|
ثورات هيبان و جبال النوبة المنسية
ايليا أرومي كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 7176 - 2022 / 2 / 28 - 21:34
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ثورات هيبان و جبال النوبة المنسية . جبال النوبة هي قلعة الابطال و الرجال الشجعان انها موطن من يسمونهم برماة الحدق . و كل التواريخ تشهد لهم و ان تنكرت لأداورهم تبقي مواقفهم الثابتة و خير شاهد لهم . الحدث الاول من الاحداث المبكرة التي لا تزال راسخة في ذهني و ستبقي عالقة في عقلي الباطن مادمت حياً و انا طفل صغير حادثة الهزة الارضية او الزلزال الذي حدث في منتصف ستينيات القرن الماضي . انا لا اذكر التاريخ تحديداً لكن الحدث ظل محفوراً عميقاً في نفسي ووجداني .. فقد اهتزت الارض تحت أرجلنا و صرنا نترنح كالسكاري ذات اليمين و ذات الشمال و رأيت بأم عيني بيوتنا و كلها القطاطي تقريبا تهتز بقوة لعدة ثواني قد تصل الي دقيقة . لم تحدث أي خسائر لا في الممتلكات و لا في الارواح فالهزة كانت متزنة و العناية الالهية كانت حاضرة ايضاً . و من بعدها جرينا الي السوق كأطفال مرعوبيين نستطلع الاحوال و كان يوم ذاك هو يوم السوق في هيبان . و اذكر هل كان يوم السوق في هيبان هو نفسه يوم الخميس ام كان يوماً اخر . الحدث الثاني الذي سأظل اذكره جيداً و هو حدث يكاد ان يشبه الزلزال و تكاد تواريخ هذين الحدثين تتداخلان في ذهني حد التطابق . هو حدث المسيرة الشعبية او المظاهرالجماهيرية التي أتت من جهة شمال هيبان بقيادة أهلنا من كودن و حجر كومي و قدندلي و لورمنج و اويا و ربما من الازرق و الصهب ان لم تخونني الذاكرة الطفولية . كان الوقت صباحاً نحو العاشرة و هو وقت الفطور كنا في البيت و كان ابي موجود معنا . و بسماعنا الهتافات و الصرخات و التهاليل العالية المجلجلة تخترق الصمت المعهود في هيبان ركض أبي خارجاً من البيت فأسرعت من خلفه دون ان يراني حتي وصلنا شارع هيبان الرئيسي الواقع بين قهوة او مطعم الحاج سعيد و منزل كباشي كودي الذي يطل علي السوق مباشرةً . بوصولنا كان الموكب قد وصل لنفس المكان للتو يتقدمه رجال كبار و شباب لا اذكر اسمائهم . لكنني اسم كجومبي و أظنه الذي كان قائد الموكب هو الذي اتذكره جيداً . توقف الموكب في المكان لبعض الوقت . كان الجميع يلوحون بالعصي و اغصان النيم مشمرين السواعد و حناجرهم تزمجر بهتافات هادرةً زلزلت ارجاء سوق هيبان و المنازل المجاورة . خرجت هيبان و تقاطر كل أهله من ال رجال و نساء و الاأطفال لأستقبال الموكب او المظاهرة و بالاحري جاءوا لأستجلاء الامر و معرفة الحدث . هنا تقدم أورمي كوكو او كومي لخبات كما كانوا يسمونه . نعم تقدم أبي الذي كنت أقف بجواره مدهوش و مخلوع تقدم نحو رتل الموكب مهيئاً اياهم بهتافات لا اذكر كلماتها او معانيها و عانق كجومبي بحرارة الثورة و عنفوان روح الثائرين . في تلك الحظة وصلت قوت من الشرطة و أمسكت أبي و كثيرين من المتظاهرين و غير المتظاهرين ليخطلت الحابل بالنابل . تم ايداعهم مركز او سجن هيبان و من ثم ترحيلهم الي كادقلي . الحدث الثالث سامحوني ان كنت لا اذكر الاحداث و التواريخ و الاشخاص جيداً و لست منحازاً لأشخاص بعينهم لأي سبب الاسباب حتي لو كان الشخص المذكور هو أبي . ذكر الاشخاص هنا فقط هو لأرتباط الاشخاص بلاحداث او علاقتي بالاشخاص قربي منهم و معاصرتي لهم في الزمان و المكان . الحدث الثوري الكبير الثاني الذي اذكره و يذكره أغلبكم هو قفل الطريق الرئيسي بين هيبان و كادقلي عند منطقة أبل و بالاصح عند حجر الاسماء . و حجر الاسماء هو نهاية الجبل الاسود في الاتجاه الجنوبي او مدخل ابل و كوبنق الي الشواية و من ثم كادقلي . هذا المكان عبارة عن مقرح او ممر ضيق و منطقة جبلية يغطيها صخور كبيرة يصعب عبورها بالعربات و المركبات فعرض لايزيد اكثر من مترين و نصف في احسن الحالات . هذا الطريق الوعر و غيره من الطرق الوعرة في جبال تم فتحها في زمن الانجليز بواسطة المشايخ و المكوك بالجهد الشعب الخاص المتعارف عليه بالنفير . اذ يم قطع الاشجار علي طول المسار المراد مسحه و من ثم أزاحة الحجارة و الصخور الكبيرة بعد تكسيرها لتسهيل نقلها . يتم ربط القري مع بعضها لتقريب المسافات بينها المناطق الاخري ببعضها . و تلك كانت العملية الاولي في مشوار التنمية الذاتية البدائية الطويلة جداً التي كلفت الاهالي ما كلفتهم من القوة البشرية و الدفع المقدم من الاموال . كلها كانت ضرائب