أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - النابض الشعري يستوحي مباح الجنسانية / عند الشاعرة: جوزية حلو















المزيد.....



النابض الشعري يستوحي مباح الجنسانية / عند الشاعرة: جوزية حلو


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 7309 - 2022 / 7 / 14 - 10:58
المحور: الادب والفن
    


وقفت الشاعرة الحلو عارية أمام القصيدة المحكمة بجنسها، وصورها الحلمية، وخلاعتها اللفظية، تستوحي البلاغة الإباحية، على وسع من انفتاح الصورة الشعرية الأحادية المنزوعة من ترنيمها العذري في اللون الذي مالت إليه من منظور ساق نبوغ التماوج الرشيق في حوضها المثير في جنسانية، ولأنا نجد الحلو متمكنة من هذا الاتجاه الحسي في معنويته، نقول إنما وجدناه يناصب الخيال والمتخيل الإيثاري في خلجات النفس البشرية في آن بدقة ودراية وقناعة تامة، وهي تستلذ في نشر هذا الميول الساكن والمرضي في مهواها لتوثيقه من حيث مهوى لا يتزلزل، حتى يعد وكأن الشاعرة قد اختصت بهذا التوجه المقنع في صورتها الحالمة، إذ نجده يتعاقب بتأثير نبوغ موضوعاته حسب سياق مكنونات القصيدة عندها في الأغلب نحن فيه من تحرير المستوى المحكم توازنه في الشعور الإنساني المباح عند جوزية حلو، نستدعي في هذا الخصوص بلاغات نستعرض من خلالها ما لم نجده عند الكثير من الشاعرات العربيات في يومنا هذ، على قدر من التناسق، وبصدده نود معالجة بعض نصوص موشحة من بطون التاريخ العميق اجتهدت بالغزليات في جناس الترجيحات والرباعيات من منظور قوة بيانها الأنثوي، حيث تنوعت تلك البلاغات الفنية في وصف الطبيعة التي تجاري العاشق أو المغرم بالأنثى من المعيون الترفيهي للنفس المرهفة، ولم يقتصر الشعر عندهن على ثقافة معينة بل لنقل إنه سبح في بحور غرامية مختلفة، فيما يلي بعض هذه الأشعار، وسيرة الذات المختصرة التي اغتنمت ثروتها الحسية عندما اعتمدت الرمز كحل لمفرداتها، تثير حال الشاعرية كما هو الحال عند الشاعرة الأندلسية "حسانة التميمية".. أولى الشاعرات الأندلسيات في هذا الجناس الذي نحن في صدد استشفاف بيانه الراخم العذب في قولها:

"إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي

عَلى شحط تصلي بنار الهواجر

ليجبر صَدعي إنّه خير جاير

ويمنعني من ذي الظلامة جابر"
ولو أخذنا مثالاً آخر لهذا من الموروث الأندلسي عند الشاعرة "زينب المرية" في شعرها الغنائي حيث تتباهى في إيقاعها السلس عندما كانت تجالس الشعراء وتباريهم في نظمها البليغ كرياض يحلم بالمتعة الشعرية بعد أن اتجهت صوب مشاعرها تستنب الفحوى الغرامي من شريعتها الشعرية، ولنقل إن تناولنا لبعض الشاعرات من العصر الأندلسي المزامن للدولة العباسية،

1- حسانة، التميمية: كتاب أدب الوفادة "داخل وخارج الأندلس" دار العلم للجميع، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1965، ص19

وأن قَلَتْ مساحته، لكنه في الوقت ذاته عظمت بلاغته اللفظية، وانارت فصاحة معانيه، ومن أجل هذا نشير إلى أن الشعر الإباحي لم يكن قط حصيلة المعاصرة وحسب، بل هو سجى من القدم توضحت معالمه ومحاسنه وقبوله من القراء، وما ذلك إلا لأن جرأة تلك النصوص الشعرية أحكمت الاستنارة والانفتاح الحر على أكثر من أفق منذ تاريخه الأول وحتى يومنا، ومما يزيد الأمر شوقاً لكذا نبوغ شعري في مفاهيمه الأريوسية تعين علينا أن نتواصل مع الشاعرة اللبنانية / الفرنسية جوزية حلو في هذا الميول العاطفي، وما تستحقه المرأة العربية من خلال شاعريتها من اهتمام، ليس لأنه حصيلة نص عاطفي وحسب، بل بالقدرة الممكنة التي اشاعت نجاح المحصلات الأدبية في سلة الشاعرة في تثبيت مكانتها النوعية بين حصيلة الأدب العربي والعالمي في حالات أثارت بها الانفتاح الحر على أفق واسع المتعة والتأثير، ولذا تجد التشديد في دراستي ينصب من منظور إحكام نقداتي في جزئها الثاني من كتابي أن انقض ما لم تثبت الشاعرة استعلاء نصها حسب تميز الاستنارة في صورتها الشعرية، مما يؤهل رصانة نظمها أن تؤمن به المبدأ الحر، الأمر الذي يصون مكانتها الإبداعية ببعض تناقصات خفيفة وشيقة، خاصة وأنها تحملت بعض نقدات غير ملزمة بالقدر الذي يحاكي استشفاف مكنونات النصوص الشعرية، التي توجه الرسائل الحسيَّة إلى البشرية، تلك التي تزيح الحجب عن الشعور الإنساني، حيث نجدها لا تبالي بمشقة ما تورده بعض الكتابات الساخرة بالسلبية من قبل بعض الأقلام ذوو الآراء المتشنجة ضد ارادة التنوير الخليق والمؤهل لإحياء العقول الحرة، التي انتزعت حريتها من تخلف القفص الديني.

