أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الجبار الغراز - الإيمان والعقل.. وجهان لعملة إنسانية واحدة















المزيد.....

الإيمان والعقل.. وجهان لعملة إنسانية واحدة


عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)


الحوار المتمدن-العدد: 7342 - 2022 / 8 / 16 - 19:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إن مجموع المعارف التي تأسست، منذ قرون عديدة، وتُوِّجَتْ مع بداية العصور الحديثة، بانفصال ما بات يصنف الآن ضمن خانة العلم، بعد القطع مع التأملات الفلسفية والدخول في عهد اليقين العلمي الموضوعي، هي في أساسها معارف تراكمية. و"تراكميتها" هاته جعلت الفكر البشري يستفيد من حزمات كثيرة من الأفكار توارثتها الأجيال البشرية من مختلف بقاع المعمور، استجابة لنداء الضمير العلمي الذي يؤطره مبدأ أخلاقي عام آمنت به البشرية وحاولت أن تترجمه، بحسب ظروف كل عصر من العصور التي تتالت وتعاقبت، إلى توجيهات جعلت من العقل والإيمان وجهان لنظرة إنسانية تكاملية وواحدة.
إنها تلكم النظرة التي جعلت من التفكر والتدبر في ملكوت الله أسمى مقاصدها الشريفة.
إن تطبيقات العلم في فترتنا المعاصرة، والتي تعممت وشملت مختلف الميادين الحياتية الإنسانية، من اقتصاد وتدابير إدارية وعسكرية وتكنولوجية وعمرانية وغيرها من الميادين، تعتبر من ثمرات وخيرات هذا التراكم المعرفي الذي سبق ذكره. فلا وجود لاستثناءات سجلها لنا تاريخ البشرية؛ فكل من عاش في بقاع هذه الأرض، هو، من وجهة نظر ديننا الإسلامي الحنيف مُسْتَخْلَفٌ في الأرض، قد أسهم وأعطى من جهده الفكري والمادي، من أجل إسعاد المجتمع البشري وجعله يتبوأ مكانة عظيمة، كل واحد بحسب طاقته وإيمانه بالألوهية الربانية مع جعل هذه الأخيرة، خالصة لله وحده لا شريك له، وإيمانه أيضا بالإنسانية كقيمة القيم وأسماها نبلا.،
وقد لعبت الحضارة الإسلامية، بفضل الدين الإسلامي وعقيدته وتعاليمه السمحة، دورا كبيرا في ترسيخ مجموعة من القيم الإنسانية العليا، (ومن جملتها القيم العلمية والمعرفية والجمالية والاجتماعية والخلقية) في الضمير الأخلاقي العالمي، انطلاقا من المكانة العظيمة التي أولاها الإسلام للعقل، وحث المسلم على حسن استخدامه له، باعتباره، هبة ربانية وهبها الله لآدم عليه السلام، وهذا الأخير أورثها (أي الهبة) لنسله الذي جاء من بعده.
فالعبارة الإلهية الربانية من سورة العلق الآية 1 (اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق) تعتبر أبلغ دليل على سمو وعلو مكانة العقل في الإسلام. تلكم العبارة التي حولت المجتمع القرشي المغرق في البداوة، في ظرف وجيز، إلى مجتمع بانٍ للحضارة ومسهمٍ مساهمةً فعّالةً ورشيدة في بناء قيم الإنسان السمحة التي ينادي بها (متبجحا) المنتظم الدولي، الآن، داعيا إلى ضرورة تكريسها وترسيخها في العقول والضمائر حتى تغدو حية ومعطاءة.
والمسلم المعاصر الحافظ لقيم دينه والعامل على غرسها في تربة مجتمعه، ينبغي ألا يغفل عن تلك المضامين الحية للآيات الكريمات من الذكر الحكيم التي تفيد أن الله عز وجل، منذ الخليقة الأولى، قد أودع في عقله قواعدَ عقليةً طبيعيةً مُشَكِّلَةٍ لبنيات عقلية صورية، هي، بالمعنى المعلوميات المعاصر، تعتبر بمثابة برمجيات فطرية سابقة عن كل تجربة. هذه القواعد و هذه البنيات تعمل ، بشكل طبيعي ، بفضل آلية الْبَنْيَنَةِ ،على لعب دور أجهزة الاستقبال لكل مثيرات العالم الخارجي و محاولة التأثير عليها ، عبر ما دعاه الفيلسوف الألماني كانط ب “ الحساسية “ المنتجة ،بفعل استخدامنا للحواس، “ حدوسا حسية “ ، ليأتي بعدها “ الفهم “ و يقوم بعمليات تركيبية جد معقدة ، بواسطة جهازنا العصبي، لِتُصْرَفَ و تتحول في النهاية ، في شكل سلوكيات و أفعال صادرة عن ذات عاقلة وواعية و مريدة و لها كرامة ، تبعا لاختلاف الأفراد و سماتهم و خصائصهم الوراثية و الاجتماعية و البيئية … ، و تبعا أيضا لاختلاف أوضاعهم المعيشية.
