أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد العاطي جميل - الحق الذي يراد به باطل















المزيد.....


الحق الذي يراد به باطل


عبد العاطي جميل

الحوار المتمدن-العدد: 7341 - 2022 / 8 / 15 - 07:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


إلى السيد عبد الله ترابي .. رئيس تحرير مجلة " زمان " في البيضاء بتاريخ 7 يناير 2014 تحية طيبة .. وبعد ..
من القارئ : الحسن أحمد مكروش
كما تلاحظ ، سيدي إني أتواصل مع " زمان " ــ التي أحيي ميلادها ــ من خلالك بالطريقة الكلاسيكية أي بالمراسلة قلما ورقة .. لأني أراها أكثر إنسانية وحياة عن الكتابة الإلكترونية الباردة .. فأرجو أن تقبل بي وتتقبل مكاتبتي بهذه الوسيلة .. وبورك فيك وفي أسرة " زمان " .
أما موضوع الكتابة ــ التي أعتذر عن طولها ــ فهو رد على مضمون مقالة " عبث سياسي " الواردة في باب " فصل المقال " الذي كتبته في " زمان " ــ في نسختها العربية ــ العدد 3 بتاريخ 15 دجنبر 2013 / 15 يناير 2014 راجيا أن يتسع صدرك للرد .. واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ، كما يقال . وإني لأطمع أن يحظى ردي بشرف النشر ، ولست أتصور أنك ستعوزك الشجاعة لنشره .. وحتى لا تبقى المجلة أحادية الصوت .. وشكرا مقدما .
الحق الذي يراد به باطل
بدون مقدمات أسارع إلى القول بأن مقالة " عبث سياسي " للسيد رئيس التحرير في العدد الثالثمن " زمان " في نسختها العربية ــ ليست بريئة وذات رائحة مشبوهة ثم إنها استفزازية .
نعم ، هي استفزازية لمشاعرنا القومية والعقيدية انطلاقا من مقولة صاحب المقالة عن القضية الفلسطينية بأننا كمغاربة " لن يكون هنا المغاربة أكثر فلسطينية من أصحاب القضية أنفسهم " ..
لا ــ يا سيد ترابي ــ إن القضية الفلسطينية قضية كل عربي من الرباط إلى صنعاء . انظر إلى الصهاينة فهم لا فرق عندهم بين الفلسطيني والمصري والخليجي والمغاربي والسوداني .. كلهم أعداء لأنهم كلهم عرب . والعربي الطيب عندهم هو المقتول . ألا ترى وتسمع شعاراتهم في كل مكان من الأرض العربية التي اغتصبوها : " الموت للعرب " .. ولا يقولون الموت للعراقي أو للمغربي أو للمصري أو للجزائري .. كلنا سواء عنده.. وتلك هي الحقيقة الوحيدة التي يتفوهون بها .. إذ أننا فعلا بالأصل واللغة والعقيدة والعقلية والتقاليد وبالتاريخ والجغرافية سواء . وما يمس العربي في فلسطين أو في لبنان أو في ليبيا أو في موريطانيا يتداعى له بالأوتوماتيكية ، المغربي والخليجي والتونسي والسوري ... ومن ثم فإن القضية الفلسطينية كأي قضية في أي ربع من ربوع العالم العربي ــ الذي ، كما يدل عليه الاسم ، عالم واحد ــ تهم كل عربي إلا المتصهينينمنا والانتهازيين ومن لا ذمة لهم ، وبالتالي فهي قضيتي .. لأن البداية إذا كانت بفلسطين العربية فإن النهاية ستكون بي .. وإذ ذاك سأردد في غباء : " لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض " وما كان ليأتي علي الدورلو أني لم أسكت يوم أكل الثور الأبيض . أما أن أتحدث بلغة هذا فلسطيني وذاك جزائري وذلك أردني والآخر يمني .. فذاك تكريس بليد لإدارة سايس بيكو والتخطيط الاستعماري المؤسس على " فرق تسد " .
