أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - المعاني المقررة في شاعرية يسرا الخطيب















المزيد.....



المعاني المقررة في شاعرية يسرا الخطيب


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 7156 - 2022 / 2 / 8 - 14:36
المحور: الادب والفن
    


إذا كان النظم والمبنى في وحدة القصيدة يُثْبَتُ إمضاءهُ، ويمضي بما اقتضى أن يمتنع النقصان والزيادة في البنية الفنية بالحالتين الشكل والمضمون، عند الشاعرة أيَّة كانت، الذي تعتمد في جوازها اللغوي على مرامي علم البديع، وجمانة معانيه القابلة للفهم وإثارة بنية التدور المعنوي في وحدتها لما فيها من الدقة والرموز وبيان الاستعارة، لتكون معبرة عن المقصود في الوعي الذي تستفيض فيه الدلالة المعنية في مقصدها فيما يكسب الكلام الفصاحة والبيان، حينئذ نقول هذا هو الشعر الصالح بالاستقراء التنويري من المنظور الذي يكشف عن دواخل النص، بالمهارة المقررة لوعيها الملحق قبوله بوازع ثقافة الشاعرة، في طابعها ومنهجها في التجريب الذي يشير إلى معنى بقدر ما يوحي إلى معاني لا حدود لها التي تنمو في ذات النص، على اعتبار الرابط المُحدث في الشعر العربي المعاصر الذي يبتعد بالقدر الكافي عن المتناقضات، والمعاني الضبابية، عندما يتشكل المعنى بمرآي مبصر النظم من لآلئه ومرجانه، بمنظور دقيق الوضوح، حتى يكون معبراً بمكنونه في علم البيان، حتى تكتمل الديمومة التي تشكل أبرز محاور النص بشهادة القارئ الواضحة، في ذكر الوَرَعِ في طبيعة جوهر المعاني الدالة على تميزها بين هجينها وأصل منبعها، يدلنا القاضي عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي في قوله "أن أصل الورع أن يتعاهد المرءُ قَلبهُ، فكلما تفكر فيما لا يعنيه، عالجه حتى يرده إلى ما يعنيه، 1"
ولذلك نقول هذا الشعر في موضوعه يقع في البلاغة موقع يجري بذات النفس في جدوله بنسق دائري على أرفع مقام المتضمن لأسرار الرؤى التي تحاصل التجديد في مكونها ، وقد نبهنا في دراسات سابقة في تناولنا الشعر النسوي العربي أننا لا يمكن أن نعلي من شخصية لها علاقة في كتابة الشعر إن لم تك ذات قدر وشأن يستحق التَمَيِّز والمتابعة، حينئذ نقرهُ بعد فحص دقيق تتعدد فيه التقنيات المُحدثة، وتتأثر به النفس المتلقية في رؤيتها الكلية، أنْ تكشف عن حركة الشعور في صورة الجملة التي تتناغم فيها الأصوات، فلأجل ما ذكرناه وبسبب ما نبهنا عنه أصبحت الحداثة والمعاصرة مصدراً لنا ومنبراً نلقي برأينا في كل ما ورد بنكران الذات الشاعرة، لأنه ربما نواجه بعضَ حجج تضعنا في الموقع الصعب تاريخياً، ومع هذا تعمدتُ عبور الصعوبة إلى جهتها الأخرى معتمدا على صدق وصلاحية الاختيار دون التوقف أمام قرب هذه الشاعرة مني أو بعدها عني أو حتى القطيعة إن حصلت معي، ومن خلال هذا المفهوم بظاهره سواء أكان على جهة القيمة الشعرية التي تحكمها الشاعرة على أن تحترز جهة الأسلوب في استقلاليتها عن سائر مجايلتها في ضبط الأحكام التي تقرر القيمة المثالية أن تضعها في المكان المناسب لها، حيث نقول أنَّ هذه الشاعرة أو تلك خلقت شعرها في نفسها.. أو أنجعت فيه من متخيلها المحكم بلاغة.
1- النيسابوري، عبد الملك بن محمد: كتاب تهذيب الأسرار، تحقيق: بسام محمد بارود، دار المجمع الثقافي، أبو ظبي / الإمارات العربية، الطبعة الأولى 1999، ص108.
ارتبط مفهوم التجديد اللغوي بالتغيرات التي صاحبت مسيرة الشعر العربي الحديث، حيث غابت عنه الكثير من المفردات المبهمة والمعقدة، والمصطلحات الغيبية التي لا يحتاج لها علم المُؤَوَّل المختص بغالب الرأي، بالإضافة إلى ما تتحمله المُبدعات من تثبيت في مضمون النص، ومن أجل هذا المبدأ نحى الشعر إلى دعم المبادِئ في شخصية حرة تتمتع بمفردة ذات عافية سهلة التوصيل في تشكيلها النحوي، وما فيها من انزياح يبسط من إملائها الاعتباري، خاصة في قصيدة التفعيلة سواء أحرزت تلك الحداثة مكسباً لغوياً أم نظرياً، فإذا قام البرهان الشعري على استحالة هذه العناصر في فنيتها بطلت كيفية معالجة جمالية الصورة الشعرية، التي يفترض أن تؤدي تلك المنعطفات التجديدية إلى طعم مستحب بنكهة مقبولة في وحدة البناء الباطني والشكلي. وكل ذلك نَما في عمق وشكل حداثية تنوعت فأفرزت مصبات سهلة الفهم، سواء أكانت في اللغة، أم في محولاتها الفنية. مع استمرارية الحفاظ على تراث المدراس القديمة كالمدرسة النحوية البصرية، أو ما اصطلح على تسميته بالمذاهب. المذهب الفراهيدي، مذهب سيبويه، ومذهب الأخفش. وفي الكوفة مذهب الكسائي، ومذهب تلميذه الفرَّاء. كما شارك في الصناعة النحوية البصرية أبو الأسود الدؤلي حين أخذها من الأمام علي خاصة في تنقيط القرآن، فقد رويَ على صفحات التاريخ أن أمير المؤمنين هو أول من وضع علم النحو في تقسيم الكلمة، وأبواب: إن وأخواتها، والإضافة، والإمالة، والتعجب، والاستفهام، وقال لأبي الأسود الدؤلي أنح هذا النحو.
