أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل سالم - كأنني حي-، سرد في إرادة الحياة.















المزيد.....

كأنني حي-، سرد في إرادة الحياة.


أمل سالم

الحوار المتمدن-العدد: 7221 - 2022 / 4 / 17 - 03:05
المحور: الادب والفن
    


في مجموعة قصصية فريدة من نوعها، فإن الكاتب المبدع: محسن عبد العزيز، يطالعنا برائعته: "كأنني حي"، وفيها يُظهر إخلاصه الشديد للقصة القصيرة، فلا هو اقترب من الطابع الروائي، ولا وضع في نظره أن تتحول قصة من مجموعته لإنتاج آخر: سينمائي، أو تلفزيوني، بل استوى الإبداع هنا على صورة سرد قصصي خالص، بما يشير إلى أننا أمام كاتب من الذين أصروا على سبر أغوار هذا الفن، الذي استصعب على آخرين، فهربوا منه إلى كتابة الشعر أو الرواية.
جاءت المجموعة القصصية عن السلسلة القيّمة: "أصوات أدبية"، التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، في ثماني وخمسين صفحة، واحتوت على اثنتين وثلاثين قصة.
يمكن تقسيم نصوص هذه المجموعة القصصية، من حيث الشكل، إلى نوعين؛ النوع السائد: وهو القصص، ويتجاوز عددها العشرون قصة. وهناك: القصة القصيرة جدًّا أو الأقصوصة، المتميزة ببساطة النص، وعدم احتوائها على كثير من التفاصيل، وذات لغة مكثفة جدًّا، وعميقة المعنى، ولها دلالات إنسانية مباشرة. ومنها قصص: "كلب الدار، أبدًا، صياد، زواج، ...".
يتراوح عناوين القصص بين مفردة واحدة، مثل: "الأذان، الخوف، الذبابة..."، وثلاثة مفردات، مثل: "الخنفساء والحائط المائل، الديكتاتور يشاهد التلفزيون..."، إلا أن جميع عناوينها لها دلالة داخل القصة نفسها؛ فالعنوان جاء متفقًا تمامًا مع النص، بل جزءًا منه.
-كأنني حي وامتداد الحالة الإنسانية:
-تستمد المجموعة عنوانها من القصة الأولى، وهي قصة: "كأنني حي"، لكن دلالة العنوان تتجذر في أغلب نصوص القصة. وبمعنى أدق: إن قصة: "كأنني حي" تحكي مأساة الإنسانية عامة؛ وهي فقدان الأم من وجهة نظر الطفل السارد، إذ إننا نفاجأ في نهاية القصة بأن السارد رجلًا يحكي أنه مات في لحظة فقد أمه. فيعود السارد عبر الزمن إلى لحظة موت أمه وصولًا إلى لحظة زمنية تبعدها بثلاثين سنة مستخدمًا تقنية الاسترجاع "الفلاش باك". مولدًا خلال ذلك حكاية ثانوية، هي: موت الأم، ومن خلالها حكاية فرعية، هي: الرجل على الجسر، ويكرّس السارد من خلالهما لحالة سائلة بين الحياة والموت عبر المونولوج:
(كيف؟ من قال:"إنني حي؟"
هل العمر الذي تسلل فجعل له شاربًا ولحية؟ أم الأولاد الذين يقولون: "أبي"...).
فالكاتب يشير إلى أن الإنسان بعد فقدان أمه يقضي بقية حياته كأنه حي؛ فلا هو ميت تمام الموت، ولا هو يحيا الحياة كما يجب أن تعاش. وتلك الحالة الوسطية بين الموت والحياة تتكرر في عدد كبير من قصص المجموعة من خلال واقعية اجتماعية تهتم بالهموم الإنسانية، النفسية والمعيشية والسياسية، بكل أبعادها ومدلولاتها.
