أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية















المزيد.....

السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7057 - 2021 / 10 / 25 - 13:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشكل تجدد المظاهرات في السودان وبأعداد كبيرة توصف بأنها الأكبر في تاريخ البلاد، استمراراً لصراع ناظمه الأساسي هو إعادة الجيش إلى دوره العسكري بعيداً عن السياسة، ووضعه تحت إمرة سلطة مدنية، وهذه خطوة أساسية باتجاه بناء نظام ديموقراطي في أي بلد، الأمر الذي يلخصه شعار "يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية".
على أن العداء للديموقراطية ليست فقط صنعة الجيش الذي يسعى إلى حقن نظامه الداخلي في المجتمع وتحويله بالتالي إلى نظام تراتب وطاعة، بل هناك أيضاً قوى مدنية لا تقل عداء وعرقلة للمسار الديموقراطي، على ما شهدنا في تونس، حيث عمل رئيس مدني على جر قوات الأمن والجيش، التي حافظت على مسافة تفصلها عن الصراعات السياسية في البلد، إلى مواجهة مع الأحزاب "المدنية"، في مخاطرة يمكن أن يدفع الرئيس نفسه ثمنها حين تستثار شهية الجيش للسلطة، فالشهية تأتي مع الأكل، كما يقول المثل، والديكتاتورية تليق بعسكري أكثر مما تليق بحقوقي مدني. هذا مما يؤكد صحة قول رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك، الذي يواجه، مع حكومته، الضغط الكبير المعادي للديموقراطية، عندما قال إن الصراع الدائر حالياً ليس صراعاً بين عسكريين ومدنيين، بل بين من يؤمن بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين، وبين من يسعى إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين.
تميزت الثورة السودانية، قياساً على الثورات العربية الأخرى، بأنها أولاً، توفرت على قيادة تتكلم باسم الجمهور المنتفض، وتمون على هذا الجمهور، هذا يعني أنها كانت قادرة بالتالي على أن تترجم طاقته الثورية إلى مكاسب سياسية، وثانياً أن هذه القيادة أخذت في الحسبان توازنات القوى وحساسيات الصراع ودخلت في تسويات معقولة يمكن تطويرها ودفعها، بالنضال المستمر، نحو المزيد من الانفتاح على الشعب، أو المزيد من تحرير العلاقة بين السلطة والشعب، وهو ما يعني إعادة العسكر إلى ثكناتهم وجعلهم تحت سيطرة مدنية. في هذا تجاوزت الثورة في السودان مطبات سياسية، من أهمها الدخول في صراع كسر عظم لا تتوفر عناصر حسمه، أدت إما إلى إغراق الثورة بالدم، أو إلى تشتتها وضياع ريحها.
بدوره لم يتمكن نظام البشير من الحفاظ على حشد الجيش معه في قرار قمع الاحتجاجات بأي ثمن. وقد ساهمت، في الوصول إلى هذه النتيجة، سعة نطاق الاحتجاجات وانتظامها المشترك على خط سياسي عام، مع الاحتراق السياسي للبشير دولياً (مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية منذ 2009 بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح الذي اندلع في دارفور في 2003) ما جعل الجيش أقل تمسكاً بالبشير، مع الطموح السياسي لزعيم "قوات الدعم السريع" الذي انقلب على صاحبه، بعد أن كان ذراعه الأيمن في ارتكاب المجازر والجرائم في حرب دارفور. هكذا انقلب الجيش على الرئيس المنتهية صلاحيته، بزعم مناصرة الثورة. المحصلة بروز قوتين: قوة مدنية، هي مادة الثورة الأساسية، تؤطرها بشكل أساسي: "قوى الحرية والتغيير" و"تجمع المهنين السودانيين"، وأخرى عسكرية، انقلبت على الرئيس، وشكلت مجلساً عسكرياً غايته الحفاظ على واحد من الأمراض العربية المزمنة، نقصد الحضور السياسي للجيش في إدارة المجتمع.
