أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد حمدي سبح - ما بعد الغزو















المزيد.....

ما بعد الغزو


أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)


الحوار المتمدن-العدد: 7177 - 2022 / 3 / 1 - 17:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتواصل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي بدأت في الرابع والعشرون من فبراير ، وستستمر العملية حتى سقوط كامل الأراضي الأوكرانية تحت السيطرة الروسية .

ومن المتوقع إتمام السيطرة في مدة تقريبية مع نهاية مارس الحالي بالأخذ في الإعتبار المقاومة الأوكرانية أو أية محاولات للتهدئة إعطاءً لفرصة لمحادثات سلام جانبية قد تعقد هنا أو هناك على غرار ما يحدث حاليآ على الحدود البيلاروسية اثباتآ فقط لحسن النوايا الروسية والتي تقابل بتشدد من الجانب الأوكراني ممولآ ومدفوعآ من قبل أصدقائه الغربيين .

وقد بينت هذه العملية العسكرية والتي لا ترقى لمستوى الحرب وذلك لحرص روسيا على عدم تدمير البنى التحتية المدنية أو المدن أو ايذاء المدنيين بل توفير ممرات آمنة لهم ، بل وصل الأمر كما بينت بعض الفيديوهات والصور الواردة من هناك تجاذب الجنود الروس أطراف الحديث من المدنيين الأوكرانيين ومحاولة اقناع بعض منهم الذين شكلوا حواجز بشرية لمنع عبور دبابات او مدرعات روسية هنا او هناك .

خاصة وأن روسيا لا تريد فقد تأييد ودعم الشرق والجنوب الأوكراني حيث موطن الأوكرانيين من مؤيدي روسيا ومن أصول روسية والمتحدثين بالروسية .

وبعد أن تبينت روسيا والعالم حجم العداء الغربي لها والإصرار على تهديد أمنها القومي سواء بمحاولة ضم أوكرانيا للناتو وعدم احترام مخاوفها الأمنية بأنها أصبحت تحت التهديد الوجودي بوصول قوات الناتو الى مسافة حوالي الف كيلومتر فقط من موسكو بوجود قواعده في دول البلطيق .

أو من خلال العقوبات التي يتحمس الغربيون ويتفننون في اختراعها ضد ضد موسكو والتي وصلت الى اخراج منظمة مالية من المفترض كما وصفت نفسها أنها حيادية ومستقلة وهي منظمة سويفت بإخراجها عن حيدتها ، وذلك بمنع موسكو من استخدام خدماتها ، أو وصولآ لعقوبات أوروبية تفصيلية غريبة آخرها منع الأثرياء الروس من حمل ما يعرف بجواز السفر الذهبي الذي يخولهم الحصول على جنسية دول أخرى !! ، بل وقيام الغرب بحظر وسائل اعلام روسية من العمل بما فيها موقع يوتيوب نفسه ، في خيانة واضحة لمبادئ حرية الرأي والتعبير التي لطالما تشدقوا بها وعابوا على الأنظمة الديكتاتورية القيام بمثل هذه التصرفات والأفعال !!.

مرورآ بالطبع بتصدير معدات عسكرية ليست مجرد دفاعية بل فتاكة الى أوكرانيا مما يتسبب في قتل مزيد من الجنود الروس وإلحاق خسائر مادية بالجيش الروسي ، هذا الى جانب اللغة بالغة العدائية تجاه روسيا والتي تفتقر الى أدنى قواعد الدبلوماسية سواء المستخدمة من العواصم الغربية وعلى رأسها لندن أو من قبل عواصم دول كانت منضوية في الماضي تحت لواء حلف وارسو وعلى رأسها بولندا ودول البلطبق الثلاث .

وما يقوم به المسؤولون الغربيون والاعلام الغربي الآن بالتشدق ببضع مظاهرات مناهضة للحرب هنا وهناك لاتزيد في أكبرها عن مجموعات من الآلاف ، لا ترقى للمظاهرات التي قدرت بعشرات الملايين والتي كانت تخرج على مدار سهور قبل وأثناء وبعيد غزو العراق عام 2003 منددة بالحرب ورافض لها بما في ذلك مظاهرة روما والتي احتشد فيها حوالي ثلاثة ملايين شخص رافض للحرب ومطالب بمنع حارب كاذبة تستند لادعاءات ثبت كذبها وغشها وخداعها ، وما أنتجت الا بلدآ فاشلآ ومدمرآ حتى اليوم وكانت مسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن مقتل وجرح وتشريد وتهجير الملايين من العراقيين حتى اليوم ، وليس هذا دفاعآ عن الديكتاتور صدام حسين ولا أبنائه أو طغمته الذين كانوا يقتلون الناس ويعذبونهم وأورثوهم الفقر والضياع ، وإنما اثباتآ فقط لاغير لازدواجية المعايير الغربية .