-نجد مثلًا في قصة: "عجل الطلوقة"، أنه أجاد في وصف مشهد الجماع بين العجل والبقرة، ومساعدة الإنسان/ فاتنة الرجال، ابنة "فخري"، مالك عجل الطلوقة، للحيوان في إتمام عملية التزاوج. هذه الفتاة شديدة الجمال، التي يتمناها كل رجال القرية، إلا أنه عندما اصطحب البطل بقرته ولم يجد أباها، قامت هي بمهمة التخصيب على أكمل وجه، بل ساعدت العجل؛ بأن أمسكت- بلا خجل- إحليله لتوجيهه أثناء التزاوج!
فالكاتب يشير هنا إلى أنثى على درجة عالية من الجمال، لكنها لا تحيا الحياة كاملة، فقد وجهتها الظروف التي تحياها إلى ناصية الحياة، كأنها حية؛ فمن المعروف أن الأنثى في الحالة العادية سوف تخجل مما أقدمت عليه أنثى هذه القصة.
غير أن الكاتب انتقل بسرعة من حالة الحيوان إلى الحالة الإنسانية، وعلى لسان الفاتنة -لم تُسَم في القصة- وفي التنكير إحالة للتعميم، قائلا: "وغضبت فاتنة الرجال من العجل، وقالت له: "إيه مالك، تعبان ولا أيه؟" وضربته بكفها على جسده، ثم دارت حوله وهي تنظر له بغضب أنثى إلى ذكر فاشل...". وأجاد الكاتب استخدام تقنية الاسترجاع الداخلي غير المنتمي، ذلك الذي لا يشكل موضوعه جزءًا من موضوع الحكاية، وكذلك الاسترجاع الداخلي التكميلي في بداية القصة.
-في قصة: "الذبابة"، تتناول القصة ذبابة تهاجم البطل عندما يكون مع فتاة، وتقول الفتاة:" هذه ليست ذبابة، وإنما روح فتاة تحبك، وتمنعك من الاقتراب مني".
هنا مزج بين الحقيقة والأسطورة، ففي الريف يشيرون إلى ذبابة كبيرة، أو إلى ذبابة ملونة، على أنها روح لأحد الموتى جاءت تزور البيت أو الأهل. وهنا البطل في نهاية القصة يتساءل عن تلك التي تحبه، وترسل روحها لتمنعه من الاقتراب من أنثى غيرها، وهو لا يعرفها، فيعيش على هامش الحياة -كأنه حي- من خلال قصة حب غير مكتملة؛ إذ إن طرفها الآخر مفقود. بمعنى أن البطل الراوي أو الفتاة المروي عنها، والمضمرة في النص، كلاهما من الشخصيات المندرجة تحت حالة " كأنني حي".
-ويستمر هذا الخط في قصة: "الحلمان معًا"، وهي قصة عن شخص حلم بفتاة وسيدة مختلفتين في فترة قريبة. الأولى: حلم أنه يتزوجها، والثانية: متزوجة أصلًا لكنه حلم أنه يتزوجها أيضًا، لكنه سيجتمع مع الفتاتين في وقت واحد. المفاجأة: أنه في نهاية القصة يعلن عن وجود زوجته في البيت، التي نتيجة لوجودها الممل جعلته يفر من الحقيقة إلى الخيال!
وتعد القصة حالة الهروب النفسي، التي يلجأ إليها الشخص؛ نتيجة الضغوط والعوامل المحيطة. وبطل هذه القصة أيضًا يحيا الحياة تحت اللافتة العريضة: "كأنني حي"، بل إن الشخصية المضمرة في النص، وهي السيدة التي وصفها بقوله: "لكنها مقيدة بسلاسل زوج له منصب عال"، هي أيضًا تحيا الحياة تحت نفس الشعار: "كأنني حي".
