أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الجبار الغراز - الحاجة إلى ثقافة عربية متسامحة















المزيد.....

الحاجة إلى ثقافة عربية متسامحة


عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)


الحوار المتمدن-العدد: 5161 - 2016 / 5 / 13 - 16:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نود أن نشير ، منذ البداية ، أننا لا نسعى ، عبر هذا المقال ، إلى تبخيس ثقافتنا العربية الإسلامية أو التنقيص من شأنها ، و لا إلى التعبير عن رؤية تشاؤمية عدمية همها جلد الذات ، بل نسعى إلى التعبير عن فكرة مفادها أننا في حاجة ماسة إلى ثقافة متسامحة نكرسها ، كعرب و كمسلمين ، في وجداننا الجمعي ، تكون نابعة من فلسفة تنويرية شبيهة بتلك التي بلورها في أوروبا فلاسفة عصر الأنوار، و كرستها ، في أوطانها ، فيما بعد ، شعوب و حكومات العالم .
فكيف يمكن تحقيق هذه الحاجة على أرض واقع عربي تنخر جسمه الثقافي أصوليات متصاعدة و صراعات طائفية و مذهبية ، و يسود فيه ، و بشكل صارخ ، التعصب بدل التسامح ، و العنف و العنف المضاد بدل السلم و المسالمة ؟
للإجابة عن هذا التساؤل الإشكالي ، وجب القول أن هناك بقايا وظيفية مترسبة علقت منذ قرون في وعينا تعود في أصولها لبنيات ثقافية و اجتماعية و فكرية و نفسية متجذرة ، ( 1 ) ارتبطت بالنزعة الأبوية الذكورية ، و بالعصبية القبلية ، و بغلبة الجماعة على الفرد ، و طبعت العائلة و القبيلة و السلطة بطابع انقسامي يقصي من دائرة وجوده الآخر الغريب ، ذلك الكائن الدخيل على ثقافتنا .
انقسامية صيرتنا كائنات آدمية مدمرة من الداخل ، مفتقرة لقيم تعايش تتغذى على ما هو مشترك فينا، و تنتعش و تستمر في الوجود و تحيى على ما هو مغاير فينا أو مختلف عنا.
انقسامية كانت وراء هذا التشرذم و هذا التجزيء الذي أذكى نيران الصراع الديني و الطائفي و الإيديولوجي ، و مزق نسيجنا الثقافي .
انقسامية جعلتنا أمة تبدو للأمم و للثقافات الأخرى و كأنها بدون عمق تاريخي و حضاري .. أمة عاجزة عن فعل أي شيء من أجل الخروج من ظلمات التكفير و العنف و العنف المضاد.
صحيح أن كل أمم العالم قد عاشت التعصب في تاريخها السحيق، مثلما عشناه نحن ، و لا زلنا نكتوي بنيرانه الملتهبة،( سقراط اتهم بإفساد عقول الشباب ، فحوكم و أعدم بتناوله السم ، و جان دارك ، عذراء أورليان ، اتهمت زمن محاكم التفتيش بالهرطقة ،فحوكمت و أعدمت حرقا، نفس المصير لاقه من بعدها و جوردانو برونو لتبنيه نظرية كوبرنيكوس حول دوران الأرض ( 2 ) ، و ابن رشد، هو الآخر ، اتهم بالزندقة فأحرقت كتبه .. و القائمة في هذا الباب طويلة .. ) ، لكن هذه الأمم لم تظل مكتوفة الأيدي ، بل تخلصت من هذا التعصب المقيت ، و ذلك من خلال تفكيك دوغمائيته و إخضاع أنظمته المتجذرة في لاوعيها الجمعي لمحك التفكير النقدي و العقلاني السليم المعتمد على المساءلة و المكاشفة و الحوار الهادئ الرزين ، و هي بفعلها ذاك ، استطاعت الخروج من هذه الدائرة اللاحضارية و نقل قيمها السلبية من مستوى اللاوعي إلى مستوى الوعي .
أما نحن، فقد بقينا سجناء قيمنا السلبية و غلونا في الاعتقاد بالأشياء بشكل مطلق، في عالم متغير باستمرار يرى الحقائق دائما نسبية تدفع إلى الإيمان الراسخ بالتعدد و الاختلاف و المغايرة .. إيمان يجعل من التسامح موقفا إيجابيا من الآخر .. ذلك الدخيل أو الغريب عن ثقافتنا، الموجود في صميم ذاتنا ( 3 ).
