أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7345 - 2022 / 8 / 19 - 22:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاء اعتراف الإمارات بإسرائيل وإقامة علاقات كاملة ليعيد إلى صدارة الإهتمام قضية القضايا فى عالمنا العربي ، وهى " قضية إسرائيل " وكيفية التعامل مع مشروعها التوسعى .. هل بالحرب ام بالسلم ؟
ساد منذ قيام إسرائيل نظريتان في العالم العربي فى التعامل مع المشكلة الإسرائيلية ، وكلا النظريتان لها محاسنها ومساوئها ، ولها أنصارها وخصومها .. وهما :
١ - نظرية الحرب مع إسرائيل ..
وقد جربها العرب أعوام ٤٨ ، ٥٦ ، ٦٧ ، ٧٣ ، ٨٢ ولم تكن النتيجة مشجعة جداً ، ولم يكن السبب - فى رأيي - راجع إلى العرب بقدر ما هو راجع إلى طبيعة المشروع الإسرائيلى ورعاته ، وطبيعة الزمن الذى وجد فيه ، فالمشروع الإسرائيلى مشروع غربى فى الأساس ، ووراءه الغرب كله بعلمه وسلاحه ، بالإضافة إلى أن المشروع الإسرائيلى - حلم اليهود بدولة لهم - مازال فى بداياته ( قامت إسرائيل منذ ٧٢ سنة فقط ) ومازال الحلم موجوداً وفى عنفوانه ..
لم يجد العرب في حروبهم مع إسرائيل أو فى صراعهم معها حليفاً كاملاً ( كما وقفت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم مع إسرائيل ) وحتى مساعدات الاتحاد السوفيتي للعرب كانت ضمن حدود ، وبغرض الدفاع وليس بغرض إنهاء المشروع الإسرائيلى ، كما لم يجد العرب في حروبهم مع إسرائيل مساعدة تذكر من دول العالم الإسلامى الكبري ( تركيا - إيران - اندونيسيا - ماليزيا - باكستان ... إلخ )
بل أقام البعض مع إسرائيل أوثق العلاقات ( كتركيا منذ البداية وحتى الآن - وإيران فى عهد الشاه ) واكتفى آخرون بالعداء الكلامى دون أن يتعداه إلى أي شئ آخر ( كإيران بعد ١٩٧٩ ) والتى لم تطلق رصاصة واحدة منذ قيام إسرائيل ( سواء فى عهد الشاه أو فى عهد الأئمة الحاكمين منذ ٧٩ وحتى الآن ) ، واكتفوا بإرسال سلاح متوسط القيمة إلى حزب الله ..
وبالنسبة لحزب الله فبرغم كثير من المأخذ عليه ، كوضع نفسه تحت تصرف السياسة الإيرانية ، بالرغم من هامش المناورة المتروك له ، ثم إدخال نفسه فى المشاكل الداخلية للدول العربية ( البحرين واليمن والعراق وحتى مصر فى بعض الفترات ) ، بغض النظر عن كل ذلك ، لكن حزب الله بطبيعة تكوينه هو حزب وليس دولة ، وعدد مقاتليه محدود ( يتراوح بين ٢٠ - ٥٠ ألف ) وسلاحه متوسط القيمة ، وليس بمقدوره أن يقف لإسرائيل ، وقصاري ما يمكن أن يمثله هو وجوده " كصداع " لإسرائيل ليس أكثر ، ولا يستطيع حزب الله أن يمثل أكثر من ذلك ، ومن الظلم تحميله أكثر من ذلك ..
٢ نظرية السلام مع إسرائيل ..
نزع العرب - أو بعضهم - إلى تجربة طريق آخر مع المشروع الإسرائيلى ، وهو طريق الصلح والسلام ، وكان رأى القائمين على هذا الطريق الآتى :
أ - السلام مع إسرائيل هو الطريق الوحيد المتاح فى هذا الظرف العالمى لإيقاف تمدد المشروع الاستعماري الإسرائيلي شديد الجموح ووراءه دول الغرب الغنية والقوية ، بعد تجربة السلاح معه ، ويجب القول أن إسرائيل هى القضية التى لا يختلف عليها أحد فى الغرب ، لا أمريكا ولا الاتحاد السوفيتي ( روسيا الآن ) ولا أوربا ، والاتحاد السوفيتي مع أمريكا كانا أول دولتين اعترفتا بإسرائيل لحظة إعلانها مساء يوم ١٥ مايو ١٩٤٨ ..
ب - ربما يؤدى السلام مع المشروع إسرائيل إلى ظهور تناقضات ذلك المشروع ، فالحلم الصهيونى وإنشاءه بقوة السلاح هو ما يجمع " الشعوب الإسرائيلية " التى هى اشتات من كل دول العالم ، وبين هذه الشعوب عشرات التناقضات ، العرقية والدينية والطبقية بل والنفسية ، وما يغطى على كل ذلك هو " الحلم " وتحقيقه ، وإذا قام العرب " بتسكين " الصراع مع إسرائيل فهى الفرصة لإظهار التناقضات والمشاكل الكبري في البنيان الإسرائيلى ، ومن الممكن أن تتحول تلك المشاكل إلى جروح ثم إلي فلق ثم إلى شرخ يصيب المشروع الإسرائيلى كله .. ( بشرط أن يتعامل العرب بذكاء فى ذلك الموضوع ، وهو - للأسف - غير متوفر حتى الآن !!