بدأت الذات الشاعرة البحث عن الهوية عبر محاولات تنوعت في تحديث الصورة الشعرية أن تحتفي بالتخييل الحسي بين الفكر والعاطفة، خاصة تمتع الشاعرة بتحديث البناء المجازي بأساليب وطرائق تحث القارئ العربي على التقارب مع خصوصية جمالية تحكم لغة التواصل مع النص الشعري المركب الذي يتوافق بين التقنية المحدثة والتجربة من حيث العمق الثقافي عند الشاعرة أو الشاعر، ولذا فمن خلال معاصرة تزمين الفكرة نجد القارئ يستهوي استجابات التجديد التقني ويستحسنه خاصة إذا كانت الألفاظ تصاحب المعنى من حيث دلالاته البينة، يدلنا الناقد هارولد بلوم إلى:" أنَّ الفكرة التي أستطيع الاقتراب منها الآن أكثر من غيرها عندما يكون النجاح قريباً منكَ يرجح الإبداع في داخلك2" وقد بدأ هذا التنوع من استجابة الشاعرية العربية بالاحتكاك الثقافي والاستفادة من الآداب الغربية المعاصرة، وفي منظور هذا القرب ذابت الفوارق المتشنجة العصبية من حيث تلقي الأديب لغة مختلفة في مصراعها وتفننها ومناغاتها التحولية.
2- بلوم، هارولد: كتاب قلق التأثر، ترجمة عابد إسماعيل، دار الكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الأولى 1998 ، ص107 .
ومن مصدر هذا الرأي سبق وأن أشرنا إلى مصاهرة التنوع والتجديد اللغوي في الجسد الشعري، الذي أزيح عنه القالب الجامد منه إلى نحو بنية توصيلية سهلة الفهم والتحليل باتجاه اتخاذ خطوة إضافية. ولكي لا تكون ماهية الهوية متشبثة بأفكار قديمة تحت شعار الحفاظ على هوية اللغة، وحتى لا يبقى الفعل الإرادي تابعا للتكرار، تنادينا نحن المجددين، في منهجية البنية اللغوية بدلاً من التعقيد والإبهام، إلى لغة سلسة، لكنني لا الغي أو أخطئ أصحاب المدرسة القديمة ببقائهم تحت لواء ذلك المداد، مقابل من اعتلوا منبر التجديد والتوصيل السهل غير المعقد في اللغة والأسلوب ومجانسة التأمل الذي يحاكي الصورة من معيون هذه الفكرة التجديدية في تعميم ونشر هذ الأفكار، من خلال نظرة مجددة في محاسنة ومقاربة سهولة حبك التقنية لمحاكاة باطنية وحدة التجلي في الصورة الشعرية، وتقديمها على أنها تحاور الرؤيوي الميتافيزيقي الموحى بطبيعته بتشويق ذات حساسية شعرية تعتمد على مرجعية اللغة الجزلة الفصيحة، كما عبر فرويد في مقالته الشهيرة قوله: "ما وراء مبدأ اللذة".
تنادى مجموعة من المشتغلين في نحو اللغة العربية في معاينة جديدة لبعض المفردات التي يمكن أن نتجاوز تعقيدات كتابتها مثل: "إذن و إذاً". وكلنا يعرف إنهما حرفا جواب وجزاء يعملان على اختلاف موقع فعل المضارع، إذا نصب فيكتب بالنون "إذن" وإن لم ينصب بالألف يكتب: "إذاً" حيث كانت فكرة المتقدمين من النحويين العرب وهم: د.عبدالكريم اليافي، د.عبدالكريم الاشتر، د. نعيم اليافي. أخذوا بتوحيد تلك الحروف إلى حرف واحد لكل منها، إما: "إذن، أو إذاً"، وهكذا. لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، فبقيت تلك التيم كما هي تحت مظلة المدرسة القديمة، ولكن الكثير من الكتاب ومنهم أنا، التزم بفكرة تلك التحولات، ونشير بذلك إلى المجموعة من الباحثين ممن صادقوا على تلك المبادرة ومنهم: الشاعر المجدد بلند الحيدري، والشاعر صادق الصايغ، والشاعر عباس بيضون، والروائي الطاهر وطار، والروائي حيدر حيدر وآخرون.
تمتعت شاعرية يسرا الخطيب "الفلسطينية" بالماهية الاعتِبَارِيَّة المُفعلة في أعمالها الشعرية الصادرة عن دار الكلمة للنشر والتوزيع، بإخراج يتمتع بحرفية ومهارة وثقة، نعم هو الشعر إذن، وبعد قراءة مركزة وجدت في هذا المحمول الذي يمكن تصور قصائدها باللزوم بمتساويين المتعة المباشرة، والبراءة في حبكة الرموز، بما يُنظرُ لها من جهة جزالتها أنها سالمة من التعقيد، مع ما تتضمنه من الأنواع المجازية في أرقى مراتبها، وحال شاعريتها يبرهن على إنها تنطق بالسليقة الحيوية الكلية، من ملكة أنارت الفكر بالإلهام إلى ما يلقي عليها من إبداع بوازع متخيلها الذاتي. فقد احتوت قصائدها على ثلة ناجعة من التنوير واللقط الفكري المثالي. بعد أن وجدت عصارة خلق شعري تنوعت في موازنة تُسَامر مقبولية مقررة أجدها مرغوبة عند القارئ الملبي صفاء الشعر في تجانسه عندها. في هذا يقول فريدريك نيتشه: "علينا أن ندع أجمل كفاءة ترفع الأشياء إلى مستوى المثال، تسيطر علينا، 3". وهنا نتبين النظرة الجادة في وزن المصاهرة العضوية بين الفنية واللغة المحكمة. وفي هذا الفحص وجدت الخطيب قريبة من صفوة النقد والتحدي، فالشاعرة التي تعددت رحلاتها كانت الأمكنة لها قصيدة يافعة، تحاور رشاقة قصيدتها في غنج لغوي وفيه ملامح من لمس حيوي يحكم الجمالية العميقة باستمرارية التلقي، فالصنف الأصيل واضح في قراءته. حيث لا إساءة، ولا مستكره، بل الأجود كما أتت به الشاعرات المميزات من جيلها بصفاء الموهبة المكيفة، كما ورد في قول الشاعر أبو نواس في جماليات التركيب من بلاغة اختص بها النواس في قوله:

"وإن جرَت الألفاظ يوْماً بمِدْحةٍ = لِغَيرِكَ إنساناً فأنتَ الذي نَعني."