تلك الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها البريطانيين والأستراليين والبولنديين والبشمركة الأكراد ضد دولة محاصرة ومعزولة منذ أكثر من عشرين عامآ ساعتها ولا يملك جيشها المهترئ حتى قطع غيار لتحريك وتشغيل أسلحته المتهالكة ولا جنود مدربين تدريبآ كافيآ بسبب الفساد وتدهور الأوضاع وفي ظل غياب حاضنة شعبية لجيش نخر الفساد والظلم عظام كتائبه وتقيحت عزيمة فرقه وشعب ابتهج بسقوط جيشه وحاكمه ، وصمت بل وتأييد من دول جوار وفرت القواعد والمؤونة والدعم للغزاة .

استلزم كل ذلك وفي ظل كل هذه الظروف المواتية حوالي عشرون يومآ لسقوط بغداد ، في الوقت الذي يدعي فيه المسؤولون الغربيون استغرابهم لعدم سقوط كييف أربعة أو خمسة أيام معتبرين ذلك فشلآ وعجزآ للقوات الروسية !!! .

وبالطبع فإن كل ردود الفعل المتسارعة والمبالغة هذه والتي تنم عن عداوة صريحة ودفينة وتصريحات مباشرة وعلنية من قبل جوقة من كبار المسؤولين الأوروبيين بحتمية تدمير الإقتصاد الروسي وتحويل أوكرانيا لمستنقع لكرامة وقوة روسيا ، فإن كل ذلك لايترك شيئآ لموسكو لتبكي عليه وسيدفعها دفعآ صريحآ وموجبآ للإنتقام وقلب الطاولة والإندفاع بقوة نحو تغيير معادلة الأمن الأوروبي التي كانت تسير خلال العقود الثلاثة الماضية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي( في ظل الكارثتين الجورباتشفية واليلتسينية ) في تجاه واحد ألا وهو ضمان الأمن الأوروبي على حساب نظيره الروسي بشكل شرس ومهدد لأمن موسكو .

وعليه فإن موسكو ستتجه خلال الفترة المقبلة الى :

1 تكثيف عملياتها العسكرية في أوكرانيا بغية تسريع الحسم هناك وتقليل أية خسائر عسكرية روسية ستنجم من إطالة أمد العملية العسكرية ، حتى ولو وصل الأمر الى الإضطرار الجبري لقصف مدن أو أهداف مدنية يحتمي بها مقاومون أوكرانيون متسلحون .

2 بعد ذلك ستعمل موسكو على عزل المناطق الشرقية والجنوبية من أكورانيا بشكل أو بآخر حسب تطورات الأوضاع فيما بعد انتهاء العملية العسكرية وستشكل هذه المناطق جزءآ أساسيآ من المدى الحيوي للأراضي الروسية المتاخمة واحتمالية ضمهم لروسيا على المديين المتوسط والبعيد .

3 ستعمد روسيا الى ضم اقليم ترانسنستريا المتحدث بالروسية وتحت الادارة الذاتية والمنشق عن مولدوفا الى روسيا .

4 ستلجأ روسيا الى شن ضربات عسكرية على المناطق البولندية والرومانية المتاخمة للحدود الأوكرانية حال استمرار تدفق مسلحين أو أسلحة من هذه الأراضي الى أوكرانيا ، بل والتهديد بغزوهم .

5 تضييق الخناق على دول البلطبق الثلاث( استونيا ولاتفيا وليتوانيا ) ومحاصرتهم برآ وبحرآ ، مطالبة بإعلان حيادها وانسحابها من الناتو أو على أقل تقدير بسحب الناتو لقواعده وجنوده من هناك ومنع نصب أية أسلحة صاروخية هجومية هناك واخضاعها للرقابة والمتابعة الروسية الدورية والا سيتكرر السيناريو الأوكراني ، ولن يخاطر الناتو أو أمريكا بحرب كونية في الجوار الروسي .

لأن معنى تدخل الناتو ساعتها في سهول وغابات لا تبعد عن موسكو سوى أقل من الف كيلو متر فيما تبعد عن واشنطن قرابة السبعة آلاف كيلومتر يعني حربآ نووية حقيقية ، فكما قال بوتين ( كمولطن ورئيس لروسيا ما حاجتنا لكوكب لا توجد فيه روسيا ) .