وعلى ضوء ما تقدم نستمر نطرق الأبواب الرائدة في هذا المجال الشعري حيث أن هذا الريب يمتلك أرضية عاطفية نستنب منه الجمالية المحببة، ونحن نميل إلى شعور تتوالف فيه خلجات خيالية تضعها لنا الشاعرة الأندلسية "زينب المرية" في قولها :

"يـا أيّهـا الراكبُ الغادي مطيّته
عـرّج أنـبّـئك عـن بـعـض الذي أجدُ
مـا عـالج الناس من وجدٍ تضمّنهم
إلّا ووجدي بهم فوقَ الذي وجدوا
حَــسـبـي رضـاه وإنّـي فـي مـسـرّتـه
وودّه آخـــر الأيّـــام أجـــتـــهــدُ "

ولابد للمعاصرة من شاعرات يبثن إثارة الوجد الجنسي في نفوس المحبين لهذا النمط الفني، فكانت حلو احداهن في هذا المنحى الرطيب، وهي تهوى وتترنح بشهوتها المباحة لمن يشتهي من معيون قصيدتها، خامره مشاعرها نحو التلهف المنير إلى الاغتصاب الذي تهواه بإحساس شديد الترجي، وكأنها تبسط جسدها المجاني نشط اللهفة للمس، وهي ترتعش فيه راضية مرضية شيوع شهوتها المتضرعة لكل ذكر عطش لها، ولم تعد الشاعرة الحلو تأبه بما يقال عنها:

2- المرية، زينب: تاريخ الأدب العربي، عمر فروخ، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثاني 1984، ص650.

لأن تلك الشاعرية أباحه منفتحة على سرير مجاني لأنوثة المرأة الهاوية علناً تعاشر الذكر العطش البري الذي لم ير امرأة من قبل، تحيطه بفخذيها وتسلمه ما يشتهي بما يلوب من أجله، لها شأن يختص بوحدانية شخصيتها بوصفها امرأة مجردة تقبل التعيين في حالات التمرد في كامل صفائها وخلوة الاختلاط، فلعل ما هو ماض في وضوح الحقيقة أن جوزية حلو نجدها توضح الحالة الجنسية بين الرجل والمرأة، على أن تكون مترعة بالنكهة الجنسية وبها تصوغ الحرية المغمسة بالإباحية في المعلن الاجتماعي، ولا تجد ضيراً في هذا ما دامت هي ممثلة في رغبتها للثورة الشخصانية للموروث الجنسي المعلن، وبه تضاهي الاستعلاء على المتحجرات المتدينات، وما ذلك إلا لأن الحلو مقتنعة بما تفعل وتكتب في هذه الخصوصية التي تمثلت واقتنعت بها، ومنذ أن التقيت بها عبر قصائدها المنشورة على بعض المواقع الالكترونية، حينها أحالني التاريخ إلى الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي مع الفارق البلاغي بين مكانة القدرة الشعرية عند الشاعرتين، ومن خلال ولادة نستدعي الشاعرة القرطبي عائشة بنت قادم القرطبي حيث تقول:

"أراكَ الله فيه ما تريدٌ

ولا برحت معاليه تزيدَ

فقد دلت مخايله على ما

تُؤَمّله، وطالعه السعيد"

بينما نجد الشاعرة حفصة الركونية التي عشقت الوزير أبا جعفر بن سعيد، مثلها مثل ولادة عندما أحبت الوزير ابن زيدون، والمعروف التاريخي أن الركونية عرفت بالجمال والثقافة وحسن الشاعرية ففي قولها نستحسن القوة البلاغية اللسانية في مهارة شعرها حيث تقول:

"أَزوركَ أَم تـزور فـإنّ قلبي
إِلى مـا تـشتهي أبدًا يميلُ
فَــثَــغــري مـورد عـذب زلال
وَفــرع ذُؤابــتـي ظـلٌّ ظـليـلُ"

وفي هذ الترقي جالت الشاعرة الحلو تكتب أدب الوجد المقدس بما تهوى الروح من لذات الدنيا المحكومة في الخيال الداخلي، بلغة يعلو وصلها حين يحتقب فيها الوجد والاختلاج، ومن خلال هذه الخصوصية وصل هذا الأدب شديد الميل إلى دعاء الشهوانية عند الشاعرة الحلو حيث تقيم له وزناً إلى التلقي الذي يصاحب المؤثر الوجداني شديد الميل إلى التآلف الجنسي على أساس الحرية الفكرية الخاصة، حيث تقول:

يا آدم يزرع بذوره الحمقاء في وصالي

راضية تغتصبني شهوات الرجال

بواصل الهو انتصاب خياله في خيالي

3 - بنت قادم، عائشة: نفس المصدر، ص610.4

4- الركونية، حفصة: نفس المصدر، ص 644.

شادني الشعور بأن أدخل إلى مسار قصيدة الحلو واكشف عن ملذات صراخها وشهوتها وشكواها لشيوع اللذة التي تحاكي الجماع المعلن بين الجنسين، تلك العلاقة الحاصلة في صورتها المجسمة من خيالها الذي اوتى بمراد الانفتاح على الرغبة المعلنة، حيث تنتهي بها إلى جناس شعري تمكنت من أن تلبسه أسلوبها القديم الجديد حيث يروي تبعا لما من قبلها من شاعرات أتخذن ذات الاتجاه للنتيجة التي تريد بلوغها، من معيون الحبكة الشعرية القادرة على بلوغ المبتغى، اعتمادا على مفاهيم أكاديمية من العلن لتطورات البوح المحكم في نصوص محكمة في سياقات شعرية وقصصية وروائية تحكم الصيرورة الفنية، وتجلب القارئ المحاط بالكبت الجنسي، غير المعلن عند البعض الذي يلقي ظلامة على الحرية الشخصية المحسورة في المنكرة الغادرة، والسؤال كيف نميز التناقض الاجتماعي المقوّض للحرية الفردية التي توعز للنفس البشرية أن تمارس رغباتها الذاتية التي تلح في لحظات النزوة الجنسية.

كل مفارقة ما بين القصيدة الواحي للجنسانية والقصيدة التي تبتعد عن هذا التوجه المرتبط بإيحاء مختلف في ميوله يكون حاسماً في توجهه، حيث يمكن تحديد الميول العاطفي أو السياسي أو الاجتماعي الواقعي في لحظة نشوؤه المتخيل، في الصورة التي تثبت ولاء التمييز المشفوع بما ألقي من حجة في غايتها تصاحب التثوير النفسي بالميزة التي لا تحمل السوء ولا تلحق الأذى بالشاعرة أو القارئ، ففي التوجه الأول نقرأ الهوس الجاذب لقارئ يفاجئ بالحرية المتحولة المباشرة التي لم نعهدها إلاّ عند القليل من الشاعرات، والمقصود من تلك الدعوة غايتها وهواها أنْ تحرر العقل باتجاه الاستقلال الذاتي بالحياة الحرة، حتى يراجع الذكر أنثاه يوم التلاقي بالحوار المبصر بالرجوع إلى بعضهم البعض، حينها لا تستضعفهم الجرأة والعلنية بواسطة العلم البصير الذي يبعد الإجبار والإكراه من اللذة في لحظتها الحاسمة بالرغبة والمشتهى، بعيدة من التناقضات المرتبطة ببلوغ الدليل الحاسم، ألا يقاسم عصبية مصدرها البؤس المزروع في عقلية تقاليد الموروث الديني، الذي توسعت قوانينه المتناقضة ضد عصرنة بلوغ الحريات على اوسعها في إشعار بات يحاكم الترف الذاتي الذي يفضي إلى راحة النفس.

يعتبر ضمير المترفين بنعم الحريات ذات شأن يتصف بالتوسع الايجابي الذي يحقق المسار التنويري المؤثر في الذات البشرية، وهذا يعتبر يمثل دوائر جوابية للبقاء الحلمي عما يلقاه المتلقي من نتائج مجزأة بفوائدها التي تعطي شواهد نافعة للقارئ، حيث تبسط له مسببات نفسية دخيلة، أو مؤثرات خارجية محفزة تعالجُ بالزوايا النافعة للأفكار، وتحت هذا المفهوم نتطرق إلى خصائص مهمة الشاعر أو الشاعرة بمواقفه الايجابية تعبر عن الحريات بسياق حرية تختص بالمبادئ الإنسانية الملحة أن تتوج بعمومه سواء أكان في الشعر أم في القصة القصيرة، أم في الرواية، أم في النقد ذاته، وبما أني قدمت الشعر على جنا سات أدبية أخرى فهذا لأن موضوع كتابي يتناول: "تباين في الشعر النسوي العربي المعاصر"، وفي فصلنا الثاني تشاركنا الشاعرة الحلو بموزون ومعيار قصيدتها الخليقة بالتلاقي بين العاشقين، التي تداولها بعض الشعراء العرب ومنهم وربما أكثرهم الشاعرات العربيات كإطار صوتي أختص بالقصيدة الإباحية التي تعني الطواف في الشعر ذي الجلال بتسليط الضوء على المرام الجنسي المختص في اتباع انتظام تناسق نسجه، فقصائد الشاعرة الحلو تميزت بخاصيتها الجنسية الفخرية والوصفية والمدحية، التي ما فتأت ترافق حالة التأهب لمعاشرة الرجل أياً كان، حين ترتعش فخذاها ويضطرب صاحبها، ولهذا اجتهدت الشاعرة الحلو بتشبيه الرجل بصاحبه "المكلوم" الذي كان بدوره منفعلاً قاسياً في قيامه، وفي هذا لم تك الحلو بعيدة عن الشعر الأندلسي بالتناصب الذي احكمته مع الشاعرة الغسانية البجانية، التي عرفت بقول الغزل العفيف بأسلوبها الشيق العذب في قولها:

"أتجزع إن قالوا سترحل أظعان
وكيف تطيق الصبر ويحك إذ بانوا
وما هو إلا الموت عند رحيلهم
وإلا فعيش تجتني منه أحزان"

اختصت الشاعرة الحلو بالملمح الجنسي العلني في نصها الذي ظل يطاردها من اعلان به إلى تعبير أكثر جرأة، ومن زاوية اغتصاب تبشر بها إلى ساحل توده معاشراً لصاحب ملتاع للتلقي، ولطالما ربطت الشاعرة قصيدتها بقصائد الحب والغزل والنداء الدائم إلى العاشق الذي تتصوره يجري بدعوتها الفاتنة التي تصف به جسد المرأة وهي تمده بالخيال والاغراء الفاتن للذكر، كما لو أنها تصف الطبيعة الحالمة بجمال الورود وشدو الطيور، وهي تجمع في شعرها الحسن مع الفصاحة والقدرة على البيان، وفي هذا تحدثنا الشاعرة والناقدة الإسبانية كلارا خنيس في دراستها: " لم تستطع المرأة أن تحقق الإباحة في شعرها إلاّ إذا توفرت لديها شروط معينة، منها أن تعيش في مجتمع يسمح لها بالمشاركة في الحياة العامة ويوفر لها مستوى ثقافي معين، ويضمن لها حرية القول، والبوح والتعبير والمكان" والدليل الذي تعالجه كلارا للشاعرات الأندلسيات نجده عند الشاعرة الفرنسية من أصول لبنانية الحلو في المنظور الذي اجتمع في أغلب قصائدها المجددة في إذكاء قريحة شعرها، حتى أخذ الشعر يجري بنصها في الحب والغزل.