-وفي أروع قصص المجموعة، وهي: "الزلزال"، وفيها ينقل الكاتب حالة السجن الإنسانية عبر المنظومة المجتمعية إلى الجوامد، من خلال كتابة راقية! كل الأشياء المادية سجينة أماكنها ومواضعها، الطوبة سجينة في الجدار، والأبواب والشبابيك سجينة فيه، الناس سجناء داخل الجدران، تبدأ الحرية؛ بأن ينفك أحد المكونات من مكانه ويغادر. السجان هو البنّاء، والبنّاء هذا هو موجد المنظومة كاملة، وهو الذي ما إن يستشعر تمرد مكونات البيت حتى يحضر سقالاته ومطارقه؛ ليعيد إحكام سجن الطوبة. الطوبة المكون الأساسي للجدران، وهي تعادل الإنسان الذي هو وحدة بناء المجتمع البشري، حتى إن بعضها يستشهد -مثل: الإنسان- من أجل حصوله على الحرية. يثور الطوب؛ لكي يصل إلى حالة الأنقاض؛ ففيها فكاكه من سجنه، ساعتها يسمي الناس الثورة زلزالًا. هنا نصل لقمة معنى: "كأنني حي"، كأن الكون كله -بموجوداته- سجين هذا المعنى عبر قوانين وجوده. هذه النظرة الفلسفية العميقة اندرجت تحت عباءة السرد سهلة، وبسيطة، لكنها تحمل الدفقة الشعورية اللازمة؛ لكي يكمل القارئ تلقّيه للمجموعة بشغف؛ ولذا فتموضع هذه القصة في منتصف المجموعة تقريبًا مناسب تمامًا.
-في قصة: "الصفعة"، وهي قصة الرجل أو الشبح الذي يخرج من التلفزيون؛ لكي يصفع المشاهدين على وجوههم، يقول: "أريد أن أقول لهم: لست أنا من يصفعكم فقط، راجعوا أفكاركم ومعتقداتكم، تجدون أشياءً كثيرةً تصفعكم بالليل أو بالنهار، ولا تستطيعون لها ردًّا أو هروبًا، ولا تجرؤون". الشخصيات التي تقع في وهم الأفكار، سواء الأفكار الجامدة المعلبة، أو الذين تنتقل لهم الأفكار عبر وسائط وأجهزة الإعلام، هم في واقع الأمر: "كأنهم أحياء"، بمعنى أنهم مكبلون بهذه الأفكار، وهي فكرة فلسفية كبيرة بدأ مناقشتها منذ القدم، هل الإنسان يولد بمجموعة الأفكار، أم أن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء تخط عليها الطبيعة/ الحياة/ المجتمعات ما تشاء؟ لكن في النهاية هو إنسان تحكمه هذه الأفكار التي يُصفع كل لحظة عندما يواجه فكرًا أكثر استنارة.
-في قصة: "الديكتاتور يشاهد التلفزيون"، تحكي القصة قصة ديكتاتور مخلوع يشاهد الديكتاتور التالي له في التلفزيون! ويتذكر كيف كان يلوح للناس في سيارته المكشوفة، وكيف كانوا يلوحون له إعجابًا، يقول: "كل هؤلاء الرؤساء والملوك لا قيمة لهم إذا غضب الشعب، أه من غضب الشعب".
الديكتاتور على هامش الحياة! بعد أن انتزعت منه ديكتاتوريته، وألبست من يليه. الديكتاتور والجموع المستمتعة بالديكتاتورية كأنهم أحياء، واستخدم الكاتب تقنية كتم المعلومة/ حدوث الثورة، حيث لا حاجة لها، ويستطيع القارئ استنتاجها؛ حيث لا يسقط ديكتاتور بدون ثورة.
-وفي قصة: "نسيان"، وهذه القصة كأنها حلم، وتحكي قصة الرجل الذي نسي موبايله، فأجبر المترو على العودة، فوجد أن جمعًا كثيرًا نسي أشياء كثيرة، وأصبحوا سعداء بعودتهم واستردادها، إلا واحدًا نسي روحه، وبالطبع لم يجدها! وهي قصة تحت إطار: "كأنهم أحياء"، فهم لم ينتهبوا لنسيانهم، والأهم أن مآلهم جميعًا -في النهاية- للرجل الذي نسي روحه، وبالطبع يستحيل عليه وعليهم استردادها.
