أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في سورية، الصراع الأمني أولاً















المزيد.....

في سورية، الصراع الأمني أولاً


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7118 - 2021 / 12 / 26 - 12:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مدى عقود، كان تاريخ المعارضة السورية، تاريخ فشل متكرر على خلفية خراب بيوت ومصائب ونكبات طالت معارضين وعائلات ومدناً ثم بلداً كاملاً، دون أن يفضي هذا التاريخ من المواجهة إلى تحسين في العلاقة بين السلطة والمحكومين ورفع ثقل السلطة، ولو بحدود ضيقة، عن صدور هؤلاء. على العكس، وراء كل جولة مواجهة كانت السلطة تتمدد أكثر على حساب المجتمع وتحتل المزيد من هوامش حريته. في سورية الثمانينات زادت وطأة سلطة الأسد عنها في السبعينات، عقب الهزيمة الدموية للحركة الشعبية ذات الطابع الإسلامي الغالب التي واجهت وتحدت سيطرة سلطة الأسد الأب. ويمكن ملاحظة الأمر نفسه فيما يتعلق بوطأة سلطة الوريث في العقد الأول من القرن الحالي، قياساً عليها عقب اندلاع الثورة السورية التي انتهت إلى حطام ثورة قبل أن تتمكن من تحطيم النظام الذي زاد من وسائل سيطرته على محكوميه المنهكين، والذي يرهن اليوم، بعد أن دمر البلاد حرفياً ومجازياً، مستقبل سوريا بمستقبل إعادة تأهيله.
في كل جولة مواجهة مع السلطة يتراجع المجتمع أكثر أمام السلطة الحاكمة، ويبدو كأن المجتمع يدفع الضريبة مرتين، مرة بسبب المواجهة التي أبداها وما يترتب عليها من قمع وبطش مباشرين، ومرة بفعل ارتداد السلطة التالي على المجتمع المهزوم بغرض تحصين نفسها بالمزيد من التضييق والرقابة وسد المنافذ في وجه إمكانات مواجهة تالية. وقد دخل السوريون في هذه التجربة مرتين، مرة في نهاية السبعينات وانتهت بمجزرة حماه في الشهر الثاني من العام 1982، والمرة الثانية مع الثورة السورية التي بدأت في مطلع العام 2011، ولا تزال مفاعيلها مستمرة إلى اليوم.
رغم الفاصل الزمني بين المرتين، ورغم أن هذا الفاصل قد شهد تطوراً مذهلاً في وسائل التواصل والنشر، وشهد انهيار ما كان يعرف باسم "المنظومة الاشتراكية" التي كانت تحتضن نظام الأسد، وما نتج عن هذا التغير العالمي الكبير من تراجع الأيديولوجيا الاشتراكية وتقدم المطلب الديموقراطي في العالم، وزيادة الوعي به، وتحول معظم الدول الأعضاء في المنظومة السابقة، إلى الديموقراطية، نقول رغم كل ذلك، فإن التجربتين، مع الأسد الأب ووريثه، تتشابهان في الخط العام وفي النتائج. في الحالتين يسقط الاحتجاج ولا يسقط النظام، وفي الحالتين تضيق هوامش الحرية وتزداد سيطرة الدولة على المجال العام عقب محاولة التغيير.
إذا افترضنا أن مشكلتنا في التجربة الأولى (1979-1982) كانت في الأحزاب الأيديولوجية التي شغلت ساحة المعارضة السورية خلال العقود التي كان يتكرس فيها على نحو متزايد استعمار الدولة على يد طغمة أسدية وتحويل سوريا إلى "سوريا الأسد"، فما هي مشكلتنا في التجربة الثانية التي كانت صيحتها الأعلى رفض الأيديولوجيات؟
من نافل القول إنه لا توجد سياسة بدون إيديولوجيا، ببساطة لأن البشر ليسوا قطعاً مادية صماء تتحرك وفق قوانين فيزيائية، فلكي تسوس البشر تحتاج إلى تقديم "مبرر" ما لما تفعله، وليست الأيديولوجيا السياسية سوى صناعة هذه المبرر، حتى لو كان بسيطاً مثل "مكافحة الإرهاب" أو ضرورة طاعة أولي الأمر، من جهة السلطات، أو الحرية أو تحكيم الشريعة، من جهة المعارضات. ولكن قد تفهم الأيديولوجيا على أنها نسق كلي من الأفكار التي يجري فرضها على الواقع، فهي تنتهي، والحال هذا، إلى إعطاء الفكر أولوية على الواقع، وإلى أنها لا تتسع لقبول نسق فكري آخر. بهذا المعنى تكون الأيديولوجيا مرفوضة بحق.