إن الكتابة الشعرية عند الحلو لها إثارتها الخاصة مطعمة بالتمرد على المألوف الشعري العربي، بالنسبة التي تجاوزت حساب المترتب بلوغه للغاية التي ترموها الشاعرة بحسب المعرفة الدالة على قوة المباشرة الإباحية في الصورة الشعرية عندها، فهي تستعظم النص الذي تجده مؤثراً بالقارئ المتابع لها، الذي يجد نصها يترتب على ما يشتهي هو، أو ما تكتسب عاطفته الخيالية أو الذكورة من صورها الشعرية، بمعنى أنَّ الشاعرة تحيي سعادة القارئ وتفيض بثورته الشبقية، بمعنى أنها تضع الأنثى تفيض بالرغبة الجنسية بما يزداد في شهوتها من اللمس للذكر، وبالاقتراب من هذا الاتجاه أخذت الشاعرة تحاكي المفردة التي تطرأ على الصورة الحبية فتمنحها طاقة إضافية تزيد من نشوة وقبول نظمها الإثارية، وفي الوقت ذاته ترفع من قيمة شعرها عند المتلقي فتمنحه تَناسب الإطار الدلالي الموسع في معانيه، إلاّ أن المظهر اللغوي عندها مباشر وغير دقيق في اختيار اللفظة البلاغية التي تمكن الجواب من معيون المركب الفصيح في الجملة الشعرية في تمظهر المقابلة والتشطير والمزاوجة، خاصة وأن الشاعرة الحلو لم تطرق يوما باب قصيدة العمود أو التفعيلة ولم تحاكي البيان الذي يساقي المقابلة بالازدواج أو المزاوجة في المفهوم الدقيق في النسق الدائري المفتوح على دوائر تحاكي المنتقى النحوي الذي تتقابل فيه التنمية اللفظية بمعدلها البلاغي، المتحصن من معيون زاوية تأمل الموازنة أن تلعب دوريا ريادياً في صيانة المعاني، سواء أدى ذلك التفاعل

5- خانيس ، كلارا: كتاب الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه، دار البيان، المغرب / الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1991، ص 43.

إلى التقارب أم التباعد للتلقي.

وفي سياق هذا النظم النثري في قصيدة الحلو أستوى الازدواج على بعضه بواسطة التقابل الوارد من القصيدة الأوروبية، خاصة في تأثرها المباشر بالصورة التي تبطن المباشرة الجنسانية وهي تحاكي العضو باسمه في مقابلات شعرية واسعة سوف نأتي على ذكرها في سياق دراستنا هذه،

ولعل الأمثلة التي نستشهد بها بوضوح ملحوظ في قصيدتها الظاهرة تحت عنوان النثر الذي يسميه الناقد د. عبدالرضا علي ب " النصوص المفتوحة" ذلك النص الذي يحاكي أبواب الشعر بالتقابل الموقعي، ولنا أن نتعلم من الباحث الموسوعي:

أبو محمد القاسم السجلماسي ظاهرة المقابلة في رأيه حول مصطلح التشطير رأيه: " يبان في إعادة اللفظ الواحد بالنوع في موضعين تختلف فيهما النهاية بحرفين متباينين، وذلك أنه تصيير أجزاء القول متناسبة الوضع متقاسمة النظم معتدلة الوزن"

وفي هذا القول الرشيد نأخذ القول منه أنه يدلنا على أن المقابلة كل جزء منها أن يكون بزنة الآخر وهذا يبان في الترصيع المعيون النثري أكثر مما هو عليه في الشعر التفعيلي، ولعل الأمثلة التي وردت في قولنا واستشهدنا بها تركز على ظاهرة النثر المنسجم مع النظم الموزون من غيره في مساق الإزاحة، وهذا ما ميز الشاعرة الحلو عن غيرها من شاعرات الأيروتيك بشهوانية ووضوح، فيما سردناه في المقدمة وأوردنا له من أمثلة تكشف عن قدم القصيدة الجنسانية في الشعر العربي النسوي، ومن خلال هذا الباب ندخل محبين إلى القصيدة الإباحية عند الشاعرة المعاصرة جوزية حلو:

آلهة الخمر والقبل

***

ماذا تقول الآلهة لرموش عينيكَ
قبل أن تغمضهما في شبق العناق
ولكَ كل هذه القُبَلُ
يا فينوس صلاتي
يا آدم يزرع بذوره الحمقاء في وصالي
أخطفني من نفسي وسل

جميلة أنا..

شهيّة، نهِمة، إباحية ،
ناعمة الملمس، غاوية المكلوم أن يمنحني الرجاء

6- السجلماسي، أبو محمد القاسم: كتاب بناء القصيدة الصوفية، مطبعة بني يزناسن، سلا، المغرب، الطبعة الأولى 2003، ص438.

خصبة كما الآلهات منذ طروادة
وأنا ألهث مع نساء الأرض
للدخول إلى هذا الفضاء بالوعود المعتّقة
تغتصبنا شهوات الرجال
تلهو على أجسادنا
كل إيقاعات الزمن اللاتي
تهزمنا فنهزمها حَبَالى برجال رحلوا
دع رعشات الجسد تلاقح
شبق السماء والأرض
لا تدعها تتكسرُ فوق زبد النسيان
وتحتَ خفقات المطر
أعبرُ معكَ طريق الذكريات والأسرار
نبحث عن شهوة رحلت
مع العمر المدفون في باطن الطين
***