6 أما المحاولة الفنلندية والسويدية للإنضمام الى الناتو ، فان روسيا ستعمد للخيار الدبلوماسي لمواجهتها حيث تشكلان خطورة أقل من تلك الخاصة بأوكرانيا ودول البلطيق ، خاصة وأنها تدرك أن كلتا الدولتين أصلآ لا تحملان ودآ للروس لاعتبارات تاريخية وجيوسياسية عميقة ، وأن عدم انضمامهما للناتو لم يكن يعني خلاف ذلك وأن هناك تنسيقآ وتفاهمات أمنية بينهما وبين الناتو .

ولكن ستسعى روسيا لطمأنة الدولتين قدر الإمكان والبحث عن تفاهمات وتنسيق أمني مشترك في بحر البلطيق ، مما سيشكل مدخلآ لحلحلة الوضع مع الألمان خاصة في ظل الاحتياج الألماني كما الروسي لخط (NORDSTREAM 2) ، خاصة وأن المستشار الألماني وجه نحو سرعة بناء محطتين لإسالة الغاز المستورد في كل من مدينتي برونسبوتل و فيلهلمسهافن بشمال ألمانيا مما سيخفف من الاعتماد الألماني على الغاز الروسي .

أما في حال غياب التفاهمات والإستسلام للتعنت فإن روسيا ستلجأ لتعزيز ترسانتها العسكرية على الحدود الفنلندية وفي بحر البلطيق بشكل مهدد لأمن المنطقة ومعرضآ لها لخسائر مادية واقتصادية ستعاني منها الدول الأوروبية هناك تحت ضغوط التهديد وتوتر الأوضاع وغياب الأمن والإستقرار .

7 ستتجه روسيا خلال الفترة المقبلة كذلك نحو تعزيز شراكاتها في الشرق بعيدآ عن الغرب ( امبراطورية الكذب ) كما وصفهم فلاديمير بوتين ، وستكون الهند هي كلمة السر في ذلك نحو تعزيز التعاون الروسي الهندي وتطويره نحو شراكة استراتيجية تعمل على معالجة المشكلات الأمنية والحدودية الهندية مع كل من الصين وباكستان في ظل بناء شبكة أقوى من المصالح الإستراتيجية بين هذه الدول بالإضافة الى ايران واستغلالآ لخطة طريق الحرير الصينية الجديدة ، مع تطوير التعاون المشترك في تعزيز أمن المحيط الهندي .

وكذلك بغية ألا تضع موسكو أوراق اللعب كلها في يد لاعب واحد ألا وهي الصين ، فسياسة الارتماء في حضن دولة واحدة واعطائها كل أوراق اللعب من المعروف أنها سياسة فاشلة ولاتورث الا الضعف والارتهان لارادة طرف خارجي .

8 من المؤكد أن الصين حال تطور الأحداث الى مستويات أعلى من الصراع ، ستكون بحاجة الى اظهار مزيد من الدعم والتأييد للموقف الروسي ، لما سينعكس ذلك على مصالحها بالإيجاب خاصة فيما يتعلق بقضية اعادة توحيد تايوان ، وكذلك فإن إظهارها للدعم القوي سيعطي صورة واضحة للغرب أن روسيا ليست حدها وأن فعلآ إلقاء مزيد من الزيت على مستويات الصراع سيفضي الى جحيم حرب عالمية حقيقية لن تتهاون فيه الصين أن تترك روسيا وحيدة فيها.

حتى لا تجد الصين هي نفسها وحيدة بعد ذلك في ظل صراعاتها التي تخوضها في جوارها الإقليمي على مياهها وجزرها وأكبرهن تايوان وطبعآ غير بعيد خاصرتها التهديدات التي يشكلها كل من حلف أوكوس ( استراليا وأمريكا وبريطانيا ) وحلف كواد ( الهند واليابان واستراليا وامريكا ) ، وهو ما سيتطلب معه مزيدآ من المرونة الصينية وبدعم ووساطة روسية في ملفات الحدود الصينية الهندية واليابانية .

وذلك أيضآ تعزيزآ لفرصة بناء تحالف روسي هندي صيني في الباسيفيك والمحيط الهندي ، خاصة وان الهند نفسها رافضة للتواجد العسكري الامريكي البريطاني في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي وهي قاعدة مقامة على أراضي تحتلها بريطانيا بشكل غير شرعي من موريشيوس التي تطالب بعودة الجزيرة إليها .

