أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - ثلاث محطات مربدية (المحطة الثالثة)














المزيد.....

ثلاث محطات مربدية (المحطة الثالثة)


عادل علي عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7278 - 2022 / 6 / 13 - 02:29
المحور: الادب والفن
    



(المحطة الثالثة)

تودع في المربد اكداس التمر حتى يشمس ويتغير لونه ليصبح مربدا ، ( فالرُّبدة هي تغيير اللون الشبيه بالغبرة ) وهذه حالة انتقالية غريبة ! عليه فقد تطور المربد وتغيرت طبيعته وملامحه ليضم المجالس والملتقيات والحلقات والصالونات الفكرية .. هكذا هو حال الادب الذي يتطلع دائما الى الجديد ، وينشد الغريب ، ويتحرى البعيد .. وبالمناسبة نقول هنا : ان هذه الندوات لم تعقد موسميا ، بل كان انعقادها يوميا لاسيما في العهد الاموي . فالناس على موعد مع حلقة او ندوة او لقاء او مناظرة .. وهكذا تتعدد الندوات بحضور الشعراء والرجاز والنقاد .. وبحضور عليه القوم واشرافهم ، فيتحقق التفاخر والتهاجي والتشاور وبناء البرنامج لكذا قبيلة او عشيرة . فالمربد هنا قد اعلن على انه متنفس للناس الذين انهكتهم الحروب والغزوات والفتوحات ، وسبيل الى تحقيق نزعة الانتماء الى الثقافة التي كانت تزاحم العرب ، اذا ما سلمنا ان العرب امة شاعرة .
اذن ، انتقل المربد الى مرحلة جديدة اخرى ، ليكون حلبة للصلح والمناظرة وتقريب رؤى الخصوم ، وعرض الآراء ، وبيان واعلان وثائق الصلح بين المتخاصمين ، وفض النزاعات بحضور الاشهاد والاعيان والحكام ، والوقوف على آخر البيانات والاعمامات التي تطلقها الدولة ، منوهين على ان المربد حقق انجازا لحلفاء الدولة الاموية بعدما كان شاغلا لهم ، ومحققا لمطلب الادب والثقافة والفكر .
هكذا يؤلف المربد حلم القبيلة واملها وهي تحمل مفاخرها ومآثرها لتعرضها سلعة رائجة مقبولة بين قبائل العرب المتبضعين لتجارة الادب والنقد والرجز والرواية ..الامر الذي جعل المربد حلم القبائل ومستقر اعمالهم محط تنفيذ برامجهم ، فهم يعرضون فيه بيانات وخطابات القبيلة وبريدها الذي ترسله بعيدا عن حقائب الابل ومحفوظات السعاة وخزائن القوافل المحمولة ... فضلا عن ما تميز به بناؤه وطراز عمارته وهندسته ودوره الجميلة وساحاته ومضاميره التي تريح النفس بالنسبة للزائرين ومن يروحون عن النفس من المسافرين ، ونشر النظر باتجاه البادية الممتدة ، الامر الذي يحقق مقولة جعفر بن سليمان الهاشمي ( العراق عين الدنيا ، والبصرة عين العراق ، والمربد عين البصرة ، ودارين عين المربد ) ما يؤكد ان ساكني المربد افادوا من كثرة الوافدين والمهاجرين اليه فجعلوه مكانا سياحيا ومستقطبا يليق بمن يحط الرحال به ، وهو ما يعزز مقولة ياقوت الحموي في معجمه (مربد البصرة من أشهر محالها ، وكان يكون سوق الإبل فيه قديما ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس ، وبه كانت مفاخرات الشعراء والخطباء، وهو الآن بائن عن البصرة نحو ثلاثة أميال وكان ما بين ذلك كله عامرا وهو الآن خراب, فصار المربد كالبلدة المنفردة في وسط البرية ).
لقد شجع المربد الشعراء ودعاة الكلام واعلام اللغة والادب والخطابة والنقاد والرواة على زيارته واصبح يزاحم حياة المثقفين ، ويكون جزءا من استكمال المشروع الثقافي لأي منهم ، وكأن من لم يزره لا يحظى بمكانة ادبية مرموقة وسمعة تليق به . فتهافت المثقفون من كل حدب وصوب وهم يسجلون الحضور، ويوثقون لأعمالهم وفعالياتهم وجلساتهم الادبية . فهذا أبو عمرو بن العلاء يسأل الأصمعي: (من أين أقبلت؟ فيجيبه: (جئت من المربد) فيقول: (هات ما معك) فيقرأ عليه الأصمعي ما كتب في ألواحه ، فإذا ستة أحرف لم يعرفها أبو عمرو، فيخرج يعدو في الدرجة ويقول للأصمعي: (شمَّرت في الغريب) أي: غلبتني .
وعلى الرغم من ان الخراب قد طال المربد لمرات ومرات ، الا ان المربد بقي محتفظا بهويته حاله وبقية مدن العراق التي طالها الخراب والدمار ، لكنه احتفظ ايضا بمكانه ومكانته ، وحرص على بقاء معلمه الذي صار مثابة ومحطة ومحجا للمتزودين من بضاعة الادب والشعر والنقد ، كما حرص على امتداده العمراني والبنائي والذي يصل البصرة فيذكر ياقوت الحموي في معجمه ان مشهد البناء والاعمار والسكن المتصل كان يربط البصرة بالمربد ، وهو امر عجيب لم نجده حتى في مربد اليوم القائم في مدينة الزبير .
واخيرا ، تأثر المربد بحركات وموجات وتيارات غير عربية وافدة وقادمة من الشرق والبحر ، احتواها بطريقته الحداثوية التي اختلفت عن سوق عكاظ الذي كانت تحيطه القبائل العربية المعروفة ، فموقع البصرة البحري كان وما زال مشجعا لاستقدام لغات وثقافات اجنبية ، ونزوح اقوام واختلاط هجرات فارسية وغيرها مرت او استقرت في البصرة . وهذا ما جعل لغة المربد تختلف عن لغة عكاظ الذي يقع في قلب الجزيرة العربية ، ومع كل هذا حافظ المربد على الهوية العربية ، ونقد اللحن في القول ، وشخص الغريب والحوشي في الكلام ، وبين فساد اللغة وعجمتها ولحنها ، الامر الذي شجع البلغاء والفصحاء والنقاد للتصدي الى هذه الممارسات ، وحصرها وتشخيصها وتقويمها من خلال مهمة اعلام اللغة والادب والشعر والنحو والبلاغة ، وهو الامر الذي جعل مساحة المربد الفكرية تنوف على عكاظ ، لاسيما وان رسالته لم تقتصر على الشعر والرجز والرواية ، انما شملت وانفتحت على العديد من الممارسات والاعمال والحلقات الفكرية الاخرى .



#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاث محطات مربدية (المحطة الاولى )
- ورقة نقدية
- عطشان تركي
- ومضات شاخصة من جلسة اتحاد الادباء والكتاب لمناسبة يوم السرد
- يوم الزبير الدامي الشيخ احمد ..العود احمد
- الفنان الكبير ماجد عباس : الحرص المسؤول والمهنية العالية ..
- حسن زبون العنزي ( شهادة بطعم العلقم) :
- حسن زبون العنزي قطار الرحيل السريع
- الصالون الرياضي في البصرة لجنة اولمبية ثانية ...
- الزبير .. لمحات من اصالة الماضي
- بطولة العراق للحمام الزاجل
- غودو لن يعود
- ملاحظات في الفيس بوك
- لا طيف يمر في العام الجديد
- بانتظار عام جديد
- سائر نحو الحسين
- كن كالقصب
- واحدة من قرى النمل
- مشاهد
- جعفر حنوفي


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - ثلاث محطات مربدية (المحطة الثالثة)