منذ أن قرأت شاعرية جوزية حلو على صفحات الجريدة الإلكترونية اليومية، كان لي بعض رضى عن جمالية تآلفت مع الملمح الذي يقودنا إلى صورتها الشعرية فهزني انبعاثها الشهواني بشجاعة واضحة ومميزة، بعد أن علا صوت شعرها الإباحي بين القراء فأصبح في نظرنا تعلوه الدلالة المختصة في ميزته بصراحة تؤدي إلى بلاغة البيان المعلن في هزات جناس الأيروتيك بالمؤثرات الوجدانية التي تنشط بعلنية تتماهى مع المسلمات الاجتماعية التي تمنح الشاعرة حرية التعبير والنشر، وبسبب التطورات المدنية الاجتماعية التي تمنح الأنثى حرية التصرف الذي جعل من مستقبل هذا الجناس الشعري يؤسس للإثبات الطليعي أن يعاشر اليقين في جعل إرادة الحريات تبعث عن مهوى الشاعرة ألا تختلف بشيء في إرادتها مع الرجل في صراحتها وثقافتها بوضوح يعلن التمرد المفترض أن يُأخذَ بحكم الجرأة على أن تتقدم الشاعرة في نشاطها الأدبي التعبيري دون تأثير رجعي من الآخر، وفي هذا وجدنا أن الشاعرة الشجاعة يمتاز نشاطها بفتح أبواب الإباحة الجنسية بعلنية في قولها: " جميلة أنا / شهيّة، نهِمة، إباحية، ناعمة الملمس، غاوية المكلوم أن يمنحني الرجاء"، ومن خلال هذا التثوير وجدت أن تاريخ الشعر النسوي العربي الإباحي يتواصل في امتداده منذ القدم على تنويع الشهوة الشعرية بوله المشاعر الحساسة التي تعبر عن الصورة الجنسية المحكمة بمعانيها، وأن المرأة هي من تساهم في تحريك بقاءه، فيكون أكثر شجاعة في العلن المحرم عليها، وأقوى توصيلاً للإثارة من أن يقوله الرجل، باعتبار الأنثى هي محتوى اللذة، وهي السرير بما يشتهي الجسد الذكوري من خمار جسدها حيث تقول:

فليَّسَ للشمس توأم ولا للقمر

ما بالك..
يا آلهة الخمر والقبَلِ
يا راقصة تحت تنهدات تصلي عليكِ
يا أنتم !
يا من تختبئون وراء الوجهين والأقنعة
أوقفوا عربات الزمن وخفقان الأشرعة
إني أودعكم لأغرق في مهب الحروف
وأكتبُ قصائد الأرز
والنخيل والزيتون
كم تشبهون نفسي
وأنا معكم منذ عصور
أجمعُ الزهور والدهور
وأستمتعُ بأشعة الشمس على جسدي

تحاوره أناشيد جلجامش

=

وعلى ضوء ما تقدم نستمر نحاكي القصيدة ذاتها بعد أن شدنا الشعر في محتواه الذي فاض تناصه بنزعته الغرامية جناس المجسات الحسيّة الأندلسية، خاصة بحكم الدلالة التنويرية ونحن نمعن الاطالة في شعرها المستمد نجاحه المستمر الذي ينطوي على أن أسلوبها يتساوى بالجناس والطباق حيث التماهي الذي أصبح بنظرنا طابعاً يميز الحداثة الأريوسية على أن قدرتها العاطفية اتخذت من المحتوى الذي تجانست معه في ذاتها أن تقف على مبعدة من التقليد والتناصب، الأمر الذي ميَّزها عن النصف الآخر ممن اثأر الوجد، حيث بقيت تناجي الصبوة الحالمة بالغزل الإنساني بكونه يجمع المسافة النازحة إلى التغزل السياحي في حالة لقاء الذكر بالأنثى بدون غطاء يذكر في قولها: " ما بالك / يا آلهة الخمر والقبل / يا راقصة تحت تنهدات تصلي عليك"، وفي هذا الامعان الذي ينطوي على أن التحلي بالروح الأنثوية جعلت منها شاعرة على مستوى تتواصل مع الشاعرات اللاتي أخذن المكان النحوي والجمالي في كتابي "التباين في الشعر النسوي العربي المعاصر" الذي جعل من الحداثة النقدية تشكل البعد التنويري الصارم في لغته وتأثيره وخاصة في الوسط الجامعي، بالاختلاف الواضح على كل ما كتب من قبل، الذي وصفته المدارس الأدبية بالنقد الأكاديمي مع أنه أصبح يسكن الرفوف دون مرتجى أو تأثير على الحركة الأدبية العربية، ولئن سئلت عن هذا الأسلوب فقل أنه ولد محبا لتوضيح النص الأدبي بكل جناساه، أو قل بأن النقد الثقافي تحول إلى مسرحة الأدب العربي يمكن تحويل القارئ من المعقد النقدي إلى رياض اللغة الصافية يانعة بمعانيها وتحولاتها النقدية تعانق السهل الممتنع بخصائصه وجودته التي تتحلى بإشباع النفس بالوجود الفارض قبوله.

قصيدة حافية القدمين

تعدو الذكريات، تتلاشى،
تضمحلّ وتستيقظ
يمزق رسائله المشبوهة
جسده الضائع يلهو بالوقت
على صدر امرأة تتضور جنساً
في فندق ليل مهجور
قال لي يخشى السمعة السيئة
الحكومة وجمهور العالم
كان يأتيني في آخر الظلام
ليموت فوق بقايا مُتعتي