نلمس في هذا البيت الأنيق تتويج أن يكون الآخر المقصود هو المتخيل النوعي، بما فيه من نبوغ التدفق ما يقع به الإفصاح البديع من مخاض دوائر الإحساسات المنتقاة بالرفعة، وبما أني صاحبت وعاشرت جمالية هذا البيت المعني بالتشخيص، أما المظهر الشعري عند الخطيب تساوى في اللوح الفني الذي اعتمدته الشاعرة بأسلوبية الدفق الحسي الداخلي الذي يصاحب التجديد إصالة الجذر المحكم في نظمها الكلي، بواقع إحكام الإثبات في صناعة الألفاظ المتباينة أقيستها، كذلك إحرازها على آلية التأويل الموضوعة في المعاني المعبرة عن أحزانها، كما هو الحال في القصيدة الحرة في بدايتها، مع الفارق في الشكل والاتجاه في الثقافة الفنية المتفقة مع بناء المكانة المعنوية، أي أن تعويل الفرائض المستقلة في الصورة الشعرية تستأثر اجتراء خَصَل الأحكام الدقيقة، ومن أجل هذا قرأت الكثير من شعرها الوجداني فلم أعثر على ما يخدش الذوق المتفق مع الشاعرية الحسية في أرق مراتبها. بل وجدتها في صعود تناغمي أنيق، يوضح اسلوبها التجديدي المحاط بميزة أطلقته الشاعرة في امتداد تنويع واسع للمعاني، كونها تدنو بلغتها السهلة من لغتنا اليومية المألوفة، حيث تجعلنا نقرؤها بقبول وشغف. ومن أجل هذا المبدأ اغتنى نصها بالفصاحة والهيبة في شخصية هذه الباقة الشعرية، الذي تنوع إحساسها بميزة أحكام أجزائها الموصلة بأدق المقاييس من حيث استقراء اللفظة والفكرة، وكأنما انطبعت آثارها على صفحة نوعيتها الناجحة التي تشيد العلاقة بين الأشكال والمضمون. وفي خصوصية هذا الإبداع المميز دخلتُ روضها اقتطف بعض جمال أثر صفاتها الشعرية، على أكثر من لقاءات تمثلت بالكشف عن قدرتها
3 هذا- نيتشه، فريدريك: كتاب إنسان مفرط في إنسانيته، ترجمة محمد الناجي، دار أفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الثانية، 2010، ص103.
الأدبية وثقافتها الواسعة في متون الأدب والاجتماع، ومن خلال هذا العيان بسطتُ رأيي معلقاً ومحاوراً تلك النصوص المؤثرة في الوجدان البشري، فدخلت محللاً لبعض مختلف فني في السياقات التي تختص بها الشاعرة، ولم أجد انزعاجاً أو ضيقاً معيناً من الشاعرة في مهوى نقداتي، بل العكس من ذلك كانت متجاوبة ومسرورة، وهذا يعني سعة ثقافتها وقوة تحليل أحكامها الهادئة، من حيث بلوغ هذ التصورات وجدتني متبايناً ومتوازيَ الإعجاب بقصيدتها، وهذا ما شجعني أكثر على الولوج المرن بالتبصر، والاستدلال، والخلق، أحاور مما تجلت به مجموعتها الشعرية الصادرة حديثاً بكل اطمئنان وحرية، وفي هذه القدرة المشجعة في قصيدتها وجدتني أضع أولى بصماتي على هذه القصيدة المشبعة بالتصادم الفني النوعي من المجموعة الشعرية: لا قيامةَ لكَ الآنَ:

القصيدة: لا قيامةَ لكَ الآنَ:
عش عمرك كاملا
متجاهلاً موتكَ
كي لا يقبضكَ الوطنُ عليلاً
***
لا قيامةَ لكَ الآنَ
لا تغضَّ الطرفَ عن فَرَحِكَ
واغزِل من خيوط الشمس ثوبكَ
قبلَ أنْ يقرروا عنكَ الرحيلَ
***
لا قيامةَ لكَ الانَ
عد للوراءِ قليلاً
واصنع النَّصر وحدكَ
قبلَ أنْ يقيدوكَ
على ذمة التاريخ عميلاً
***
لا قيامته لكَ الآنَ
لكَ المطلقُ
أن تختار في السماءِ
أو في البحرِ
قبركَ
قبلَ أن ترفضكَ الأرض قتيلاً
***
لا قيامةَ لكَ الآنَ
متْ وحيداً
متْ غريباً
متْ غَريقاً
اختر أي نبوءة للموتِ
قبلَ أنْ تعانقَ المستحيل
=
تتفاعل الشاعرة الخطيب بحساسية الحالة الخاصة وهي تحرز قدراً كبيراً من حصار التأثر المكرس على شعب سيق إلى القلق الدائم، وتلك الحساسية مكنت الشاعرة من الخوض في تفعيل بيان تكامل تضادي مع المعيون المجتمعي الآخر، وهو ما جعل هذا المأزق هوية لشعب يفتقر الاختيار لنفسه تحت ظلم مغتصب الأرض والحريات والثقافة والتاريخ والانتماء العربي، ومن خلال هذا المنظور فإن الشخص الفلسطيني وبسبب إدراكاته البراغماتية التي تناولتها الخطيب بالتحقيق والعرض في جواز محاصلة فعل الذات الناقدة، بعد أنْ تنوع نصها المُدرك بدليله الذي يلزم العلم اللغوي بجناس آخر يفيد المذهب الكلامي بأن يورد ملازمة ما أسنده النظم في السبك المرضي للقارئ، لأن من خصائص شاعرية الموهبة أن لا تبتلي بالسفيط المخل بالحالة الشعرية الملهمة، يقول الفيلسوف الإنكليزي تشارلز بيريس في الفلسفة الناعمة رأيه: " قد أشار فيه إلى أنّ عقائدنا هي في الواقع قواعد للسلوك والأداء، وكلّ ما نحتاجه لإنشاء معنى لفكرة ما هو أن نحدّد أيَّ سلوكٍ هو الأصلح لإنتاج هذا المعنى،4" وبما أن الشعر الثوري يحتاج إلى الإتيان بالقواعد المحكمة يكون شعاره الرفض المطروح دوماً، من أجل أهلها وشعبها على أرض لم تنس مواطنيها حتى في الاختلاف، لكي تخلق صورة شعرية تخص العامة على الثبات، على اعتبار أن العاطفة الوطنية تتجلى في الإحساس والانتماء النفساني للأرض الأم
4- بيريس، تشارلز: رواد الفلسفة البراغماتية، الصفحة الرئيسية في سطور.
تتصدى لمغتصب مصاص للدماء، فنجدها توعز إلى فصاحة اللغة الحركية المتشابه في تنزيل بيان الإشارة حيث الموازنة في استدعاء الرمز هو في قول الأمر الذي تحتكم في قولها:
عشْ عُمركَ كاملاً
متجاهلاً موتكَ
كي لا يقبضكَ الوطنُ عليلاً
وتحقيقاً لهذا الهدف نجد الشاعرة تحسن تراكيب السبك المعبر بجواباته عن حقيقة الحالة المشخصة في ملافحة حاصلة تتكون في الرؤية الحاسمة بمنزلة العناد من أجل هذا يصطفي المقاتل أن يمنح للموت معني، لأنه يساكن التضحية من أجل تحقيق الحلم الذي يجري في عروق المناضل، سواء أكان هذا التوصيل يتوضح بواسطة الغضب المعنوي، أم في سيرورة التضحية، حتى يكون المقصد المعين هو الوطن، وقد عرفنا جيداً أن هذا الالتزام يعيش في الذات الفلسطينية الجبارة، وفي تلك الطبيعة الحرة يحدث هذا عند الإنسان قبل النطق بالحروف، حتى تدرجت الشاعرية لتشكل جزءا مهما في نوعها وحساسيتها تلاقح مسيرة المناضلة المركبة، لأن هاتين المنزلتين تشادت كواسطة بين التضحية والشعر، ولهذا تدرجت اللفظة المركبة بحساسية اختلفت بوضوح الدفق العذري للمعنى، المصاحب لطيف شغف الحرية أن تخلق توتراً عاطفياً للتاريخ حتى يشير إلى المجد، عبر مصبات أكثرها قيمة بتوطين الفرد على طينته الحراء من حيث لازم الوجود، فيكون المزج عبقريا عند الشاعرة بتوظيف الألفاظ المستخدمة في تحقيق مآرب المواطن على أرضه محبة، يقول الجرجاني في هذا الخصوص في مجال الافتخار: "وإن كان افتخاراً، كان شأوُه أمد، وشرفه أجد، ولسانه ألد. 5 ".
دأبت الشاعرة أن تكون أفكارها واضحة من رؤيتها العلمية للأحداث، حيث نجدها تمارس شعائرها التخيلية في فضاء يدور بمنتجها إلى حيث يشتهي الشعر مقامه الإنساني في خلدها، وهي متمتعة بهذا التوليف المدرك لوطنيها، بوعي كامل في شعرها الذي يضم بين دفتيه مهتديات تنويرية احتوتها لنفسها وعملها، حيث نجدها منزاحة بكل مشاعرها إلى توليد الأفكار المادية التي لا تلتزم بالقواعد التنويرية، كون التجاوز يعمل على التجديد في السياق العام، وهذا نسميه بالتغلغل الفصيح في نص عاينته البلاغة بما قررته الفصاحة من منظور قدرتها اللازمة على تنزيل قضية تتعلق بالكرامة الوطنية، لأن هذا يشكل عندها مادة غنية لأقلام التاريخ أن تقول كلمتها عنها، هذا من الناحية الشرفية اتجاه تراب الوطن، أما من ناحية مشاركة الأدب فقد ميزت خصوصيتها بالإيقاع الفني المتحد بالرشاقة الأسلوبية في شاعريتها المتفردة، بكونها تمتاز بلغة شعرية تخيلية محصنة بالثوابت العلمية التي تحدد الصورة الشعرية بواسطة الجوهر اللغوي الذي يعقد التدور لما فيه من الدقة والرموز لأنها تصور حقيقة الشيء كما حدث عند السياب في قصيدة "هل كان حباً" وعند بلند الحيدري في قصيدة "خفقة الطين"، بعبارة مماثلة نقرأ الخطيب أكثر الشاعرات الفلسطينيات ميلاً للوضوح في أفكارها، ومقصدها التقرب من القارئ، لا لكي تبتعد عن المناورة اللغوية، بقدر ما تنوي ملامسة وجدان المتلقي، كما هو الحال في قولها هذا:
لا قيامةَ لكَ الآنَ
لا تغضَّ الطرفَ عن فَرَحِكَ
5- الجرجاني، الشيخ الإمام عبد القاهر: كتاب أسرار البلاغة، الناشر دار المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1991، ص115.