وعليه فإن التطبيع مع الكيان الصهيوني المغروس في قلب الأمة بالطريقة التي نعرف ، باسم الواقعية ، هو إلغاء للذات ومساعدة العدو علينا . وعلينا كعرب الوقوف ضده ومحاربته وعدم السماح بتمريره بشتى الوسائل ومنها القانون المشار إليه في المقالة أو بدونه . وأما حكاية " الواقعية " فذاك حق يراد به باطل . الواقعية ــ يا سيدي ــ ليست تعني التنازل عن الحق وعن المبدإ وعن الأرض . فتلك واقعية مثقوبة " وما يجعلك أضحوكة بين الأمم والأجناس الأخرى . أما أن تدافع عن حقك وأرضك فتلك حقوق إنسانية مشروعة تضمنها لك الشرائع السماوية وتقرها القوانين الوضعية . وإن أنت تنازلت عن حقك في الرفض والدفاع فقدت قيمتك الإنسانية وكنت أقل من حيوان . هذا الذي يستميت في الدفاع عن محيطه حتى بقانون القوة ، فكيف إذا كان بقوة القانون .
أما " القانون " موضوع المقالة ــ وأنا لا أعرف من تقدم به وليس يهمني أن أعرف ــ فهو ليس عبثيا ــ يا سيد ترابي ــ وهو ليس كما قلت خارج الومان والمكان ، بل هو في قلبهما ، ويجب أن تبقى فكرته حية تتوارثها الأجيال إلى أن يتم تحقيقها .
إنني هنا لست أحلم فتنعتني بدوري بأنني خارج الزمان والمكان .. ولكني أستنطق التاريخ ــ وأنا هنا في أحضان مجلة متخصصة في التاريخ ــ .
تعال معي ، يا سيدي ، لقراءة مأساة الأندلس وسقوط غرناطة وبالتالي خروج أو بالأحرى طرد العرب من بلاد الإسبان نهائيا . إنها حدث مؤلم بالنسبة للعرب لكنه " واقعي " وتلك هي الواقعية الحق والحقيق ، إذ ليس لنا أن نحقد على الإسبان أو نلومهم على استرجاعهم لأرضهم وسمائهم . فتلك أرضهم وسماؤهم أصلا ومن حقهم استرجاعها .. وقد استرجعوها . والسؤال : بعد كم سنة ؟ الجواب : بعد ثمانمائة سنة .. نعم استرجع الإسبان إسبانيتهم بعد ثمانية قرون من استقرار العرب هناك . من يا ترى على مر ذلك الزمان كان يتصور أن العرب سيطردون من هناك وأن الإسبان سيعودون وستعود إليهم خيطانوس حلالا طيبا بعد ثمانية قرون من تركها ؟ . فما الذي جعلهم يسترجعونها وبعد كل هذا الزمان الطويل العريض ؟ إنها الفكرة .. فكرة استرجاع الأرض والسماء التي لم تمت أبدا إذ توارثتها الأجيال عندهم حفيدا عن أب عن جد ، إلى أن تمكنوا من طرد " العدو " واسترجاع ما اغتصب منهم .. وهذا طبيعي جدا ، لأن أوروبا ، من خلال إسبانيا ، ليست مستقرا لكيان عربي .. إذ كان كيانا مزروعا في فضاء أوروبي صرف . وكان من الطبيعي أن يرفض الجسم العضو المزروع فيه بفعل قيسري وأن ينتهي الأمر بلفظه ولو بعد ثمانية قرون . فماذا تساوي ستون سنة في عمر الشعوب والأمم ، وهي كل عمر الكيان الصهيوني المزروع في قلب الأمة لحد الآن ؟.. فالحتمية التاريخية تقول بأن هذا الكيان سيزول عاجلا أو آجلا . سيلفظ ولو بعد ما شاء الله من السنوات والعقود والقرون . وهذا ما بشر به الحاخام الأمريكي الذائع الصيت الدكتور ستانلي كوهن في موقف شريف يعوز ــ مع الأسف ــ بعض العرب أو بالأحرى المحسوبين على العرب . فثمة يهود شرفاء لم ينطقوا عن الهوى بوقوفهم مع العرب أصحاب الأرض في فلسطين العربية ولا يخافون لومة لائم في الصدع بالحق . وتلك هي الواقعية الحق . أما أن تتنازل عن حقك باسم الواقعية فذاك هو الوهم ، وذاك هو العبث وجهل الحتمية التاريخية الحاصلة لا ريب فيها طال الزمان أو قصر .
أما الحديث عن اليهود المغاربة .. سابقا .. أولئك الذين توجهوا إلى ما بات يدعى بإسرائيل ، وقد رأيتك ــ ياسيد ترابي ــ تحمل الهم لهم وتستنكر ما تستنكر في حقهم بالقول : " بألا لأحد أن يملي على إنسان من يحب ومن يكره ... ومن تشد إليه الرحال ومن تمنع ملاقاته " فهذا أيضا حق يراد به باطل . سبحان الله .. إني لست أفهم كيف تتعاطف مع تلك الفئة من يهودنا وقد ذهبوا لاغتصاب أرض ليست لهم تاركين إياها ، متنكرين لأرض آبائهم وأجدادهم .. المغرب ، متجنسين بجنسية أخرى في سلوك يعبر عن قلة الوفاء إن لم نقل الخيانة . لست أفهم كيف أنك لم تفكر في أصحاب الأرض من عرب فلسطين والمأساة التي تصلاهم من جراء فعل العصابات الصهيونية فيهم ، ولتقيم على أنقاض أصحاب الأرض كيانا قوميا ليهود العالم تحت عنوان " الأرض الموعودة " ( الموعودة من بلفورد وليس بالإحالة الدينية المفتراة ) وتنفيدا لبروتوكولات صهيون .. بمعنى إقامة دولة ذات عنصرية دينية ، فراحت تلك العصابات تبيذ عرب فلسطين فتكا وتقتيلا وذبحا واغتيالا وسحقا وسجنا وتشريدا وإبعادا .. وأراك ــ يا سيد ترابي ــ تدافع عن تلك العصابة التي انتهت إلى إقامة جدار الفصل العنصري في زمن سقوط الجدران ( حائط برلين نموذجا ) وأرى قلبك عليها ، كما يقال ، ولم أرك تذرف دمعة مواساة على المفتوك بهم والمقتلين والمذبوحين والمغتالين والمسحوقين والسجناء والمعذبين في الزنازن الانفرادية والمشردين والمبعدين .. أتراهم لا يستأهلون ؟ .. ثم أنت تدعونا إلى ما أسميته بالواقعية وتوصي بالتعامل مع لوبيات يهودية ــ تقصد صهيونية ــ في أوروبا وأمريكا بدعوى المصلحة .. ولتذهب الأرض العربية إلى الجحيم ومعها المبادئ والكرامة .. وسخرت من هذه " المثاليات " كما أسميتها . والأكيد أنك لو كنت قد عشت في العصور الخوالي .. عصور المد العربي وقد مرت نصف المدة التي عاشها العرب بإسبانيا ــ باسم الأخر : الأندلس ــ أي بعد أربع مائة سنة ، ثم سمعت إسبانيا يقول " سنرجع يوما " لسخرت منه بل ولاتهمته باللاواقعية بل وبالحمق والخبل وما جاورهما . فانظر ماذا حصل بعد ضعف ذلك العدد من السنين والحساب بعد ثمانمائة سنة .
ولك في التاريخ الحديث النموذج الآخر الحي الذي يدحض ما تدعو إليه ، والمتمثل في جنوب إفريقيا هل كان سيفلت من السخرية والاتهامات أعلاه ، وإلى حدود الثمانينيات ، من يتنبأ أو مجرد يتصور بأن نظام الأبارتايد هناك سيزول وهو الذي قام ــ مثل الكيان الصهيوني على حساب أهل الأرض الأفارقة وهو من القوة الضاربة والمساندة الأمريكية بحيث كان يبدو أنه دائم إلى يوم يبعثون ؟ الأكيد أنك ــ يا سيد ترابي ــ وبالفكرة الواردة في مقالتك ستكون أول الساخرين ممن تنبأ وتصور ، ووصمته بأنه غير واقعي ويعيش في الأحلام .. فانظر الآن إلى بلد المارد الأسطوري نيلسون مانديلا وطلائعيته كبلد حر بعد أن قبر النظام العنصري هناك إلى غير رجعة .. ولم يساوم ولا كان ملزما بأن يغازل لوبيا هنا أو هناك من أجل قضيته . تلك اللوبيات التي لا تشتري إلا ذمم ضعاف الشخصية والنفوس والحس القومي .