بامتياز نجد الشاعرة الحلو تجانس مصبات الوعي التاريخي الظاهر في محتوى النص الشعري أن يحاكي البيان من منظور ثقافتها بالنشاط المجدد تواصله الوافر في اسلوبيتها المعلنة، حيث جرت عليه وهي تصاحب واقعية الحداثة الأولى على يد: دانتي في عصر النهضة بمفهوم له سياق حي ينمو نمواً عضوياً في أطر فنية وثورية توقع الحصانة في مفاهيمها، وتلاه عزرا باوند، ومن ثم رامبو، وبودلير، وبول فرلان، وإلياس إده، وأوجين مانويل، وسارا شيبارد، وجين كيف، حتى النقلة التاريخية التي رسمها الشعراء العرب بدءا من استقلالية السياب ونازك الملائكة وبلند الحيدري وصلاح عبد الصبور، ونيقولا النقاش، وحنانيا المنير، وصالح الكواز، ولكن بأسلوب اختلفت فيه مفاهيم الحداثة، في الجوهر التام جديده في القصيدة العربية التي سميت بقصيدة "التفعيلة" المحددة في التكثيف والتطهير من ضرورات القافية في الشعر العمودي، وهذا ما جرت عليه القصيدة العربية وخاصة عند الشاعرات العربيات. وجوزيه حلو واحدة من هؤلاء الشاعرات، حيث نجد شاعريتها الأكثر وضوحاً في قصيدتها "حافية القدمين" في قولها: "جسده الضائع يلهو بالوقت / على صدر امرأة تتضور جنساً / في فندق ليل مهجور" فقد بلغ الشعر الحديث مأخذا مختلفاً سمي في حينه بالتجديد، الذي توضحت معالمه عند العرب في نهاية القرن التاسع عشر، حينها أخذت تسميته تقارن بالفن الجمالي المؤثر بوضوحه في النقد العربي الذي صاحب التقدم الاجتماعي حينذاك، بعد أن عرف بالديمومة الصائنة لحالة اضفاء زخماً يورد الاتساق والتناغم الرائعين لدراسة الشعر الكلاسيكي الذي اعلن عنه بالوضوح الكلاسيكي في جيل ما قبل الرصافي، والزهاوي، ومحسن الخضري، وشوقي، والجواهري، بعد أن أصبحت القصيدة العربية على يد هؤلاء تحمل تغييرات في الصورة التي فرضها عليهم اسلافهم تتضمن محاولات أصيلة للنظم في اللغة، وبمعيون الانتقال إلى المفاهيم توضحت في المباني الشعرية وخاصة في القصيدة السياسية عند الرصافي. نستمر في تفاعلنا مع بيان القصيدة الأيروتيكية عند ما نحن في صدده مع الشاعرة الحلو حيث تتواصل في قصيدتها حافية القدمين:

من مسافات بعثرتنا ... لحظات
دقائق ... ساعات ... أياماً وسنيناً
ورؤية شبح يتنفس الصدى
من الصمت
من الاعماق
من شهقة (بودلير):ــ

"أنا الجرح والسكين،
أنا الضحية والجلاد، أنا عدو نفسي"...
يا حارس الليل والكلمات
أنتَ تعبر الآن الجانب الآخر
الآخر اللامرئي من الدائرة التي
حاصرت نفسك بها
بأصوات خفية الروح
إيقاعٌ
أنشودة
حزن أزليّ
ونذهب الى القول أنّ التمعّن في الشعر النسائي العربي إنما ما نقرأ فيه يشكل أمر يبعث على الإعجاب والانبهار، ويثير دهشة القارئ سواء أكانت تيمه الإباحية ظاهرة في معناها أم محصنة بالرمزية، نظرا لما تتضمّنه هذه الأشعار من عذوبة ورقّة، وخيال مجنّح، وحرية في التعبير، التي لا يمكن أن تقارن سوى بحرية الوجود، ولم لا بأن هذه الحرية لم تتمتّع بها الشاعرة العربية في تاريخها المعاصر. التي تمتّعت بها المرأة العربية في الأندلس بأثر الحريات التي كانت تعيش في المجتمعات الاسلامية الأخرى. إذن علينا أن نضع المبدعة العربية المعاصرة في مراتب راقية تتساوى فيها مع الرجل، بل إنّ المرأة العربية أخذت تتوارد على نوع من الأكاديميات التي تتعلم فيها الفنون المختلفة، والعلوم التي كانت منتشرة في عصرنا، وأشهر هذه المدارس موجودة في بغداد وبيروت والمغرب وتونس والقاهرة.

كما تورد الشاعرة الحلو نصاً تصف فيه ذاتها العاطفية أنها خرجت عن المألوف الديني، بعد أن شكلت لها مسار تتضمنه مدرستها أن تعلن فيها عن جماليتها ومشيئتها ومواهبها وثقافتها، بل أنها كانت تجيد استعمال القصيدة الموحية للترف الجنسي في علانيها ونشير إلى أن الشاعرة الحلو تعلن ضمن فنيتها الشعرية أنّ الشأو البعيد الذي بلغته المرأة المتحررة من سوط الأديان لم تدركه زميلتها المرأة في المجتمع المغلق بتوجهه الديني في عصرنا، هذا إذا ما قولنا التمايز في عصرنا بالشاعرات الأندلسيات الذي لم ينحصر شعرهنّ في موضوع الحبّ والغزل والشكوى والعتاب وحسب- وان كان هو الأغلب- بل تعدّاه الى مواضيع وأغراض أخرى مثل المدح، والهجاء، ووصف الطبيعة، فضلا عن شعر الحكمة. وعلى ضوء ما تقدم نتواصل مع القصيدة أعلاه:

يا عابراً خطوطاً دون ثوبها الحريري
ومصباح يُضيء
خلوة ليلك الطويل
كم أتيتُ إليكَ
حافية القدمين
أختبئ فيك بين ذراعيك

أخاف كلماتكَ الحارة لو بردت
حيث لا حديث بيننا بعد الآن غير فمكَ
ونهدين جميلين تعبث شهواتكَ بهما
لكي يكتمل الدوار على منحنى الورك
بقصيدة عاصفة سكرى بالحرية
وبالقلائد الذهبية
تصف الشاعرة الحلو هذا الشعر بأنه أسلوب طبيعي وتلقائي يخضع لقواعد الشعر المشرقي، حتى أنها أخذت تلجأ الى معارضة شعر الرجال الأريوسي، أو الشك في مقطوعات شعرية المعبرة عن خواطر عابرة، أو الإجابة عن تساؤل محيّر، أو الدفاع عن النفس حيال إهانة المرأة لتناولها الأسلوب الجنسي في قصائدها المعبرة عن الزهو والفخر بنصها. ولقد تعرّفنا بالمساجلة الشعرية بينها وبين بعض الشواعر بالمختلف حيث كانت تُهاجَمْ على صفحة المثقف، وأجرت الشاعرة مقارنة بشكل غير مباشر بين شعرها وشاعرات عشن في عهود البداوة والأرياف حيث كان وما زال نفس المرأة محسوب عليها، إلاّ أنّ قصب السبق في معالجة الموضوعات الشعرية المعبرة عن الواقعية برقّة وذكاء النص، مع دقة الملاحظة وعمق المضمون وخصوبة المعنى وجمال المبنى، تداور من نصيب الشعر النسوي العربي، ولنا أن نشير هنا إلى أن حلو تمعنت بدقة مترفة الى أنّ الشعر النسوي بشكل عام بليغ وحاسم، وقد تجلّى ذلك جليّا لدى “الجيل الأدبي الشهير أبان تحرر القصيدة العربية من العمودي إلى التفعيلة، الذي ينتمي اليه غير قليل من مشاهير المبدعين في العراق ولبنان ذوي الصّيت العالمي البعيد أمثال السياب وسعدي يوسف ونازك ونزار قباني وآخرين في الوطن العربي:

يا وحياً يراقب رغباتنا الدفينة
أأصبحتَ شاشة تبث الاختناق؟
والطقوس الجنائزية وأعداد الموتى؟
نحنُ ننزل نحو جحيم
نختبئ
في زوايا الظل
تحت غيمات أوهامنا
فتعالَ، تعالَ، يا حبيبي..

أحبكَ!
أعشق أن تضحك في وسط الساحات كلها
تسخر..
تهزأ...
تستحضر الارواح في رقصة لا نهائية
كخيول بريّة
تركت نفسها تقع وتُداسُ
بهوس الحرية

تتواصل القصيدة "حافية القدمين" تستدعي الرمزية من منظور طرائق التعبير الداعية إلى الاسترخاء الجنسي التوليدي في لغة محكومة بالصبا والولع الجنسي، وفي مثل هذا الأمر تتمسك الشاعرة الحلو في أغلب قصائدها بتسميات أعضاء جسد المرأة في قولها المأسور: "حيث لا حديث بيننا بعد الان غير فمك / ونهدين جميلين تعبث شهواتك بهما / لكي يكتمل الدوار على منحنى الورك" فم الرجل وفمها يشتهيان أن تتواصل بينهما القبلة الساخنة التي هي المرجع الأعلى لأثارة المشتهى الجنسي، خاصة عند المرأة حتى يبتل المكلوم ليسيح السائل الخاثر بين الفخذين، وتلك المحطات المؤثرة في الحالة الجنسانية حالة النهدين مثالاً بعد أن وصفتهما ب "الجميلين" وهما محط الشهوة المكملة حيث تصاحب الرخاء والاستسلام عند المرأة، وارتفاع الثائر الإباحي عند الرجل في سياق حيْ ينمو نمواً عضويا على وتر شديد المشتهى، حتى يتحد الخاثر بالمهيَّج الصلب حينها تكتمل النجوى والنشوة والريع المصاحب لبلاغة الروح للروح، إذن هي جوزية حلو تشرح حالها من معيون ثقافة ترسلها للأنثى أن تصطلي بنار شهوة شاعريتها، وما زال الحلم يراود الحلو على أن تكون محط ريادة حداثية في خلق النص المتوازن مع الشاعرات الأندلسيات ومنهن الشاعرة حفصة بنت حمدون الحجارية حيث تشتكي الفراق وتلهفها للقاء حبيبها في قولها:

"لَهُ خلق كالخمرِ بعد اِمتزاجها
وَحسن فَما أحلاهُ من حين خلقته
بِوجهٍ كمثلِ الشمس يدعو ببشرهِ
عيونًا ويعشيها بإِفراطِ هَيبته "

لم تختلف مزايا النص الأباحي بين شاعرات العرب، بقدر ما أختلف النظم السياق الفني وحبكة البيان في الوزن، والتوازن وملهى اللغة في الإيقاع والورود الحاصل في البلاغة اللفظية وفصاحة المعاني، وفي هذا التوريد لا أود المقارنة بقدر ما أذَكرُ القارئ بين البنية الفنية في الشعر النسوي العربي بين الأمس واليوم، وفي هذا نقرأ هذه القصيدة السمحة في إثارتها حيث تقول الشاعرة الحلو:

قصيدة:

تعال الليل يقترب

==

قلتُ..
أنا امرأة من رماد ورغبات ومتعة
امرأة من ماء الورد والشهوة والغار
أعيش الحب في زمن العذارى
أتمتع بظلك حين تغفو في حضني
أنتَ القوة الكامنة في خيال يمزج الانتظار في الآتي
قالَ..
أنتِ امرأة من رحيق الشبق
وشهقة اللقاء
ناراً لشتاء خلف الباب
أنساً لوحشة العالم
ضوءاً لعتمة الأمكنة
نظرة عشق لكون على الجلجلة