كما أن الأوروبيين لن يلجأوا الى فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على الصين ، لما في ذلك من خسائر كبيرة حققة سترد إليه في ظل العلاقات الإقتصادية القوية بين الطرفين والتبادل التجاري الهائل بينهما مما سيعمق خسائر الأوروبيين الذين سيبدأون في حسباتها بعد فترة من عقوباتهم على روسيا ، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم الى مستويات كبيرة وستزداد أكثر خلال الفترة المقبلة مع ارتفاع أسعار البترول والغاز والمواد الأولية والغذائية بالإضافة الى مشكلات التوريد وكورونا وعدم امكانية ايجاد بدائل سريعة وموثوقة ورخيصة للمنتجات الروسية من الغاز والصينية من السلع والمعدات والمواد الأولية .

9 من المتوقع أن اليابان بتدخلها غير المدروس على خط المواجهة ضد روسيا تدمر فرص التوصل لاتفاق مع روسيا بخصوص جزر الكوريل التي تطاب بها اليابان ، وقد كان على على الكوريين كذلك أن ينأووا بأنفسهم عن التدخل في مسألة الصراع الأوكراني منعآ لتعقيد الأوضاع على جبهاتهم الشرقية خاصة في ظل العلاقات الجيدة بين موسكو وبيونج يانج .

10 من الواضح أن التدخل الأسترالي على خط المواجهة بفرض عقوبات اقتصادية وارسال معدات عسكرية لأوكرانيا سيعزز من حقيقة أن أستراليا لم تعد ذلك الركن البعيد الهادئ والمسالم الى حد ما ، وأن تدخلاتها ودعمها لحلفائها الغربيين أصبح أكبر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وغزو أفغانستان و العراق ، هذه التدخلات الأسترالية التي زادت حدتها منذ اعلان تحالفي كواد واوكوس والتي وصلت لتخوم الغابات الروسية ولم تعد مقتصرة على مياه الباسيفيك والهندي تعني أنه من الضروري تشكيل تحالف واضح روسي صيني ازاء ذلك بالتعاون مع الهند طبعآ حفاظأ على مصالحهم الاستراتيجية ومنعآ لتطور الأوضاع الى مستويات أعلى تفرض تكلفة أكبر في المواجهة مما سيفرض على كانبرا إعادة التفكير في سياساتها والإلتزام بالخط الذي يتبعه جيرانهم النيوزلنديون في ويلنغتون .


11 ستعمل روسيا مع أصدقائها في مجموعة بريكس وغيرهم نحو تعزيز عالم متعدد الأقطاب وتطوير نظام مصرفي مشترك بديل أو حتى مجاور لنظام سويفت ، وهو ما قامت به قبلآ كل من روسيا تحت مسمى (SPFS) والصين تحت مسمى (CIPS) التفافآ على العقوبات الغربية وتأكيدآ على أن نظام (SWIFT) الغربي قد فقد حيدته خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم استغلاله فقد تم استلاله من قبل ضد ايران كعقوبة على برنامجها النووي ولكن كان يمكن تفهم ذلك لأنها كانت هناك عقوبات من الأمم المتحدة ، وبالطبع فإن فقدان نظام (SWIFT) حياديته الآن مع الأزمة الأوكرانية سيدفع مزيدآ من دول العالم للنظر في بدائله فلا يمكن أبدآ التسليم بالإرتهان لنظام حيوي تسيطر عليه مجموعة معينة من الدول المتحالفة تستغله حال مخالفة توجهاتها .

12 ستعمد روسيا وبالتعاون مع الصين الى دعم علاقاتهم مع دول أمريكا الجنوبية من باب أن خير وسيلة للفاع هي الهجوم ، وما أفضل من اثارة المتاعب في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك عبر برامج تعزيز التعاون في مختلف المجالات والمساعدات الاقتصادية والتدريبات العسكرية المشتركة وتطوير قاعدة مراقبة الفضاء الصينية في باتاغونيا ومع امكانية محاولة بناء قواعد عسكرية هناك خاصة في الدول التي تمتلك علاقات عدائية مع أمريكا أو محبطة من سياساتها ككوبا وفنزويلا وبوليڤيا والأرجنتين وغيرهم هناك ، مما سيفرض على الولايات المتحدة الأمريكية اعادة الفحص والنظر في ترتيب أولوياتها وتفهم المخاوف الأمنية لكل من روسيا والصين ساعتها مما سيسمح باعادة ترتيب الاوراق في الناتو بإعادة الأسلحة النووية الأمريكية لأوروبا .

13 من اللافت جدآ أن ألمانيا قررت أخيرآ العودة والإضطلاع بدورها التاريخي المقيد لها منذ أيام شارلمان وأتو الأول بأن تكون مساهمآ حقيقيآ وقويآ وفاعلآ في الأمن الأوروبي ولكن هذه المرة بشكل منقطع الصلة عما سبق ، بل مدافعة عن أوروبا ، متوحدة مع خصوم حروبها السابقة الفرنسيين والبريطانيين .