وهذه الآفات الأخيرة هي أقل ما يوصف به اليهود الذين كانوا مغاربة وقد تركوا بلادهم في عملية لصوصية ذنيئة كانت بمثابة طعن من الخلف لبلدهم الحقيقي هذا وتنكرهم له وبالتالي لجذورهم المتأصلة هنا إلى جانب المسلمين وباقي الأجناس المكونة لشعب هذا البلد ، فكانت هجرتهم الجماعية ــ ناهيك عما خلفته من تداعيات اقتصادية واجتماعية على المغرب من جراء تهريب الأموال وما إلى ذلك ــ كما لم يحدث من أي بلد آخر خارج أوروبا وأمريكا ( وقد أوردت مجلة زمان في نسختها الفرنسية في أول أعدادها ، وأنت الأدرى لأنك ابن الدار إلا إذا كنت قد نسيت ، تحقيقا شاملا عن تلك الهجرة الفضيعة معززا بالأرقام بعنوان .. " كيف تم إخلاء المغرب من يهوديه . وفيه ينفضح أسلوب المساومات والبيع والشراء الذي تم بموجبه هجرة أولئك اليهود الذين تنطوي فعلتهم الماكرة في حقيقتها على جريمتين اثنتين في آن :
الأولى أنهم باعوا وطنهم ( المغرب ) وتنكروا له بدون أدنى وازع لاأخلاقي ولا ديني ولا وطني . والثانية أنهم قصدوا بقعة أخرى من الأرض العربية ليؤسسوا لهم كيانا على حساب أصحاب الأرض في انضمام منهم رخيص لعصابان ابن غريون وبيغين وشارون .. التي عاتت في البلاد والعباد قتلا وذبحا وتشريدا .. فكيف تأتي اليوم ــ يا سيد ترابي ــ لتشفق عليهم متصديا لمشروع قانون نعتته بالعبثي لأنه قائم على مقاومة عملية التطبيع مع كيان مغتصب ليس يقل عنصرية عن ذاك الذي انتهى أمره إلى مزبلة التاريخ في جنوب إفريقيا ، وعملت على استنهاض الهمم الإنسانية بالدعاوى التي ناديت بها . وما كل ما أوردته ، مرة أخرى ، إلا حق يراد به باطل .
لا ــ يا سيد ترابي إن تلك الفئة من اليهود التي قلبك عليها لا يجب أن تعامل إلا بفعل عقابي في مستوى الجرم المزدوج الذي ارتكبته . ومن المنطقي أن لكل جريمة عقابا وإلا فهو التسيب . وإلا ما بال تلك الفئة لم تنح المنحى الوطني الوفي الذي انتهجه بأصالة الشرفاء منهم كإبراهام السرفاتي وعمران أدمون المالح وسين أسيدون وأمثالهم ممن لم يبيعوا ضمائرهم ولا قلوبهم ولا وطنهم .. وانظر كيف تحمل المخلصون منهم ــ كالسرفاتي ما تحمل من تنكيل على يد المخزن إبان سنوات الجمر والرصاص لدرجة النفي وسحب الجنسية أو " تمغربيت " ــ كما أسميتها في مقالة أخرى لك ( في العدد الثاني من زمان ) ــ لكنه في موقف عظيم وسام بقي الرجل ثابتا على أصله وأصالته وما بدل تبديلا ، ولم يكن أسهل عليه من ذلك بيد أنه لم يفعل . فكيف ينتهي بنا الأمر إلى أن يتساوى عندنا هؤلاء بأولئك بدعوى " الإنسانية " ؟ إنك ــ كما يقول الشاعر : ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم .
أين العدالة عندما يتساوى من ثقلت موازينه بمن خفت موازينه ؟
إن كل من وطأت قدماه ــ في زيارة ود ومجاملة ( .. ) ـــ لما بات يسمى بأرض إسرائيل ، وما هي بأرض لشيئ اسمه إسرائيل ، وقد كان الأحرى بك ــ يا سيدي ــ أن تقول : أرض فلسطين المحتلة أو المغتصبة ــ حتى ترقى إلى مستوى نضالية السرفاتي الشريف ــ كل من وطأت قدماه تلك الأرض .. وعلى عكس ما تقول .. يجب أن يكون بالفعل عرضة للمتابعة ، لأن مثل تلك " الزيارة " فيها تشجيع للمغتصب على اغتصابه ( ولا تنس حكاية الثور الأبيض ) وبالتالي هي مشاركة ضمنية في إبادة شعب آخر هو منا وإلينا دما وأصلا وفصلا ولغة وتاريخا وعقيدة . وحتى إذا لم تكن هذه الروابط مجتمعة أو جزئية ، فهو الواجب الإنساني الذي يفرض الوقوف إلى جانب المظلومين المستضعفين في الأرض والذين أخرجوا من ديارهم . ألم نكن ، مثلا ، مع الشعب الفيتنامي يوم كان يواجه أمريكا الظالمة بجبروت عدتها وعددها .. مع أننا لا يجمعنا أي شيء مع ذلك الشعب البطل إلا الإنسانية الحقة ، فكيف بمن يجمعنا بهم كل شيء . فأين " تمغربيت " في أولئك الذين تنكروا لها ورموها وراءهم .. ثم جئت ــ يا سيد ترابي ــ تقول محتجا لصالحهم : هل سيمنع هؤلاء القاطنون في إسرائيل من زيارة أجدادهم .. وهل سيحرم اليهود المغاربة من صلة الرحم .. وبأي ذنب سيحرمون من ذلك .. " فعن أي أرض وعن أي أجداد وعن أي صلة تتحدث يا رجل ؟ .. أولئك الناس زهدوا فيك وفي وفي هذه الأرض وفي الأجداد وفي كل صلة . هم لم يعودوا مغاربة . رموا عنهم " تمغربيت " ولم يعودوا راضين بها جنسية . هم لم يفعلوا مثل السرفاتي الذي تشبت بمغربيته بشموخ ومثالية رغم رميه نفيا خارج البلاد لحوالي عقدين من الزمن . هم ــ يا سيدي ــ نسوا كل هذا وذاك وتبرأوا من السرفاتي الشهم وارتضوا لأنفسهم جنسية أخرى قامت على الإباذة والدم ولازال ذووها يمارسون كل أوجه العنصرية المقيتة . هل تعلم ــ يا سيد ترابي ــ أن أقسى اليهود الصهاينة على أهلنا عرب فلسطين المحتلة ــ والتي حلا لك أن تدعوها ب " الدولة العبرية " وهو موقف مستهجن ــ هم اليهود المغاربة سابقا في إمعان منهم في العداء والكراهية اللذين يكنونهما لنا . فكيف يصح أن نبسط خذنا الأيسر لهم وقد طعنونا بيمناهم ؟ كيف نرضى لأنفسنا بهذه المذلة ؟ إن تلك الفئة من اليهود الغادرة وبعدائها المجاني وخيانتها المكشوفة لا خير فيها مهما أظهرت في تمثيليات سخيفة لإيهامنا بعكس ذلك ، والتي لا يصدقها إلا السدج وضيقوا الأفق ممن يسهل خذاعهم .
إن فتح المجال لمن وطأت قدماه الأرض العربية المغتصبة والتي ماتزال تمارس فيها كل أنواع الإباذة في حقنا من خلال إخوة لنا ، وذلك لتطأ الجناح الغربي من الوطن العربي مغامرة خطيرة علينا . ذلك أن أولئك الذين قاموا بجريمة مزدوجة منها خيانة وطنهم الأصلي ، لا يمكن الائتمان إليهم ولا الاطمئنان أو الثقة فيهم وقد تشبعوا هناك بوصايا بروتوكولات آل صهيون المؤسسة على العنصرية المقيتة وما يتفرع عنها من ممارسات بغيضة . ومن أتى بالفعلة المنكرة الأولى ، لا أسهل عليه من أن يأتي بالثانية والثالثة .. وهلم عددا . ثم إن التسامح والتجاوز عن مثل هؤلاء بدعوى الحقوق الإنسانية هو نوع من الطيبوبة الغبية أو ما تعبر عنه المقولة الفرنسية : étre bon étre con /
