الطويل الرئيسي.. المساكن هي شيء بين الكوخ والبيت الطيني والعشة والكشك.. لا تتراص حتى بنظام بل بُنيت أو قل وُضعت بعشوائية وفوضى.. المحال تشبه تلك التي وصفها نجيب محفوظ في رواياته التي تدور أحداثها في القرن الثامن عشر في مصر.. بواباتها خشبية كبيرة متهالكة وباقي المحال هي مصاطب قديمة عارية يباع فيها اللحم مثلا معلقا في تلك الحرارة الشديدة.. لا توجد إنارة للشوارع إلا من أعمدة قليلة للغاية ضوئها باهت يكاد يكون (عدمه أحسن)! تذكرك بتلك (القناديل) في روايات جمال الغيطاني عن عصر المماليك! الناس يروحون ويجيئون في الشوارع لا تعرف ماذا يفعلون، سألت ما هي مصادر الدخل لهؤلاء الناس؟ ما هي الموارد هنا.. لدى موريتانيا بحسب قول صديقي 600 كيلومتر من السواحل على الأطلسي هي بذاتها ثروة سمكية وبحرية وسياحية إن استغلت، و800 كيلومتر هي طول ضفاف نهر عذب يمكن الزراعة حوله.. وتنتج الحديد وتنقب عن البترول.. أي أن الدولة لديها موارد وثروات، فلماذا يعيش الناس في تلك العشش.. وذلك البؤس.. لماذا ترتفع نسبة الأمية بينهم إلى هذا الحد.. رغم أن عدد السكان لا يزيد عن ثلاثة ملايين لا تشكل أي عبء على دولة لها هذا القدر من الثروات الطبيعية؟ لماذا لا تتوفر (خدمات العصر الحضارية البديهية) كالشوارع على الأقل والمستشفيات والمدارس ووسائل النقل الحديثة وغير ذلك.. تسأل عن الاستقلال عن الاستعمار عن التنمية عن الرغبة في التطور والتقدم.. فيثور نقاش حول فكرة (الحنين إلى الاستعمار).. لو أن الاستعمار استمر هنا ولم يرحل.. لكانت الشوارع الآن مضاءة والطرق ممهدة والبنايات والمستشفيات أحدث والمدارس أكثر ولكان هناك شيء كبير من الصناعة والزراعة و(الهوية الاقتصادية) للبلد، حتى ولو لم يكن لوجه الله وإنما يصنعها الاستعمار لنفسه.. لكننا كنا على الأقل سنستفيد منها ولو فقط (الروح العصرية).. لو أنه لم يرحل لما انكفأ الحكام الوطنيون على كل هذا النهب للموارد ولكان هناك (خدمات) ولا بأس من وجود (نضال ضد الاستعمار حينئذ!).. يا للهول، الاستقلال نكبة على تلك البلدان؟! هل الخلل إذن في الإنسان نفسه الذي يعترف أنه (بذاته غير قادر) على التحضر ويحتاج لمن (يفرضه عليه فرضا)؟ يقول صاحب الدكتوراه في القانون:"نحن ما زلنا نعيش البداوة الفطرية.. هذه بساطة لا نتخلى عنها ولا نحب أن نتخلى عنها"، لكنني لاحظت- أقول- أن (الفرد) هنا يتمتع بحرية فردية ربما لا نتمتع بها في بلداننا حيث تكبلنا قيم محافظة متهالكة، يقول:"هذه حرية بدوية لم ننتزعها وبالتالي لا نشعر بقيمتها"، أتذكر كتاب الكاتب المغربي بنسالم حميش عن (فكر البداوة وبداوة الفكر)، موريتانيا الغنية بمواردها (فقيرة الرغبة في التطور)، الرغبة أصلا غير موجودة.. حتى لدى هؤلاء الذين تعلموا و(عاينوا) كيف تتطلع الشعوب الأخرى إلى (المزيد من الخدمات العصرية) وكيف (تتمرد) على فساد حكامها لأن هذا الفساد يحول أساسا دون توفير المزيد من الخدمات، لماذا إذن يحدث في موريتانيا انقلاب كل عدة أشهر؟! أسأل.. قال:"لدينا انقلاب من وقت إلى آخر.. لكن كما ترين.. قصر الرئاسة يقابل مقر الجيش.. ليسهل انقلاب بعضهم على بعض! ومبنى التليفزيون المتواضع البائس ليس ببعيد عنهما.. جاهز لاستقبال من يملي البيان كل عدة أشهر"!