وما تخصيص المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس لمبلغ مائة مليار يورو لدعم اعادة بناء الجيش الألماني ما هو الا خطوة أولى نحو اعادة ترتيب المراجع الأمنية الأوروبية لتكون الأيادي الأوروبية فقط هي الأكثر إمساكآ بصفحاتها وأوراقها .

14 يعتبر القرار التركي الى حد الآن متوازن وقابضآ على العصا من المنتصف ، والتزام تركيا باتفاقية مونترو والموقع عليها روسيآ باعتبارها الوريثة اشرعية للاتحاد السوفيتي السابق ، يشكل تأمينآ جيدآ لمنطقة البحر الأسود وابعادآ لتركيا وغيرها عن مغبة اشعال المنطقة ، وهو ما سستغله روسيا فيما بعد وتعمل على تعزيز علاقاتها وتعاونها مع تركيا في مختلف المجالات والملفات .

15 ستعمد روسيا على تعزيز تواجدها وحضورها العسكري والاقتصادي والسياسي في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والتي تضم كلآ من روسيا و بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان ، باعتبارها فضاء جيوسياسي بالغ الأهمية لروسيا ومعززآ لوجودها كقوة عظمى ولحضورها في منطقة آسيا الوسطى والذي ظهر تأثيره في تدخلها مؤخرآ في كازخستان لإخماد الإحتجاجات العنيفة التي اندلعت هناك ضد فساد المسؤولين والحكام ، وعلى الرغم من مشروعية هذه الاحتجاجات وضرورة النظر في دوافعها والعمل على حل المشكلات التي تسببت بها .

إلا أن التدخل الروسي هنا لم يكن دفاعآ عن فساد طغمة حاكمة بل دفاعآ عن المصالح الإستراتيجية الروسية حتى لا تفقد السيطرة على مجالها الحيوي ، أو حتى لصالح أطراف اما داخل هذه الدول تبحث عن مصالحها الخاصة في فضاء غير روسي أو أطراف خارجية أخرى لا تبتعد عن استخباراتها شبهة دعم وتذكية الاحتجاجات والمظاهرات لتحقيق مصالحها الخاصة .

وبالطبع فإنه وعلى نفس السياق لا يمكن اعتبار أن أوكرانيا تعد واحة للديموقراطية والحرية خاصة بعد ازاحة الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانكوفيتش الموالي لروسيا من السلطة اثر احتجاجات عنيفة ودموية ورفضت كل الحلول المنطقية التي قدمها الرئيس آنذاك والذي اضطر في النهاية للهرب خوفآ على حياته في ظل عدم احترام الغرب الأوكراني لإرادة الشرق والجنوب الأوكرانيين .

وبالطبع لاتعد أوكرانيا حاليآ بستانآ يانعآ للشفافية والمحاسبة والمسؤولية ومع ذلك يدافع الغرب عن نظامها الحاكم لما في ذلك من تحقيق لمصالح الغرب الاستراتيجية تمامآ مثل مواقفه الايجابية مع مختلف الأنظمة الديكتاتورية في أي مكان في عالم طالما امتثلت لمصالحه وتمامآ مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في تدبيرها للإنقلابات العسكرية والقضاء على الحكومات المنتخبة ديموقراطيآ في قارة أمريكا اللاتينية لمجرد أنها يسارية في مقابل تسليم تلك البلاد لطغم عسكرية يمينية حاكمة أشاعت الفساد والفقر في بلادها .



#أحمد_حمدي_سبح (هاشتاغ)       Ahmad_Hamdy_Sabbah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحكام الشرعية وسائل وليست غايات
- معاناة مصرية في عالم الإستثمارات
- ثمة غزو روسي لأوكرانيا
- ارتفاع الفائدة في مصر .. إنقاذ للأسرة والوطن .
- نحو تغيير المنظومة الجمركية المصرية
- عقليات متناوئة من بيئة واحدة
- التحول الرقمي ومزاياه
- لكم دينكم ولي دين .
- استراتيجية التحول الرقمي
- اقتلاع غابات الظلام
- مأزق التعليم في مصر
- ومن الناس من يشتري لهو الحديث
- القيم الدينية والإنسانية
- نحو تطوير التعليم الفني في مصر
- في زمن.. واضربوهن
- لمناصري تعويم الجنيه
- السينما النظيفة
- التبني وما عليه
- معركة كنوز المتوسط
- واضربوهن


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد حمدي سبح - ما بعد الغزو