ليست الغاية هنا مناقشة مفهوم الأيديولوجيا نفسه، ولا نقد فكرة "نهاية الأيديولوجيا" التي دافع عنها دانييل بيل منذ 1961، في كتاب يحمل هذا العنوان. بل تسعى السطور التالية إلى نقد قول دارج ينسب فشلنا العام إلى سيطرة الأيديولوجيات، ذلك أن هذا القول يقفز فوق السؤال: أي قيمة للأيديولوجيا في ظل نظام يحيل كل صراع في المجتمع إلى صراع أمني؟
لنسأل: هل كان يمكن لمعارضة أخرى "غير إيديولوجية" أن تنجح في تغيير نظام الأسد الأب، أو على الأقل في عرقلة مسعاه إلى تطويب البلد باسم عائلته؟ هل كانت المشكلة فعلا في الأحزاب الإيديولوجية؟ أو في انفصال التيارات السياسية المعارضة، عن الواقع وعدم تطابقها مع الإطار الوطني؟ وما هو تفسير غياب الأحزاب أو القوى "غير الايديلوجية" في تلك المرحلة؟ وما قيمة الأيديولوجيا أو غيرها حين يكون أي قول ناقد، حتى لو كان قصيدة، تحت مرمى العنف المباشر؟
فشل الأحزاب التي عارضت سلطة الأسد الأب، يصعب رده إلى أيديولوجياتها، بل إلى تصفيتها المادية بسبب مواقفها السياسية غير الموالية. لم يسجن الشيوعيون مثلاً لأنهم يؤمنون بأيديولوجيا شيوعية أو ينشرونها، بل لأنهم معارضون، والحال نفسه ينسحب على الإسلاميين (الإخوان المسلمون) وعلى القوميين (23 شباط، بعث العراق). بالمقابل، استوعب نظام الأسد، بكل قبول، أحزاباً تحمل أيديولوجيات مغايرة لأيديولوجيا البعث (إسلامية، وقومية، وشيوعية) لأنها كانت موالية. لم يُسجن ويُعدم الإخوان المسلمون لأنهم لا يؤمنون بالقومية العربية، أو لأنهم إسلاميون، بل لأنهم غير موالين. ولا يترتب على هذا الخيار السياسي المعارض مواجهة سياسية مع السلطة، بل مواجهة أمنية.
الضعف الأمني لهذه الأحزاب، وليس شمولية أيديولوجياتها أو اغترابها عن الواقع أو أي شيء آخر، هو ما جعلها ضحية سهلة لأجهزة أمن كلية القدرة، تمتلك كل القدرات التي توفرها الدولة، ومنفلتة في الوقت نفسه من أي قيود قانونية أو سياسية. هذه الأجهزة لا تصنف الأحزاب والقوى والأفراد بمعيار أيديولوجي بل بمعيار الولاء والتبعية. على هذا، يُفرض على القوى السياسية خوض صراع أمني لا قدرة لها عليه، وهو صراع يحيل الصراع الأيديولوجي، وحتى السياسي، إلى ملحق ضامر. لا يهم لماذا تعارض أو على أي خلفية فكرية أو وفق أي سبل، المهم أنك تعارض، هذه هي الرائحة التي تحرك الغريزة الأمنية لافتراسك.
الآلية التي كوفحت المعارضة السياسية بها طوال زمن الأسد الأب، هي نفسها التي اشتغلت في مرحلة الثورة على الوريث، مضافاً إليها "تطويرات" فرضتها شدة المواجهة وتعقيدها. حين يسيطر العنف على المجال السياسي، يصبح الكلام عن صراع أيديولوجي أو حتى عن صراع سياسي، ضعيف المعنى.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن المنفي
- الشيخ إمام في عالمي المغاير
- تيار يميني يثير ذعر الفرنسيين
- إشكالية -الجيش السياسي- في السودان وغيره
- بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري
- العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
- أسرار الحديقة
- الدولة العميقة والمسارات المستورة للسلطة
- الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة
- السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله
- الحديقة في المنفى
- أصوات سورية تعلو بالخيبة
- أفغانستان وظاهرة التنكر الوطني


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في سورية، الصراع الأمني أولاً