-وفي قصة: "سيدة وطفلان"، وجميع شخصيات القصة تعيش مأساة الحياة غير الكاملة، والموت غير المكتمل؛ فالسيدة في المترو تلوم طفليها على شرائها أشياء المدرسة لهما، ولا تهدأ، ولا يهدأ الركاب، إلا بعد أن يمنحها عابر مبلغًا من المال! السيدة، الطفلان المغلوبان على أمرهما، الرجل الذي ربما أنه ضحى بكل ما يملك تلقاء موقف الطفلين الصعب؛ لا حيلة لهما من أمرهما، جميعهم: "كأنهم أحياء". القصة مؤلمة؛ إذ كيف يمكن للحياة أن تقسو على الجميع في أن واحد، كلٌ بشكل مختلف!
وهكذا، نجد أن الكاتب يربط دائمًا بين الشمس؛ صهدها وحرارتها، وبين قسوة الحياة على هؤلاء الأشخاص تحت مظلة: "كأنني حي"، فيقول في قصة: "سيدة وطفلان": "يتلقى المترو ضربات الشمس اللاهبة وينفثها في وجوه الركاب، والمراوح المعلقة في السقف تفتح صهدها بالعدل فوق رؤوس الجميع". والمشهد في نهايته، بعد أن دس رجلٌ صامتٌ مبلغًا من المال في يد السيدة فاستراحت ونامت، واستراح الناس: "ويهرب المترو –نفسه- من الشمس اللاهبة إلى الدخول في النفق"، النفق! أي نفق؟! ربما أن قدرة المتلقي ستعمل على هذا النفق؛ فلا يكون نفق المترو، ولكن نفق الحياة المظلم إذ تقسو، مثلما تعمل على الجسر الذي ورد في قصة: "كأنني حي"، وعليه رجل يصطحب الصبي أثناء تشيع أمه، وهو الجسر أو الطريق الخالٍ في قصة: "الكلب الأحمر": "الطريق خالٍ من الناس والدواب بعد أن طاردتهم الشمس القاسية إلى ظلال بعيدة...". والجسر قصة قائمة بذاتها، وهي قصة: "الجسر الطويل"، حيث الطريق: "طويل ملتوٍ كثعبان"، وخالٍ "لا أحد على الطريق غيري"، والشمس الدلالة والرمز على الشقاء والقسوة حاضرة: "الشمس الحارقة تضرب الرؤوس بلا شفقة"، الرعب المرتبط بالحياة القاسية: "أعواد الذرة المنتصبة على الجانبين تبث الرعب في قلوب الرجال"، والجسر المخيف: "الجسر عبارة عن شارع بيوته العيدان في صف منتظم"،
- وفي قصة: "لا"، رجل في انتظار القتل، يقول: "لكنكم لم تجربوا القرب من الشمس، واعتدتم النسيم الرخو والخدر اللذيذ، لم تجربوا الشمس، ولا شربتم وهجها..."، ويضيف: "لكن احذروا الضوء سوف يغشى عيونكم فجأة بعد كل هذا الظلام، عيونكم تلك التي لا ترى غير المادية والقتل لكل من يقول: "لا".
وهنا ارتباط شرطي بين الجسر/ الطريق، وحرارة الشمس وخلوه من المارة، كأن يقول: "إن طريق الحياة صعب ومرير، وكثير يحيونها تحت لافتة كبيرة، عنوانها :"كأنني حي".
-في قصة: "قسوة"، رجل يعاتب نفسه على وضع حذاءه أمام سيدة لتلميعه، يقول في خاتمة القصة: "كيف أضع حذائي في وجه امرأة فقيرة، وبعد ذلك أدعي أنني رجل شريف؟! الرجل والمرأة كأنهما أحياء.
-وبائع الأنابيب المزعج في قصة: "بياع الأنابيب" كأنه حي، في قصة الكومبارس، جميعهم تحت لافتة "كأني حي"، وهم يطلبون واحدًا منهم يكون مخلّصًا، ولا يرتد عن هدفه حين يتمكن من تمثيل دور البطل، لقد اختصر تاريخًا بأكمله في لمحة رائعة.