انتهى تنازع القوتين المذكورتين في آب/أغسطس 2019، بعد المجزرة التي ارتكبها المجلس العسكري بحق اعتصام القيادة العامة قبل حوالي شهرين (حزيران/يونيو 2019)، إلى الاتفاق على وثيقة دستورية لتنظيم عملية الانتقال الديموقراطي، وفيها تقاسم للسلطة بين المجلس العسكري والقوى المدنية. الوثيقة الدستورية هي ثمرة كفاح متواصل ضد سيطرة الجيش السوداني الذي ما كان ليقبل بالوثيقة لولا الحضور الشعبي والجاهزية الدائمة للحضور.
المظاهرات المليونية في السودان اليوم هي القوة الديموقراطية المدنية في سعيها إلى فرض تنفيذ الوثيقة الدستورية، التي يسعى الجيش للتنصل منها مع اقتراب موعد تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين في نيسان/أبريل 2022. وهذا درس آخر تقدمه الثورة السودانية، وفيه فائدة للسوريين اليوم، وهو أن الوثائق والعهود والدساتير ليست إنجازاً بحد ذاتها، مهما بدت معقولة وعادلة، فلا بد من فرض احترام بنودها والتقيد بها، ولا قوة لدى الثورة غير الحضور الشعبي في الميدان، في حين أن الجيش، بحكم تكوينه، يمتلك دائماً قوته الجاهزة للانقضاض على الحقوق "الورقية" أو السائبة، أي الحقوق التي لا تجد من يدافع عنها.
محاولة الانقلاب التي جرت في 21 أيلول/سبتمبر الماضي في السودان، لم تكن سوى تجربة لجس نبض الشارع، لمعرفة جاهزيته في الدفاع عن السلطة المدنية. على هذا، لم يأت فشل الانقلاب المذكور من وقوف الجيش ضد محاولة الانقلاب، لقد كان من البديهي أن تفشل تلك المحاولة، لأن نجاحها كان سيعني إزاحة سيدي المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" عن المشهد. لكن الغرض من جس النبض ذاك، هو قياس مدى قبول الشارع السوداني لانقلاب المجلس العسكري (البرهان، دقلو) على السلطة المدنية. أي إن الخطر الفعلي على الإنجاز الديموقراطي في السودان، ليس في انقلاب الجيش على المجلس العسكري، بل في انقلاب المجلس العسكري على الحكومة المدنية، ولاسيما مع تكرار قادة المجلس العسكري القول إن المدنيين هم السبب في الأزمة الراهنة.
لكن يبدو أن عسكر السودان لمسوا أن سبيل المسار الانقلابي ليس سالكاً، سواء بسبب المواقف الخارجية، أكان موقف الاتحاد الافريقي أو الموقف الأميركي، أو بسبب الجاهزية الشعبية، فاختاروا "السياسة"، أولاً من خلال الرهان على تفتت القوى المدنية، وهناك بعض علامات لهذا التفكك مثل انشقاق قوى عن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وموقف الحزب الشيوعي السوداني. ثانياً من خلال ترتيب مواكب موالية للجيش تطالب بتوسيع الشراكة بغرض إدخال قوى أخرى مساندة للجيش، وخلق حالة شارع ضد شارع. ثالثاً من خلال بعض الإجراءات الخشنة مثل تقييد حركة بعض الوزراء وبعض مسؤولي (لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد) التي تهدف إلى تفكيك النظام القديم، إضافة إلى عرقلة عمل اللجنة بإصدار تعليمات بانسحاب القوات العسكرية التي تقوم بمهمة حراسة العقارات والأصول المستردة من عناصر النظام القديم.
كل هذا يشير إلى أن خطر انقلاب الجيش على الوثيقة الدستورية يبقى قائماً ويعززه تشتت القوى الديموقراطية وتباين مواقفها في الصراع الجاري، وهو ما قد يكلفها غالياً ويعيد دورة الصراع إلى نقطة البداية.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله
- الحديقة في المنفى
- أصوات سورية تعلو بالخيبة
- أفغانستان وظاهرة التنكر الوطني
- موت البرامج السياسية
- انقسام جديد بين السوريين
- لكي تكون الديموقراطية ممكنة
- في الحاجة إلى مركزية مضادة
- العرض التونسي للمشاهد السوري
- -نريد وطناً-
- هل يمكن تجاوز الانقسام السوري؟
- بين إرهاب قادر وإرهاب قاصر
- عن العنف وصعوبة السياسة
- الجزائر اليوم، سوريا المستقبل


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية