أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - الزبير .. لمحات من اصالة الماضي















المزيد.....


الزبير .. لمحات من اصالة الماضي


عادل علي عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 00:01
المحور: الادب والفن
    


الزبير .. لمحات من اصالة الماضي
عادل علي عبيد

مدخل اولي :
الزبير مدينة تأريخية عريقة ، وهي ثالث مدينة اسلامية مشهورة بالفقه والتجارة والعلم ، بني معظمها على ارض المربد ، تأسست عام (979 هـ - 1571 م ) تقع في غرب مدينة البصرة القديمة على مسافة 15 كم ، وهي من ضمن اكبر الاقضية العراقية اداريا ، اذ يحاددها من الغرب المملكة العربية السعودية ومن الجنوب دولة الكويت ومن الشمال محافظة ذي قار ومن الشرق مدينة البصرة . وسبب انعاش المدينة يعود الى العامل الديني والعامل التجاري ، فقد كانت الزبير تؤلف الممر الرئيس للنشاط التجاري بين الشرق والغرب ، والقوافل التجارية بينها ومدينة حلب وبالعكس ، والنشاط التجاري بين الجزيرة العربية والخليج العربي . وهي مدينة تمتاز بطابعها التأريخي والتراثي الذي حافظت عليه بعض الشيء قياسا لبقية المدن الاخرى ، فطبيعة شوارعها وغرابة ازقتها وتصميم بيوتها الطينية العالية وابوابها العريضة قد افرد لها روعة جمالية واضفى على طابعها عراقة واضحة لدورها التاريخي وصورتها التراثية . وهي مدينة لها طقوس تراثية مازالت باقية ومحافظة ، وغنية بمواردها الطبيعية ، فهي تضم اكبر واغنى الحقول النفطية في العراق والمنطقة ، فضلا عن وجود ميناء ام قصر والتي تعتبر احدى النواحي التابعة اداريا اليها ، وميناء خور الزبير . وهي تضم ايضا اكبر المعامل والمصانع الاستراتيجية مثل : معامل ومصانع البتروكيمياويات والحديد والصلب والغاز السائل ومعمل الاسمدة الكيمياوية وغيرها .
اما حدودها القريبة فمنطقة الشعيبة شمالا وناحية سفوان جنوبا ومقبرة الحسن البصري غربا ومدينة البصرة شمالا . ولقد تعدت احصائيات سكانها الاخيرة الـ 750000 مواطن ، واستقبلت اخيرا اكثر من 300 عائلة نازحة من الحرب ضد العصابات التكفيرية .
تسميتها :
سميت باسم الصحابي الزبير بن العوام (رض) الذي كان احد قادة السيدة عائشة ام المؤمنين في حربها ضد الامام علي (عليه السلام ) في معركة الجمل المعروفة عام 36 هجرية ، قتل على يد المدعو (عمر بن جرموز) ودفن وغلامه في نفس المدينة ، وقيل ان بجواره يقع ضريح عتبة بن غزوان فاتح البصرة . وهو الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد القرشي وعمته هي السيدة خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن عمة الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام ) وامه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله ، وقد عرف عن الزبير مشاركته في جميع معارك الرسول ، وكان احد القادة الاربع في معركة بدر ومن اصحاب الشورى الستة . وان الامير (ابو المسك عنبر) قد بنى مسجدا على الضريح ، ونشر حوله القناديل والمشاعل حتى صار الضريح مثابة القبائل القادمة من من الصحراء الغربية او التي تحط الرحال في سوق المربد الشعري الذي يعتبر محطة استراحة للقوافل العابرة والمتبضعة او القبائل القادمة من نجد والاحساء المحتمية بالزبير ، والذي عرف كمفترق للطرق ومركزا تجاري لتبادل السلع والبضائع الى حاضرة البصرة الغنية بتمرها وادبها لاسباب سياسية او امنية او بيئية .