و تحيات غير محسوبة الاجر في مشوار الثورة و النضال و الكفاح السلمي في جبال قاطبة . تلك كانت جهود جبارة قام بها الاجداد و الاباء بعرق جبينهم دم قلوبهم بل بذلوا في سبيلها أرواحهم تمهيداً و فتحاً مبيناً لما نحن فيه اليوم . فكم نحن مديونين للأشاوأباء و الاجداد و كل الاجيال التي سبقتنا فقد كانوا أطبال أشاوس و جنود مجهولين . الاباء و الاجداد يستحقون منا نصب تماثيل الصمود و التحدي في كل الشوارع القري في جبال النوبة عرفاناً و تمجيداً و تخليداً لما بذلوه و قاموا به . لا اذكر المطالب و لا المظالم التي تقدم بها أهلنا في ابل و كوبنق و أمجن ، و لم يتم تلبيتها او الاستجابة لها حتي اقدموا علي قفل هذا الطريق الحيوي بين كادقلي و هيبان . فقد اقدم شباب ذلك الزمن بعضلاتهم الفتية و سواعدهم قوية مشمرين سواعد الجد اقدموا علي دحرجة صخر كبير جداً الي منتصف الشارع . و كانت تلك الصخرة الجلمودة كافية لقفل وقطع الطريق تماماً بين كادقلي و هيبان . حدث كل ذلك وسط هتافات الشباب الداوية تنادي ب عاش الشعب ، عاش الشعب ، عاش الشعب . وكان لصدي هتافاتهم التي رددتها قمم الجبل الاسود الشامخ الشماء قوة سحرية خارقة خماسية الدفع مكنتهم من قفل الطريق و هم لا يصدقون أنفسهم الي اليوم كيف تمكنوا من فعل ذلك و ما هي القوة الخفية التي ساندتهم علي دحرجتها . ثارت ثائرة الحكومة في هيبان و كادقلي و تم ارسال قوة كبيرة جداً من جنود الشرطة و الجيش لتطويق مناطق ابل و كوبنق و أمجن و هيبان . و تم القبض علي الكثيرين من الاباء الكبار بطريقة انتقامية عشوائية ليزج بهم في سجن كادقلي الكبير . و يعد هذا الحدث التاريخي الصغير المحدود واحدة من اكبر الاحداث الثورية علي الاطلاق في تاريخ الثورات في جبال النوبة قاطبة و في هيبان علي وجه الخصوص. الهب هذا الحدث الروح الثورية لتكون فيما بعد الشرار الاولي للمناداة و المطالبة بالحقوق المدنية في كل ارجاء مناطق هيبان و جبال النوبة ضد القهر و الظلم و الظالمين اينما كانوا و حيثما وجدواً . و تلك كانت بوادر شرارات التنوير الاولي بفكر و ايادي الاجداد و الاباء البيضاء و مساهماتهم الكبيرة القوية دفعاً لمناهضة الظلم و الصلف من الطغاة و رفضاً للخنوع و الاستسلام و الاستلاب . تلك كانت واحدة من ثورات السودان كله لكنهم و لأشياء في أنفسهم يطلقون عليها جوراً و ظلماً ( التمرد ). و ليس في الامر عجب ! فاصل و نواصل .. يوميات كوكو
#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب و السلام
-
الدب الروسي يجتاح و يلتهم اوكرانيا
-
المسافة ما بين الوحدة و الانعزال
-
الملكة اليزابث في يوبيلها البلاتيني الحيوية و الامل المتجدد
-
عرضحال رجل أسمه النور عبدالرحمن( المساحة )
-
في عيد الحب أهدي العاشقين أجمل وردة .
-
كلنا أطفال المايقوما فلنهب لنجدتهم
-
الشاويش ايليا كوكو يترجل الخدمة المدنية بشرف .
-
أثيوبيا المارد الافريقي و بدء توليد كهرباء سد النهضة
-
كل حكومات البرهان الانقلابية ستولد ميتةً لتقبر .
-
الوحش يقتل ثائراً و حواء السودان تلد الف ثائر
-
الي الشبيبة و الشباب في كل مكان
-
الي الشباب و الشبيبة في كل مكان
-
مدنيااااو .. هوالمطلب والبرهان هو الثمن
-
يا البرهان ادوك كم عشان تقلبها دم
-
كاكا هيبان ( فرحه صديق كالو ) لك التحية
-
الشوارع لا تخون البرهان يسقط بس
-
الشوارع لا تخون يسقط البرهان .. البرهان يسقط بس
-
مضحكة جداً حلول البرهان و مجلسيه الصفرية
-
الثوار الاماجد يعتلون اسوار القصر و قلب البرهان في خفقان
المزيد.....
-
فرنسا.. احتجاجات اليسار بعد تعيين المحافظ ميشيل بارنييه رئيس
...
-
اليسار الفرنسي يحتج على تعيين بارنيي رئيسا للحكومة
-
تظاهرات حاشدة لليسار في فرنسا ضد ماكرون وتعيين بارنييه رئيسا
...
-
شرطة الاحتلال تعتدي على متظاهرين بحيفا مطالبين بصفقة تبادل و
...
-
مصادر أمنية تركية: الاستخبارات حيدت -مسؤولة إيران- بتنظيم حز
...
-
البيان الختامي للمؤتمر التضامني مع عاملات وعمال وبريات سمنود
...
-
فرنسا: رئيس الوزراء الجديد اليميني ميشال بارنييه مستعد لضم ش
...
-
صوفيا ملك// فاجعة مدينة القليعة .. -سعيد كرام- شهيد الحرب ا
...
-
أستاذ قانون دولي: مصر الأكثر حرصاً على عقد مصالحة بين الفصائ
...
-
نيلسون مانديلا.. الزعيم المكافح
المزيد.....
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
-
الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|