ج - وضمن هوامش تلك النقطة ، هل من المعقول ألا يوجد مركز دراسات واحد في مصر أو العالم العربي للدراسات الإسرائيلية ؟!! يدرس إسرائيل مجتمعاً وأعراقاً واقتصاداً ونقاط قوة ونقاط ضعف ، وكل ما هو موجود مجرد وحدة للدراسات الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أو ربما فى غيره ، وأغلب ما هو منشور ضمن نشراته تلخيص لما تقوله الصحف والمجلات الإسرائيلية ، ومازلنا والعالم العربي كله فى جهل مطبق بإسرائيل وشئونها !!
د - ان السلام هو فرصة العرب لالتقاط الأنفاس فى صراع طويل وممتد ، ويحتاج أول ما يحتاج إلى دول قوية ، وكانت مشكلة العرب أن بدايات نشأة المشروع الصهيونى تزامنت مع وقوع الدول العربية كلها تحت الاحتلال والاستعمار ، وبالنسبة لمصر كانت إقامة إسرائيل متزامنة مع وقوعها تحت الاحتلال الانجليزى ، الذي استمر ٧٠ عاماً ، سبقه احتلال تركى استمر أربعة قرون كاملة ، أي أن " فكرة الدولة " لم تكن موجودة من الأساس فى بعض أجزاء العالم العربي ، وكانت فكرة غائمة في باقى أجزاءه عند قيام إسرائيل ، وكان وراء العرب قروناً من التخلف الذي فرض عليهم فرضاً من القوى السائدة ، وبالتالي عند بدء صراعهم مع إسرائيل كان بعضهم تحت الاحتلال أو تخلص منه بالكاد ، وأمامه مشاق وصعوبات بناء دول وطنية تأخر ظهورها طويلاً ، وعندما ظهرت وجدت أمامها جبالاً من التحديات ، إقتصادية وعلمية وسياسية وعسكرية .. وكان مطلوباً منها أن تبنى دولها اقتصادياً بعد قرون التخلف ، وتداوى شعوبها اجتماعياً - بالصحة والتعليم والخدمات - بعد طول الحرمان ، وتبنى صروحاً للعلم ، وتنهى ميراث حقبة الاستعمار .. وفوق ذلك كله أن تقف للمشروع الإسرائيلى ..
التحامل على العرب إذن فيه ظلم ، والمشروع الإسرائيلى ليس ابن يوم وليلة ، كما أن التعامل معه يحتاج إلى الذكاء والحيلة الواسعة ، وإذا كان العرب قد هادنوه اليوم فلا أعرف لماذا لا يمكن أن يحاربوه ثانية وثالثة غداً ؟
هل بسبب تلك الأوراق المسماة إتفاقيات سلام أو اعتراف ؟ وهل الحروب لا تقوم بين دول بينها أوراق سلام ؟ إن فرنسا وانجلترا دخلتا فى حرب استمرت مائة عام ، وتخللتها فترات سلم طويلة ، والصراع مع الآخر يأخذ أشكالاً كثيرة ، حرباً أو سلماً أو صراعاً مكتوماً ، وقد قدمت مصر نموذجاً لا بأس به ، حاربت المشروع الإسرائيلى ، وعند نقطة ما هادنته وأوقفت توسعه بالسلم بعد أن فشلت فى إيقافه بالحرب ، ومازلت العلاقات المصرية الإسرائيلية في أضيق الحدود ، وكلاهما يفهم - ولو بالصمت - أن الآخر هو عدوه الرئيسي والنهائى ، وأن الصراع لو تجمد للحظات فليس من المستحيل إيقاظ البراكين الثائرة تحت الرماد ..
ربما كان غرض دول الطوق ( مصر والأردن وسوريا )من السلم مع إسرائيل هو إيقاف تمدد المشروع الإسرائيلى جغرافياً فى الفضاء العربى ، وحصره مؤقتاً فى رقعة جغرافية بسيطة ، حتى تأتى ظروف أخرى أكثر مناسبة للعرب ..
ربما كان هذا المنطق بغض النظر عن أوجه الاعتراضات عليه مقبولاً ، أو يمكن فهمه على الأقل .. ولكن .
ولكن ما هو مبرر الإمارات - وغيرها - لإقامة علاقات مع إسرائيل ، فهى ليست مضطرة لذلك كغيرها ..
إن دولاً عربية كثيرة - للأسف - أقامت علاقات سرية مع إسرائيل مثل المغرب وقطر وموريتانيا والسودان وتونس ( فى بعض الفترات ) والإمارات قبل تحول علاقتها بإسرائيل من السرية إلى العلنية بل والرسمية ، فما هو الداعى لذلك من الأساس ؟
يتردد أن الموقف من إيران أو من تركيا هو السبب ، وهو سبب غير مقنع ، فليس من المنطقى إستخدام قضايا استراتيجية لحل موقف تكتيكي متغير . .
موقف الإمارات الأخير أعتقد أنه " قفزة في الظلام " كما يقولون ..
سننتظر ونرى ما هى فائدة ونهاية هذه المغامرة الإماراتية غير مأمونة العواقب ..
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