ومن اشهر القبائل التي سكنت الزبير تميم وكعب والازد وغيرها وهناك قبائل اخرى كانت هجرتها الى الزبير متأخرة . وقد قيل ان المدينة تميزت ببناء اماكن بالقرب منها لعابري السبيل والفقراء والقادمين من الصحراء ، وحفرت حول محيطها مجموعة كبيرة من الآبار والقلبان لسقي المسافرين من الجمالة والحمارة وحيواناتهم ، وتوزعت حول محيطها مزارع الطماطم والبطيخ والرقي والثوم والبصل والخيار والباذنجان والقرع والحنطة والشعير وغيرها .
وكان برها مشجعا لايام الصيد والقنص ، اذ انتشرت في محيطه الظباء والارانب والحبارى والصقور والطيور المهاجرة القادمة من الاهوار الشمالية . اما مياهها فمن عدة انهر كانت قائمة ومعروفة سيرد ذكرها فضلا عن مجمعات لأبار حلوة تسمى (البحيثات) تجدها تنتشر هنا وهناك وسببها المياه الجوفية وتجمعات الامطار في باطن الارض .
وقد اجمعت مصادر تأريخية معتمدة على ان امارة الزبير قد ظهرت في القرن العاشر الهجري وبقيت حتى دخول القوات البريطانية البصرة في الحرب العالمية الاولى .
وقد ذكر الرحالة ابن بطوطة الذي زار مدينة الزبير عام (725 هـ – 635 م ) ان للزبير ثلاث محلات ، فضلا عن مسجدها الجامع المعروف ب(خطوة الامام علي ) الذي كان عامرا ببنائه وحلقاته واستقباله للناس في مواسم الجمع والاعياد والمناسبات الدينية ، وهو الشاخص الاول المعرف والذي تم تشييده في البصرة و ظل قائما ماثلا على الرغم مما اصاب مدينة البصرة والزبير من مراحل وخراب الفيضانات والذي بان كـ( جؤجؤ سفينة) بعد ان غمرت المدينة بالماء في القرن الحادي عشر الهجري .. هذا فضلا عما تعرضت له المدينة من حروب وغزوات كهجمات الزنج والقرامطة والمغول التتر الذين ابادوا سكانها وهجروهم الى شرق البصرة . وفي جهة شمال هذا المسجد يجد الزائر نهرا واضح المعالم يؤكد على واحدة من الفيضانات الكبيرة التي اجتاحت الزبير في عام 1320 هـ والذي عرف عنه بانه جرف البيوت الطينية وغمر الشوارع والازقة ، وكان لدور المرحوم احمد باشا النقيب أثرا في تغيير مجرى النهر الذي عرف بنهر الباطن نسبة الى اسم المنطقة ، وقد يصل هذا النهر حتى منطقة ديم خزام ، وبقي النهر قائما عامرا بمائه حتى ثمانينات القرن الفائت بعد ان شيدت عليه الجهات الادارية مرآب مركزيا للمدينة ، فيما انتشرت حوله مجموعة من البساتين سميت الواحدة بـ (الركية) وقد عرف عن هذه البساتين انها تزرع الفواكه والخضر وفيها انواع من النخيل والتمور الجيدة . وفي هذه المناسبة فقد افادنا احد المعمرين ان المنطقة المحاذية لملعب الزبير الآن كانت تزرع الرز والشعير والقمح ، وفي جانب من هذه المنطقة كانت تسوق الرز الى مدينة البصرة وبعض المدن الاخرى ، ولا ننسى في هذا الموضع الوصف العجيب للرحالة وهو يتغنون بخضرة منطقة الرافضية وصفوان التي كانت تزرع التفاح والرمان والحمضيات وغيره .
موقعها :
تقع الزبير في واد يقال عنه (وادي النساء ) لأن النساء كن يتوافدن عليه ويجتمعن ويلتقطن منه الكمأ ، ثم سمي فيما بعد بـ(وادي السباع) . وقد قيل ان اسماء بنت دريم قربها وائل بن قاسط فرآها منفردة في خبائها فهم بها فقالت له : والله لان هممت بيّ لأدعون اسبعي ، فقال : لا ارى في الوادي غيرك . فصاحت ببنيها : ( يا كلب ، يا ذئب ـ يا فهد ، يا دب ، يا سرحان ، يا سيد ، يا سبع ، يا ضبع ، يا نمر ) فجاؤوا يتعادون بالسيوف . فقال وائل بن قاسط : ما هذا الا وادي السباع فلزم هذا الاسم ذلك الوادي ، ولكن لما دفن الزبير بن العوام سنة 38 هــ صار يسمى الزبير .. اذ نستدل من هذه الحادثة ان المدينة كانت تسمى بوادي السباع ولكنها تحولت الى الصحابي الزبير تيمنا به .

المسجد الجامع :
جاء تخطيط البصرة القديمة الاساس على ضوء بناء المسجد الجامع ومن ثم شقت الطرق والشوارع وتوزعت الازقة والمحلات . جاء في كتاب رحلة ابن بطوطة الذي طبع في دار الفكر قوله : ( وكنت رأيت عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناء عالياْ مثل الحصن ، فسألت عنه ، فقيل لي : هو مسجد علي بن ابي طالب رضي الله عنه وكانت البصرة من اتساع الخطة وانفساح الساحة بحيث كان هذا المسجد في وسطها ) . والذي وصفه الشاعر عبد الله بن المفجَع قائلا :
الا يا جامع البصرة لا خـــــــرَبك الله
واسقى صحنك الغيث من المزن فروَاه
فكم من عاشق فيك يرى ما يتمنــاه
ويعد اول مسجد جامع بني خارج الجزيرة العربية ، وثالث جامع يبنى في الاسلام ، والمسجد تعرض للاندثار والاهمال بعدما هجره الناس نتيجة الامراض والغزوات التي تعرضت لها المدينة . كانت تعقد في اروقته حلقات الدرس العلمية والفقهية واللغوية حتى صار فيما بعد من اكبر المعاهد العلمية الذي درست فيه مختلف العلوم ، حتى قيل ان حوزاته بلغت رقما عاليا في استقطاب الدارسين والطلبة ، وسميت الدكات باسم العلماء والفقهاء . وبعد دخول الامام علي (عليه السلام) البصرة عام 36 هـ لمحاربة اهل الجمل تنامت الحركة الثقافية والفكرية لاسيما بعد سيول الخطب البليغة التي اطلقها الامير من على منبر المسجد الجامع وبعد تعيين عبد الله بن عباس حبر الامة المعروف بقهه وعلمه وادبه واليا عليها راح هذا الداعية الكبير يلقي دروسه ومحاضراته الغنية في الفقه والاخبار والتفسير والعلوم الاخرى الى طلاب العلم والفكر ، وتخرج على يديه العلماء الاعلام من الحجج الكبار ، وراح المسجد الجامع يستقبل طلاب العلم من مختلف ارجاء العالم الاسلامي ، وكانت تجري فيه مختلف المناظرات العلمية والمسائل الكلامية والعقائدية .
ويقع ضريح طلحة بن عبيد الله على مقربة من المسجد الجامع ، واتذكر انني رافقت عدد من الادباء العرب والاجانب في ثمانينات القرن الفائت لزيارة الضريح وشاهدوا شيء عجبا بعد ما وصف القائم على القبر (الذي كان قيد التجديد) ان القبر يسع اكثر من قامات ثلاثة رجال وحدث سجال في حينه حول حقيقة الجثمان وسعة القبر الامر الذي قادني الى كتاب المعارف لابي قتيبة الدينوري وهو يصف بعض رجالات العرب من ذوي القامة الفارعة ممن يستطيعون تقبيل امرأة وهي في خدرها – على حد قول المؤلف – .
وفي رواق من اروقة المسجد علَم الامام علي (عليه السلام) الدعاء المعروف بدعاء كميل الى كميل بن زياد ، لتنتشر ادوار المسجد ومهامه ويصبح بمثابة جامعة علمية وثقافية تضم مختلف العلوم والمعارف .. ومنه انطلقت شرارة المدرسة البصرية في النحو والصرف والبيان واللغة والكلام والفلسفة .. فكانت ادوارا واضحة جسدها الخليل بن احمد الفراهيدي وابي الاسود الدؤلي وواصل بن عطاء والحسن البصري والسدوسي وقتادة وعمرو بن العلاء ويونس بن حبيب . .. وتوسع المسجد الجامع ليكون محلا لفض النزاعات والخصومات ، وبمثابة دار للقضاء ، وتوزيع الاموال على الناس .

