أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - في يومها العالمي: لم أعد أكره العربية















المزيد.....

في يومها العالمي: لم أعد أكره العربية


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 6765 - 2020 / 12 / 19 - 00:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في طفولتي، لم أكن أحب اللغة العربية. ككتابة، تعلمتٌ الأبجدية اللاتينية في الروضة قبل تعلمي الأبجدية العربية في الصف الأول الابتدائي. في المرحلة الابتدائية، كنتُ أحلم بإعادة إحياء اللغة السومرية أو الأكدية، ولطالما تناقشتُ مع الأصدقاء في مراحل لاحقة حول أهمية ذلك ونظرتُ إلى اللغة العربية على أنها لغة أجنبية فُرضت على بلادنا. كان إحياء اللغة العبرية الحديثة مثال يمنح خطتي الأمل. في فترة ما، كنتُ أقرأ دعوات استخدام اللهجات المحلية بدل اللغة العربية الفصحى، لكنني لم أكن أستلطف الفكرة، لأن اللغة الفصحى - بصراحة - أرق من الكثير من اللهجات المحلية. في الصف الثالث المتوسط، قرأت عن تطور اللغات الأوروبية في موسوعة لبنانية مطبوعة في سويسرا، وكانت هناك تفاصيل حول تطور اللغة الفرنسية وكيف نادى المثقفون الأوروبيون في وقتها لاستخدام لهجاتهم للكتابة بدل اللاتينية - التي كانت تعتبر لغة الثقافة. بمرور الوقت، اكتشفت أن هناك صلة وثيقة بين اللغة والكيان السياسي، وأن اللغات القياسية في الغالب تمثل اللهجة السائدة سياسيا أو لهجة جديدة توحّد اللهجات المختلفة، وقد حصل هذا مع الفرنسية - لهجة باريس - والألمانية الحالية بعد أن كان سكان جنوب ألمانيا لا يفهمون لغة سكان شمال البلاد، وكذلك الحال مع الإيطالية بعد توحيد البلاد من قبل غاريبالدي، أو الإنجليزية التي تولدت من خليط من اللغة القديمة المحلية واللاتينية مع لغة الإنجلوسكسونيين القادمين من ألمانيا والدنمارك بطلب من السكان لحمايتهم من هجمات الأسكتلنديين بعد انسحاب الرومان من الجزيرة. مع توسع معارفي، فهمتُ أن كل اللغات القياسية الحالية تضم اختلافات مناطقية كثيرة، وأن بعض الكتب والشخصيات ساهمت في تطوير اللغة القياسية، كما هو حال شكسبير بالنسبة للإنجليزية ودانتي أليغييري للإيطالية وسيرفانتس للإسبانية والقرآن للعربية. بذلك نكتشف أن اللغة تتطور، وهذا شيء طبيعي، وحتى العربية الفصحى المبسطة حاليًا نتاج جهود الكثير من المفكرين اللبنانيين في العصر الماضي. بمرور الوقت عرفت أن سخرية بعض "المثقفين" من وجود كلمات عربية لا نعرف معانيها يدل على سطحية تفكيرهم وقلة إطلاعهم، ففي الإنجليزية القديمة - بل وحتى النصوص الأدبية الحالية الأرقى لغويًا والكتاب المقدس - نجد كتابة أخرى لأبسط الكلمات مثل الضمائر:
Thou = you Thy = your hast = have art = are
وهكذا.

في كل لغات العالم، هناك مفردات منقرضة، بل وحتى في اللهجات المحكية هناك كلمات تنقرض بمرور الوقت ولا يعيب هذا اللغة في شيء.