كما بقينا ، أيضا ، منذ اندحار ثقافتنا العربية الإسلامية مع الغزو المغولي و التتري رهن إشارة " دوغمائيات عقيمة " و " لامعقوليات خفية " معتقدين أنها من مخلفات سلفنا الصالح ، و هو منها براء ، منغلقين على أنفسنا ننتظر الذي يأتي ..
و لم يأت سوى الخراب و الدمار و هذا الانقسام الطامس لهويتنا الحضارية ( 4 )
ينبغي أن نعلم أن الثقافة ليست وعاء حاملا لقيم الأجداد و معتقداتهم و فلسفاتهم، بل هي منظومة منتجة للمعايير الموجهة للسلوك الإيجابي عن طريق ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية و التربية و التعليم العقلاني السليم و الرشيد. و معنى هذا أن سيادة التعصب و العنف في مجتمعاتنا يوضح ، بالملموس ، أننا قد فشلنا كمنظومة قيم اجتماعية و دينية و أخلاقية في تحقيق توازن نفسي و اجتماعي لهذا الكائن الإنساني الذي يسكن دواخلنا الذي نسميه بالإنسان العربي. ( 5 )
كما ينبغي أن نعلم أن العنف طاقة غريزية كامنة، يستوي فيها الحيوان مع الكائن الإنساني، تستيقظ عند حالات دفاعية أو هجومية. يمارسه الحيوان على ضحيته لحفظ بقاءه ( 6 )، أما الإنسان فإنه يمارسه بسبب الخوف و القهر المسيطران عليه. العنف بهذا المعنى ، هو صنيعة من صنائع المنظومات الثقافية التي تعيش أزمة خيارات ، أزمة تقديم بدائل جديدة في مشروعها الثقافي .
و الخروج من متاهة العنف يستلزم تأسيس مجتمع متسامح يقوم على التعدد و التنوع و التواصل و الحوار و إعمال العقل ، و على العلاقة الإيجابية البناءة مع الآخر القائمة على غض الطرف عن أخطاءه ، كما يستلزم ، أيضا ، تبني مشروع ثقافي تنويري مسالم ، نتوخى منه طرح أسئلة أنوارية على أنفسنا، شبيهة بتلك التي تولدت بفعل التفكير النقدي الكانطي ، لكشف أوهام عقلنا العربي السياسي و الأخلاقي المتماهي بالمطلق. فبفضل أدوات النقد التشريحية سنستطيع ، و لا شك ، اقتحام طابوهاتنا و استنبات حداثة فكرية سيؤسسها مثقفون عرب ( 7 ) يماثلون في عبقريتهم عبقريات كانط و فولتير و ديدرو و مونتيسكيو و لوك و ميكيافللي و هيردر و غوته و شيللر و ليسينغ و هيجل .
لنتعلم من جان لوك حين رفع في رسالته في التسامح شعار : " حريتي تنتهي عند ابتداء حرية الآخرين ، و فولتير ، حين عبر عن استعداده بالتضحية بحياته من أجل الدفاع عن حرية الرأي المخالف لرأيه، و مارتن لوثر ، حين حارب استخدام الإكراه في شؤون العقيدة و الإيمان .و إدغار موران ، حفيد هذه السلالة الأنوارية، حين اعتبر التسامح ضرورة من ضرورات الديمقراطية و مبدأ أساسيا لها إلى جانب مبدأ المساواة و العدل و مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ، و حكيمنا ابن رشد لما اعتبر أن " الحق ( الشريعة ) لا يضاد الحق ( العقل ) بل يوافقه و يشهد له " و لما تلمس العذر للآخر المتمثل في الفلسفة اليونانية حينما قال : " فما كان موافقا للحق قبلنا به و سررنا به و شكرناهم عليه و ما كان غير موافق للحق نبهنا عليه و عذرناهم " ( 8 )
ألا يعتبر تلمس العذر، هنا ، للآخر قمة التسامح !!!
إذن ، لقد بات من الضروري التفكير بجدية في العمل ، على المستوى الديني ، تقريب المسافات و تذويب الخلافات بين المذاهب الفقهية ، التي يعمل اختلافها على إذكاء روح التعصب المدمر ، و محاولة عقلنتها عبر إخضاع مسلماتها للمساءلة. فخلاص النفوس لا يكون أبدا من شأن المخلوق ، بل يكون من شأن الخالق سبحانه و تعالى ، و لا أحد قد فوض لفعل ذلك سوى الأنبياء و الرسل ، و إلا فقد اعتبر ، " مزدريا الجلالة الإلهية " كما قال جون لوك . ( 9 )
هوامش

