أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الغني سلامه - روح العراق وأسراره














المزيد.....

روح العراق وأسراره


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 7210 - 2022 / 4 / 4 - 15:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قد تساعد البيانات والإحصاءات الرسمية في فهم طبيعة بلدٍ ما، ومعرفة مستويات الحياة فيه.. وقد تساعد الانطباعات الشخصية التي ينقلها من زار البلد، أو أقام فيه ردحا من الزمان.. وقد تعطي نشرات الدليل السياحي فكرة أوضح، أو ما تقوله كتب الجغرافيا والتاريخ.. لكن كل ما سبق يعطي فكرة منقوصة ومجتزأة.. ويظل أهل البلاد، ومن سكنها فترات طويلة هم الأقدر على فهم حاضرها، والتنبؤ بمستقبلها، لأنهم لامسوا روحها، وكشفوا أسرارها، وحددوا هويتها وشخصيتها.

لو أخذنا العراق مثالاً، سنحتار في تحديد طبيعة هويته: هل هي عربية؟ أم إسلامية؟ أم سُنية، أم شيعية؟ أم عربية كردية؟..إلخ، في الواقع أي من تلك التصنيفات كافية لتقسيم العراق، وتجزئة هويته.. العراق كل ما سبق وأكثر.. لا شيء يجمع شتاته ويستوعب مكوناته ويوحده سوى الهوية العراقية الجامعة.

للعراق تاريخ موغل في القِدم، وقد كانت السومرية أول وأقدم الحضارات الإنسانية، ومدينة أريدو على الفرات الأدنى أول مدينة في التاريخ، ثم جاءت حضارات الأشوريين، والبابليين والكلدان.. وصولاً للدولة العباسية.. فيما تعاقب عليه الفاتحون الفُرس والإغريق والعرب والبويهيون والسلاجقة والعثمانيون والإنجليز... سكنه النساطرة والسريان والأرمن والأرثوذوكس والكاثوليك.. والأكراد والصابئة والأزيديون والتركمان.. والبدو، وأهل الحضر والأرياف.. وكان لكلٍ من هؤلاء نصيبه من الأرض، وأثره في التاريخ، وبصمته في الهوية.. فتاريخ العراق تاريخهم كلهم، وهويته الجامعة تصهر وتختزل هوياتهم الفرعية.

صحيح أن بغداد احتلت مركز الصدارة تاريخياً، وارتبط اسمها بالعراق.. بيد أنه لا يمكن فهم العراق بصورة حقيقية وشاملة دون الموصل والبصرة والأنبار وديالى ودهوك والنجف.. بل ودون فهم أصغر ناحية في أبعد ولاية.. كما يصعب فصل الماضي عن الحاضر، أو فصل التاريخ السياسي عن التاريخ الاجتماعي، أو البعد الهوياتي عن المكون الديني، والطائفي.. أو اختزال العراق بحمورابي، ونبوخذ نصر، والرشيد، والمأمون، أو بالعهد الملكي ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم، وصدام.. يجب أن نضيف إلى كل هؤلاء الحجاج، وأبو مسلم الخراساني، والعلقمي، والجلبي، والمالكي.. حتى تكتمل الصورة بشقيها الإيجابي والسلبي، وتظهر بكافة ألوانها الحقيقية.

لذا؛ تاريخ العراق ليس فقط ذي قار والقادسية وذات السلاسل، هو أيضاً كربلاء، وتمرد الخوارج وثورة الزنج.. وحروب صدام.. تاريخه ليس فقط في حكايات السندباد، وقصص ألف ليلة، وكليلة ودمنة.. هو أيضا حكايات الجوع والخوف وحملات القمع والاضطهاد.
تاريخ العراق هو جلجامش، وسمير أميس، والحسن البصري، وابن حنبل، والجاحظ، والفرزدق، والأصمعي، وابن سينا، والرازي، والمتنبي، وأبو تمام، والرصافي، والسياب، ونازك الملائكة، والبياتي، ونصير شمة، وناظم الغزالي، وسعدون جابر، وكاظم الساهر.. وزها حديد، وجواد سلیم، وغني حكمت، ولميا عباس.. ويجب أن نضيف إلى كل هؤلاء من ابتكر صنارة الصيد، ومن اخترع الدولاب، ومن كوّر الفخار، ونقش على النحاس في سوق الصفافير.

