أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - رحلة الموت وفجيعة البحر















المزيد.....

رحلة الموت وفجيعة البحر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7199 - 2022 / 3 / 23 - 13:42
المحور: الادب والفن
    


"الاحداث مستوحاة من نكبة غرق سفينة المهاجرين العراقيين التي تحطمت ما بين مياه اندنوسيا وسواحل استراليا"
بعد رحلات طويلة ومغامرات شاقة وصلت مجاميع العراقيين من (ماليزيا) الى (سومطرة)، وأثناء مكوثهم عدة أيام في تلك الجزيرة وهم يبحثون عن طريقة يعبرون بها الى (جاكارتا) عاصمة (اندنوسيا)، القت شرطة دائرة الهجرة القبض على بعض المهاجرين في سومطرة واودعو السجن لعدة أيام حتى تمكنوا من الهرب عبر الغابات، ثم حصل الاتفاق فيما بعد مع سائقي الباصات فتم تهريبهم عبر الغابات الاستوائية المطيرة الشاسعة، وبعد ثلاثة أيام قطعتها المركبات وصلوا الى العاصمة الاندنوسية (جاكارتا) أخيراً.
ثم بدأت محاولاتهم للوصول الى زعيم المهربين المحمي من بعض الشرطة الاندنوسية، والتي كانت تغض النظر أو تساعد عمل المهربين بقواربهم التي تقصد المياه الاسترالية، وبعد مساومات ودفع أموال الى منسق التهريب، تم تحديد موعد التجمع بعد بضعة أسابيع من الاتفاق على انطلاق الرحلة، وكان أغلب المهاجرين هم من العوائل والشباب العراقيين بينما التحقت بهم أعداد قليلة من الافغان والايرانيين الهاربين من أوطانهم.
كانت سفينة الصيد الخشبية القديمة الراسية في إحدى موانىء جاكارتا في أواسط شهر اكتوبر من عام 2001 تنتظر قدوم 421 مهاجراً غير شرعياً ومن ضمنهم 146 طفلاً، كان يجمعهم قدراً واحداً، وحلماً مشتركاً، بعد أن قامت مافيات تهريب قوارب اللجوء في العاصمة (جاكارتا) بتصديرهم كصفقة تجارية مستغلة طموحات طالبيّ اللجوء لايصالهم الى جزيرة (كريسمس آيلاند)، على أمل أن تثير قوافل البؤساء والمضطهدين القادمة من مخيمات الحروب والحصار شفقة بحارة وحراس السواحل الاسترالية هناك كي ينقذوهم ويجلبوهم الى داخل الأراضي الاسترالية الآمنة وعلى أمل أن يتم منحهم أقامة شرعية.
حشر سماسرة التهريب بطالبيّ اللجوء داخل السفينة مثلما تحشر أسماك السردين في العلب المعدة للتصدير وقد زج داخل سفينة الصيد ونقل البضائع الاندنوسية بحمولة أكثر من إستيعابها وطاقتها، كما أن عصابات التهريب لم يزودوا الركاب بطاقيات الانقاذ أو قوارب النجاة الصغيرة التي تحتاجها الرحلة المحفوفة بالمخاطر، وقد احتج المهاجرين حول كثرة الاعداد التي كان يفترض توزيعها على سفينتين، لكنهم تكدسوا في سفينة غير آمنة للابحار أما الشرطة الاندنوسية المرافقة وسماسرة التهريب فقد رفضوا الاستماع لمخاوفهم وأرغموهم عنوة على الصعود الى سطح السفينة، خشية من إكتشاف أمرهم وفضح المؤامرة، ولم يكن خيار آخر أمام المهاجرين غير الانصياع لأوامرهم.
في صبيحة يوم التاسع عشر من شهر أكتوبر أبحرت سفينة الصيد الخشبية المتهالكة نحو آمال وضفاف تتوارى خلف سراب البحر، فكانت مشاعر الخوف والتمنيّ وصلوات النجاة يتلوها الركاب في مغامرة التيه والبحار البعيدة.
انبهر الاطفال منذ الوهلة الاولى بعد أن أنتباهم فرح يشوبه الرهبة والخوف من القادم، ثم رجعت أسراب النوارس التي كانت تحط فوق سارية السفينة الى سواحلها القريبة بعد أن ودعت الراحلين.
وفي عرض البحر اندهش الاطفال أيضاً حين شاهدوا (الدلافين) تقدم عروضها الراقصة فوق سطح الماء وهي تغطس وتعوم ثم تنط عالياً فوق أمواج البحر وتطلق ضحكاتها السعيدة وهو تطوف حول السفينة، لا سيما أثناء اقترابها من أعماق المياه، ثم لوح الاطفال للدلافين وهي تعوم بعيداً، بينما أحلام المهاجرين كانت تتطلع نحو سواحل الخلاص والوصول الى بر الامان والطمأنية.
بعد أن حَل الليل وأخلد الركاب الى النوم لا سيما الاطفال والنساء في قعر السفينة وعنابرها التي كانت تستخدم لخزن البضائع والاسماك ... أما (كريم الرحال) فلم يراوده النوم في تلك الليلة وانتابه القلق والارق فصعد الى سطح السفينة يتأمل الامواج التي يتلألأ فوقها تموجات ضوء القمر.