إن هذه السلوكيات و الأفعال، باختصار شديد ، تعتبر وسائل تفكير وهبها الله عز و جل لأبي البشر آدم عليه السلام كوديعة ، لكن ، و للأسف الشديد مسلمو اليوم لم يستوفوا أغراضها الحقيقية ، و فرطوا فيها ؛ حتى استغلها غيرهم أحسن استغلال . يقول الله تعالى في سورة البقرة : "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
و يعتبر العقل هنا ، حسب المنظور الإسلامي، ليس عقلا أداتيا فقط يستعمله الإنسان كأداة و كوسيلة لتحقيق أغراض معيشية و تدبير أمور حياتية بسيطة في تركيبتها ، بل هو أيضا ، و هذا هو الأهم ، قدرة كبيرة و واسعة على التفكير في الأمور الصعبة و المعضلات الكبرى التي تعرقل مسيرة الإنسان الحياتية ، التي وضعت من أجل غاية الاستخلاف ، مع صون الحقوق و الحث على القيام بالواجبات و احترام الطبيعة و ما بث الله فيها من نواميس و قوانين و أسرار ، و عدم تلويثها و تدميرها .إنه بحث دؤوب ، من طرف الإنسان على الحقيقة الإلهية المكنونة فيها .
هذا، واستتباعا لما وقفنا عنده من أفكار، يمكن القول إنه لا يمكن أن يتحقق الاقتراب من الله عز وجل إلا إذا اقترب العبد المؤمن من دائرة الأسرار الملكوتية الربانية واخترقها، بإذن الله وسلطان العقل. يقول تعالى في ذلك، في سورة الرحمن: (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)). كما قال أيضا في سورة فاطر الآية 28: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)
فبفضل ملكة العقل وأُطُرِهِ الفكرية يستطيع الإنسان العامر قلبه بالإيمان وبالفيض الرباني، أن يواجه معضلات الوجود والمجتمع، وذلك بمحاولة العمل على عقلنتها، انطلاقا من تجريدها وتحويلها إلى أشكال رمزية، لما يتوفر عليه عقله من قدرات على التجريد وصياغة الأفكار والمفاهيم وإبداع صيغ لغوية تعبيرية من أجل الإحاطة بها وتمثلها تمثلا حقيقيا. فما على المسلم النجيب واللبيب سوى أن يتدبر في مخلوقات الله من كائنات طبيعية عاقلة وغير عاقلة، ويتسلح بقدراته الفكرية والروحية الإيمانية لتنبعث فيه روح حب الاستطلاع والمعرفة، ويسترد ما قد فقده من دهشة واستغراب وحيرة، بسبب فساد أنساقنا التربوية المجتمعية وخروج هذه الأخيرة عن الفطرة التي فطر الله عليها عباده، تلك الأنساق الحاثة على التقاعس والتواكل والتكاسل وعدم إعمال العقل.
فالدهشة الطفولية ، التي نراها تستفز عقول الأطفال ، و تستنفر حواسهم لفهم غرائب مشاهد هذا الكون الفسيح و الجميل ، فيسألون ، جراءها آبائهم و ذويهم ، تلك الأسئلة العفوية عن سبب زرقة البحر و اخضرار أوراق الأشجار و سبب ظلمة الليل و بياض وجه النهار … ، بغية الحصول على إجابات شافية لغليل هذا التعطش الغامر لنفوسهم البريئة نحو اكتساب المعرفة ، قد فقدناها ، نحن الكبار ، منذ زمان ، لأنها لم تُتَعَزَّزُ فينا من قِبَلِ أهلنا و أسرنا و مدارس الروض و الابتدائي الأساسي ، فغدونا ، بعد تحصيلنا الدراسي في هذه المستويات المدرسية ، و في المستويات الأخرى الإعدادية و الثانوية و الجامعية، و كأننا "رسوم متحركة " نتحرك بفعل قدرة من يحركها ، لا بفعل قدرتنا نحن التي بثها الله في عقولنا الأمارة بالتفكير السليم . لنكتشف (أو لا نكتشف!) أن تلك الدهشة لم تتحول إلى تجاربَ ذهنيةٍ وفكريةٍ تقودنا، عبر التدرج في مسالك التعليم والتحصيل، إلى بر النجاح والتميز، لخدمة ديننا وأوطاننا والدفاع عن هوياتنا الأصيلة المتجذرة فينا.