واغزِل من خيوط الشمس ثوبكَ
قبلَ أنْ يقرروا عنكَ الرحيل
قد يسمي البعض هذا الأسلوب بالمباشر أو التقريري، لكنني اراه طيفاً مختلفاً محيطاً بأسراره، يمثل مهتدى للبنى والمقاصد الإلزامية التي ينأى بها البعض المتطرف من دعاة المدرسة القديمة، بينما نجد الخطيب تميل إلى المدرسة اللغوية الأكثر معاصرة، كون اللغة عندها تخرج عن دائرتها المستقلة في توازنها وتخصصها هي، تغربل الكلام من فيه، باحثة عن لفظة تعتني بمزاجية المعاني المُحَوّلة إلى وجدانية القارئ، إلى حيث معنى أكثر توليداً وجاذبية بنيَّ على محصلة تدفقات الصورة الشعرية ذات الطرق الحسي الملموس والمدقق بالنبض والدلالة في المضمون بظاهر لفظ يؤنَس القارئ، بكونه يأتي بحصيلة علائق تثويريه لدفق أكثر متعة، لأن التبصير في رؤية الشاعرة العارفة بزوايا القصيدة المناضلة أو الثورية هو مجاز يقتضي أن في كل حقيقة ما أريد لها غير ما وضع بها، لا ترد على أي اعتراض وقد تجدها في مجازين أو أكثر، تجدها الشاعرة مرسومة على فضاء توليدي في متخيلها النوعي من واقع رؤية الحوار المكثف في نشيدها الفلسطيني الذي تود أن تشرك القارئ فيه بتأثير الحوار المتقن في مهواها الشعري، ببصيرة تكشف عن الخطوط والاتجاهات والميول إلى أين تؤدي بالنتيجة والسبب الذي حدثنا عنه الفيلسوف: د. على الوردي وهو يناقش المبدأ عند ابن خلدون بالمبدأ الأرسطي قوله: "لعل من المجدي التطرق إلى ثورة ابن خلدون على المنطق الأرسطي، المحصور في العلاقة العقلانية التي تميز المعرفة الصحيح6". وهنا نجد الخطيب تبحث في شعرها عن هذه العلاقة الوجدانية العقلانية، ولو سألنا الأقوام الأوروبي لماذا العدو الصهيوني لا يسلك منهج الصداقة بتفضيل العقل على أن يبتعد عن سبك دماء أصحاب الأرض، وللرد على هذا المنطق الحسن نجد الشاعرة يحتفل مقامها العربي بطقوسية خاصة تخرج عن المـألوف المسرحي بالقراءة إلى توضيح معين، في قولها:
لا تغضَّ الطرف عن فَرَحك
قبل أن يقرروا عنك الرحيل
الشيء الذي تدركه الشاعرة يتم بوازع تخصيص المسافة ولا يتحدد فيه المكان، بل جعلتها مُزَاحة بأمر الآخر المغتصب، إلى فضاء مفتوح على عريّه، والمسلك هذا تبغيه كما هو طباق وتلاقي بين الحالتين لتحقيق مؤديات المعنى، حيث تستكمل مشتقاتها العضوية الأخرى في معنى يستكمل وعي خصوبته، المقنن حوله بالتوصيل الشفيف إلى حيث يتسع به الفضاء الملاقي والمرحب بحضوره.
لا قيامةَ لكَ الانَ
عد للوراءِ قليلاً
واصنع النَّصر وحدكَ
قبلَ أنْ يقيدوكَ
على ذمة التاريخ عميلاً
مع أن الصورة الشعرية التي متعتها الخطيب بكل هذه الحرية المقصودة من أجل محاكاة القارئ بكل اطيافه، كما هو الحال في هذا الرأي للنفري: "قارئ عرف الكل، وقارئ عرف النصف، وقارئ عرف الدرس7" إلا أننا يجب أن نعترف أن هذا الأسلوب لم يكن مألوفاً في الصفحات الشعرية إلا ما ندر، مثلاً في قولها: "لا قيامة لكَ الآن" هو تطابق دلالة صورتها على جهة الزمن الذي يحترز به الفرد عن سائر الأمم لأن الشاعرة تعي الدال على الواقع المألوف على التراب الفلسطيني المقدس بالتحديد، لكنها تمتهن بدعواها للحكمة الإلهية، أو للقدر الذي جاء بالمغتصب ورماه بطريق شعبها، والقدر هنا هو الحبيب الحاضر، مع أن الجملة تصاهر سياحة وجدانية رمزية معتادة الشغف النوعي في المناداة العامة، هذا لأنها ضمنت الإله بفحوى صدق الدعوة الروحانية في خلوة مناجاتها، أو إنها مبهورة بلقاء تقلب به وجه المحتل وحال لسانها يقول: "عد للوراء قليلاً" وبهذا التحذير فالتحليل يتلاءم مع القيمة الرمزية في البنية الفنية في عروق النص، لماذا؟ لأنها ربطت معنى التذكير بالحقيقة بما تلاه من معنى تكميلي من مضمون الجملة التي جاءتنا سياقاتها بالتوق أي التمني المعني بالأمكنة التي تطويها المسافات، لا على تحديد معين، بل بالإهداء الوطني في قولها " واصنع النصر وحدك" الأمر المختص بالرديف المعنوي أن ذلك البطل الذي يصنع النصر وحده هو من يهدي الوطن ريحاً لأهل الأرض الأوائل وبهذا أبقت هذا المعنى مفتوحاً على فضاءات تعاين التأويل إلى محققات عدة.
6- الوردي، علي: كتاب منطق ابن خلدون، دار كوفان، لندن، الطبعة الثانية، 1994، ص40.
7- يوسف، سامي اليوسف، كتاب من مواقف النفري، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1981، ص7.