-السرد عبر المنظور الريفي:
وقد ينخدع القارئ للحظات، ويظن أن القص جاء عن الريف! لكن الكاتب استخدم الريف ببراءته وطيبته، وطهره، وجلد الريفي، في عدد من القصص. جاءت في أول المجموعة؛ لتتصاعد وتيرة القص بعد ذلك، وكأن هناك دفقات من الشعور تختلج أحاسيس القارئ مع كل قصة تضاف، إلى أن يصل للوقفة مع اليد القابضة على هذه العلاقات دون تفسير، ففي قصة: "الحلمان معًا"، يقول: "أنا لا أفهم في لعبة القدر، لكنني كثيرًا ما أحاول أن أفك الإشارات أو العلامات..."، وإن كانت مسحة صوفية متمثلة في تتبع الإشارات، يشير إليها في الجملة، إلا أنها مسبوقة بمحاولة متعثرة لفك شفرة الحياة البينية -"كأنني حي"- الممتلئة بالغموض.
لكن الريف حاضر بصورته الدقيقة، التي يستحيل كتابتها بهذا الشكل إلا على يد خبير بها، الحكي والتأويل في اصطياد الذئب للنعاج، ففي قصة: "الكلب الأحمر"، يقول السارد على لسان البطل: "إن الذئب يضرب النعجة بنابه في رأسها فتصاب بالسعار وتطارده..."، وهي تخيل ريفي. وفي قصة: "الجلباب الجديد"، يحكي السارد قصة ريفية كانت تحدث في الماضي؛ وهي أن يقوم الأب بشراء جلبابين من نفس القماش، وبنفس اللون. وفي قصة "الأذان"، يحكي السارد مشهدًا ريفيًّا أيضًا؛ وهو مشهد رمضاني، والقصة مكثفة على الرغم من قصرها، فقد نقلت المتلقي إلى الحالة الرمضانية في الريف، وكذا وصّفت بدقة صورة الشيخ: عطية/ المؤذن/ بائع الخضراوات/ مطارد الصبية الصغار.
-وفي قصة: "الخنفساء والحائط المائل"، تظهر تجليات شعريّة السرد، والتي ترتبط عند الكاتب بوصف الريف وظواهره، فيقول: "يقبض محمود على خفة ظله التي التي منحها له خالقه." ولدى الكاتب القدرة على انعطاف السرد إلى قصة مغايرة بخفة، ثم ربط القصتين بسهولة ويسر، فهو يحكي عن اثنين من النقاشين، ثم ينتقل لحكاية سرقة الكردان، ثم الربط بينهما عبر طقس الخنفساء؛ التي ستكشف عن السارق أمام الحائط، الذي قاما الاثنان ببنائه، وظهور مقام الولي في السرد، ومن المعروف أن وجود الولي ظاهرة متأصلة في المجتمع المصري في الريف، والحضر، وحتى في المناطق التي يقطنها العرب أو البدو على جانبي الوادي، لكل بقعة وليّها.
-النقد الاجتماعي عبر السرد:
-في قصة: "الكومبارس"، النقد الاجتماعي والتاريخي والسياسي حاضر بقوة، حيث يقول حين يصف حال الأشباه -أشباه البشر- على لسان الكومبارس: "نقف يأكلنا الخوف بلا سبب، ننتظر أن يضربنا؛ لنرتمي على الأرض"، ويقول: "كنا مع عرابي ولم يذكرنا أحد، وكنا مع الخديوي بعد عرابي ولم نأخذ شيئًا، هتفنا للاثنين وحملناهما على الأعناق، وهما ينظران إلى بعيد، فخلف المشهد ثمة من يقاسم البطل الغنيمة، وفي يوليو كنا مع الملك ومع عبد الناصر، بكينا الملك وعينه تدمع ناظرة إلى بعيد، وهتفنا لعبد الناصر، ولكنه أيضًا كان ينظر إلى بعيد...". نقد اجتماعي واضح، يرثي حالة البين بين التي يقع فيها العامة بين خصمين، كلاهما يبحث عن بطولة لا علاقة لها بهم: "نريد فقط من يذكر أننا بشر، نجوع، ونعرى، نموت، ونمرض..."، هم في انتظار البطل المخلص الذي يخلص الجميلة من يد البطل الشرير، ما حال البطل إذن؟ يقول: "لكن البطل القادم من هناك أول ما يفعله دائمًا، يطفئ الشعلة وينسى أننا المشهد".