ديم خزام :
وهو موقع منخفض من الارض تتجمع فيه سيول الامطار ، وتنتشر حوله بساتين كانت ماثلة حتى بداية الثمانينات من القرن المنصرم ، ويقع الان قرب جامع ديم خزام امتدادا الى سوق العلف وصولا الى بيت الشيخ عبد الجبار الهذال وبيت النخيلان والنبهان , وهنالك قول ضعيف يعزو تسمية المنطقة الى سقوط جمل السيدة عائشة في معركة الجمل ، الا اننا وغيرنا نجده قولا ضعيفا ومعلومة غير ممحصة لاسيما اذا ما عرفنا ان الجمل كان يعرف : بـ(عسكر) وليس (خزام) . ولكن المصادر دللت على ان التسمية جاءت نسبة الى مزارع اسمه (خزام) كان يزرع الحنطة والشعير والخضر ، وكان الناس يستسقون من هذا المكان ويبيعون الماء منه الى القصبات البعيدة .

المربد :
كان المربد سوقا لبيع وتبادل الابل والدواب والخيول والمواد الغذائية والحبوب والسلع التجارية وبيع السلال والخوص والحبال ومشتقات صناعة النخيل والالبان والاجبان وغيرها بين حواضر المدن والبادية الجنوبية والغربية ، ثم تطورت مهماته ليصبح منتدى ادبيا وثقافيا يتبادل فيه الشعراء والادباء والمفكرون افكارهم ويعرضون فيه بضاعتهم الادبية وما تحمله قرائحهم من جديد ، ويتبارون فيه الاشعار والقصائد والمطولات والحوليات وصناعة الأداب والبلاغة والبيان .. ونشطت مهامه الرسمية وتثبتت في العصرين الاموي والعباسي ، وبقي هذا السوق المبدع محافظا على تقاليده وطقوسه زمنا طويلا ، بل حتى في مرحلة خراب البصرة وخضوعها الى موجات الصراع والهدم كان هذا السوق يستقبل فحول الشعراء والادباء والفلاسفة ، بل كان المحطة الاولى لاستقبال الحكماء والعرفاء والفلاسفة لحين استقرارهم في جامعتها (مسجد البصرة الجامع ) والذي كان يؤوي طلاب العلم والمعارف ، ويحرص على اقامتهم وخدمتهم حتى تخرجهم . ويبدو ان حالات ثلاثة كانت تشجع على اقامة المربد ، الاولى : بوجوده شاخصا ومعلما وملتقى للشعراء والنقاد والادباء ، والثانية : بوجود المسجد الجامع كحاضنة للفكر والادب والفقه والكلام والعقائد ، والثالثة : لوجود الدروايش الذين انتشروا وتوافدوا على خدمة ضريح الزبير بن العوام والذين تكفلوا بمهمة خدمة الضريح والزائرين ، والذين كانت لهم اهتمامات في الفقه والتصوف والعقائد والعلوم الدينية .
جبل سنام :
وهو من المعالم القديمة والبارزة في الزبير ، ويعتبره المسافرون القادمون من نجد والجزيرالنقطة الدالة التي يستدل بها الى البصرة ، وما زال هذا الجبل الذي تبلغ مساحته حوالي 152 م قائما حتى الساعة ، وهو مرتفع يشبه سنام الجمل ، يقع في جنوب المدينة على بعد 45 كم ، والمعلم الوحيد في المنطقة ، وكانت تنتشر حوله مجموعة كبيرة من الآبار لسقي القادمين من البادية الغربية . يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان : ( ان البصريين يرونه من سطوح دورهم لوجود آبار ماء الشرب فيه ) ، وقد اصبح الجبل فيما بعد ملجأ لبعض القبائل كالمنتفق والظفير في وقت شهدت فيه البصرة اخطارا خارجية من جهته . كما ويعتبر محط رحال القوافل المتجهة الى الحج من البصرة الى مكة ، اذ تسلك طريقا يمر عليه ، ويعتبر محطة انتظار وسقي وراحة . ويعتبر ظاهرة جيولوجية طوبغرافية فريدة ، وتدلل الدراسات الجيولوجية والآثارية بأنه من اقدم مناطق العراق ، ولقد ذكر الجبل في قصائد عديدة بعنوان سنام البصرة .