لا قيامةَ لكَ الآنَ
لكَ المطلقُ
لا قيامةَ لكَ الآنَ
لكَ المطلقُ
أن تختار في السماءِ
أو في البحرِ
قبركَ
قبل أن ترفضك الأرض قتيلاً
المراد بهذا التكوين المجازي حيث وجدته يعمل على طباق التعويض المرسل من المراء المعنوي بعنوان الإيماء الرمزي في مرتبة كاملة المعاني المتصلة بصدق قضية التقدير الإنساني، الذي لم تطرق أبوابه شاعرة إن لم تك واسعة الخطوة لأنها تقيم البرهان العقلي على الحقيقة الواقعة بالمرتبة الروحية المحصنة في دلالاتها من حيث تأويل ظواهر المُرُوءة، فهي تعتبر الحقوق باليد نعمة، وإن المراد بالعين معرفة، لأنها ترمي إلى السهولة بعنوان اللفظة المستساغة، وإن كانت هناك إيماءات مصدرية قاموسيه لكنها لا تعني الفلسفة التشكيلية في ملاقاة المعاني ببعضها، وقولها "لك المطلق" الصورة مخصبة بالفلسفة التحويلية الموصوفة ب"المطلق"، ومع هذا فهي تختبر الإزاحة في نظام المعنى فتضعف البلاغة عندها، وفي المثال على هذا النحو نقول: ليلاً تشرق الشمس في عينيكِ. ولو قلنا تشرق في النهار، لكانت الجملة خالية من البلاغة. إذن فالسماء أو الفضاء حالة متحولة في مجازها في قولها: "أن تختار في السماء / أو في البحر قبرك". بمعنى أن الشاعرة لم تحدد المكان ولم تتطرق للزمان لأن الموت هو نهاية المجرى في الطيف بعنوان السماء الضاحكة، كونها مزاوجة تعليلية اتفقت في السياق التوليفي العام في المضمون، واختلفت في الشكل، لأن الشمس لازمت السماء بصيغة الضوء، وانحازت لطيف آخر يتابع المعنى بالاتجاه التناسلي، لكنه لا يتفق في التوزيع والطباق الفصيح، لكن وفي الوقت ذاته أصبحت السماء في نظر الشاعرة غير مشرقة في بلاد تفتقر لإضاءة التراب في فلسطين الأم.
لا قيامةَ لكَ الآنَ
متْ وحيداً
متْ غريباً
متْ غَريقاً
اختر أي نبوءة للموتِ
قبلَ أنْ تعانقَ المستحيل
وما تبقى من طيوف تعددت احوالها تلك التي صبت في سريان المعنى ذاته. خاصة وأن السماء أو البحر لها من الدلالات ما يغني وما يُعشق لأن النبوءة إله في الأسطورة، وهي شمس الحب، وشمس الحرية، وشمس الخير، والتعليل الذكي الذي ذهبت إليه الشاعرة هو أنها صيَّرت النبوءة دليلاً كشمس اللغة، والنبوءة التي هي الشمس لها معان أخرى كثيرة تحتمل مؤديات غاية في البلاغة التوليدية البنيوية تحاكي الإيماء المبصر في مسنده. وفي هذا المقطع المطرز بالمحاسنة، الدال على الاستنتاج العام الذي من المفترض أن تكون حلوله جاهزة عند المخاطب المستحب لخطاب الحق للعارفين ظهور الواقع بنوع تجلياته القاسية، وهو أن يبسط الحقائق المعنية عن معرفة المستقبل الغامض، أو حتى ما يعني ببقائه أو الإبعاد عن تلك الأرض التي مازالت الشاعرة تحتضنها، مع أنه ترى أن الأمر بقي كما هو مخيبا للأمل الذي كان يرجوه المواطن صاحب الأرض، أو تلك التي تتحدث عنه من ميزان الثقة بالنفس، لأن الحبيب ما زال هو المعضلة التي لم تحل حتى بعد موته، حيث بدأت الشاعرة تطرح صور متعددة للأمل، عبر وحدات صوتية تظاهرية في الشكل وقلب المضمون، لأن الأصوات التي جاءت عمودية وليست أفقية تروم الحل ولا تطوله، مع أن الأثر العاطفي موجود في فضاء ما، عبرت عنه الخطيب ضمن الأطر الدلالية المستنتجة من الرؤيا الخاصة المعنية بالأمر بكونها تعانق المستحيل، أو ما نسميه القدر وكأن تلك الأرض تجلس على بساط قارئة الفنجان أو الكف أو الطالع الخ، من القراءات أسمتها الشاعرة "نبوءة الموت" وهي متحدة بالمكان.
ومن مجموعة شعرية أخرى:
كأنه وطن
نأخذ قصيدة:
دَقَّتْ سَاعَةُ الصمت..