وعليه ، فلا تطبيع ولا تجاوز ، وقانون المنع المقترح ليس فعلا شاذا أو بدعة لم يعرف لها القانون الدولي مثيلا . فلنتذكر أن دول العالم كلها ــ باستثناء أمريكا ربيبتها الكيان الصهيوني ( وهذا طبيعي ) ــ أجمعت على عدم التعامل مع الكيان العنصري الذي كان بجنوب إفريقيا ومقاطعته على كل المستويات وتجريم من يطبع معه كما تمثل ذلك مثلا في منع إشراكها في التظاهرات الرياضية العالمية كالألعاب الأولمبية وكأس العالم . ثم إن " تمغربيت " عندنا تقول : للي غطاك بخيط غطيه بحيط " أليس كذلك يا من ينادي ب " تمغربيت " ك " اسمنا الجماعي " فماذا تقول فيمن يخون هذه الهوية ويضرب بها عرض الحائط بالتنكر لها ؟ وعليه فإن مشروع القانون موضع الحديث لن يكون كارثة لليبلوماسية المغربية ولا لصورة المغرب في الخارج كما رحت تبشر ، بل إنه أكثر من كونه يساير ما سار المجتمع الدولي عليه ، فإنه يبقي على شيء من الكرامة والغضب والغيرة على الهوية وأيضا الصرامة إذا تعلق الأمر بالوطن والوطنية . هذا الوطن الذي لن يحافظ على شخصيته بين الأمم والدول ذلك التذلل والانبطاح والإمعية الرخيصة بحيث نمسي ملزمين بالتعامل مع الدنايا المتمثلة في اللوبيات الصهيونية . لا ــ يا سيدي ــ لنتعلم من الآخرين المعتزين بذواتهم ولا يرضون لها الانبطاح . فتلك إيران مثلا . صحيح أن الغرب لا يحبها ، لكنه بكل تأكيد يحترمها ويضعها في الحساب . وكذلك الأمر بالنسبة للصين الشعبية وتركيا الإسلامية . لأن ذلك الغرب العارف والفاهم يلاحظ ثبات تلك الدول على مبادئها وليست تتهاون لما يتعلق الأمر بسيادتها أو تتساهل مع من يتلاعب بجنسيتها وقوميتها . وفي استدعاء آخر للتاريخ غير البعيد يذكر المتذكرون أنه في الستينيات من القرن الماضي العشرين لما لم تعترف منظمة الأمم المتحدة بأندونسية إيريان الغربية ، لم يتردد العملاق أحمد سوكارنو في انسحاب أندونيسيا من .. ماذا ؟ ــ من منظمة الأمم المتحدة بكل ما تمثله من ثقل ..
ولم تمت أندونيسيا ، بل هاهي الآن واحدة من نمور آسيا الناهضة . وذاك عبد الناصر بمواقفه المتحدية والصارمة في وجه الغرب الإمبرالي ، قد قال في حقه أحد رؤساء وزراء الإنجليز ( قد يكون هارولد ماك ميلان ) : " إننا نكر ناصر ، لكننا نحترمه " .
خلاصة القول .. إن القضايا الوطنية والتي تمس الهوية ــ يا سيد ترابي ــ لا تقبل المساومات والميوعة في المواقف واستجداء التعاطف . ولنعلم جميعا أن مثل هذه السلوكات السياسية هي التي ضيعت علينا موريطانيا التي لم تكن عبر كل التاريخ كيانا منفصلا عن المغرب وإلى حدود مستهل الستينيات . وهي ذات السلوكات في المعالجة التي نعاني من نتائجها اليوم في قضية الصحراء . فالعالم لا يحترم إلا من له مواقف ثابتة وصارمة وليس يربطها بماذا ضغط هذه اللوبيات أو تلك . وليس في الأمر استعداء لهذا الطرف أو ذاك . وعلى عكس ما تقول ــ في عودة لمنطلق الحديث ـ فإننا كمغاربة وكعرب لا يهمنا ، ولا يجب أن يهمنا أن ينظر إلينا الصهاينة كأعداء أو ما إلى ذلك . لينظروا إلينا كما شاؤوا ، لكننا سنعتبرهم أعداء . وسيظلون أعداء مبينين لنا ماداموا يحتلون أرضنا العربية . ومشروعنا لن يكون غير تدمير كيانهم لأنه قام على اغتصاب أرض هي لنا مدى التاريخ والجغرافية . ولا تطبيع مع الأعداء ومن يطبع معهم . وليذهب إلى الجحيم من فضلهم علينا . أما نحن فعلينا استرجاع أرضنا تلك .. وسنسترجعها ولو بعد ثمانية قرون ..



#عبد_العاطي_جميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من صرخة حبر
- من نبضات المصيف
- وجهان في مرآة
- من مسودة لزوم ما يلزم
- من حبر عابرة
- من لذيذ اشتياقها ..
- من إغفاءت أغمات وإغماءاتها ..
- حوريتان
- بين بين
- مسودة من مجرة الأشواق
- من تشرد مجرة الأشواق
- من مداراة مجرة الأشواق
- خدوش على صهوة قرابين
- بزينة فوضى بلاد
- من وحشة غرفتها
- من عيد جديد آخر
- من ظل شجرة وصال
- أذكرها
- من أثر بوحها
- مسودة دراجة عادية


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد العاطي جميل - الحق الذي يراد به باطل