سور الزبير :
تعرضت مدينة الزبير الى هجمات متوالية عديدة من جهة بادية البصرة من خلال العصابات والصراعات والتناحرات المختلفة والاحداث السياسية التي استهدفت المدينة ، وتعرض اهلها الى القتل والتنكيل والتهجير حتى حدثت في حينه هجرات متعاقبة الى بلاد نجد او مدينة البصرة الامر الذي اضطر اهلها الى بناء سور الزبير الكبير عام ( 1177 هـ – 1762 م ) . ولقد بقي بناء السور حتى دخول القوات الانكليزية المدينة ليعسكروا في منطقة الشعيبة عام 1914 م ، وبقيت بعض اطلاله ماثلة حتى تسعينات القرن المنصرم يوم اقدمت الجهات الادارية وللاسف على هدم بقايا السور المحاذي الى مدرسة طلحة ، اضافة الى بقاء شاهد آخر في منطقة الدراكيل (مقالع الرمل ) في حين لم نجد معلما واحدا للسور الكبير ونتيجة للتوسع العمراني الذي حل بالمدينة .

بوابات الزبير (الدروازات) :
ولقد اختار القائمون على امر المدينة في حينه اربعة ابواب رئيسية لهذا السور سميت البوابة الواحدة باسم (دروازة) ، يحرسها اهالي المدينة ، وكانت هذه الاسوار وحسبما وصفها الرحالة بانها اشبه بالقلاع وعرضها خمسة امتار مزودة بمدافع كانت تسمى بـ(طوابي) ، وقد عني بتجديد وترميم هذه الاسوار بعد بعد تزايد الهجمات الوهابية على الزبير ، وسن نظام خاص وتوقيت متعارف عليه لفتح وغلق هذه البوابات الاربع ، والدروازة هي بوابة كبيرة من الخشب الثخين ذات مصاريع واحكام حديدية ، وتقع هذه البوابات في مركز المدينة قرب جامع الدروازة ، وبوابة العراص في مدخل المدينة الشرقي ، وبوابة السقاة في غرب المدينة وهي بوابة (دروازة) عريضة تسع السقاة وحيواناتهم ، اما البوابة الجنوبية فهي بوابة الدريهمية والتي زودت فيما بعد بمرصد طيني عال كان يستشعر الحركات والهجمات المعادية القادمة من خارج الحدود .
خصائص البيت الزبيري :
حدثني احد المعمري والذي ادركت بعض ما افادني به على ان من الشروط المعروفة لبناء البيت الزبيري والتي اكد عليها الشيخ يحيى باشا الزهير موسس المدينة الذي كان يستشعر مكانة المدينة التاريخية والفكرية والاجتماعية ان تتوافر ببناء البيت الزبيري القديم مجموعة من المقومات والامور المهمة ومنها : بناء سياج طيني عريض عال حتى وصفها بعض الرحالة بالقمم ، وجدران سميكة وذلك للاحتفاظ بدرجة الحرارة الداخلية بعيدا عن تقلبات الطقس ، وبوابة خشبية تسع بابين في آن واحد باب صغير لدخول الاشخاص يسمى بـ(الخوخة) ، والآخر عريض واسع لدخول الحيوانات والحاجيات ، ومن الضرورة ان يزود البيت بدهليز يؤدي الى فناء البيت ، وسرداب خاص للعائلة تستعمله في ايام القيظ ومخزنا لها ، اضافة الى بئر الماء الذي دائما ما يأخذ زاوية خاصة ، وسدرة او نخلة او اثلة ، وزريبة معزولة عن البيت .. اما في الغرف او الحجرات فيجب ان تبنى فيها مكتبة من الطين او الجص تكون دائما من ضمن الجدار تحتوي الكتب التي من اهمها القرآن الكريم وكتب السير والمغازي والقصص والمآثر والفقه والحديث واللغة والتاريخ والرحلات ... ولا يكاد يخلو بيت من هذه المكتبات التي ما زال بعضها شاخصا حتى الساعة ، وبنيت اغلب البيوت من طابوق خرائب البصرة القديمة .

مدن ومحلات الزبير :
من اهم محلا ت الزبير منطقة صفوان التي تعد من ابعد المناطق العمرانية ، وتقع في اقصى جنوب العراق عند الحدود العراقية الكويتية ، تتوزع حولها مجوعة من العيون والآبار والتي تؤدي الى باب المربد . وتبعد حوالي 35 كم ،عرفت بكثرة انهارها الذي يغذيها نهر كري سعدة الكبير القادم من الشمال والمروي من نهر الفرات ، وهي منطقة تسكنها قبائل معروفة مثل : الظفير والسعيد وجشعم والبدور والمنتفق وآل رفيع وآل حميد والمطور وشمر وابن حسين ...
وسميت المدينة نسبة الى مؤسسها صفوان بن عسال المرادي اليمني الذي قال : ( رأيت رسول الله (ص) وغزوت معه اثنتي عشرة غزوة ) .
وفي (سفوان ) التي يفضل بعض الادباء تسميتها بالسين بدل من الصاد يقع جبل سنام الذي تنتشر حوله عشرات المزارع والمراعي .
جارية بسفوان دارها تمشي الهوينا ماثلا خمارها
وتعتبر في الوقت الحاضر المنفذ الحدودي الجنوبي الرئيس للعراق ، ولقد رد ذكرها قبل الاسلام بعدما تناقلتها القصائد والحوادث ومعنى سفوان من سفت الرياح والتراب .
سفوان مغنى شهيد بالريف والاخصاب كم حلَ فيه فحول من سادة واقطاب
وكم حوى من ذكي فذ ومن كتاب وعن فخار حواه بوقته المستطاب
وناحية ام قصر والتي تقع في الجنوب الشرقي من الزبير ، والواقعة على الخليج العربي ، وسميت بهذا الاسم نسبة الى القصر المنيف الذي بناه احمد بن رزق الاسعد احد شيوخ بني خالد في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري الثاني عشر الميلادي واصله من حرمة ، هاجر من الاحساء الى قطر واستقر في البصرة وعرف عنه تاجرا كريما اتخذ القصر لايواء القادمين والمسافرين وكرمهم . واقد استخدم القصر فيما بعد كمحطة لتجميع وشحن السلع من البصرة الى الكويت عن طريق البحر . وتضم ام قصر ميناء كبيرا ومنصات تحميل نفطية ، فضلا عن وجود الارصفة العشر والتي تقوم بتصدير واستقبال البضائع الى مختلف دول العالم .
ومحلة الشعيبة التي تقع الى الشمال من المدينة بحوالي 4 كم ، والتي عرفت كواحة للغزلان والظباء والتي يوجد فيها قصور شيوخ الزبير وبساتينهم ، تنتشر وتستقر فيها مياه الفيضانات القادمة من الاهوار الشمالية وتكثر فيها المياه الجوفية الحلوة والتي تكون موردا للسقاة وباعة المياه ، وفيها مقالع الرمل والمزارع ، وتوجد فيها القاعدة العسكرية الانكليزية والتي قيل عنها انها اكبر قاعدة في الشرق الاوسط في الحرب العالمية الثانية . وفي الشعيبة توجد القصور السبعة ، وهي المكان الذي تخندق فيه رجال الدين والعشائر ليصدوا زحف القوات الانكليزية والقوات المتجحفلة معها ، اذ يذكر ان احد آيات الله الاعلام قد حمل البندقية (الموزر) في هذا المكان وتجحفل معه شيوخ من علماء واهل السنة ومنهم الشيخ محمد الامين الشنقيطي وهو موريتاني الجنسية جاء ليدَرس الفقه في الزبير ليصدوا هجوم الانكليز على مدينة البصرة ، ومن هذه الحادثة اطلق على المدينة مدينة الوحدة الاسلامية .
وفي الشعيبة يوجد ضريح الصحابي انس بن مالك خادم الرسول الاعظم (ص) وتوجد في الشعيبة محطة للقطار والشحن والسفر . ويوجد قرب الشعيبة بئر قيل ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) حفرها لجنده في واقعة الجمل تقع في منطقة لوذان وهي الآن محيطة بشركات نفطية ومزارع ما زالت جارية يستسقى منها .
وهناك مناطق اخرى مثل خور الزبير الذي كان بمثابة مصب لنهر الفرات ، والعقيق ، والشباك ، والمقدم (المجدم) والذي يعد ميناء صغيرا ترسو فيه السفن القادمة من الخليج العربي . والبرجسية التي تحتضن بحيرات النفط والغاز والتي تبعد عن الزبير حوالي 10 كم والتي تنتشر فيها غابات الاثل والقصور الكبيرة ومزارع النخيل من خلال نهر كري سعدة القديم والمندرس في الوقت الحاضر ، وفيها محرقة الهندوس التي بناها الجيش البريطاني لحرق الموتى من الجنود الهنود والسيخ والهندوس المتجحفلين مع هذه القوات والتي ما زالت شاخصة كانها كورة طابوق طيني او كضريح مجهول مثلما ذكرها الشاعر عبد العزيز عسير . والدريهمية التي ورد ذكرها في خرائط وتواريخ العصر العباسي والمعروفة بآبارها العذبة ، وهي ارض منخفضة مغمورة بالمياه تبعد حوالي 8 كم من المدينة ، وفيها برجين كبيرين تسمى (الطوبة) مازال احدهما ماثلا كاطلال حتى الساعة والمعروف بـ (المفتول) لرصد العصابات والسراق وقطاع الطرق القادمين من الجنوب والغرب ولحماية هذه الابار من الغزوات الخارجية ، ولقد زود البرج بمدافع وبنادق ومراصد خاصة به . ومناطق كالكوت التي تعتبر اول محلة اسسها الزبيريون والزهيرية والرشيدية ومحلة العرب والشمال والمجصة والحصي والباطن وبراحة النقيب والمراغة وحوطة العقيل والمجيبرة وغيرها .

