أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - تبدل اللغات والهويات عبر الأزمنة: الهويات المنقرضة والهوية الحيّة!














المزيد.....

تبدل اللغات والهويات عبر الأزمنة: الهويات المنقرضة والهوية الحيّة!


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 7329 - 2022 / 8 / 3 - 16:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في حديثٍ طويل مع صديق أميركي يهودي عن الحياة والعمل والكتب والتاريخ، تطرق فجأة لكشف آثاري جديد قام به جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي بالصدفة، في شوهام، حيث وجد الجنود، في أثناء حفريات عابرة، ديرًا بيزنطيًا للراهبات، ذي أرضية مزينة بفسيفساء جميلة، يعتقد أنه قبر حنة والدة النبي صموئيل. في الواقع، يقول آثاريون أن الموقع معروف وتم دفنه سابقًا من جديد بهدف حمايته.

علق الصديق فجأة أنه فكّر لوهلة: لم يكن أيّ من أجداد هؤلاء الجنود في تلك الأرض قبل قرن من الزمن مثلاً، وبغض النظر عن الجدل التاريخي، اتساءل عمّا يشعر به هؤلاء وهم يكتشفون أثرًا مسيحيًا تحت الأرض! ألا تجد الأمر تناقضًا؟

قلتُ: ليس كذلك، جميعنا يعرف أن العثمانيين حكموا تلك الأرض، وقبلهم المماليك والأيوبيون، والفرنجة في الحملات الصليبية، والعرب، وقبل ذلك البيزنطيين، وعاش اليهود هناك، وحكم الأرض الآشوريون والكلديون والمصريون، وعاش الكنعانيون قبل ذلك. ما التناقض في العثور على أثر بيزنطي هناك؟ يحصل هذا في كل مكان.

قال: أقصد، ألا يجعلهم يفكرون في هويتهم، في حقيقة الأمر؟ ألا يعيدون التفكير في بعض المرويات؟ ويشبه ذلك، عثور شخص مسلم في أي دولة عربية على آثار من عصور ما قبل الإسلام؟ ألا يفكّر في هويته ويعيد نقد ما اعتاد على سماعه؟

قلتُ: لا أظن أن أحدًا يقرأ بعمق لا يعرف أن هذه الأديان جاءت بالتعاقب وأن أجداده بالتأكيد كانوا من دينٍ آخر ذات يوم، وقد يعتنق أحفادهم أديان أخرى، وقد ينبذون الأمر برمته، ولا يعود الدين يهمهم في شيء. هناك عرب قبل الإسلام، وهناك عرب مسيحيون، وليس بالضرورة أن يشكل أي كشف أثري لحظة حقيقة مع الذات، ولكن بالتأكيد الهويات تتغير عبر الأزمنة. ليس هناك تناقض في ذلك.

قال: عندما أفكر في اسم أحد أجدادي زولتان، أتساءل عن معنى الهوية!

قلتُ: أظنه اسمٌ سلافي؟ هل كان من صربيا؟

قال: لقد اقتربت. في الواقع كان من سلوفاكيا الحالية. لنتخيل أنه كان قد ولد في عصر آل هابسبورغ كمواطن ضمن إمبراطورية المجر والنمسا، ومن ثم أصبح مواطنا ضمن تشيكوسلوفاكيا، ومن ثم مواطنا سلوفاكيا! هل سيشعر بالفعل بصلة بسلوفاكيا اليوم!؟ لا أظن ذلك، لأنه في النهاية كان من الناطقين بالألمانية. اللغة هي ما تهم. اللغة هي الهوية، وهذا يتجاوز الدين أيضًا. هل اليهود الحاليون بالفعل شديدو الشبه بقدماء اليهود؟

قلتُ: نعم اللغة هي ما يهم. ذكرتي بما قرأته قبل أيام في كتاب العاقل ليوفال نوح حراري، وسأذكر موضوعين ذوي صلة بهذا النقاش.

قال: لم أقرأ لحراري! لكن يبدو الأمر مثيرًأ للاهتمام. أخبرني رجاءً!

قلتُ: لقد تحدث حراري عن نومانتيا القديمة، وهم شعب سلتي في هسبانيا القديمة، وعن ثورتهم ضد الرومان، ومقاومتهم الحكم الروماني لمدة 20 عام، وكيف تم حصارهم في النهاية ليقتلوا أنفسهم بعد جوعٍ طويل خشية الوقوع كأسرى وعبيد بيد الرومان. يقول حراري أن قصتهم انتهت، وحضارتهم اختفت، ولم نعرف عنهم إلاّ من خلال قصص الرومان أنفسهم، ومع ذلك استلهم الإسبان تلك القصة وجعلوها محورا لبناء هوية وطنية ورمزا وطنيا ضد الهيمنة الأجنبية، بل أن الكاتب الشهير ميغيل دي ثيربانتس، مؤلف دون كيخوته، قد كتب عنهم رواية "حصار نومانتيا". الطريف أن ثيربانتس كتب عنهم باللاتينية، والإسبانية الحالية ابنة اللاتينية التي جاء بها الرومان، والإسبان اليوم يتبعون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وكل تفاصيل حياتهم شكلتها الإمبراطورية الرومانية، وربما جينيا هم من الرومان أكثر من صلتهم بنومانتيا والثقافة السلتية المنقرضة. بالمثل، العبرية الحديثة متأثرة بالييدية الأوروبية، وقد أشار حراري في موضع آخر إلى أن الملك سليمان لو زار القدس اليوم ودخل إلى كنيس لما تعرّف على اليهود هناك بملابسهم المستوحاة من أوروبا الوسطى في القرن الماضي، واللكنة الألمانية لليدية، بل وحتى مشاهدة الطرز المعمارية للكُنس. يشبه هذا الأمر ربط أشخاص من خلفيات عشائرية في جنوب العراق، وبعضهم يعلم أن قبيلته وفدت في فترات حديثة ولم تكن حتى من العرب الذين سكنوا البلاد قبل الإسلام، بالسومريين بسبب الصدفة الجغرافية البحتة.