روح العراق تجدها في شارع المتنبي؛ أكبر مكتبة شعبية في العالم، فهناك ستجد أستاذا جامعيا ضاقت به الحياة فأتى لبيع بعض كتبه، وستجد من نهَبَ مكتبةً من بيتٍ فـرَّ أهله تحت وطأة الحرب، وستجد من أتى يطلب المعرفة، ومن يبحث عن كتاب منعته كل دول المنطقة.
روح العراق في شارع أبي نواس، حيث تصطف المشارب والبارات، وأغاني أم كلثوم في العصاري الحالمات، وحيث السمك المسقوف الطازج، المشوي على الحطب، وفي المستنصرية، وراغبة خاتون، وشارع الرشيد، والشورجة، وسوق الغزل، والسراي، حيث فيها كل نادر وغريب، وما لا تجده في غيرها من الأسواق.. وفي شارع السعدون، حيث شاي أبو الهيل، ولبن أربيل الفريد في طعمه، وعصير الشمام الذي يبلل الروح الظمئة في قيظ تموز.

وفي أكلاته الشهية: في قيمر ديالى المستخلص من حليب الجاموس، وهي وجبة الفطور الأشهى.. والتي لا ينافسها سوى شوربة العدس الصباحية، أما وجبة الغداء الألذ فهي كباب نينوى، أو التشريب المشبع بالطماطم ولحم الضأن، مع أرز البرياني، أو الدولمة، أما العشاء فوجبة الباجة الشهيرة..

تمر العراق الخستاوي هو الأحلى، ينافسه في الحلاوة رقائق الكاهي، أو المن والسلوى والذي تختص به أربيل والسليمانية.

روح العراق في لطميات الفقراء في عاشوراء، ذكرى مقتل الحسين وآل البيت، وفي الدراميات الحزينة، وفي دبكات الجوبي، وأعياد النيروز، وموسيقى شفان الكردي.. فثقافة العراق حصيلة تاريخ طويل من التنوع الحضاري، والعرقي، والديني، والمذهبي، واللغوي.
روح العراق في جامعاته العريقة، تسكن في كل مكتبة، وتحلّق في كل مركز بحث علمي في أنحاء المعمورة، وتجدها أيضا في دماء من قاوم الاحتلال الأميركي، ومن غدرت بهم قوى الطغيان، وقبل ذلك في مقابر الشهداء في جنين ونابلس.

روح العراق في قلعة أربيل، وملوية سامراء التي قصفها الإرهاب، وأسد بابل، وبوابة عشتار الشهيرة المحتجزة في متحف برلين، ومئذنة الحدباء التي هدمتها داعش، وفي الجسر الحديد الواصل بين الكاظم، وأعظمية أبو حنيفة، والذي نسفه الطائفيون، وفي الأهوار، وفي كنوز النمرود التي نهبها الأميركيون، وفي غابات النخيل في البصرة، التي تحملت القصف الإيراني..

تلك هي روح العراق وأسراره.. أما ما يحدث فيها من تفجيرات عشوائية، وعمليات إرهابية، وفتن طائفية، وفساد، ولصوصية، وميليشيات.. فهي ما فاضت به مجاري العراق، هي مكب النفايات الملحق بأي مدينة كبيرة، هي البثور الناتئة التي شوهت وجهه بعد أن أعياه المرض.. هي ما علق على الغربال بعد أن هزته رياح التغيير..

سلام على العراق في الأولين وفي الآخرين.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لباس المرأة
- التقويم العالمي والزمن الشبحي، وأعياد النوروز
- حول الحرب الروسية الأوكرانية
- إسلاميون خارج النسق
- أم كلثوم
- محنة الطفل ريان، وتجليات الإنسانية
- أين نحن من العالم؟
- عِلم التضليل
- سأعتزل الفن
- كيف حدث التغيير؟ وما الذي تغير؟
- أديان بلا مذاهب
- نظرية الأكوان الموازية
- أثر الفراشة
- مسيحيو الشرق.. مرة ثانية
- الأمن الغذائي، ومشكلة الجوع
- خلل في سلاسل الإمداد والتوريد
- حين نبيع صروحنا العلمية - كلية الزراعة أبو غريب
- الفلسطينيون في إسرائيل.. دراسة بحثية
- زوجات المشاهير
- ملحمة كلكامش


المزيد.....




- مشتبه به في إطلاق نار يهرب من موقع الحادث.. ونظام جديد ساهم ...
- الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟
- بشار الأسد يستقبل وزير خارجية البحرين لبحث تحضيرات القمة الع ...
- ماكرون يدعو إلى إنشاء دفاع أوروبي موثوق يشمل النووي الفرنسي ...
- بعد 7 أشهر من الحرب على غزة.. عباس من الرياض: من حق إسرائيل ...
- المطبخ المركزي العالمي يعلن استئناف عملياته في غزة بعد نحو ش ...
- أوكرانيا تحذر من تدهور الجبهة وروسيا تحذر من المساس بأصولها ...
- ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعدا ...
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في ال ...
- مصر.. الداخلية تكشف حقيقة فيديو -الطفل يوسف العائد من الموت- ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الغني سلامه - روح العراق وأسراره