ينبغي أن نعلم، أنه لولا اندهاش روني ديكارت، الفيلسوف الفرنسي رائد العقلانية، أمام ذاته لما بنى لنا ذلك الصرح الفلسفي العقلاني، والذي أثبت بفعله وجود الله، كقوة ضامنة لوجود الذات الإنسانية المفكرة، ولما برهن على وجود هذا العالم الخارجي برهانا رياضيا. كما ينبغي أن نعلم، أنه لولا اندهاش إسحاق نيوتن، الفيزيائي الإنجليزي المعروف، أمام سقوط التفاحة في حديقة بيته، لما اكتشف لنا هذا العالم الفذ قانون الجاذبية، ولبقي هذا القانون سرا من الأسرار المخفية المودعة من قبل الله عز وجل في ثنايا الطبيعة إلى أبد الآبدين. فالطبيعة كتاب مفتوح، يقول نيوتن، وعلينا قراءته.
لا غرابة إذا استحضرنا بعضا من جوانب الفكر الغربي للاستدلال على أشياء مبهمة في حياتنا الفكرية، لكن الغرابة تنهش كياننا حين نعلم أن حقلنا المعجمي القرآني مليء بالمفردات والعبارات الدالة على هذا العلاقة الوثيقة بين الإيمان والعقل. إنه حقل خصب بالمعاني التي تفيض بأسرار الكون، تستفز العقل وتدعوه إلى أن يتعجب ويستغرب ويتحير ويندهش أمامها. فحين يقوم بهذه الأفعال الارتكاسية فهو يوقظ في الأعماق أطره الفكرية و يستجمع و يعبئ موارده الذهنية الطبيعية التي حباها الله بها ، لكي يفتح أبواب التأمل الموصدة في وجهه و يعمل على التفكر و التدبر في خلق السموات و الأرض ليجني ثمارها معارفَ يقينيةً ، و يتعلم منها التقنيات المفيدة لحل الإشكاليات و المعضلات . قال تعالى في سورة الزمر الآية 9: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) و قال أيضا في سورة آل عمران :( "إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
وستسكن الغرابة كياننا وتقض مضجعنا لمـّا نعلم أيضا أن تراثنا الفكري والفلسفي مليء بالمحطات المشعة والتنويرية. فكيف سنعلم وأغلب منظوماتنا التعليمية لم تعد تدرس في مقرراتنا لتلامذتنا في السلك الثانوي التأهيلي دروس الفكر الإسلامي، لأسباب يعرفها الجميع ولا داعي لذكرها؟!
لقد حاول الفلاسفة المسلمون أن يوفقوا ما بين الحكمة والشريعة الإسلامية. وقد قدموا تأويلات فلسفية لمشكلات اعترضت عصرهم، فهناك من أصاب وهناك من أخطأ. والدين الإسلامي الحنيف، في هذا الباب، قد أجاز الاجتهاد، واعتبر المجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد. فلماذا سَدَدْنا هذا الباب وأقفلناه ورمينا مفتاحه في بحر ظلمات الجهل والتعصب والتكفير، تحت مطبة الخوف على المسلم من الافتتان السلبي بمباهج الكون، والتماهي السريع، جراء ذلك، مع نظريات فلسفية، اعتبرناها، دون تمحيص" هدامة "، وبدون أن نجعله يتحلى بصبر العارفين، لفتح الأحداق لاستكناه الأعماق؟؟؟ وهل تَعَلُّمُ الفلسفة في بلداننا الإسلامية شيء محرم، والله عز وجل نعتها في مُنَزَّلِ تحكيمه ب " الخير الكثير " يقول تعالى في سورة البقرة الآية 269: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
وعليه، يجب أن نقرأ لابن رشد، في كتابه القيم " فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال " ما مفاده أن فعل الحكمة ليست شيئا آخر غير النظر في موجودات الله واعتبارها من حيث دلالتها على الخالق سبحانه وتعالى. فالمخلوقات اعتبرت مصنوعات دالة على عظمة الصانع (الله جل جلاله). ولا يمكن أن تدل عليه تعالى إلا بمعرفة صنعتها يقول ابن رشد: (أَنَّهُ كُلَّما كانَتِ الْمَعْرِفَةُ بِصَنْعَتِها أَتَـمَّ كانَتِ المْعَرْفِةَ ُبِالصّانِعِ أَتَــــمَّ) (فصل المقال ص 85). كما حاول أن يؤكد أن الحكمة هي أخت للشريعة، من حيث دعوتهما معا إلى وجوب النظر في الموجودات واعتبارها اعتبارا عقليا وتطلب معرفتهما بها. فقوله تعالى في سورة الحشر الآية 2 :( فَاعْتَبِروا يا أولي الْأَبْصارِ). وقوله في سورة الأعراف الآية 185: (أَوَلَمْ يَنْظُروا في مَلَكوتِ السَّماواتِ والْأَرْضِ وما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) تأكيد، في نظر ابن رشد، من المولى جل وعلا للإنسان على وجوب استعمال القياسين العقلي والشرعي معا.