لقد تابعتُ هذا المشروع القائم على إحياء الثقافات القديمة منذ أن وعيت على العالم، ولكنني لا أرى فيه أي جدوى اليوم، وكتبتُ اليوم عن ذلك للصديقة الروائية والمترجمة القديرة لطفية الدليمي التي تقترح – ما كنتُ أؤمن به لسنوات – في إنشاء هوية نهرينية، أو رافدينية كما أسمتها، لأنها في الواقع هوية مناطقية ضمن كتلة ثقافية أكبر، تنطق اليوم بالعربية. ما المهم في إحياء لغة قديمة، وكنتُ أرى في إحياء العبرية نموذجًا ملهما لي، عندما ننتقد اللغة الحالية ونتهمها بعدم مواكبة العصر؟ هل ستكون لغة منقرضة بخط كتابة غير عملي ونقص عمره آلاف السنين في مواكبة كل الأفكار والمفاهيم والمصطلحات الجديدة الحل للأزمة المزعومة؟ بالطبع لا!

قال: لقد كان إحياء العبرية ضرورة، لأن وجودها اليوم أفضل من عدمه وقد وفّر وسيلة لربط هذه الشعوب، لكن ذلك جاء على حساب اللادينو (لغة يهود الأندلس وتركيا لأنهم طردوا من إسبانيا في فترة محاكم التفتيش)، والييدية، وحتى العربية ليهود المشرق. لا يوجد شيء بدون ثمن!

قلتُ: بالفعل، هذا صحيح، ولكن اللغة القديمة تختلف بشكل كبير، وربما تكون عبرية اليمنيين هي الأقرب للعبرية القديمة، ومعها عبرية المزراحيين في العراق. الشعوب السامية مجموعة واحدة هاجرت على فترات متباعدة، بل أن الأمهرية في أثيوبيا من ضمن هذه اللغات.

قال: بالفعل، يقولون أن عبرية اليمنيين هي اللغة الأصيلة، وهناك من يقول أن معرفتك العبرية تجعلك قادرا على تعلم الأمهرية بسهولة.

قلتُ: لا يمكننا الوصول إلى حل لفهم مسألة الهويات وتغيرها، ولكننا نعلم أنها تتبدّل بشكل واضح ودائم، وربما المهم فقط هو هوية الشخص التي يعيشها في فترة حياته، ولنطلق عليها اسم الهوية الحيّة أو المُعاشة، لأنها الشيء الحقيقي الوحيد والذي يؤثر على أرض الواقع.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذي تخبرنا عنه أسماء الشعوب: ذاتية أم مصطنعة!
- اختزال التاريخ: خطأ تقييم خيارات الماضي وفق معطيات اليوم
- منظور تطوري لتفسير الأخلاق: ردود على النظرة الدينية للأخلاق
- جدلية الإجهاض في عالم التطرف والاستقطاب
- إثبات الذات وسط دوامة من ردود الأفعال - قراءة في مسلسل لعبة ...
- صراع البحث عن التعاطف
- أسود وحملان: الحرب على الإرهاب تحت المجهر الأميركي
- العلوم أيضًا في مرمى الأحكام المسبقة والتحامل
- فيلم ابن علي بابا: رؤية استشراقية لبغداد فارسية!
- أيام سيئة في البصرة: كتاب يبرر فشل مهمة سلطة الإئتلاف في جنو ...
- هارا أوتيل: رواية بريطانية عن أزمة اللاجئين السوريين في اليو ...
- في يومها العالمي: لم أعد أكره العربية
- بلاد فارس في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- الموصل في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- مسلسل ماركو بولو - إطلالة مثيرة على عالم المغول في القرون ال ...
- تمجيد القوة واحتقار الشفقة – تتمة في قراءة كتاب -هكذا تكلم ز ...
- أرض الأرواح: رؤى قبيلة كوز عن الخليقة والطوفان والموت والحيا ...
- مسلسل فرويد - دراما ورعب وتشويق، كل شيء عدا التاريخ
- فيلم -بطاقات القتل البريدية-: الهوس بالفن والحب الممنوع والج ...
- فيلم -برسيبوليس-: قصة الثورة التي حولت إيران إلى سجنٍ كبير


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - تبدل اللغات والهويات عبر الأزمنة: الهويات المنقرضة والهوية الحيّة!