مقابر الزبير :
يوجد في الزبير عدة مقابر اهمها مقبرة الحسن البصري التي كانت تسمى بـ( الجبان) والمقبرة الشمرية (مقبرة السيد احمد ) ومقبرة الزهير والتي كانت قبالة علوة السمك القديمة بمقابل مقبرة الحسن البصري ومقابر للمسيح والسيخ والانكليز في مناطق الشعيبة والرميلة والطوبة ، والذي يهمنا هنا ذكر مقبرة الحسن البصري والتي تعتبر من اقدم المقابر الاسلامية التي تضم عشرات القتلى الذين لقوا حتفهم في معركة الجمل من كلا الجيشين اضافة الى الشخصيات الفكرية والادبية والثقافية والسياسية ، ويتوسط المقبرة ضريح الحسن البصري وهو عبارة عن قبة مخروطية الشكل (ملوية) ، وهناك رواية تقول ان سنة بناء القبة هو 1210 م ، وواصل بن عطاء امام المعتزلة ، ومفسر الاحلام العلامة عبد الرحمن بن سيرين ، وشهيدة العشق الالهي رابعة العدوية او عذراء البصرة المتصوفة التي جالست وساجلت وناظرت الحسن البصري وواصل وسفيان الثوري التي كانت تزاحم الليل بقصائدها :
لغيرك ما مددت يدا وغيرك لا يفيض ندى
وليس يضيق بابك بي فكيف ترد من قصدا
وركنك لم يزل ثمرا فكيف تذود من وردا
ولطفك يا خفي اللطف إن عاد الزمان عدا
وهناك رواية لما نتحقق من صحتها تقول ان صدر المتألهين الملا صدرا الشيرازي قد دفن في هذه المقبرة اضافة الى الشعراء والادباء والكتاب والنقاد الذي نجد ذكرهم في موضع آخرى ، واضافة وادباء ومفكرين من مناطق اخرى دفنوا في هذه المقبرة مثل الشاعر عبد الغفار الاخرس من الموصل والشاعر الشعبي المعروف ابو معيشي من الناصرية .



#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطولة العراق للحمام الزاجل
- غودو لن يعود
- ملاحظات في الفيس بوك
- لا طيف يمر في العام الجديد
- بانتظار عام جديد
- سائر نحو الحسين
- كن كالقصب
- واحدة من قرى النمل
- مشاهد
- جعفر حنوفي
- شركة Oil Serv العراقية تستكمل ادبيات النهضة الحسينية
- خبراء نفطيون ومهندسون من جنسيات مختلفة يحيون مجلس عزاء في شر ...
- من كالعباس ؟
- الحسين سر وجودنا
- حسين العراق عراق الحسين
- Oil serv اويل سيرف
- البيان الختامي للمؤتمر الزراعي السنوي الثاني لاتحاد الجمعيات ...
- بهارات على (بهارات)
- سعادة السفير البريطاني سايمون كولاس يلتقي رئيس اتحاد رجال ال ...
- السيد صبيح الهاشمي يلتقي رئيس وإدارة شركة Mebex consultants ...


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - الزبير .. لمحات من اصالة الماضي