أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - تحية للضعف














المزيد.....

تحية للضعف


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 29 - 17:02
المحور: الادب والفن
    


"أن لا تتحكم نفس بنفس"، ذاك كان دعاء أمي الثابت الذي طالما كررتْه، في أوقات الفرج كما في أوقات الضيق، كأنها كانت تربط في وعيها، أو في إحساسها، الكثير من الشقاء على هذه الأرض بتحكم النفوس بالنفوس، فتذهب في دعائها إلى الأصل. هذا الدعاء غير شائع، والحقيقة أنني لم أسمعه من غيرها، هي التي كانت بثبات عزيمتها، تستنطق الأرض الشحيحة ما يكفي من القمح والخير لإبقاء عائلة من ثمانية أطفال على قيد الحياة، وتعرف لذلك قيمة احترام النفس.
غالباً ما يكون الدعاء شخصياً أو خاصاً، يستجلب الخير لفرد أو مجموعة محددة. غالباً ما يكون في الدعاء أنانية ما. حتى حين تقول الأم "الله يحمي كل أولاد العالم" فإن قولها هذا يكون مقدمة لتقول "كي يحمي أولادي". أما "أن لا تتحكم نفس بنفس" فهو دعاء عام يتسع للجميع، وهو، فوق هذا، لا يطلب الخير هكذا بصورة مغفلة وبلا ملامح، بل يحدد السبيل إلى الخير، بأن لا تتحكم نفس بنفس.
ليس فقط في السجن، المكان الأكثر فجاجة لتحكم نفس بنفس، يُسترجع هذا القول، بل في كل مناحي الحياة، من التقاليد إلى العمل إلى العلاقات العائلية والحزبية والدينية ... الخ. من أين يأتي التحكم بالنفوس؟ إنه ينبع من فارق القوة. من الطبيعي أن يكره الضعيف حكم القوة، ولكنه إذا ما حاز على القوة الكافية يوماً فإنه سوف يميل إلى التحكم بمن هم أضعف منه. "ما كرهتم الفتونة إلا لأنها كانت عليكم، وما أن يأنس أحدكم في نفسه قوة حتى يبادر إلى الظلم والعدوان"، يقول نجيب محفوظ. ما يمنع الانسان من الظلم والعدوان هو الضعف، ليس بمعناه الضيق، بل بمعنى عدم القدرة على إخضاع الآخرين، لأنهم ليسوا أقل قوة.
الرجل الذي يجد نفسه أعزل تحت رحمة ميليشيات عدوانية ذات خلفيات قومية أو دينية مغايرة لقومه أو لدينه، لن يجد حائطاً يستند إليه سوى القيم الإنسانية الجامعة، يحاول بها أن يحمي نفسه من قوة عارية تهدر كرامته ودمه، يمثلها هؤلاء المسلحون الذين كلما زادت قوتهم، كلما ابتعدوا عن تلك القيم. أي مقاتل في هذه الميليشيات، لو كان في موقع ضعف، لن يجد ما يستند إليه أيضاً سوى القيم الإنسانية نفسها التي تدفعه القوة الآن إلى أن يدوسها بقدمه ويخزقها بحربة بارودته.
القيم الإنسانية هي حليفة الضعيف، وإن تكن حليفة ضعيفة هي الأخرى، فرصيدها لا يعدو وجود "عميل" لها داخل كل نفس، اسمه الضمير. ولكن تحت ضغط الفارق في القوة، تتنكر النفوس لهذا اللب الإنساني الذي نادراً ما يُسمع له صوت مؤثر. لا يكون الانسان حليفاً مخلصاً للقيم الإنسانية إلا في حالة الضعف.
فقط حين يكون الانسان ضعيفاً، يتذكر أن الانسان أخو الانسان. وأن للحقوق حرمتها، وللأعراض حرمتها، وأن الأديان كلها صالحة، فلا ينبغي أن تفرض فرضاً، ولا ينبغي تمييز أحد سلباً أو إيجاباً، بحسب الدين الذي ورثه عن أهله أو بحسب ما يحمل في رأسه من تصورات دينية أو لا دينية أو غير دينية.
فقط حين يكون الإنسان ضعيفاً، تسقط من ذهنه غطرسة الانتماءات الحقيقية أو الموهومة، ويسعى جاداً وبإخلاص إلى الاستواء على أرض واحدة مع غيره، دون نزعة للتحكم والسيطرة.
فقط في حالة الضعف يقدّر الإنسان فعلاً معنى المساواة والحرية والحق. أما حين يحوز على القوة، فإنه سيجد هذه القيم قيوداً ينبغي كسرها. وسيجد المبررات الكافية لإخضاع الناس، وقد يبدو في عيون ذاته رسولاً للخير. إذا أنس الفرد من نفسه قوة فإنه سوف يميل إلى التحكم بالغير وسلبهم حريتهم. هذا طبع أو قانون ثابت يكمن في أساس الاستعباد والاستبداد والسيطرة، على مستوى الأفراد والجماعات والأمم.
المراوغة ومحاولات التملص والصراخ والكتابة الاحتجاجية على الحيطان والسخرية والاخلاق والقوانين والأديان، وسائل يائسة لمواجهة القوة في سعيها الدائم إلى السيطرة والقسر والإخضاع واستباحة الآخرين. المحصلة الدائمة هي الخسارة، سواء في إنسانية النفس المسيطرة، أو في إنسانية النفس الخاضعة. هذه خسارة تدفعها البشرية من أمانها وسعادتها. النتيجة أن النفس المسيطرة سوف تنكر المساواة على طول الخط، وأن النفس المقهورة سوف يدفعها قهرها إلى أن تحلم ليس بالمساواة بل بالسيطرة. حين يشتعل حلمُ العبد، فإنه يتجاوز الحرية في حلمه، إنه يحلم في أن يصبح سيداً على عبيد آخرين، لأنه، في بؤسه، لا يحلم بالمساواة بل يذهب به خياله المقهور إلى الحلم بالسيطرة. أو تبدو له السيطرة هي الشكل الوحيد للحرية.
الضحية النهائية للتحكم بالنفوس وإخضاعها وقهرها، هي قيمة المساواة والحرية، هي الرغبة الفعلية بعلاقات متكافئة، واستقرار النفس على الاحترام الفعلي لحقوق الآخرين. والنتيجة النهائية هي امتلاء النفوس برغبة التحكم والطموح الدائم إلى التغلب والسيادة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات على كتاب -رومنطيقيو المشرق العربي-
- محاكمة أنور رسلان، صرامة القضاء وميوعة السياسة
- في تبعثر الواقع السوري
- ماذا نفهم من قصف مرفأ اللاذقية؟
- ماذا لو كانت مجرد مزحة؟
- في سورية، الصراع الأمني أولاً
- الوطن المنفي
- الشيخ إمام في عالمي المغاير
- تيار يميني يثير ذعر الفرنسيين
- إشكالية -الجيش السياسي- في السودان وغيره
- بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري
- العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
- أسرار الحديقة
- الدولة العميقة والمسارات المستورة للسلطة
- الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة
- السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب


المزيد.....




- وفاة ديان لاد المرشحة لجوائز الأوسكار 3 مرات عن عمر 89 عامًا ...
- عُلا مثبوت..فنانة تشكيليّة تحوّل وجهها إلى لوحة تتجسّد فيها ...
- تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق
- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - تحية للضعف