، المؤلم حقا أن في بلد به هذه النسبة المرتفعة من الأمية وينتظر أن تحمل القلة المتعلمة فيه (هّم) الخلاص من (فطرة البداوة).. تجدها هي نفسها- تلك القلة- (تتفاخر) بفطرية البداوة! لعلها (مكابرة).. يواجهون بها ذهول الزائر من غياب (الروح العصرية) عن هذا البلد.. نعم هو بالنسبة إليهم (وطن).. لكن إن لم يكن حب الوطن يدفع إلى التمرد على ما فيه من بلاء وتخلف.. فما قيمة هذا الحب.. بل ما قيمة الوطن؟
** عيناها لا توجد فيهما نظرة انكسار
المرأة الموريتانية- يا للعجب- هي الظاهرة الإيجابية الوحيدة (ربما) في موريتانيا! هي أكثر حظا من أي امرأة عربية في مصر أو في المشرق أو في المغرب، فهي تواجه الرجال بقدر من (الندية) تحسدها عليها العربيات الأخريات.. لا تصادف أبدا في عيني امرأة موريتانية- فقيرة أو غنية- (نظرة انكسار)، صحيح أن المبنى الوحيد الأنيق في نواكشوط هو (مسجد) بنته السعودية.. وهو ما ينبئ أن (هلاكا يتربص بحرية المرأة الموريتانية) يقترب من بلدها بظهور أيادي السعودية فيه.. لكن.. ربما.. توقف المرأة الموريتانية بقوتها هذا الفيروس قبل أن يَعُض حريتها هنا، تعليقا على ملاحظتي حول (جرأة وإقدام المرأة الموريتانية) ضحك مضيفي:"هنا في موريتانيا نحن الرجال مساكين"، ثم قال:" أتعرفين الإمام الشافعي؟! احتار أمامه بعض الفقهاء في تعريف المحصن وغير المحصن فقال لهم.. المحصن من تزوج بمصرية"! هاها.. حسنا.. هذه مغازلة موريتانية لطيفة على المذهب الشافعي.. لكنني مالكية!
في انتظار (انقلاب) موريتاني لا على النظام الحاكم فقط وإنما على (فكر البداوة) الذي يحول دون (تطلع) هذا الشعب الطيب الودود للحاق بزمنه بعد أن فصله عنه حكامه الوطنيون.. يتطلع الزائر إلى لحظة ركوب ظهر (بعير الزمن) للعودة به إلى عصر جاء منه مختارا ليزور هذا المكان.. وهذا الزمان! يقول صديقي مبتسما.. رغم ذلك ستحبين موريتانيا وتعودين، يا عزيزي.. أحببتكم فعلا لأنكم دافئون لكنني.. لكنني لن أعيدها!



#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا لبؤس البشر بين التيجان والعمائم
- دلائل علمية في دراسة رؤساء الدول العربية
- المغرب بعيون مصرية
- رحيل نجيب محفوظ ليس صدمة: الصدمة أن مبدعين يرحلون ولا يولد غ ...
- الطبقة الوسطى المصرية وأحلامها المبتورة
- بين نوعين من النضال ضد أمركة العالم
- لماذا أحبه المصريون: بين نصر الله وغيره هناك فرق
- وطن عربي جديد بدلا من شرق أوسط جديد
- الانكسار في عيون المصري له حل: المقاومة لإسقاط الدولة هي الح ...
- الفرحة الآثمة مرتين
- الفضائيات تعود لقتيلها المعتاد
- مقاومة حزب الله لفتت النظر إليهما: الموقف المتهكم من الجيش ا ...
- خطابات نصر الله تسكن القاهرة
- ريموت كنترول 4
- ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا
- ثروة الثري العربي وثروة بيل غيتس
- يجب أن تتحرك الشعوب، حسنا.. ما المقصود بكلمة شعوب؟!
- لا مستقبل لأوطاننا واسرائيل هنا
- الحاضر البعيد عن أجندة هيكل في مسلسله التليفزيوني
- صواريخ حزب الله فضحت إسرائيل وفضحت العرب أيضا


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هويدا طه - زيارة إلى موريتانيا:الأولى.. والأخيرة