هذا، ويعرف ابن رشد لنا القياس على أنه "اسْتِنْباطُ الْمَجْهولِ مِنَ الْمَعْلومِ واسْتِخْراجِهِ مِنْهُ "، ليخرج لنا باستشهاد مفاده أن الشريعة الإسلامية حق وأن الحكمة حق. ويقول لنا في النهاية بأن " الْحَقَّ لا يُضادُ الْحَقَّ بَلْ يوافق ويَشْهَدُ لَهُ " (فصل المقال. ص 96)
نستخلص مما سبق، أن الإسلام ديانة سمحة وعقلانية تدعو المسلم أن يتمثل معاني التعبد الإلهي في أرحب تجلياته. فعبادة الله عز وجل تتحقق بفعل هذه التأطيرات العامة التي حاول الإسلام، منذ البداية، رسمها وتخطيطها للإنس ولِلْجِنَّةِ. يقول تعالى في سورة الطور الآية 56 (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
فإذا حَكَمَ التتر والمغول على الحضارة الإسلامية بالدمار والاندثار، لتخلي أهلها عن قيمهم الدينية الحقيقية الحاثة على التحلي بالقيم العلمية والأخلاقية والاجتماعية النبيلة، والتي كان قد سبق أن تحلى بها المسلمون الأوائل، تلك القيم التي تشعرنا بضرورة الاعتبار والنظر في ملكوت الله، وما أصبغ علينا من نعم كثيرة، فإن عودة تلك الحضارة وقيامها مرة ثانية مرهونة بعودة تلك القيم.
إذاً، فَلْيَكُفَّ المسلمون عن ارتكاب خسائس الأمور ودسائسها وليعودوا إلى منبعهم الصافي اقتداء بنبيهم الكريم محمد صلوات الله وأزكى السلام عليه، حينما قال: (وإِنَّما بُعِثْتُ مُعَلِّمًا، وإِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الْأَخْلاقِ (
فحضارات العالم المعاصر المتقدمة قد نهلت من معين هذه القيم واستطاعت أن تتمثلها أحسن تمثل وتستثمرها كقيم كونية إنسانية، ونحن قد نسينا، بفرط تقليدنا حداثة غربية مزيفة (وليس الحداثة الغربية الحقيقية المكرمة للعقل وللإيمان على حد سواء) أن أساس تلك القيم وأصلها هي قِيَّمٌ ربانية خالصة، يدعونا دائما المولى عز وجل، صباح مساء، بأن ننتبه إليها، وبأن نتمثلها في حياتنا اليومية.
فمتى يا أمة "اقرأ "، التي لا تستطيع في هذا العصر المعولم أن تَفُكَّ حرفا في خطاب فكري، ستستلهمين من قيم الإسلام السمحة، العقلانية، وستسترشدين بنورها الوضاء.. متى...؟؟؟



#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)       Abdeljebbar_Lourhraz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجامعة الإسلامية بمينيسوتا الولايات المتحدة الأمريكية، فرع ...
- أشغال الندوة العلمية الدولية -الهجرة والفنون - المنظمة بكلية ...
- الحاجة إلى ثقافة عربية متسامحة
- الغرب .. و هويتنا البيضاء
- لماذا تفشل النخب السياسية العربية المعارضة في مناهضتها للاست ...
- طفولة قاتلة .. و مقتولة !
- الفيلم الوثائقي: - تحت الثلج.. البياض القاتل - للمخرج المغرب ...
- اقرأ .. !!!
- آكادير .. على إيقاع ليلة الورشات الفنية
- إيبولا و داعش .. أيةعلاقة ؟
- فيلم :- أندرومان من دم و فحم - .. قراءة تحليلية لمفارقات الم ...
- وهج الأفكار و الذكريات
- في الحاجة إلى نقد ثقافة الإقصاء
- الربيع العربي .. المبني للمجهول !
- السوسيولوجيا الكولونيالية بالمغرب
- كرنفالات فاتح ماي .. نحو تأسيس خطاب مناهض لعنف الشغل
- أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟
- المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال ...
- الأخضر الإبراهيمي كبش فداء ؟
- الرئيس المصري الجديد و أسئلة المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الجبار الغراز - الإيمان والعقل.. وجهان لعملة إنسانية واحدة