بعد منتصف الليل
يتراخى ظلك على جدار الروح
يوقظني من ذهولي
قادماً من محطات الغياب
***
تتساقط حروفكَ كندف ثلجٍ
على نافذتي
تشعل حروف تتعثر أجوبةٌ أعددتها مسبقاً
لأدثر ارتباكاتي من غُبار أسئلتكَ
تسألني عن صدى صوتي
تردد أسئلتي عطش بحري
ملوحة حرفي
مذاق النوم في عيني
***
تباغتني قصائدك المنهمرة
مطراً على روحي
تنبه حكايا توارت بين ثنايا الموت
***
أقرأك حرفاً وفكرةً
واستلهمك معنىً وحضوراً
أتقصى أجوبتي بين نشيج حروفك
***
أفتش عن امرأة تركتها هناك
على مشارف الحلم
أغادر قصائدك
أغمض عيني
أسدل أشرعتي
أرسو طبعا
على شواطئ بوحك
أغادر موانئ الوقت
وانأى بدقائقي
بعيداً عن بوصلتك
***
تَعُودُني
كما المرةُ الأولى
بلحظةِ صدقٍ أُخرى
***
تزاحمني أسئلتك
يستفزني رماداها
يخنق بوحي
لأعود إلى قصيدتك
أقرأها مثنى وثلاث ورباع
المراد الذي تحصنه الشاعرة في هذا المقام المتخَيّل يعزو إلى أن الحبيب الشاعر له الظاهر في تأويلاته المخالفة للأدلة العقلية، وفي مضمون قصيدة الخطيب قرأنا قصيدته في التمام بمعرفة دقيقة المعنى، يقول النفري: "التهذيب في الشعر يرجع إلى اللفظ، والتحقيق يرجع إلى المعاني8" إذن فالشاعرة حققت هذا الإعجاز من بيان ماهيته ومنزلته، من حيث ترتيب المقاصد الفنية بوحدتها الإيقاعية اللائقة، حيث يقوم الفحص على الخصائص الجمالية سواء أكان في الأحكام وخلائقها، أم في الإحكام ومنزلتها، من معيون مجرى البديع في تمام خواصِّه، أن يستكمل ويحقق الإتقان في سياقها العام بالوحدة المعاصرة في تأويل المحتمل المنشود في بواطن المعاني، والحكمة تقول: "إنَّ من البيان لسحرا" من هذا المنطلق تلمسنا الإيقاع التدخلي عند الخطيب محصل موهبة لا تأليف،
لأنه محصن بماهيَّات تضبط وتسهل ملاقاته، كونها أي الشاعرة اعتنت بالفصاحة الجارية في غايتها، لا غاية غيرها، لأنه شيؤها ومقصدها يدانيها ويماثلها، وحالها ترسم الألفاظ على صفحة بيانها فتفيد تقريب الصواب في التصرف الصحيح إلى مجمعها الفني بقولها:
بعد منتصف الليل
يتراخى ظلك على جدار الروح
يوقظني من ذهولي
قادماً من محطات الغياب
أثارني التقطيع الفني في أعمال الشاعرة الخطيب غير الملائم لما قبله وما بعده، لأن فنية التقطيع اختلفت بين جيل وآخر عند الشعراء، وأما في قصيدة النثر تنثر التقطيع كما قالها الناقد الفلسطيني يوسف سامي اليوسف وأصبح مكثرا لطول القصيدة دون الاهتمام بالبنية الماثلة للإحكام بين ملافحة وأخرى، وبين تعاضد المعاني ببعضها البعض لتشكل وحدة شعرية تلابس مقصدها ورؤيتها ودليلها، على اعتبار أن البنية الفنية وموسيقاه مهمة جدا في سياق النص خاصة النص الشعري في الموسوم بقصيدة النثر، حتى لا يعاق ميزان الوزن الذي ينعش دخول القارئ إلى المعنى دون عناء التفصيل. أمّا من ناحية سبك النص نقول إن الشاعرة حققت الغاية من دلائل الألفاظ الجارية على قياسها الأنيق بتصويب موفق، حين جعلت من علم العجار كما لو أنه مصب جدول، وهي تنتظر موعد من الأزل خاصة والمستقبل البشري في تلك التربة غير معيون على حقيقته، حين حطت بتوليد يشخص أن لا ضياع في جوهر المعاني من المقصود به، في تواصلها المحكم بالدقة والتلقي من الآخر في قولها:
8- يوسف، سامي اليوسف، كتاب من أقوال النفري، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى1981، ص23.
9- سامي اليوسف، يوسف: كتاب مواقف النفري، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1981، ص 73.


تتساقط حروفكَ كندف ثلجٍ
على نافذتي
تشعل حروفي
تَتَعثَّرُ أجوبةٌ أعددتها مسبقاً
لأدثر ارتباكاتي من غُبار أسئلتكَ
تسألني عن صدى صوتي
تردد أسئلتي عطش بحري
ملوحة حرفي
مذاق النوم في عيني
يتمظهر الشعر النسوي العربي على أنه يتساوى بالأهمية مع شاعرية الرجل على اعتبار ما حصلت عليه الخطيب من لقاءات متلفزة على نطاق واسع، ونقدات لها ثقلها المجدد لحركة الأدب العربي المعاصر، خاصة في مثالية الإنشاد المتوازي، في رؤياه غير مختلف في الوزن والتقنية، عندما نجد النصوص في شاعرية البعض من النساء وما أكثرهن مصابة بالغبش أو في ضبابية الإبهام، حتى يكون التشخيص أحولاً في جهة الإكمال، أو منفلتاً بمعنى أو بآخر، بينما نجد الشاعرة الخطيب وهي من القلة القليلة تحكم الشعر بميزان خصب الذائقة ولم تزل، أي أنها منذ أن قرأت لها في الصحافة قررت الموعد أن يجعلها عضواً مشرفاً تدخل كتابي "التباين في الشعر النسوي العربي المعاصر" ولها تخصيص في هذا، حتى يحكم التاريخ بمنظوره الثابت أنَّ البصيرة النقدية تخاطب المعارف من خلال حساب نوعه، له فرائده وسياقته التي تحتمل المقصد بشرط تعدد غاياته، سواء في قيمة الحدود الزمنية الحاضرة، أو في التعريفية التي تشير إلى مصاهرة حقيقة ما، على سبيل المثال نحدد ماهية النص من حيث فصاحته اللغوية ومرامه الشعري، في البعد الذي نميّز بواسطته قيمة وفحوى المقصد، وهذا ما دعانا أن نجلس على بساط غاية الشاعرة من هذا التوليف الذكي، حين ربطت قيمة شاعريتها بالنظّار من البديع مع ما يبتغيه ويقرره الزمن المعاصر أو ما بعده، لأنها وضعت الحل بيد الحبيب عندما قرأت قصائده أكثر من مرة في قولها:
أقرأك حرفاً وفكرةً
واستلمك معنىً وحضوراً
أتقصى أجوبتي بين نشيج حروفك
القراءة النقدية تتوقف كثيرا أمام الصورة الشعرية الناطقة بمعانيها المحكمة، خاصة الشاعرة التي جعلت من الشعر الموحى لها مبدأ تتحصن بلباسة المتنوع، لأن ماهية اللغة التخاصية تحكم المبادئ بالملكية التي تلتزم بها الشاعرة ولها في هذا المقام تصرفات ومنها:
أولاً: العاطفة المرهونة لقرار النقد، لأن المتخيلة في القوة التي تتصرف في الصور المحسوسة في الأسلوبية المحصنة بالفصاحة حتى تكون دليلَ الشاعرة في رفد موقع شخصيتها.
ثانياً: تجد الشاعرة مستجيبة لبقائها تحت قضاء النص الشعري الواثب بمقدره التأثير على التلقي العام.
ثالثاً: القياس المفتوح على التنادي والترداد للقاء تكون محصلته بليغة، لأنها جعلتنا نحن القراء نتجول منشدين النتيجة المركبة في كَلِمها، كون المقصد هو حاصل الانتظار غير المحدد، والمعنى لمن يدري، لا من لا يدري، ومصباته المحصنة صحيحة في الغاية والدلالة المحترفة في تسويقها القيمي لغة وفناً.
رابعاً: إيراد الوضوح التأملي في بنيوية الوضوح بعلوم اختلفت مصباتها القيمية كالاستعارة، والكناية، والتشبيه، لأن الاستعارة والموعد والكناية والانتظار تشبيه للمشبه به. قد يكون وقد لا يكون، في مثل هكذا قرار، خاصة وإن الإحكام عند الخطيب هو صاحب هذه المحصلة، والجمالية هنا أن النص تمايز في مضمونه.
وقولها:

تزاحمني أسئلتك
يستفزني رماداها
يخنق بوحي
لأعود إلى قصيدتك
أقرأها مثنى وثلاث ورباع
المساق الرومانسي في هذا المقطع شبيه بالذي قبله، لأن التفكر الوحيد في الكشف عن التلذذ في القصيدة ناتج عن المحتوى المثبت في الإرادة، لأن الخصائص محكمة بصيغها المتقدمة بالمرتبة المزاحة بتأملاتها الفرضية، وبالتعريض الواضح في خلفية نداءات فسرت على أن السياق الممول بالحبكة المحمولة بوازع أمر الذهن علني، الذي يناسق ما بعده في الوقت عينه، حتى تحققَ لها علم المخابرة الفنية المدققة في المذهب الكلامي، حين يكون علم تناص الذات مع النحو شاملاً لا مختصراً في المرسل من النظم البياني، لأن صيغة "تزاحمني أسئلتك" مفتوحة على مديات تعددت جواباتها على: الطلب، الأمانة، الاخلاص، القول، الحكمة، النبل، الوعي، الموضوعية، الاستقلالية. ولأنها هكذا فهي لم تزل تعجن الرد الشعري وترسمه على قبب ذاتيتها المحصنة بالثقة، والمعنى أن تلك الخطوط المعبرة عن بلاغات معينة، تنتظر ذلك الأزل الذي قررته الشاعرة من محتوى حتميتها القاهرة، والحال إنه لا يمكن تحصيل شيءٍ من أحوالهِ إلاَّ في حال تحققت الغاية فيه. والنتيجة أيضاً ربما يكون هذا الإعجاز في التمني ومحاسنة النية ومطالبها هو خيال قد يأتي من بعيد أو لا يأتي، مع أن الشاعرة تلقفت المهارة من أولها وبنيت النص على أساس الرجِع الفني، وهذا ما نسميه بوحدة النص.
أدعو القارئ الكريم محباً إلى قراءة الشاعرة الفلسطينية يسرا الخطيب، وهي بين أفضل عشرة شاعرات عربيات معاصرات امتهن قصيدة النثر، لما لها من تجديد البديع، وهو إدخال صورها الشعرية التمثيلية إلى دوائر فنية أكثر حداثة تتمتع بتنويع النبوغ البلاغي، وهي تحسن الألفاظ بدلالاتها، وتبسط لتبوح متعة غاياتها في معانيها المفتوحة على فضاءات مختلفة.

الهامش:
1- يوسف، سامي اليوسف، كتاب من مواقف النفري، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1981، ص7.
2- سابوري، عبد الملك بن محمد: كتاب تهذيب الأسرار، تحقيق: بسام محمد بارود، دار المجمع الثقافي، أبو ظبي / الإمارات العربية، الطبعة الأولى 1999، ص108.
3- بلوم، هارولد: كتاب قلق التأثر، ترجمة عابد اسماعيل، دار الكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الأولى
الشرق، المغرب، الطبعة الثانية، 2010، ص103.
4- نيتشه، فريدريك: كتاب إنسان مفرط في إنسانيته، ترجمة محمد الناجي، دار أفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الثانية، 2010، ص103.
5- بيريس، تشارلز: رواد الفلسفة البراغماتية، الصفحة الرئيسية في سطور.
6- الجرجاني، الشيخ الإمام عبد القاهر: كتاب أسرار البلاغة، الناشر دار المدني، القاهرة، الطبعة الثانية 1991، ص40.
7- الوردي، علي: كتاب منطق ابن خلدون، دار كوفان، لندن، الطبعة الثانية، 1994، ص40.
8- سامي اليوسف، يوسف: كتاب مواقف النفري، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1981، ص 73.
ص115.
9- يوسف، سامي اليوسف، كتاب من أقوال النفري، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى1981، ص23.



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تدوير المسار الروائي عند أ. د. قصي الشيخ عسكر
- الإحكام والعرفان في إرادة التصوف عند الشاعرة عاتكة وهبي الخز ...
- الروابط المقدسة بين الشاعرة والوطن / عند الشاعرة آمال عبدالق ...
- الصدفة المُيّسَرَة
- وقار - هايكو -
- سوريا الجريحة
- شكثر صعبه
- الذات، والمدن الصامتةجعف
- الذات، والمدن الصامتة
- كورونا إلى متى؟
- ابنة الحدائق
- أمي المساء
- نلتقي
- خَلِيَّةْ الانتقال في: شاعرية كاتيا راسم.
- الوطن والناس
- تجليات الصورة.. المحاكية للأشكال
- عبدالفتاح المطلبي.. في.. تخصيب مبنيات الدلالة
- الجارة
- المثقاب
- قطرة تنتظر


المزيد.....




- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - المعاني المقررة في شاعرية يسرا الخطيب