-في قصة: "الكلب الأحمر"، وفيها يحكي السارد قصة كلب حمى صحبه وأغنامه من الذئب، ثم جاء السماوي، وهو صائد الكلاب حيث يقوم بتسميم الكلاب الضالة، وفي مقابل الكلب الذي يعوي كان الطفل قد ألقى حجرًا على رأس السماوي فشجه، وكان يعوي هو الآخر. عواء مستمر من الحيوان إلى الإنسان، بينما (الترعة) تتلوى وتستقيم بمائها القليل، وعلى مد (الشوف) غيطان وزروع خضراء، في وسط كل هذا يجيء النقد الاجتماعي في معاملة الحيوان الأليف وقتله.
-في قصة: "الصفعة"، تمثل هذه القصة نقد اجتماعيًّا حادًّا، فالمجتمع مستسلم لمجموعة الأفكار، فها هو يرجع فكرة اختراع الشيطان للإنسان كوسيلة لتبرير جرائمه وشروره. هم يصدقون وجود الشيطان، ولا يصدقون خروجه من التلفيزيون لصفعهم، باختصار يصنعون الأكاذيب ويصدقونها!
-واستمرارًا لاستسلام المجتمع لمجموعة الأفكار هذه تأتي قصة: "الحجاب"، وهي تمثل نقدًا اجتماعيًا للأفكار المشوَشة والمشوِشة، فهو يستطيع أن يتلاعب بجسم الفتاة كاملًا، بشرط: "ألا تقترب أبدًا من الحجاب على شعرها."
-في قصة: "الخنفساء والحائط المائل"، هنا نقد لإيمان الريف والبدو بالغيبيّات، فقد نُسي الكردان الذهبي تمامًا أمام الإيمان بمعجزة الشيخ: أبو فردة.
-خاتمة ثمالة:
تنتهي المجموعة بعدد من القصص أو الأقاصيص شديدة التكثيف، تكاد كل واحدة منها أن تكون إضاءة على جانب من الحياة لا يُصدّق، أو نراه ولا نندهش، لكن تدهشنا كتابته! فقصة: "كلب الدار": الكلب الذي عوى على صاحب الدار كي لا يرى زوجته في حضن رجل آخر. وقصة: "سباق"، جمهور يشجع على الهزيمة، ترى ما شكل الكون في هذه اللحظة إذن؟! وهكذا قصص أبدًا، وصياد، وزواج، وضوء القمر.
ولقد اهتدى الكاتب بذوق رفيع وعبر ثقافة واسعة وتجربة حقيقية متسعة إلى اكتشاف آلية للكتابة راقية؛ فجاءت هذه المجموعة تضع المتلقي بالفعل: "كأنه حي".



#أمل_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القلق الوجودي في ديوان (مكان مشبوه) للشاعر محمد الكفراوي
- النقد احتياج إبداعي
- ديوان (نعيم العالم السفلى)، للشاعر المصري يونان سعد، ملحمة ش ...
- مقال للناقد الأدبي الدكتور عادل ضرغام بعنوان : - الرابع عشر ...
- حوار أمل سالم مع الشاعر سمير الأمير
- متى تنصف الثقافة محمود شاكر؟
- فوبيا الأسلاك الشائكة
- كنوز القاهرة المنسية
- عشب الروح؛ غنائية لحضرة الشعر
- التركة
- صخور القمر والمريخ، وديناصورات، على كورنيش النيل
- السرير (قصة قصيرة)
- قصص تتحرى السؤال الفلسفي
- نفر العزبة - نيويورك
- الكاتب
- عين الصيرة، بحيرة يحيط بها الأولياء.
- البنوة في أشعار محمود درويش
- رواية -آلة الزمن- بين الأدب والعلم
- الكوارث وتصحيح مسار الإنسانية
- الاختراق والهيمنة المؤسساتية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل سالم - كأنني حي-، سرد في إرادة الحياة.