|
يوم استقلالهم يوم نكبتنا
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 7238 - 2022 / 5 / 4 - 19:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
– يوم استقلالهم يوم نكبتنا - هل الذاكرة تتقاعد ، تصاب بترهل الزمن ؟؟ كان هذا هو السؤال الذي يتفجر ينبوعاً كلما اقترب يوم الاستقلال – يوم النكبة – حيث في هذا اليوم لا تنهال فقط الصور البائسة للفلسطينيين الذين رحلوا وهم في حالات الذعر والخوف ، هجروا وطردوا من بيوتهم وقراهم ومدنهم تاركين كل شيء ، فقط النجاة بأرواحهم ، وكلما شاهدنا صور الخيام والعيون التي تجمدت على جهات الانتظار ، تنتظر مجيء الجيوش العربية التي ستعيدها الى الوطن ، نشعر أن هناك صفقة خداع قد تمت بين وجودنا وبين التاريخ . في هذا اليوم – يوم الاستقلال - اعلن أن ذاكرتي ترفض التقاعد ، أحاول ادخال ذاكرتي الى مؤسسة الصمت والتجاهل ، لكن ترفض وتعلن العصيان وتقوم بالتحدي ، حيث تفتح خلايا الذاكرة وتبدأ بقذف الصور المرتبة فوق بعضها البعض ، يا للعجب الصور ما زالت جديدة ، لم يأكلها العث والاصفرار والتمزق ، ها هي الصور تخرج .. تهديني عمراً عشته سابقاً !! اكتشفت ان كلام أبي عن قرية " المجيدل " المهجرة التي اطلق عليها بعد ذلك – مجدال هعيمق – حيث هرب سكان البلدة ليلاً عندما دخلت القوات اليهودية ، وعن عمي " جمال " الذي استشهد عندما رجع متسللاً الى حاكورة البيت كي يقطف بعض حبات البندورة والتي كانت قد نضجت ، لكن الرصاص كان في انتظاره ، فهو لم يتوقع أن يتحول بيته الدافىء الى لقاء مع الموت الغادر ، اكتشفت أن كلام أبي لم يكن حكاية عابرة ، كان جمرات تحت الرماد . في الصف الرابع المعلمة تكتب عناوين الطلاب في دفتر يوميات ، تسألني ما هو عنوانكم قلت لها قرية " المجيدل " لا أعرف لماذا قامت المعلمة ونادت مديرة المدرسة التي أخذت تصرخ ، أذكر أني بكيت وصمت خوفاً من شكل المديرة الثائر الغاضب . ومن يومها وضعت عنوان " المجيدل " في الذاكرة وأغلقت عليه بالمفتاح وأصبحت أحمل العنوان الجديد " الناصرة " . فوق اللوح الأسود الذي يتوسط جدار الصف ، تخرج من المربعات الخشبية وجوهاً ، علينا أن نتصبح بها ، نجلس وأمامنا الوجوه المقطبة تنظر الينا بحدة ، كأنها تراقبنا طوال الوقت ، المعلمة تؤكد أن هؤلاء من قاموا ببناء الدولة ( بن غوريون ، غولدا مائير ، موشي ديان ) كنت أتعجب من هذا الرجل – موشي ديان - الذي يضع على عينه جلدة سوداء ، وكان السؤال يحيرني كيف ينام ويغسل وجهه ويستحم والجلدة فوق عينه ؟ ولماذا هو بالذات هكذا ؟ وعندما سألت أمي عنه اجابتني ( يقطعوا ويقطع عينه ) ما دامت أمي تكرهه ؟ لماذا توضع اذن صورته في الصف ؟ وليس فقط في صفنا توضع الصور ، بل في جميع الصفوف ، أما في غرفة المديرة فالصور أكبر والملامح أوضح ، وصورة موشي ديان تتميز بابتسامة ساخرة تشق شفتيه ، كأنه يستهزء بالمديرة هكذا تخيلت الابتسامة ، كلما كنت أدخل غرفة المديرة . لا أعرف من توسط لجدتي كي تذهب الى الاذاعة الاسرائيلية وتشترك في برنامج ( سلاماً وتحية ) ، وقفت جدتي وقبل أن تفتح فمها ، غصت بالبكاء ، أعادوا التسجيل عدة مرات حتى صرخ المسؤول وقال لها مهدداً ( هاي آخر مرة ) مسحت دموعها ..قالت : أهدي سلامي لأبني سعيد في لبنان ، كيفك يما انشا لله منيح ؟؟ ها يما اوعى تتزوج لبنانية ، تزوج بس فلسطينية ..!! قام المسؤول بقطع التسجيل .. وقال لها هذا مش وقته ، ولم يقم بإذاعة التسجيل. قبل يوم الاستقلال ، تخرج خلية النحل وتتوزع في المدرسة ، نرى البواب المسكين ( أبو جابي ) وهو يحمل السلم ويتنقل به من زاوية الى زاوية حيث يثبت شريط الأعلام ويضيف الى الجدران الشعارات والملصقات التي تؤكد بهجة المدرسة بعيد الاستقلال ، وتنطلق أغنية ( في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي ) من الجوقة التي تتمرن في البهو الواسع ، حيث تصل الينا في الصفوف ، ومما يدفعنا للغيظ أن طلاب وطالبات الجوقة لا يشاركون في الدروس ، فهؤلاء يخرجون من الدروس متى شاء معلم الموسيقى . في يوم الاستقلال ، تكون الساحة نظيفة ، والكراسي الخشبية مرتبة ، والمنصة قد تزينت بصور رئيس الدولة ورئيس الحكومة ، وفوقهما العلم يرفرف مدقوقاً على خشبة تهتز كلما اهتز العلم ، أما نحن الطلاب والطالبات علينا البقاء وقوفاً ، فالكراسي للضيوف فقط . عندما كبرت عرفت أن جميعهم على المنصة كان لهم الثغر الواحد واللسان الواحد ، وكانت اسرائيل الفتية هي الصبية التي تغزلوا في مفاتنها ، والمفتش الذي تعجبت من وجهه الأحمر من شدة ضغطه على مخارج الحروف ، والذي طلب منا انشاد ( في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي ) رأيت صورته بعد سنوات وهو يعانق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما زاره في المقاطعة ، مقر اقامته في رام الله . كانت مديرة المدرسة بعد العرض الرياضي والكشفي وانتهاء الكلمات والقصائد العصماء التي تبدأ بشرح واف عن الدولة من مصانع وحقوق ومزارع وعمال وتنتهي بترحيب دول العالم بها ، تتجه المديرة الى ميدان المبارزة ، حيث يتبارز الطلاب والمعلمات والمعلمين من أفضل الصفوف في التزيين ، من قدم الأفضل في الابداع ، وجسد فرح يوم الاستقلال ، والصف الفائز تكون جائزته لا شيء سوى وضع أسم الصف على لوحة الاعلانات وتقديم التهاني لمربية او مربي الصف على تفانيه وتفكيره في دمج الابداع مع الاستقلال ، ثم تقوم المديرة بتوزيع حبات " البوظة الثلج " لكل طالب وينتهي الاحتفال . صور كثيرة تتدفق من الذاكرة كانت تحلم ، لكن ما أسوأ من يوم استقلال يحل ، والانتظار ما زال في حالة انتظار ، تلوكنا السنوات و تبصقنا على رحيل يخرج من رحم رحيل .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تكون - عهدية - المرأة البحرانية عمياء صماء
-
وجه امرأة على طابع بريد
-
مراسيم الزواج الفلسطيني حسب المزاج السياسي الاسرائيلي
-
ماذا بقي للمرأة الفلسطينية في 8 آذار
-
الشيخ جراحوالمرأة التي لم تجد أمام الجنود إلا إشهار الحذاء
-
امرأة داخل علية من الزجاج
-
عودة باجس أبو عطوان
-
الاديبة والانتحار من فرجينيا الامريكية إلى عنايات المصرية
-
البومة فوق السطح وأنابيب الغاز لم تستطع حماية البيت
-
عربي 2020
-
بابا نويل الفلسطيني
-
أنا عالقة في المرآة
-
القرد في أعماقنا يلعب في نشارة خشب
-
ماذا يعني أن يموت زوج الكاتبة
-
بين شلهفيت اليهودية وعائشة الفلسطينية
-
حكايتي مع الدموع السياسية
-
نصري حجاج الفلسطيني الذي لم يعرف مقبرته
-
مرور ست سنوات على موت سواق الأتوبيس
-
حين تم طرد النساء اليهوديات
-
وداع بالحبر السري
المزيد.....
-
شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال
...
-
خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
-
انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20
...
-
صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
-
الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
-
بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
-
وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف
...
-
الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي
...
-
ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر
...
-
بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|