وممّا يدل على إرتباط اللغات بالكيان السياسي، إزدهار الأكدية بعد سيطرة الملك سرجون الأكدي على سومر في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد وتراجع السومرية لتصبح لغة للطقوس الدينية فقط، ومن ثم تراجع الأكدية وإزدهار الآرامية لسهولتها بمرور الوقت منذ القرن التاسع قبل الميلاد، بل وتبنيها من قبل البلاط الأخميني لتصبح اللغة الرسمية بدل الفارسية. انتشرت الآرامية حتى تخوم الصين والهند ولكن العربية حلت محلها بعد ذلك وهي قريبتها وليست من بيئة غريبة عنها. مع غياب كيان سياسي آرامي واسع، تولدت لهجتين شرقية وغربية واختلافات في الخط أيضًا - كالخط الأسطرنجيلي وغيره - وكذلك اختفاء اللغة العبرية تقريبا وبقاء الأبجدية فقط واقتصارها على الطقوس الدينية وتأثر اللغة العبرية الحديثة - التي ازدهرت بوجود كيان سياسي جديد - بلغات أوروبا الوسطى التي كان اليهود الأشكيناز يتحدثونها وتشبه في الغالب لهجة ألمانية وسيطة مكتوبة بحروف عبرية. اللغة الكوردية أيضًا لم تمتلك خطوط أصيلة لغياب كيان سياسي وتبلورت لغة معاصرة الآن تتوافق مع لهجة أربيل - حيث المركز السياسي - وبقاء لهجات يصعب فهمها بين الأكراد في سوريا والعراق وتركيا وإيران. في أوروبا - وهذا ما قرأته في فترة الدراسة المتوسطة عن لغات الألزاس واللورين مثلا - هناك لغات غير مكتوبة حتى يومنا هذا، وهي لغات محلية لأقليات عرقية لم تتمكن من تشكيل كيان سياسي. حول العالم، هناك 3135 لغة محكية غير مكتوبة حتى يومنا هذا.

بتفكير منطقي نجد أن تعقيد اللغة العربية - ربما تكون اللغة السامية الأكثر قوة في عصرنا الحالي - يجعل من المضحك تصديق تطورها في فترة قصيرة من خلال القرآن فقط، وعدم وجود نصوص مكتوبة لا يعني أنها لم تكن موجودة وولدت في ظرف بضع سنين. يقول بعضهم أن عدم عثور نماذج باقية من المعلقات ينفي وجود اللغة العربية، ولكن بصراحة لا أظن أن ذلك صحيح، لأن أغلب المخطوطات الآرامية القديمة ضاعت لأنها مكتوبة على لفائف وورق، ولم تبقَ مثل ألواح الطين، وأن نقل كتاب من عصر إلى عصر شيء طبيعي، فملحمة كلكامش مثلا، التي تتحدث عن قصة ملك أوروك السومري، مكتوبة بالأكدية والقصة بصيغتها الحالية منقولة من ألواح من العصر البابلي القديم - حوالي 1800 قبل الميلاد - ولكن من المرجح أنها قصة نقلت عن أصل أقدم يعود للعصر السومري - في حدود 2100 قبل الميلاد. إن عدم عثورنا على نسخ سومرية من القصة لا ينفي أنها وجدت في ذلك الوقت. بمثل هذه الحجج، ينسب البعض المعلقات للعصر العباسي. لكن هؤلاء يغفلون عن فكرة كون معظم المخطوطات العربية الحالية - بما في ذلك قصص ألف ليلة وليلة - قد حققها مستشرقون وباحثون أجانب ونسبوها للأصل الذي نقلوا عنه. أي أن الكتب كانت قد اختفت ولكنهم بنزاهة لم ينسبوها لأنفسهم وأعادوا انتاج كتب لعلماء ومفكرين وأدباء كانت ستضيع ويطويها النسيان.

في 14 آذار 2012، كتبت "لشان أكاديم كيما شمشم إينا لبّم شا سامي" أي اللغة الأكديّة كالشمس في قلب السماء، وقبل ذلك كتبتُ قصيدة ضد اللغة العربية وتمنيتُ التخلص منها، لكنني اليوم أشعر أنها لغة كغيرها، وأنها لغة من اللغات السامية ولها قرابة بالأكدية والآرامية والعبرية وليست غريبة عن المنطقة، بل انها تطورت في العراق والشام وليس العكس. في السنوات الأخيرة، صادفتُ أصدقاء من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وتركيا واليونان وغيرها، يتعلمون العربية. من المفارقات المضحكة أنني ساعدتهم في تعلمها. أنا أكتب بالعربية وأترجم منها وإليها، وأشعر بضرورة تطويرها - وهذه وظيفة المجامع اللغوية - ولكنني لم أعد أشعر بأن منتقدي قواعدها منصفين، بل أنهم سطحيون لا يعرفون شيئًا عن اللغات الأخرى وصعوبتها. لا يعرفون أن صوت الفاء يمكن أن يكون f, ph, gh بالإنجليزية وأن حرف בֵּ بالعبرية يمكن أن يكون b أو v وحرف ח يمكن أن يكون حاء أو خاء وحرف ש يمكن أن يقرأ سين أو شين، ويصرون على صعوبة التفريق بين الضاد والظاء - وهما حرفان محدودان الاستخدام. في الوقت ذاته، يلحون على صعوبة الهمزة وغيرها ولا يعرفون صعوبة الفرنسية مثلا وكيف أن كلمة مثل maintenant - وتعني الآن - تلفظ مَتنَا وكلمة Monsieur - سيد - تلفظ مسيو وكلمة parler تنطق باغليه وهكذا. لكل لغة ميزتها وجمالها وصعوبتها، وعلى الشخص اتقان اللغة وهناك صلة واضحة بين مستوى الذكاء واتقان الإملاء الصحيح. ومن يعاني من صعوبة في ضبط الإملاء، دليل على محدودية ذكاءه ليس إلاّ.

