أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - ما الذي تخبرنا عنه أسماء الشعوب: ذاتية أم مصطنعة!















المزيد.....

ما الذي تخبرنا عنه أسماء الشعوب: ذاتية أم مصطنعة!


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 7329 - 2022 / 8 / 3 - 04:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يجادل الكثير من الناس في التاريخ اعتمادًا على أسماء الشعوب، وأن كل اسم يعني بالفعل شعبًا منفصلا، مع أن الأمر ليس كذلك في واقع الأمر. الكثير من الشعوب تحمل أسماءً أطلقتها عليها شعوب أخرى، ولا يسمّون أنفسهم بذلك ولم يفعلوا، وبعض الأسماء أوصاف لمجموعات ضمن ذات الشعب، ولا تعني مطلقا كتلة عرقية أو ثقافية منفصلة.

قبل أيام، كنتُ في جولة مع زميلي من مصر، الدكتور جون كمال، ودخلنا إحدى الكنائس الأرمنية في شارع استقلال في إسطنبول. كانت الكنيسة مغلقة، وقال الرجل المُسن أن القدّاس في الساعة التاسعة والنصف مساءً. سألنا بعد ذلك: هاياس؟ فلم يعرف صديقي معنى السؤال، فقلتُ له لا، نحن من العراق ومصر، فرحّب بنا. عند خروجنا أوضحتُ له أن هاياس، وهاياستان هو الاسم الأصلي للأرمن، ومشتق من التسمية الأقدم هايك، ولكن العالم كله يعرف هذا الشعب باسم الأرمن والبلاد باسم أرمينيا. ومثل ذلك اسم اليونان، المشتق من إيونيا، في العربية والتركية، وغريس Greece في أغلب اللغات الغربية أو الإغريق في العربية، في حين أن الشعب لا يصف نفسه بأيّ من هذين الاسمين، ويستخدم اسم هيلاّس Ἑλλάς والجمهورية الهيلينية اليوم، ومنها الثقافة الهلنستية، لكن الجميع يستخدم اسمًا آخر لوصف الشعب اليوناني. بالمثل، نقول ألمانيا وجرمانيا Germany وغيرها من أسماء للإشارة إلى ذلك البلد الأوروبي، ولكن الألمان يصفون أنفسهم بأنهم Deutch وبلادهم بأنها دويتشلاند.

يصرّ الكثير من العراقيين على استخدام وتكرار اسم بابل والبابليين، والكثير منهم لا يعرف أن هناك بابل الأولى "الأمورية/ العمورية"، وبابل الثانية الكلدية، بل وهناك من يسمّي الكاشيين غير الساميين بالعصر البابلي الوسيط، وعليه أن كل هذه الأسماء سياسية وليست عرقية ولا تعني أبدًا وجود شعب اسمه الشعب البابلي لأنه مجموعة قبائل سامية مختلفة وتحدثت رسميًا الأكدية، وحمل ملوك بابل أسماء أموريّة في بعض الأحيان. المفارقة أن العموريين أو الأموريين ليسوا إلا صفة تعني الغربيين باللغة الأكدية، وكأننا نقول سكّان الغربية اليوم (وهم عرب وبعضهم من ذات عشائر الجنوب ولا يعني الاسم أنهم شعب منفصل)، بالمثل الأموريين صفة لأنهم وفدوا إلى بلاد النهرين من الغرب، وأطلق الآخرون عليهم اسم الغربيين، وما هؤلاء الأموريين إلا فرع من الكنعانيين. أي أنّ الكنعاني الذي هاجر ودخل العراق الحالي من جهة الغرب أصبح اسمه أموري/ عموري، وجاء الآثاريون ليسمونه بابلي، وجاءت الأساطير الوطنية لتخترع شعب اسمه الشعب البابلي، مع أنه امتداد لجغرافيا المنطقة في الأمس واليوم.

بالمثل، ما الفينيقيين إلا جزء من الكنعانيين، ولم يستخدموا هذا الاسم أبدًا، بل أطلقه عليهم اليونانيون نسبة للصباغ الإرجواني الذي اشتهروا بتصنيعه وبيعه إلى أنحاء العالم. تخيلوا أن إسمًا أطلق على جزء من الكنعانيين يُستخدم اليوم لبناء هوية ثقافية منفصلة والتعامل معه كحقيقة لتأكيد هوية منفصلة تماما عن المحيط الأوسع. الأدهى من ذلك الإصرار على استخدام اسم سومر من قبل أشخاص يعلمون جيدًا أنهم من مجتمعات عشائرية عربية وهو إسم أنثروبولوجي مندثر لم نكن نعرفه قبيل منتصف القرن الماضي، لأن الكتاب المقدس نفسه لم يتحدث عنهم ولم يذكر غير الآشوريين والكلديين، وكان علماء الآثار الأجانب يطلقون اسم بلاد الكلدان على كامل جنوب العراق بتأثير من الكتاب المقدس، ووصف القدماء منهم الآثار السومرية بالكلدانية لعدم معرفة الاسم قبيل القرن الماضي، ويأتي اليوم من يريد إنشاء إقليم سومر. والطريف أن الكلديين ربما يكون موطن هجرتهم بالفعل من شرق الجزيرة العربية.

في العالم الجديد، أطلق كولومبوس على سكان الباهاماس، الجزيرة التي وصلها أول مرة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1492 في رحلته غربًا نحو الهند، اسم الهنود لأنه ظنّ أنه قد وصل إلى الهند فعلا، واستمر الاسم بعد ذلك ليطلق على كامل سكّان الأميركيتين، وبذلك وجاءت تسميات الهنود الحمر، ومن ثم الهنود الأميركيين، وجميع هذه الأسماء اشتقها الأوروبيون لوصف هذه الشعوب، واعتمادًا على خطأ في تصوّر وجهة الرحالة الإيطالي.