أشعل سيجارته وارتحل بعيدا متذكراً محطات العمر داخل أسوار الوطن البعيد والجريح خلف البحار، ولعنات الحروب العبثية التي مزقت العراق والتي نجا منها باعجوبة لاكثر من مرةٍ، ومحاولات هروبه السابقة من بوابات الجحيم، وكذلك نزيف الدم والابادة خلال قمع الانتفاضة الشعبية عام 1991 ونجاته مرة أخرى من المجازر الجماعية ودفن العراقيين أحياء في الجنوب هناك، ثم اعتقاله في (معتقل الرضوانية) الرهيب عدة أشهر، وخروجه مع مراقبة تحركاته، ثم هروبه فيما بعد الى الاهوار والاختباء بها حتى قامت حملة تجفيف الاهوار بعد أن أحرق النظام العراقي غابات القصب وقتل الجواميس ودمر القرى وجرف البساتين هناك بعد أن دكها بالصواربخ والمدافع واحرقها بقذائف الطائرات، ثم نزوحه عبر (هور الحويزة) نحو ايران وسيره حافياً لمسافات طويلة باقدام أدمتها الاشواك وحافات القصب المحروق وسط المستنقات والاوحال.
وحين شاهد البؤس وشظف الحياة في معسكرات اللاجئين في ايران بقيّ عدة أشهر لم يشعر بها بالاستقرار ،فشعر بالاحباط واليأس حتى تسنى له النزوح فيما بعد الى سوريا ثم المكوث والعمل في (دمشق) لعدة سنوات، ثم سافر بجواز مزور الى (مطار كوالالمبور) في العاصمة الماليزية، ومنها الى جاكارتا وكان يراوده الحلم بان تكون تلك الرحلة هي أخر مغامرة وخاتمة لمعاناته الطويلة فعسى أن يستريح حينها من الحروب والمطاردات وأن ينعم بالاستقرار قليلاً لسنواته المتبقية من العمر ومن ورطة الحياة.
حين أقترب المركب نحو المياه العميقة من المحيط الهندي، عم السكون والرهبة مع صمت كان يشوبه الحذر، بعد أن توقف محرك السفينة في منتصف النهار، ثم شرع الافق يدلهم وتهيج فيه أمواج تتعالي حتى هاجت عاصفة حجبت فيها الشمس وأججت الرعب في نفوس ركاب السفينة وقد حاول القبطان الاندنوسي ومساعده السيطرة على دفة السفينة ومسارها لكن محاولاتهم باءت بالفشلِ وفي خضم الامواج العاتية المحاذية للمياه الاسترالية بعد أن أخذ هيجان وترددات الامواج تتصاعد عدة أمتار فوق سطح البحر مع صرخات استغاثة ركاب السفينة وهم يتقيؤن من دوار البحر ورعب العاصفة.
بعدها أخذت الامواج المتلاطمة بالخمود قليلاً، وخف تلاطم الامواج بالسفينة، وقد تم اصلاح المحرك.
لكن القبطان أبدى قلقه وتردده من استمرار الرحلة وقرر العودة اما الركاب فاختلفت قراراتهم البعض اتفق مع فكرة الرجوع إلى سواحل جاكارتا والقسم الاخر رفض العودة وآخرين بقوا في حيرة من أمرهم ، وقد حاصروا القبطان باسئلتهم عن سبب قبوله الابحار في البداية ثم تردده الان ... فأجاهم: بانه أيضا كان مجبرا من قبل مافيات قوارب الهجرة!!
ثم احتدم النقاش وتبادل الاتهامات حتى أقترح أحد الركاب برشوة الفين دولار أمريكي يقدمها للقبطان من أجل الاستمرار بالرحلة، وافق القبطان في الآخر وخاض المغامرة الخطيرة.
بدأت الرحلة مرة أخرى ودخلت السفينة الى المياه الاكثر عمقاً وهي تشق عباب المحيط.
تعاظم قلق الركاب مرة أخرى بعد أن صمت المحرك مجدداً بعد نصف ساعة فقط من الابحار وازداد هلعهم لا سيما بعد ظهور ثقب صغير في قعر السفينة وبدأ الماء يتدفق بقوة من خلال الثقب ، فأخذ بعض الركاب بتفريغ المياه المتسربة الى قعر السفينة بالدلاء والاواني، ودلقها خارج السفينة، وحاول أحد الركاب أصلاح الثقب لكن دون جدوى فالثقب بدأ يتسع والاخشاب المتهرئة العتيقة والتالفة أخذت تتكسر وتتحطم، واجتاحت المياه العنابر في الطابق السفلي من السفينة، ثم تعالى صراخ القبطان وأمر الركاب بالقاء أمتعتهم في البحر كي يخففوا من حمولة السفينة، فبدأت الأمتعة والحقائب ولعب الاطفال طافية حول السفينة، وقد تطوع بعض الشباب الذين يجيدون السباحة الى القاء أنفسهم في المياه من أجل تخفيف عبء الحمولة ولرفع معنويات بقية الركاب.
يتبع



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبوذية الغناء وصوفية العشق
- إحفيظ ومملكة الاساطير والخوف/ الجزء الاول
- تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد
- مقامات هجرة السنونو
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - رحلة الموت وفجيعة البحر