بعد سنوات من التأمل، وجدتُ أن إحياء لغة قديمة لن يجعل شعوب منطقتنا تتقدم، لأن المشكلة لا تكمن في اللغة فقط، بل في قلة دعم العلوم والبحث والمشاكل الفكرية المرتبطة بطبيعة الثقافة أكثر من ارتباطها باللغة. كما أن فكرة نبذ العربية للتخلص من التطرف الإسلامي ليست صحيحة لأن الشعوب الإسلامية غير الناطقة بالعربية أكثر عرضة للتجهيل والتضليل لجهلهم بالعربية وصعوبة اعتمادهم على ذواتهم في فهم اللغة وبالتالي سهولة تعرضهم للأدلجة المتطرفة - وكثرة المتطرفين في باكستان وأفغانستان مثل على ذلك - بينما يكثر عدد من يناقش المسائل الدينية الإسلامية في الدول الناطقة بالعربية مقارنة بغير الناطقين بها. بالتالي، إحياء لغة قديمة مشروع فاشل ولم يعد يهمني في شيء أبدًا.

باختصار، لم أعد أحمل مشاعر سلبية للغة العربية، وهي لغة مؤثرة في لغات كثيرة حول العالم - ولاسيما التركية والفارسية -، وكانت ذات يوم مثل الأكدية والآرامية واليونانية واللاتينية، نعم إنها لغة قديمة وثرية وتستحق أن نحتفي بها ونحبها.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد فارس في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- الموصل في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- مسلسل ماركو بولو - إطلالة مثيرة على عالم المغول في القرون ال ...
- تمجيد القوة واحتقار الشفقة – تتمة في قراءة كتاب -هكذا تكلم ز ...
- أرض الأرواح: رؤى قبيلة كوز عن الخليقة والطوفان والموت والحيا ...
- مسلسل فرويد - دراما ورعب وتشويق، كل شيء عدا التاريخ
- فيلم -بطاقات القتل البريدية-: الهوس بالفن والحب الممنوع والج ...
- فيلم -برسيبوليس-: قصة الثورة التي حولت إيران إلى سجنٍ كبير
- فيلم -المحطة الأخيرة-: الأيام الأخيرة لتولستوي وحقيقة الحركة ...
- فيلم -على أساس الجنس-: كفاح محامية أميركية وصولاً إلى المحكم ...
- فيلم -أغاثا ولعنة عشتار-: رومانسية وغموض في جنوب العراق
- فيلم -مُشع-: دراما رومانسية تاريخية عن حياة العالمة ماري كور ...
- فيلم -الغرفة 212-: تأملات فانتازية في الزواج والحب والخيانة
- فيلم -نحو النجوم-: حياة المراهقات في الريف الأميركي في الستي ...
- فيلم -أكثر امرأة مكروهة في أميركا-: حياة رائدة الإلحاد الأمي ...
- فيلم الصدمة والترويع: أكاذيب لتبرير قرار مسبق بغزو العراق
- رحلة حول العالم: النمسا: صعود وسقوط آل هابسبورغ
- فيلم البجعة السوداء: هوس الكمال وآلام النجاح
- فيلم داليدا: تراجيديا خلف أضواء المسرح
- فيلم الباباوان: صداقة رغم الاختلاف ونقاش شفاف للإصلاح


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - في يومها العالمي: لم أعد أكره العربية