أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حسين التميمي - !! البشاعة المسلية














المزيد.....

!! البشاعة المسلية


حسين التميمي

الحوار المتمدن-العدد: 1678 - 2006 / 9 / 19 - 07:44
المحور: الصحافة والاعلام
    


قالت : اقترب وانظر . فاقتربت ونظرت حيث كانت تتطلع (هي) الى شاشة الحاسوب الذي منه تطل على شبكة عنكبوت كنت اظنه اليفا الا انني فجعت بمدى بشاعته .
المشهد كان يصور رأس انسان عراقي وقد قطع – ربما بسكين حجرية من سكاكين انسان الكهف- الرأس كانت تتدلى منها أوردة وشرايين وبقايا من اللحم والجلد ممزقة وكأنها خرق من قماش تم تقطيعه باليد على عجل .
المشهد لم اتوقف عنده سوى بعض ثوان كانت كافية لنقل الصورة من العين الى الدماغ كي يرفض هذا الاخير بسرعة وحدة الاستمرار في المشاهدة ، بينما هي كانت تتملى بالمشهد بإمعان ولدقائق طويلة قبل ان تناديني !!
قلت لها : انا ارفض رؤية مثل هذه المناظر البشعة ، فكيف تستمتعين انت برؤيتها !!
قالت : لا انا لا استمتع لكنه من باب العلم بالشيء .
تركتها وأنا افكر .. العلم !!
العلم .. العلم مفردة اكثر رقيا وتحضرا من هذه البشاعة ، العلم قد يوجب على طبيب جراح ان يبقر بطن مريض من اجل انقاذ حياته .. لكن لايوجب عليه ان يفعل ذلك كي يتسلى ويستمتع بوقت جميل .. وهو يشاهد الدم واللحم والاوردة والشرايين او أي جزء آخر . سرت دونما وجهة معينة وانا افكر في تلك الشابة الجميلة التي ربما لو انها عاشت في زمن قيس لتحولت الى ليلى او في زمن روميو قد تكون هي جولييت بعينها .. لكن لو خطر ببال قيس او روميو ان معشوقته ستشاهد مثل هذه المناظر البشعة لجن الأول قبل ان تبدأ قصة عشقه ولانتحر الثاني قبل ان يطارح جولييت الغرام . لكن المصيبة او الكارثة ان هذه الفتاة هي ليست الوحيدة التي تطل بعينيها الجميلتان على مثل هذه المشاهد ، انما هناك مئات وربما آلاف من الصبية والفتيان (في عراقنا على الأقل) يتابعون مثل هذه المشاهد البشعة اولا بأول ، حتى انني عند بعض منهم شعورا بالاستياء حين يطالعون مواقعهم المميزة (في هذا المجال) فلا يجدون الجديد !!
المفارقة الأشد غرابة ان العاملين في الصحافة (وفيهم من كان يشتغل في مجالات ادبية شتى .. كالقصة والشعر والنقد) فهؤلاء قد تحولوا شيئا فشيئا ودون ان ينتبهوا الى حفاروا قبور ولو بين الاسطر والكلمات ، ذلك انهم ومنذ الصباح يراسلون قنواتهم الاعلامية ليقولوا لها : لدينا في المدينة الفلانية العدد كذا من القتلى او الشهداء (تسمية الشهداء او القتلى تفرضها القناة التي تستلم الخبر) ولدينا عبوة ناسفة في المكان كذا وسيارة مفخخة في المكان كذا . انتهى الارسال بعدها يبتسم هذا المراسل في وجوه اصدقائه لأنه قام بأداء واجبه الذي سيضمن له استلام راتبه الشهري غير منقوص ، واذا استطاع ان يرسل خبر اغتيال او قتل عدد كبير من المواطنين فربما يحصل على مكافأءة !! واذكر انني قبل عام كنت قد استمعت لواحد منهم (أي من المراسلين) الرجل كانت لديه القدرة على الحديث عن الكثير من الأمور الصعبة بلغة تشوبها الفكاهة ويحف بها الظرف حيث قال : عندما عملت للجهة الاعلامية (كذا) مر شهر دون ان تحدث عملية قتل او تفجير في مدينتي ، ولأنني رجل نزيه ولا احب ان أتقاضى درهما دون ان اعرق في سبيله فقد اتصلت بالمسؤول عن تلك القناة واعتذرت له بأنني لم اشهد أي حادث كي انقله لهم ، لكن ولله الحمد (يواصل هو وليس أنا) على كل مكروه حدث انفجار حصد ارواح سبعين شخصا ، وذهبت الى ثلاجة حفظ الجثث كي اصور بعض المشاهد ، وكنت اشعر بالخوف فأضع الكامرة باتجاه الثلاجة وادير رأسي باتجاه مغاير كي التقط الصور ، المفارقة انني حين ارسلت الصور لم تبث ذلك انها لم تكن تصور الموتى بالشكل الذي تريده تلك القناة ، لكن بيني وبينك استطعت بعدها ان التقط صورا جميلة (ثم عاد وصحح المفردة قائلا) أقصد صورا دقيقة او مناسبة . بمعنى اخر لم اعد اخاف من النظر الى تلك المشاهد مهما كانت بشاعتها صرت محترفا .
اذكر مرة انني كنت اقرأ قصة مدينتين لتشارلز ديكنز وكان الرجل ينقل لي كقارئ مشهد اعدام بعض المحكومين شنقا في الساحة العامة وقد حضر المئات لرؤية هذا المشهد وقد سمح ديكنز لنفسه ان يحلل الشعور الجمعي لهذا الحضور بطريقة غريبة ، الرجل قال ان رؤيتك لموت الاخر هي تأكيد بطريقة او بأخرى لوجودك ولكونك ماتزال على قيد الحياة . وقد كنت افكر بهذا الأمر وباشياء اخرى تتصل به منذ عقدين او اكثر بقليل ، وكنت أتنبأ قبل 2003 بأن تحدث أشياء مشابهة لكن بدرجة أخف بكثير مما يحدث الآن .. وتلك التنبؤات او لنقل التصورات التي تجاوزت زمنها قد تشكلت وفقا لاستقراء ماكان يحدث ويجري من مشاهد عنف وقتل لم يصرح بالكثير منه في قنوات ماقبل 2003 وربما او على الأرجح ان هذا نتاج ذاك مضافا اليه ماوفد الينا من خلف الحدود بعد ذلك . ولعل مثلبة او رزية من جاءوا بعد 2003 انهم لم ينتبهوا لهذه الحقائق واكتفوا بالسياسي واستغنوا عن المثقف العارف ببواطن الأمور ، ربما عن جهل وربما حماقة لأنهم ظنوا ان المثقف قد يزاحمهم على الكراسي وهذا جهل أخر يضاف الى قائمتهم ، ذلك ان المثقف ليس من عبدة او محبي كل ماله اربع .
ولكي لايتشعب المقال الى اكثر من منحى ، اقول .. ان كل ما تم التغاضي عن معالجته في وقته ، وكل ما تم تاجيله بدعوى انه ليس أمرا ملحا قد تحول خلال عام 2006 الى اشكالية كبيرة ومرض خطير يجب التعامل معه بكل جدية .. فمشاهد القتل والموت وكافة انواع التخريب والخسارات التي يتكبدها البلد في كفة والانسان العراقي في كفة اخرى يجب التعامل معها بحذر شديد وبموضوعية وعلمية ، والا فاننا سنفاجأ غدا او بعد غد ان الكثير من ابناء هذا الوطن قد تحولوا الى دراكولا من نوع خاص او نوع شاذ لايخلد الى النوم الا بعد ان يشاهد الكثير من صور ومشاهد القتل والذبح ، وربما ان هو لم يشاهدها فسيحاول ان يصنعها كي يتلذذ اكثر ، ويشعر بتحقيق ذاته بطريقة افضل مما تحققه في المجالات الاخرى . ترى هل هذا ما كانت تبحث عنه امريكا وتحاول تحقيقه في بلدنا بدلا من الحرية والديمقراطية التي وعدتنا بها !!



#حسين_التميمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكياس الدم وأكياس الاسمنت
- لا توقفوا الحملة .. لا توقفوا النشيد رجاءً
- قتلوك ياعدنان وما دروا أي انسان قتلوا
- قابيل وهابيل
- قعد البرلمان .. قام البرلمان !!
- الوردة والعصفور قصة +علامة تعجب
- يا اهل العراق .. اولادكم يلعبون الكرة فتعلموا منهم رجاء
- القلم والمخرز
- رؤوس عراقية في صناديق الفاكهة
- اذا ضحك الحمقى من مشاهد موت ابناء شعبنا ، فقل انهم حمقى لاأك ...
- .. بين الايثار والاستئثار
- وماذا عن حقوق الناس؟
- !! مناصب تشريفية .. مناصب تشريبية
- لماذا لا يقرع ناقوس الخطر !!
- !! لزوم الشيء .. الشيء ولزومه
- بائع اللبن يطرد المحتل
- مايكرو ارهابي
- من المسؤول .. من البريء ؟
- تخريب غير منظور
- متى يطرق الوزير بابي ؟


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إلى غزة بعد وصولها م ...
- -نيويورك تايمز-: إسرائيل أغضبت الولايات المتحدة لعدم تحذيرها ...
- عبد اللهيان يكشف تفاصيل المراسلات بين طهران وواشنطن قبل وبعد ...
- زلزال قوي يضرب غرب اليابان وهيئة التنظيم النووي تصدر بيانا
- -مشاورات إضافية لكن النتيجة محسومة-.. مجلس الأمن يبحث اليوم ...
- بعد رد طهران على تل أبيب.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات ...
- تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين قد يتأجل للجمعة
- صور.. ثوران بركاني في إندونيسيا يطلق الحمم والرماد للغلاف ال ...
- مشروع قانون دعم إسرائيل وأوكرانيا أمام مجلس النواب الأميركي ...
- بسبب إيران.. أميركا تسعى لاستخدام منظومة ليزر مضادة للدرون


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حسين التميمي - !! البشاعة المسلية