لم ينحصر ما كتبته جوزية حلو بشعر تناول موضوعات الإثارة للشهوة الجامحة، بل تطرقت إلى نصوص بلاغية تنتقد العلاقات الخاصة في المجتمع العربي من ثقل القواعد، مثل معالجة الذات من وحي اجتماعي متخلف في شرائعه وعاداته، تلك الغيوم المغطاة بالعمامة وتخلف الشيوخ بقواعدهم القاسية، ولعل السر في هذه القسوة أنها أرادت توضيح حصر الجباية لصالحهم، والخطأ المفهوم في هذا السبيل يحكم الغموض الذي أصبح أشبه بغمضة عين وفتح عين أخرى، لكي يغطي صاحبها على ما يشتهي، أو لم يشته للآخر، نسمي هذه اللعبة بالمخاتلة لأن الذين وصلوا للقرار الحاكم كانوا جياعا، وثبتوا على الكرسي بالمحكومية العميلة، فالحكم عند هؤلاء هو اشاري وهو بدائي، لأن السواد لا يعترف بالحق لصالح البياض، فالعمامة السوداء والبيضاء صنفت على أنها أفضل من الآية القرآنية في نظر الجهلة، تارة تحجب وتارة تحتجب عند الاختلاف في الأحوال السياسية والمالية، لأن الاختلاف السلبي أحد أهم صفاتها، ومع هذا كله أصبح المثقف معارضاً وناقماً ومختلفاً بالاتجاه الايجابي، باعتباره "ضوءاً لعتمة الأمكنة"، ولهذا اعد الأديب وهو المثقف منذ أن اكتسب زخماً ذا منزلة رفيعة جديرة بالاحترام باعتبار قيامَهُ يسري ليخلق المحبة ويطورها، ومن أجل هذا نجد المبدع يمثل الحالة الحيوية للنص كما كان حال الشعراء في العصر الجاهلي، كان هناك الشعراء الكبار أصحاب معلقات نادرة في عصرنا مثل عنتر بن شداد، وعمر بن كلثوم، وامرؤ القيس، وطرفة بن العبد،

" يا جيلاً يراقب رغباتنا
أأصبحتَ شاشة تبث الاختناق؟
حضن الطقس الجنائزي..

يعدد الموتى؟
لنحن ننزل عمق الجحيم
نختبئ
في زوايا الظل
تحت ظلمة أوهامنا"

وفي هذا النحو تستمر الشاعرة الحلو سقاء قوة شعرها وسمو إبداعها في التنويع بين جيل وأخر تارة تحاكم التخلف في قولها المرن "يا جيلاً يراقب رغباتنا"، والسؤال الذي تطرحه الشاعرة شديد التعقيد بحث يعسر شرها في قولها "أأصبحت شاشة تبث الاختناق" وهي تقدم صفائها بسعيها إلى التباين بين الحالة الاجتماعية الحسنة وأخرى بين جيل يرتد إلى الخلف كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا، حيث تنتشر طقوس العمامة الجنائزية تخنق ما حولها وكأنها الجحيم، حتى أننا أصبحنا نختبئ في زوايا تحت ظلمة أوهامنا، ومن هنا نتبين اختلاف المعارف الثقافية عند الشاعرة الحلو حيث لم يقتصر النص الشعري عندها على طبقة أدبية معينة، بل سيق أسلوبها إلى التنوع حتى بقيَ يتمثل في المنحى الذي يصاحب الغزل العذري المدور، يحكمه جناس تعالج توازن العلاقات الحبية بين طبقة غنية بأموالها وفقيرة بأخلاقها، وبين طبقة أخرى غنية بأخلاقها وفقيرة بأموالها، وبهذا نجد الحلو تقرض الشعر بحبكة ذكية، تشادي النص الرومانتيكي المصاحب للعلم والمعرفة من معيون أدائه التنويري في مجتمعات أشاء علمها أن يستهوي الحرية الفاتنة، وفي التمام احرض القارئ العربي أن ينظم إلى متابعة الشاعرة الحلو لأن نصوصها الشعرية ترفه عن النفس بكل أحوالها.

الهامش:

التميمية، حسانة: كتاب أدب الوفادة، ويكيبيديا، مؤرشف من الأصل.

المرية، زينب: تاريخ الأدب العربي، عمر فروخ، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية 1984. ص610.

بنت قادم القرطبية، عائشة: نفس المصدر، ص644.

الركونية، حفصة: نفس المصدر، ص 613

خانيس، كلارا: كتاب الأدب لأندلسي، مجموعة نقاد، دار البيان، المغرب، الطبعة الأولى 1991، 43.

السجلماسي، أبو محمد القاسم: كتاب بناء القصيدة الصوفية، مطبعة بني بزناسن سلا، المغرب، المطبعى الأولى 2003، ص438.



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواجهة الشعرية بين القديم والمعاصرة عند د. سعاد الصباح
- الواجهة الشعرية بين القديم والمعاصرة / نتناول الشاعرة سعاد ا ...
- نبوغ المؤثرات الحسيَّة في شاعرية / غادة السمان
- البراعة الصوفية في المعيون اللغوي العربي / عند الشاعرة أمينة ...
- المعاني المقررة في شاعرية يسرا الخطيب
- تدوير المسار الروائي عند أ. د. قصي الشيخ عسكر
- الإحكام والعرفان في إرادة التصوف عند الشاعرة عاتكة وهبي الخز ...
- الروابط المقدسة بين الشاعرة والوطن / عند الشاعرة آمال عبدالق ...
- الصدفة المُيّسَرَة
- وقار - هايكو -
- سوريا الجريحة
- شكثر صعبه
- الذات، والمدن الصامتةجعف
- الذات، والمدن الصامتة
- كورونا إلى متى؟
- ابنة الحدائق
- أمي المساء
- نلتقي
- خَلِيَّةْ الانتقال في: شاعرية كاتيا راسم.
- الوطن والناس


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - النابض الشعري يستوحي مباح الجنسانية / عند الشاعرة: جوزية حلو