( 1 ) يشير هشام جعيط إلى هذه النقطة انطلاقا من تحليله للبنية العتيقة للشخصية العربية التي تتأسس عليها الدولة العربية المتصفة بالوهن و اللاعقلانية و بالعنف بسبب ارتكاز هذه الأخيرة على العصبيات و العلاقات العشائرية . أنظر إلى " مفهوم الدولة عبد الله العروي . الطبعة التاسعة 2011 – المركز الثقافي العربي الدار البيضاء – المغرب ص : 196
( 2 ) " علماء النهضة الأوروبية. د . أيوب أبو دية أيوب عيسى. دار الفارابي . بيروت . لبنان ص: 89 . الطبعة الأولى 2011 برونو
( 3 ) " النهج إنسانية البشرية الهوية البشرية " إدغار موران . ترجمة د . هناء صبحي. الطبعة الأولى. هيئة أبو ظبي للثقافة و التراث، كلمة، 2009 ص 93 )
( 4 ) تاريخ موجز للفكر العربي د . حسين مؤنس . دار الرشاد . الطبعة الأولى 1416 ه – 1996 م ص 330
( 5 ) " الثقافة العربية بين الاستبداد و التحرر " علي حسون لعيبي . محلة الجديد عدد 2 مارس – أدار – 2015 ص 140
( 6 ) " رسالة في التسامح " فولتير . ترجمة هنريت عبودي . طبعة أولى 2009 – دار بترا للنشر و التوزيع ص 48

( 7 ) تحدي الحكم الديمقراطي في البلدان العربية . نادر فرغلي . ضمن كتاب هل تتوافق الديمقراطية مع الإسلام . دار الفارابي – بيروت – لبنان . طبعة أولى 2009 إدارة عبد الله حمودة ، دينيس بوشار ، و ريمي لوفو . ص :345 . تنسيق جوديث كاهين و مشاركة مجموعة من الباحثين و قد ترجم عن الفرنسية من طرف رياض صوما . أصل الكتاب : >
( 8 ) " سوسيولوجيا العنف " . ابراهيم الحيدري . دار الساقي . الطبعة الأولى 2015 ص – ص 283. 284

( 9 ) " رسالة في التسامح " جون لوك . ترجمة منى أبو سنه . مراجعة مراد وهبة. المجلس الأعلى للثقافة . ج م ع . طبعة 1997 ص – ص 24 – 25



#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)       Abdeljebbar_Lourhraz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغرب .. و هويتنا البيضاء
- لماذا تفشل النخب السياسية العربية المعارضة في مناهضتها للاست ...
- طفولة قاتلة .. و مقتولة !
- الفيلم الوثائقي: - تحت الثلج.. البياض القاتل - للمخرج المغرب ...
- اقرأ .. !!!
- آكادير .. على إيقاع ليلة الورشات الفنية
- إيبولا و داعش .. أيةعلاقة ؟
- فيلم :- أندرومان من دم و فحم - .. قراءة تحليلية لمفارقات الم ...
- وهج الأفكار و الذكريات
- في الحاجة إلى نقد ثقافة الإقصاء
- الربيع العربي .. المبني للمجهول !
- السوسيولوجيا الكولونيالية بالمغرب
- كرنفالات فاتح ماي .. نحو تأسيس خطاب مناهض لعنف الشغل
- أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟
- المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال ...
- الأخضر الإبراهيمي كبش فداء ؟
- الرئيس المصري الجديد و أسئلة المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر
- الربيع العربي كما يبدو في نسخته المعدلة جينيا
- سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثور ...
- الثورات قدر الشعوب .. فهل من معتبر ؟


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الجبار الغراز - الحاجة إلى ثقافة عربية متسامحة