لكن، هل قلنا أميركا؟ هل استخدم السكان الأصليون ذلك الاسم؟ في الواقع لا. استمر العالم في الاعتقاد بأن تلك المنطقة الجديدة بالفعل جزء من آسيا، التي وصلوا إليها بالإبحار غربًا، حتى جاء مستكشف إيطالي آخر اسمه أميريغو فيسبوتشي Amerigo Vespucci لينشر رسالتين يوثق فيهما رحلاته إلى هناك في عام 1504 وجاء بفكرة ثورية تقول أن تلك الأراضي ليست جزءًا من آسيا، بل قارة جديدة مجهولة تم اكتشافها، وبذلك صاغ مصطلح العالم الجديد.

مجددًا، لم يطلق صاحب الفكرة على القارة "المفترضة حتى ذلك الحين" اسمه، لكن رسّام الخرائط الألماني مارتن فالدسميلر نشر خريطة للعالم في عام 1507 أطلق فيها اسم أميركا على تلك القارة تكريما للرحالة أميريغو فيسوتشي، وربما كان يظن أنه أول من اكتشف تلك القارة الجديدة. في النهاية، نرى أنّ قارتين بالكامل تحملان اسم رحالة إيطالي جاء بفكرة أنها قارة، واختار الاسم رسّام ألماني، ولم يصف السكّان الأصليون أنفسهم لا بالهنود ولا بالأميركان.

على صعيدٍ آخر، لو لم ينتصر آل سعود على الأسرة الهاشمية في القرن الماضي، لما كان اسم أغلب مساحة الجزيرة العربية اليوم "السعودية" ولكنا نسمع بنجد والحجاز والقطيف وما شابه، ولكن الناس اليوم يعتقدون بوجود شعب اسمه الشعب السعودي وأنه منفصل عن محيطه الثقافي. لنتخيل لو أن الهاشميين استمروا بحكم الحجاز وحكم آل سعود الجزء الآخر، لكنا الآن أمام شعبين: السعودي والهاشمي، ونعمل بجد لتأصيل الفروق بينهما وكأنهما كيانين إثنيين مختلفين. بالمثل استخدم قدماء المصريين اسم كيميت، ولكن الشعوب السامية أطلقت على تلك الأرض اسم مصر، نسبة إلى مصرايم بن حام، شقيق كوش، في العهد القديم.

حتى اليهود، لم يطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، حيث كانوا على الدوام عبرانيين وبني إسرائيل، ولكن الرومان اشتقوا هذا الاسم من اسم الإله يهوه، وكذلك حال العرب، حيث أطلق عليهم البيزنطيون اسم السراسنة، فيما أطلق عليهم الساسانيون اسم طيايي، ويعني الطائيين، وهي قبيلة من قبائل العرب ليس إلاّ. لا يتحول المواطن إلى أموي في العصر الأموي ويصبح عباسيًا ومغوليا وجلائريا لتبدل السلالات الحاكمة، ولا تغير صفة المواطن في الدولة العثمانية عرقه بتأسيس العراق الحديث بحدوده الراهنة.

ختامًا، الأسماء، في الغالب، لا تعني بالضرورة شعوبًا منفصلة وأعراقًا مختلفة، وبعضها مسميات مناطقية أو جغرافية أو سياسية، وبعضها من ابتكار شعوب أخرى في الأساس، وبعضها من صياغة باحثين ومؤرخين معاصرين فقط ولا أصل لها في التاريخ، ولا يجب بناء فرضيات لتأصيلات عرقية بناءًا على تسميات لا نعلم حتى إن كان الشعب قد استخدمها لوصف نفسه.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختزال التاريخ: خطأ تقييم خيارات الماضي وفق معطيات اليوم
- منظور تطوري لتفسير الأخلاق: ردود على النظرة الدينية للأخلاق
- جدلية الإجهاض في عالم التطرف والاستقطاب
- إثبات الذات وسط دوامة من ردود الأفعال - قراءة في مسلسل لعبة ...
- صراع البحث عن التعاطف
- أسود وحملان: الحرب على الإرهاب تحت المجهر الأميركي
- العلوم أيضًا في مرمى الأحكام المسبقة والتحامل
- فيلم ابن علي بابا: رؤية استشراقية لبغداد فارسية!
- أيام سيئة في البصرة: كتاب يبرر فشل مهمة سلطة الإئتلاف في جنو ...
- هارا أوتيل: رواية بريطانية عن أزمة اللاجئين السوريين في اليو ...
- في يومها العالمي: لم أعد أكره العربية
- بلاد فارس في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- الموصل في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- مسلسل ماركو بولو - إطلالة مثيرة على عالم المغول في القرون ال ...
- تمجيد القوة واحتقار الشفقة – تتمة في قراءة كتاب -هكذا تكلم ز ...
- أرض الأرواح: رؤى قبيلة كوز عن الخليقة والطوفان والموت والحيا ...
- مسلسل فرويد - دراما ورعب وتشويق، كل شيء عدا التاريخ
- فيلم -بطاقات القتل البريدية-: الهوس بالفن والحب الممنوع والج ...
- فيلم -برسيبوليس-: قصة الثورة التي حولت إيران إلى سجنٍ كبير
- فيلم -المحطة الأخيرة-: الأيام الأخيرة لتولستوي وحقيقة الحركة ...


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - ما الذي تخبرنا عنه أسماء الشعوب: ذاتية أم مصطنعة!